- موضوع الدستور :
علمنا مما تقدم المقصود بالدستور كقانون وما هي خصوصيته ومن أين جاءت هذه الخصوصية وما أدت إليه هذه  الخصوصية من التوصل إلى قانون متميز عن غيره من القوانين. وتأتي خصوصية الدستور من كونه يعد قانونا حاله حال القوانين الأخرى من حيث توافر فكرة وفلسفة القوانين فيه، لكنه مميز عن بقية القوانين من حيث الأشخاص المخاطبين بأحكامه ، حيث إنه يخاطب الحكام. وقد ترتب على ذلك اتصافه بشكل خاص يميزه أكثر عن بقية القوانين ويفعل الفلسفة التي يقوم عليها، أي إن مخاطبته لفئة الحكام هي التي تعطيه هذه المكانة، ولكن ماهي الموضوعات التي يخاطب الدستور الحكام بصددها؟
تختلف موضوعات الدستور من دستور دولة إلى أخرى (باختلاف الدساتير وتعدد الدول) حيث إن التنظيمات الدستورية تختلف وتتباين من دولة إلى أخرى، ولكن على الرغم من التباين في الدساتير بين الدول نجد أن هناك قواعد تنظيمية عامة وشاملة نابعة من فلسفة الدستور بشكل عام والهدف الذي يسعى إلى تحقيقه، وتحدد هذه القواعد موضوعات معينة للدستور بشكل عام( [34]).
وعند تفحص الدساتير نجد أن هناك موضوعات معينة تعنى بها الدساتير، وهذه الموضوعات منها ما تجمع الدساتير على الاعتناء بها ومنها ما تعنى بها غالبية الدساتير دون الأخرى، وهناك موضوعات لا تعنى بها إلا القليل من الدساتير. وبالمقارنة مع ما تقدم نجد أن الفقه الدستوري بدوره يجمع على موضوعات معينة كموضوعات للدستور وتختلف في موضوعات أخرى، وتتجسد هذه الموضوعات في ثلاث نقاط اختصاص، الأولى هي تنظيم السلطة وما يتعلق بها، والثانية حقوق وحريات الأفراد وضمانها، والثالثة تتعلق بالتعبير عن فكرة القانون الموجهة لنشاط الدولة.
 
أولاً- تنظيم السلطة :
يعد تنظيم السلطة الموضوع الأساس للدستور، وان مضمون هذا الموضوع يتفق مع فلسفة الدستور كقانون ، حيث إنه من المعروف أن فكرة القانون بشكل عام تقوم على أساس التنظيم ، ويختلف محل هذا التنظيم من قانون إلى آخر. والتنظيم الذي يعنى به الدستور هو تنظيم السلطة الذي له دور كبير في النظام القانوني للدولة بشكل عام حيث تعد عنصراً أساسيا ومهما لوجود الدولة. ويكون هذا التنظيم ابتداءً بتنظيم السلطة بحسب مفهومها العضوي ، أي هيكليتها وتكوينها، ويكون ذلك بتقسيم السلطة  إلى عدة سلطات بحسب الاختصاص وتحديد اختصاصات كل منها ومن ثم تحديد ورسم الكيفية التي تمارس بموجبها هذه السلطات اختصاصاتها وتنظيم ذلك فضلاً عن تنظيم العلاقات القائمة بين هذه السلطات( [35]). أي إن الدستور يعنى بتعيين الحكام وممارستهم لاختصاصاتهم بشكل منظم إذ انه من المعروف انه ليس لأي شخص في الدولة أن يصدر أمرا أو يقوم بعمل قانوني إلا إذا كان مخولا بالقيام بذلك بشكل نظامي. أي انه لابد لمن يحكم من صفة قانونية تخوله مباشرة مهمة الحكم، والدستور هو الذي يحدد هذه الصفة.
