بسم
الله الرحمن الرحيم



توثيق
عقوبات بيع قطع بالمزاد المقفول



كتبه
/عبد الرحمن يسن المبارك






كتب السيد النائب العام للسيد رئيس القضاء أنه
تلقى خطاباً من محافظ الخرطوم بشأن السياسة الإسكانية الجديدة التي تهدف
إلى الحد
من ظاهرة انتقال ملكية قطع الأراضي السكنية التي تمنح في المزادات المقفولة
،
بالرغم من القيد المانع من التصرف في تلك الأراضي الذي تنص عليه عقودات –
حكرها –
ومما يشجع على تلك التصرفات توثيق تلك العقود بواسطة المحامين مما يضفي
عليها سنداً من الشرعية فيما بين أطرافها على الأقل ، وأنه يكتب إلى السيد
رئيس
القضاء مستهدياً برأيه.


نود أن نقرر ابتداء أن أي تصرف في أراضي
الحكر يخضع لشروط عقد الحكر ونصوص قانون تقييد تصرف السودانيين في الأراضي
{1}
. ونصـوص
قانون تسوية الأراضي وتسـجيلها {2} . فهنالك عقودات حكر تمنع
التصرف بشكل
عام وهنالك عقود تخضع التصرف لموافقة المحافظ {3} . فالأولى لم يثور حولها جدل
إذ أن أي
تصرف يقع باطلاً لكونه محظوراً " صراحة " أما التي تخضع التصرف لموافقة
المحافظ ثار حولها جدل فقهي . لخصته المحكمة العليا {(4)}
فيما نصه ( لقد قضت محاكمنا في كثير
من المنازعات المماثلة التي عرضت أمامها بأن الحصول على تصديق المحافظ على
تصرف
المواطنين في الأراضي الحكر أمر ضروري وحتمي لنفاذ العقد وأن البيع قابل
للإبطال
إذا لم يوافق المحافظ عليه ومع أن بعض الأحكام قد ذهبت لأبعد من ذلك وقضت
بأن
التصرف في الأراضي الحكر باطل إذا لم يسبقه تصديق المحافظ {(5)}
، فقد
استقر القضاء على أن التصرف صحيح ويجوز الحصول على التصديق في أي وقت لاحق
غير أن
رفض السلطة المحلية الموافقة على التصرف يبطله ويجعله كأن لم يكن).


لقد أوضحت المحكمة العليا الخلاف في الرأي بين
المحاكم حول التصرفات التي تتم في الأراضي الحكر دون موافقة المحافظ مسبقاً
– هل
هو تصرف باطل ابتداء أم أنه ينعقد صحيحاً ويكون نفاذه متوقفاً على إجازة
المحافظ فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل بأثر رجعي {(6)}.
وأعيد
المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد. ومهما يكن من أمر هذا
الخلاف
– إلا أن الإجماع صريح بين المحاكم على ضرورة الحصول على موافقة المحافظ
بشأن أي
تصرف في الأراضي الحكر وذلك لما نصت عليه صريح المواد 2 و3 و4 من قانون
تقييد تصرف
السودانيين في الأراضي {(7)} . ولتفادي القيود {(Cool}
على
التصرف في أراضي الحكر يلجأ بعض المواطنين إلى توثيقها بواسطة موثقي العقود
من
محامين وغيرهم.





التصرف
في الحكر بعقودات موثقة:



في 21/6/1972 أصدر السيد رئيس المحكمة العليا (
خلف الله الرشيد) المنشور رقم 31 حول توثيق عقود بيع قطع المزاد المقفول
جاء فيه)
... ولما كانت هذه القطع قد منحت بموجب إجراءات خاصة بغرض حل ضائقة السكن
في
العاصمة والمدن الكبيرة فلم تخضع للمزايدات العلنية المعروفة وإن منحها لمن
تنطبق
عليه شروط تملكها تحكمها عدة قيود أهمها منع الشخص الذي منحت له القطعة
بهذه
الكيفية من التصرف فيها قبل انقضاء مدة زمنية معينة تضمن في عقد التمليك
وتبدأ من
تاريخ تسجيلها باسمه وأن أي تصرف ناقل للملكية لا يعتبر نافذ المفعول ولا
اعتداد
به).


