التسجيل
العقاري في السودان ودبي






دكتور على
إبراهيم الإمام



بكالوريوس
في القانون (مرتبة الشرف)



ماجستير في
القانون العقاري



ماجستير في
القوانين (مرتبة الشرف العليا).



دكتوراه في
القانون.



مقدمة
وتمهيد



الأرض كانت
ولم تزل مصدر الثروات والأساس الذي يقوم عليه الاستثمار والنهضة الاقتصادية
والعمرانية ولهذا جرى البحث منذ قرون خلت عن طريقة سهلة ومضمونة يمكن
بواسطتها
حماية الملكية العقارية وصيانتها وما تبع ذلك من حقوق ومنافع وما يجرى
عليها من
تصرفات وانتقال وتداول ورهن. وقد أدى البحث خلال الحقب التاريخية المختلفة
إلى
تطبيق عدة وسائل وطرق في شتى أنحاء العالم كان الغرض منها بعث الثقة
والاطمئنان في
المعاملات العقارية. فعلى سبيل المثال أسست الدولة العثمانية في سنة1858
(1274هـ)
دوائر خاصة لتسجيل العقارات سميت نظارة الدفتر الخاقاني أو دوائر الطابو
واعتبرت
المعلومات الواردة في سجلات الطابو حجة وأصبحت عقود بيع الأراضي لا تعتبر
إلا
بتسجيلها في السجلات. كما انتهجت المستعمرات الأمريكية منذ عام 1727م
منهجاً آخر
حينما قررت كتابة أصل عقود البيع وتوقيعها في السجل (سجل المستعمرة)(1).


وقد أسست
الولايات المتحدة من خلال هذه الوسيلة نظام تسجيل الوثائق والمستندات
بتداول
العقار The recordatiam
sustem وهو نظام يشابه نظام التسجيل الشخصي ،
وما يزال هذا النظام
سائداً في معظم الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم.



وفي فرنسا
اتبع نظام التسجيل الشخصي وهو نظام تنقل فيه الملكية بين المتعاقدين بمجرد
إبرام
العقد دون حاجة للتسجيل(2).


وفي ألمانيا
منذ عام 1872 وفي الدول الاسكندنافية وسويسرا منذ أمد طويل اتبع نظام
للتسجيل أشبه
ما يكون بنظام التسجيل العيني الذي ابتدعه ضابط الجمارك الأسترالي رو برت
رتشارد
تونز Sir Robert Richered Torens وقد
طبق نظام التسجيل العيني في البداية في استراليا في عام 1857م
ثم اقتبس وطبق اختيارياً في إنجلترا في عام 1862 ثم طبق إجبارياً في مدينة
لندن
وأطرافها في عام 1898 وبعد ذلك تواتر تطبيقه واقتبس في شتى أنحاء المعمورة
وأخذت
به دول عربية وأفريقية كثير منها السودان(3) ، والإمارات
العربية
المتحدة وسوريا ولبنان والبحرين(4) والعراق(5)
والمغرب
وتونس والأردن(6) وليبيا(7) ومصر في نطاق ضيق جداً(Cool.