حيث إن الدستور يتولى مهمة تحديد الأشخاص الذين تمثل إرادتهم إرادة الدولة أو بتعبير أدق إرادة السلطة ويكون هذا التحديد بشكل قانوني يختلف عن الصور الأخرى التي يمكن من خلالها تحديد هذه الإرادة، حيث انه من المعروف انه يمكن لهذا التحديد أن يتخذ من الناحية السياسية أشكالا وصورا مختلفة. وأيا كان الشخص الذي ينصب عليه التحديد فانه يكتسب صفة عضو في السلطة أو هيئة من هيئاتها. وعلى سبيل المثال عندما يقرر الدستور إن السلطة التشريعية يمارسها مجلس النواب فإنه بذلك يعني أن إرادة الأفراد المنتخبين لمجلس النواب تنوب عن الدولة فيما يتعلق بالشؤون التشريعية. أي إن الدستور كان هنا هو الأساس في امتيازات الحكام المسؤولين عن مهمة التشريع في الدولة( [36]) . أي إنه هو الأساس في مشروعية قيامهم بهذه المهمة ضمن الحدود المقررة فيه. وعلى هذا الأساس أيضاً يكون الدستور هو الحد لمشروعية ممارسة الحكام لنشاطهم بحيث يكون أي خروج عن الحدود المرسومة خروجاً عن المشروعية الممنوحة ودخولاً في اللامشروعية.
وكنتيجة لما تقدم يمكن من خلال الدستور التعرف على طبيعة الدولة أو أنواعها من حيث كونها دولة موحدة أو مركبة، وكذلك التعرف على نظام الحكم من حيث كونه نظام حكم جمهوري أو ملكي وكذلك فيما يتعلق بالنظام من حيث كونه ديمقراطياً أو دكتاتورياً أو برلمانياً أو رئاسياً( [37]).
 
ثانياً - حقوق الأفراد :
يذهب غالبية الفقه إلى أن حقوق الأفراد وضمانها تعد من موضوعات الدستور فضلاً عن تنظيم السلطة( [38]). لا بل هناك من يذهب إلى إن هذه الحقوق تعد من صميم هذه الموضوعات( [39]). ويتناول الدستور هذه الحقوق كوسيلة قانونية لتحقيق غاية ألا وهي ضمان إعمال هذه الحقوق وصيانتها من الاعتداء والانتهاك ، وقد تطور تناول الدستور لهذه الحقوق مع تطور فكرة هذه الحقوق ومدى الاهتمام بها ، فقد كان تناول الدساتير لهذه الحقوق على أساس تحديد مجال معين لهذه الحقوق لا يجوز للسلطة أن تتجاوز عليه ، أي تحديد مدى سلطان الدولة على الأفراد( [40]).
وتطور الأمر إلى فرض قواعد معينة يجب على السلطة التقيد بها في عملها ويمثل ذلك ضمانات لهذه الحقوق. ومن ثم تطور الأمر فيما بعد إلى إيراد قواعد يجب على الدولة الإسهام في إعمالها في سبيل تطبيق وتفعيل هذه الحقوق . أي إن إيراد حقوق الأفراد في الدستور ليصبح مبررا للتدخل الإيجابي في سبيل إعمالها بعد أن كان مجرد قيد أو حد فاصل يمنع الدولة من التدخل ضد هذه الحقوق. وبحسب هذا المفهوم تطور الاهتمام أكثر لكي يصبح النص على هذه الحقوق في الدستور يعني ترتيب واجب على الدولة للتدخل الإيجابي لتحقيق وتفعيل هذه الحقوق( [41]). وتتضح العلاقة بين تطور الاهتمام بحقوق الإنسان وإيرادها في الدساتير باعتبارها من موضوعاتها الأساسية من خلال التطور في كيفية تناول الدساتير لهذه الحقوق. حيث إن المرحلة الأولى كانت قد شهدت تناول الدساتير لهذه الحقوق على شكل إعلانات خاصة أو في مقدمات الدساتير أو في الديباجة ، وتطور الأمر بعد ذلك ليدخل في صميم متن الدستور أسوة بالمواد الدستورية المتعلقة بتنظيم السلطة. ويتأكد كون هذا التحول يمكن أن يعتبر تطوراً بأن المواد المتعلقة بحقوق الأفراد والواردة خارج متن الدستور كانت محل خلاف فقهي حول مدى اعتبارها ضمن الدستور أم إنها تتعلق بموضوع من موضوعات الدستور. أما المواد الداخلة ضمن متن الدستور فإنه ليس هناك مجال أصلاً للاختلاف القانوني بصددها من حيث كونها غير داخلة في المتن أو كونها ليست من موضوعات الدستور.