نبادر فنقرر أن حق الفرد في الأرض الحكر هو حق
عيني لا يرقى إلى الملك الحر {(9)}- وبالتالي أي تصرف في هذا
الحق العيني
يخضع لشروط الحكر وموافقة المالك (الدولة) كما عبرت عنه القوانين المقيدة
لهذا
الحق {(10)}
وأهم ما يجب مراعاته أن ملكية الأراضي والحقوق العينية لا تنتقل بتمام
العقد –
الذي ينشئ التزاماً فقط بنقلها {(11)} ولكن يتم نقلها بالتسجيل
طبقاً
لأحكام قانون تسوية الأراضي وتسجيلها . (و يقرر العلامة السـنهوري في
مصـنفه –
الوسيط {(12)}
( في المواد العقارية) لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى سواء
أكان ذلك
بين المتعاقدين أم كان في حق الغير إلا إذا روعيت الأحكام المبينة في قانون
تنظيم
الشهر العقاري ) المادة 934 مدني – وقد قررت المحكمة العليا {(13)}
في
هذا الشأن إن عقد البيع ينشئ التزاماً بتنفيذه ولا ينقل الملكية التي لا
تنتقل إلا بتسجيل العقد فالمشتري لا يصبح مالكاً للعين المبيعة ما دام
البيع لم
يسجل وذلك طبقاً لأحكام المادة 54 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها {(14)} وقد أورد الوجيز في الملكية
العقارية {(15)}
، إن
أهم القيود القانونية الواردة على التصرفات في الأرض هي أحكام المادة (Cool
من قانون
تسوية الأراضي وتسجيلها فبمقتضى هذه المادة يقع كل تصرف غير مسجل في أرض
مسجلة باطلاً . كما أن موافقة الحكومة والسلطات المحلية مهمة لصحة التصرفات
في
الأرض في بعض الأحيان . سواء أكان هذا التصرف بيعاً أو هبة أو مقايضة ...
الخ ..
ثن يشير المؤلف إلى قضاء محكمة الاستئناف في قضية الصديق بابكر الكابس ضد
محمد حسن
{(16)}
بأن
البيع غير المسجل ليس بباطل برأي المؤلف {(17)} هذا بقولها ( ولعله من
المناسب في
هذا الشأن أن نقرر أن الحكم في قضية بابكر الكابس جاء طبقاً لقضية ورثة
محمد زين
عبد الله ضد أم الحسن صالح {(18)} ففي تلك القضية بيعت أرض
مسجلة ولم
يكن البيع قد سجل لمدة تسع سنوات واحتج المدعى بأن عدم التسجيل جعل البيع
باطلاً ،
ولكن القاضي ستانلي بيكر حكم بأن المادة 28 من قانون تسوية الأراضي
وتسجيلها لا
تمنع تقديم طلب لتسجيل البيع إلا إذا ثبت أن الطلب نفسه لا يستوفي متطلبات
القانون
).


ومن هذا يتضح – كما تقول محكمة الاستئناف – أن
الذي يبطل التصرف ليس كونه غير مسجل وإنما كونه مخالف لأحكام القانون.


غير أن رأي د. سعيد محمد أحمد المهدي له
وجاهته أيضاً فالمادة 28 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها تقرر في أهم
جزئياتها ( .... وتكون أية محاولة لنقل أي ارض أو امتياز أو إخضاعها
لامتياز أو
التصرف فيها بوجه عام وخلافاً لأحكام هذا القانون باطلة ولا أثر لها) وحيث
أن المادة 29 من نفس القانون تنص على ضرورة مراعاة أحكام القوانين المتعلقة
بموافقة المجلس التنفيذي عند التصرف في أي أرض خاضعة لأحكام قانون تقييد
تصرف
السودانيين في الأراضي – وعليه فإن عدم الالتزام بهذا القيد – يجعل التصرف
باطلاً
بموجب المادة 28 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لا تبطل التصرف أصلاً .
وبعبارة
أخرى أن المادة 28 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لا تبطل التصرف في شكله
النهائي فحسب لعدم مراعاته أحكام قانون تسوية الأراضي وتسجيلها – ولكنها
تبطل
التصرف أيضاً إذا كان حق التصرف منعدم أساساً – وهذه تشمل حالة القوانين
المقيدة
للتصرفات في الأراضي.





الأثر
القانوني لتوثيق عقودات باطلة:



نستخلص مما سبق أنه خلافاً للقواعد العامة في
قانون العقود {19)}
أن ملكية الأراضي والحقوق العينية لا تنتقل بتمام عقد البيع والذي ينشئ
التزاماً
بنقلها – ويكون قابل للتسجيل أو التنفيذ العيني متى ما استوفى العقد شروطه
صحة
انعقاده أو نفاذه وذلك بمراعاة القيود الواردة في شروط الحكر وموافقة
السلطات
الإدارية على التصرف {(20)} وعدم مراعاة تلك الشروط
والقيود –
كما أسلفنا من شأنه أن يجعل العقد باطلاً – سواء كان باطلاً ابتداء لعدم
الحصول
على موافقة المحافظ المسبقة أم باطلاً بأثر رجعي لعدم إجازة المحافظ للتصرف
بعد
تمامه – وطبقاً للمادة 53 من قانون العقود {(21)} إن العقد الباطل لا يترتب
عليه أي
اثر قانوني ، ويقرر العلامة السنهوري في الوجيز {(22)
أن
العقد الباطل ليس تصرفاً قانونياً إذ هو كعقد لا وجود له ولا ينتج أثراً
قانونياً
ويتقرر بطلانه من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم لإبطاله.