وقد ساد
نظام التسجيل العيني على كافة الأنظمة الأخرى لما اتصف به من ميزات وحسنات
تفوق
بها على تلك الأنظمة بما في ذلك نظام التسجيل الشخصي الذي ما زال سائداً في
مصر
وفرنسا ونظام تسجيل الحجج والمستندات المتبع في معظم أنحاء الولايات
المتحدة
الأمريكية وقد ساد هذا النظام لأسباب عدة أهمها تأسيس نظام التسجيل العيني
على
فكرة حجية السجل المطلقة بعد تطهيره من كل الموانع والتصرفات السابقة وكافة
أوجه
النزاع عن طريق إجراءات قضائية أو شبه قضائية اختلف الدول في تسميتها
وكيفية
إجرائها فأسماها البعض بإجراءات التسوية وأسماها البعض الآخر بإجراءات
التسجيل الأولي Imitiad regiation أو
التسجيل المبدئي. وانطلاقا من فكرة حجية السجل المطلقة أصبحت البيانات
الواردة في
السجل بشأن أي قطعة تمثل الحقيقة والمرآة الصادقة لملكيتها وما تعلق بها من
موانع
يلزم قيدها في السجل ، ولا يعتد بأي حجة لم ترد في السجل ، وبذلك اكتسب هذا
النظام
فضيلتين أساسيتين هما اعتبار السجل الأساسي الوحيد للحقوق الموضحة فيه
وإشهار
الملكية العقارية في حين أن نظام الشهر الشخصي يقوم فقط على مبدأ إشهار
الملكية
العقارية ومهما أدخل فيه من تحسين فإن السجل العيني يشهر الملكية في حين أن
نظام
السجل الشخصي أو نظام تسجيل الوثائق والمستندات يشهر الأدلة التي تثبت
الملكية
وهذا لا يعطى السجن قوة ثبوتية لما دون فيه ولذلك فقد لا تكون الشهادات
المستخرجة
منه مطابقة للواقع وبالتالي فهي ليست قرينة قاطعة لا تقبل الدحض(1).



ومن مزايا
نظام التسجيل العيني طريقة التسجيل في السجل العقاري – تلك الطريقة التي
أخذ منها
اسمه والتي تعتمد على إعطاء كل عقار رقماً في السجل وصحيفة خاصة به توضح
فيها كل
البيانات المتعلقة به ، في حين أن نظام السجل الشخصي بنى على تقيد ووضع
أسماء
الملاك وأصحاب الحقوق في السجل العقاري، ويتفوق نظام إعطاء العقار رقماً في
السجل
وتسجيله بهذا الرقم بدلاً من أسماء الملاك بجعل طريقة البحث عن ملكية
العقار سهلة
وبسيطة ومضمونة ولا تكلف جهداً كبيراً ، بينما يقتضي بحث معرفة وضع العقار
وحالته
في نظام التسجيل بأسماء الملاك معرفة أسماء المالكين السابقين مع الحيطة
الشديدة
من وجود أي غلط في الأسماء أو خطأ مادي أو قانوني.


خلاصة القول
هي أن نظام التسجيل العيني تميز بصفات امتاز بها نظام السجل الشخصي أهمها
تطهير
العقار من جميع الحقوق السابقة واعتبار السجل حجة قاطعة ومرآة صادقة لما
اشتمل
عليه وجعل إجراءات انتقال الملكية وتداولها يسيرة ومبسطة وسريعة ومنظمة
وغير باهظة
التكاليف. لهذه الأسباب فضل نظام التسجيل العيني وأخذ به في عدد كبير من
الأقطار
كان السودان من أوائل الأقطار التي أخذت بهذا النظام وانتقل منه إلى منطقة
الخليج
حيث طبق بصورة تتناسب مع ظروف المنطقة ووضع الملكية العقارية فيها. وقد طبق
نظام
التسجيل العيني في السودان أيضاً بأسلوب روعيت فيه حالة البلاد الاقتصادية
والاجتماعية وطبيعة علاقات الأفراد ببعضهم البعض وقد أثرى القضاء السوداني
التجربة
بفيض من المبادئ القانونية والقواعد الفقهية التي أسست دعائم النظام
ووطدته. ولذا
فإن من المفيد عرض بعض النصوص القانونية وقليل من الأحكام القضائية
السودانية في
هذا البحث الذي نستعرض فيه كيفية تطبيق نظام التسجيل العيني وإجراءاته في
كل من
السودان وأمارة دبي.


حري بالذكر
أنه ليس من أهداف هذا البحث إعداد دراسة نقدية للنصوص القانونية والآراء
الفقهية
والقضائية المذكورة فيه، كما لا نستطيع الإدعاء بأنه سجل شامل وكامل لكل ما
يتعلق
بنظام التسجيل العيني وحسبه أن يكون بحثاً موجزاً نلمس فيه الجوانب الهامة
في
إجراءات التسوية والتسجيل ويسلط من خلاله الضوء على المسائل التي ثار حولها
الجدل
الفقهي والقضائي.