 
ثالثاً- بيان الإيديولوجيا التي تقوم عليها فكرة القانون في الدولة :
من المعروف أن القانون ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية، وهو بهذا المعنى يتخذ عدة صور من ضمنها صورة الدستور. وهذه الوسيلة يتم إيجادها في سبيل تفعيلها من أجل تحقيق أهداف معينة تهم المجتمع ، وتختلف كيفية الإيجاد والتفعيل بحسب الأفكار العليا للدولة أو فلسفتها في كيفية الوصول إلى تحقيق الأهداف التي تهم المجتمع والتي وجد القانون في سبيل الوصول إليها، وهذه الأفكار أو الفلسفة يطلق عليها تسمية إيديولوجيا( [42]). التي تتعلق بأهم المجالات في حياة مجتمع الدولة وهي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولأهمية الإيديولوجيا ودورها في إقامة وتوجيه فكرة القانون في الدولة وبالتالي توجيه نشاط السلطة وتنظيمه وهي المهمة الأساسية للدستور نتساءل حول كون هذه الإيديولوجيا تعد من موضوعات الدستور؟.
لقد اختلف الفقه في إجابته لهذا التساؤل بين مجيب بالإيجاب وبين مجيب بشكل سلبي . حيث يذهب جانب من الفقه إلى حصر موضوعات الدستور بحسب طبيعتها أو جوهرها بتلك الموضوعات التي تتعلق بتنظيم السلطة وكيفية ممارستها وحقوق الأفراد وحرياتهم، ويخرج الموضوعات التي تتعلق بالتنظيم الاجتماعي والاقتصادي للدولة من ضمن هذه الموضوعات وذلك على اعتبار أن هذه الموضوعات حسب وجهة نظرهم لا تتعلق بالتنظيم السياسي أو السلطات العامة، ومن ثم فإنها تخرج من عداد موضوعات الدستور بطبيعتها أو جوهرها، وإنها ليست إلا عبارة عن أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية يوجهها المشرع الدستوري إلى المشرع العادي كي يلتزم بها الأخير ويتقيد باتجاهها عند القيام بعملية سن وإصدار تشريعات اقتصادية أو اجتماعية. أو إن هذه الأهداف توجه السلطة للتقيد بها عند رسم السياسة العامة للدولة( [43]).
في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى أن تحديد الاتجاهات الإيديولوجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية يعد من موضوعات الدستور وذلك بحسب طبيعتها وجوهرها، لا بل يذهب بعضهم إلى إن هذه الموضوعات من صميم الموضوعات الدستورية من حيث الطبيعة والجوهر( [44]). حيث يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى إن هذه الاتجاهات السياسية  والاقتصادية والاجتماعية تؤثر بشكل كبير في مسألة تنظيم وتوجيه السلطة بشكل يؤدي بها إلى تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها . وممن ذهب بهذا الاتجاه الأستاذ (Georges Burdeau ) حيث تطرق عند حديثه في موضوع الدستور إلى (إن الدستور إنما يبين بصفة عامة كيفية ممارسة السلطة، وهذا التنظيم إنما يتمثل في مجموعة القواعد التي تبين وضع السلطات الحاكمة في الدولة وطبيعة وأهداف نشاطها السياسي. وإن الدستور يكون له مضمون مزدوج ، فهو يحدد أولاً الأشخاص والهيئات الحاكمة التي يكون لها القدرة على التصرف واتخاذ القرارات باسم الدولة،ويحدد لهم اختصاصاتهم وكيفية