وبما أنهلا يوجد أي مصدر قانوني يقول بأن
التوثيق يقلب العقد الباطل صحيحاً يكون التوثيق نفسه باطلاً بطلان العقد.


أن العقد الذي يقوم المحامي بصياغته لا يعدو
أن
يكون دليلاً عرفياً في الإثبات شأنه شأن أي ورقة – ولكن بعد توثيقه يصبح
ورقة
رسمية متى ما استوفى الشروط الآتية : الورقة الرسمية هي التي يثبت فيها
موظف عام
أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو من تلقاء من ذوي الشأن وذلك
طبقاً
للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه فإذا لم تكسب هذه الورقة صفة
رسمية فلا
يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية متى كان ذوو الشأن قد وقعوا بإمضاءاتهم
أو
أختامهم أو بصمات أصابعهم {(23)} .


ومتى ما استوفت الورقة صفتها الرسمية أصبحت
محرراً رسمياً تكون بذلك حجة في الإثبات على الكافة وذلك فيما دون فيها من
أمور
قان بها الموثق في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشان بحضوره . ولا يطعن فيها
إلا
بالتزوير.


ولا تكتسب الورقة صفة الرسمية بمجرد توثيقها –
ولا بد من مراعاة الأوضاع القانونية المقررة – وقد حصرها المشرع المصري في
قانون
ولوائح {(24)}
ومن أهمها أن يقوم الموثق بمراجعتها وتلاوتها على الأطراف مع التأكد من
شخصية المتعاقدين بشهادة الشهود أو بمستند رسمي ثم أهلية المتعاقدين
ورضائهم ، ..
الخ .. فإذا تخلف أي من الشروط التي حددها القانون ولوائحه – لصحة الورقة
الرسمية
تترتب على ذلك بطلانها ويكون إثبات التصرف القانوني عن طريق الورقة الرسمية
قد
أتعدم.


نستخلص من ذلك أن الفقه المصري المستند إلى
الفقه الفرنسي يشترط أن يكون التصرف قانوني قبل إجراء توثيقه لينال بعد ذلك
صفة
الورقة الرسمية متى ما استوفت شروطها والذي يعتبر أعلى درجات الإثبات إذ
أنها كحجة
على الكافة فيما دون فيها ما لم يتبن تزويرها بالطرق المقررة قانوناً .


وقد سبق أن حذر رئيس القضاء الأسبق المرحوم
محمد
أحمد أبو رنات {(25)}
بأن توثيق أي عقد بخصوص أرض مسجلة دون الاستناد إلى شهادة بحث للتأكد من
صحة ما
يمتلكه الشخص طالب التصرف وخلوه من موانع التسجيل – يقع باطلاً لمخالفته
أحكام
المادة 28 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها – وجعل كل من يخالف أحكام هذا
المنشور
عرضه لسحب السلطات الممنوحة له بموجب المادة 217 من قانون القضاء المدني.


وعلى ضوء قانون أحكام العقود الواردة في
القوانين التي تقيد التصرف في الأراضي وعلى ضوء المنشورات القضائية المفسرة
لها –
والفقه المقارن – نستطيع أن نقرر باطمئنان أن التوثيق لا يكون إلا لتصرف
قانوني
صحيح وملتزماً مع ذلك شروط التوثيق – وإذا تخلف أي من هذه الأركان – وكان
المحرر
الموثق عقداً وكان باطلاً لأي سبب قانوني انتفت عنه صفة المحرر الرسمي أو
الورقة
العرفية من ناحية الإثبات.


إن السادة المحامين تخذون من التوثيق عملية
تجارية لا يتقيدون بأخلاقيات المهنة ، فيما ينجم عنه ضرر كبير . خاصة وأننا
أصبحنا
نسمع عن جرائم الاحتيال التي تتم عن طريق العقودات الموثقة بمكاتب المحامين

ولعلنا محتاجين إلى تقنين في هذا الشأن – فالتشريع المصري ولوائحه المتعلق
بالتوثيق قد تعيننا كثيراً لو نظرنا إليها – في معالجة أوجه القصور الحالية
لوقف
العبث في ممارسة التوثيق ولوقف جرائم الاحتيال التي يقع ضحيتها الأبرياء من
المواطنين – وإحباط لأهداف السياسة الإسكانية للدولة .





والله
تعالى أعلم .






عبد الرحمن يسن المبارك


قاضي مديرية


بالمكتب الفني للمحكمة العليا