ممارستها. وثانياً يحدد مذهب التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي تمثله السلطات الحاكمة وكذلك الاتجاه القانوني أو الإيديولوجي الذي ينبغي أن تعمل في إطاره منظمات وسلطات الدولة)( [45]). ومما تقدم يبدو إنه غالباً مايتم الإتيان بدستور جديد عند وجود الرغبة بتغيير الأوضاع العامة في الدولة بشكل شامل، ويكون ذلك بالإتيان بأفكار وإيديولوجيات جديدة لتنظيم المجتمع وتحديد أهداف معينة يسعى إلى تحقيقها، وتكون الوسائل الطبيعية المعروفة لخلق اتجاه معين من التنظيم في المجتمع عن طريق القوانين التي تتعلق بنواحي الحياة كافة وتشملها بالتنظيم، وإن ما يسير القوانين كافة لتحقيق أهدافها ويوجهها هو الدستور، أي إن الدستور هو الوسيلة الأساسية العليا التي تسير الوسائل الأخرى كافة للتنظيم باتجاه تفعيل الإيديولوجيا الجديدة وتحقيق الأهداف. لذلك نجد أن صياغة هذه الوسيلة يتم على أساس الإيديولوجيا الجديدة أو الإيديولوجيا السائدة والمراد لها التطور والترسيخ والبقاء. وإذا كانت صياغة الدستور كما تقدم فإن هذا يعني إن مواد الدستور سوف تكون محققة للإيديولوجيا وإنه يتجه في تحقيق وظائفه الأساسية المعروفة (تنظيم السلطة، وضمان حقوق الأفراد) في ضوء الإيديولوجيا التي يتأثر بها، وإن لهذه الوظائف نصوصاً صريحة ومباشرة تخص أداء هذه الوظائف وإنه من خلال أدائها تتحقق أهداف الدستور المبتغاة التي حددت الإيديولوجيا كيفية الوصول إليها. والسؤال الذي يثار هنا هو حول وجود مبرر لإيراد إشارة إلى الإيديولوجيا بشكل مباشر وصريح بين مواد الدستور؟ ، والسؤال الثاني حول ما إذا كانت مثل هذه الإشارة تعني إن تحديد هذه الإيديولوجيا في الدستور يعد من وظائف الدستور؟
كما يختلف الفقهاء حول اعتبار تحديد الإيديولوجيا التي تقوم عليها فكرة القانون في الدولة من موضوعات الدستور، وتختلف الدساتير في النص على ذلك، فهناك دساتير تنص على ذلك صراحة في حين هناك دساتير لا تنص على ذلك، وبناء على ما تقدم بخصوص كون الدستور هو أداة لتحقيق أهداف معينة وإن تحقيق هذه الأهداف يتم بموجب أسلوب إيديولوجيا معينة تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف ، فإن هذا الدستور بموجب ذلك سوف لن يكون بعيداً عن تحديد هذه الإيديولوجيا ، ولكن هذا التحديد قد يختلف حيث إنه إما أن يكون صريحاً ويكون ذلك عند الإشارة الصريحة في نصوص الدستور إلى الإيديولوجيا التي تقوم عليها فلسفة الدستور، ومن ثم الخط العام لفكرة القانون والتنظيم في الدولة. وقد لا يشير الدستور صراحة إلى ذلك ولكن يمكن التعرف على الإيديولوجيا بشكل ضمني من خلال قراءة مواد الدستور التي تكون متجهة إلى تحقيق أهداف الدستور بموجب إيديولوجيا مشار إليها ضمناً، حيث إن الأثر الأول للإيديولوجيا في الدستور يكون في مرحلة صياغة نصوصه، إذ إنها تصاغ بشكل يحدد بموجب الإيديولوجيا الفكرية والفلسفية الجديدة أو القائمة والمراد لها البقاء والترسيخ والتي تؤسس فكرة القانون في الدولة من خلال الدستور.
ويصار إلى الإشارة الصريحة إلى تحديد الإيديولوجيا في الدستور في سبيل تحقيق ضمانة أقوى للسير في تأسيس فكرة القانون في الدولة على أساس الإيديولوجيا المطلوبة وضمان السير في تطبيق القانون على هذا الأساس، ويكون ذلك عند وجود خشية من إمكانية الانحراف عن الإيديولوجيا أو عدم تطبيقها بشكل جيد. وتظهر الحاجة بشكل ملح إلى الإشارة الصريحة عند تطبيق إيديولوجيا جديدة أو عند وجود الرغبة في الاستمرار بتطبيق إيديولوجيا يخشى من احتمال التراجع عنها.ولكن وأمام هذه الأهمية لتحديد الإيديولوجيا نتساءل، هل إن تحديد الإيديولوجيا في الدستور يعني كون ذلك يعد من موضوعات الدستور؟
إن تحديد فكرة القانون في الدولة والإيديولوجيا التي يقوم على أساسها يعد من موضوعات الدستور وهذا تحصيل حاصل بالنسبة إلى الدستور. ويستوي في ذلك عند الإشارة الصريحة أو الضمنية. ولكن هذا الموضوع الذي يعالجه الدستور يختلف عن بقية الموضوعات وذلك لإمكان معالجته ضمناً فضلاً عن الإشارة الصريحة، ومن ناحية أخرى حتى عند الإشارة الصريحة فإنه لا يتضمن مجموعة نصوص قانونية تطبق بشكل مباشر بخصوص هذا الموضوع . حيث إن الأمر يكون على أساس إيراد نص أو أكثر يحدد هذا الموضوع ويشير إليه صراحة دون أن يتضمن آليات تطبيق مباشرة كما هو الحال في موضوعات الدستور الأخرى. بل إنه يتضمن محتوى يفيد بوصول تطبيق أحكام الدستور على النحو الذي تقضي به الإيديولوجيا المؤسسة لفكرة القانون، وتتحقق هذه المهمة بشكل أكثر وضوحاً عند الإشارة الصريحة إلى ذلك، والتي تعبر عن روح الدستور وما يجب السير عليه عند تطبيق أحكام الدستور كافة. حيث إنه إذا كانت الإيديولوجيا تؤثر في الدستور عند التأسيس والصياغة فيكون ذلك بأن تكون مهمتها في حينه رسم الخطوط العريضة لمسار الدستور أو القانون في الدولة، أما عند تحديد الإيديولوجيا صراحة في الدستور فتكون مهمتها تحديد كيفية السير في هذا المسار.
ونستنتج من كل ما تقدم أن الموضوعات التي تقدم ذكرها تعد موضوعات للدستور وترتبط بشكل مباشر بطبيعته وفلسفته والغاية من وجوده، وحتى إذا فرضنا إن موضوع الدستور يقتصر على تنظيم السلطة فنجد أن الموضوعات الأخرى ليست ببعيدة عن هذا الموضوع بل إنها مرتبطة به بشكل وثيق، حيث إنه لو افترضنا إن الموضوع هو تنظيم السلطة فقط، فنتساءل لماذا تنظيم السلطة ولمصلحة  من هذا التنظيم؟ ألا يعني تنظيم السلطة تقييدها وتسييرها على نحو معين يقضي به الدستور؟ ولما كانت الإجابة بالإيجاب فلمصلحة  من هذا التقييد ؟ حيث إنه من المعروف إن تقييد طرف معين لابد وأن يكون لمصلحة الطرف الآخر الداخل معه في العلاقة، حيث أن زيادة التزامات أحد الأطراف لابد وأن يكون لمصلحة  زيادة حقوق الطرف الآخر، ولما كان الطرف الآخر في المجتمع هو الأفراد فإن تنظيم السلطة أو تقييدها يعني زيادة حقوقهم أو بمعنى أدق الحفاظ على حقوقهم من مساس السلطة بها. ولكي تترسخ هذه الحقيقة بشكل أكثر صراحة تأتي الدساتير بنصوص خاصة بحقوق الأفراد لضمان تحقيق ما تقدم وتعد ذلك من موضوعات الدستور. وكذلك الحال لبيان الإيديولوجيا التي تقوم عليها فكرة القانون في الدولة حيث إن تحديدها أمر مهم يعكس الكيفية أو الروحية التي توصل إليها المجتمع كأسلوب للوصول إلى تحقيق أهدافه القريبة التي من خلالها يتم الوصول إلى تحقيق الأهداف العليا.