(1) American
Law of
Property Section 17.4 at 527 (casret ed.
1952)


(2) راجع : مأمون الكز يرى "الشهر
العقاري حسب الشهر الشخصي والشهر العيني – مذكرات لطلبة دبلوم الدراسات
العليا
بالرباط سنة 1975م.



(3) راجع سمبسون R.S.
Simpson (دور الخرط والحدود في تسجيل الملكية) أيضاً راجع كلف
تومسون
Cliff F. Thompson (قانون الأراضي في السودان المجلد الثاني – صفحة 646).


(4) قانون التسجيل العقاري رقم 15 لسنة
1979م.



(5) قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة
1971م.



(6) القانون رقم 5 لسنة 1958م.


(7) قانون التسجيل العقاري الصادر في 25
سبتمبر 1965.



(Cool أدخل نظام التسجيل العيني في مصر في حدود
ضيقة جداً بمقتضى قانون السجل العيني لسنة 1964م



(9) في هذا المعنى قال رئيس قضاء ولاية
مينسوتا في قضية دوقلاش وستفول:



State ex rel.
Douglas V. Westfall, 85 Minn 437 at 438. 89 N. W. 175 (1902)


"The basic principle of
this
system is the registration of the title of land, instead of registering,
as the
old system requires, the evidence of such title. In the one case only
the
ultimate fact or conclusion that a certin
named party
has title to a particular tract of land is registered, and a certificate
there
of delivered to him. In the other the entire evidence, from which
proposed pacrchasers must, at their peril,
draw such conclusion, is
registered.


الفصل الأول


فذلكة تاريخية





من المسلم
به أن البحث عن وسائل وطرق تصان بها الملكية العقارية والحقوق الناشئة
عليها تزداد
أهمية كلما زاد الإقبال نحو استثمار الأرض واستغلالها زراعياً أو عمرانياً
أو
اقتصادياً وقد كان أول أهداف الحكم الثنائي في السودان إيجاد أراضي بكر
خصبة لتزرع
قطناً لتغذية مصانع النسيج في إنجلترا ولإيجاد محصول زراعي نقدي تعتمد عليه
البلاد، ولهذا ومنذ بداية فترة حكمها شرعت الإدارة الإنجليزية في سن
القوانين
المنظمة للملكية العقارية وكيفية تداولها وكان أول تلك القوانين قانون
أراضي مدن
الخرطوم وبربر ودنقلا لسنة 1899م وقانون ملكية الأراضي لسنة 1899م(1).
وتلى هذين القانونين قانون ملكية الأراضي لسنة 1905م ثم قانون تسوية
الأراضي 1905م
وقانون تحديد الأراضي ومساحتها لسنة 1905م وقانون تسجيل الحجج لسنة 1907
وقانون
تحديد الأراضي ومساحتها غير المشغولة لسنة 1922 (وأخيراً صدر قانون التصرف
في
أراضي المدن والقرى غير المشغولة لسنة 1922) وأخيراً صدر قانون تسوية
الأراضي
وتسجيلها لسنة 1925م وهو القانون الذي يدور البحث حول نصوصه لسببين أولهما
أن هذا
القانون لا يزال ساري المفعول بالرغم من صدور تشريعات أخرى تأثرت بها ملكية
الأراضي(2)، وثان هذين السببين هو أن هذا القانون ألغي كل
التشريعات
التي سبقته وعددها ثلاثة عشر قانوناً بعد أن أفاد من تجربتها بعد تنقيحها
وبعد أن
أخذ بمعظم المبادئ التي اشتملت عليها فيما يتعلق بملكية الأراضي وتسجيلها
بنظام
التسجيل العيني وقد عين أول ضابط للتسوية في أبريل 1906م لتسوية الدعاوى
المتعلقة
بأراضي الغابات والأراضي الموات وغير المشغولة في مديرية النيل الأزرق في
منطقة
الجزيرة التي اختيرت لإنشاء مشروع لزراعة القطن فيها. وقد حدد مستر رايدر Mr. Ryer. الذي أنيطت
به أعمال التسوية في عامي 1908 و 1909م – حدد القواعد وأرسي الأسس اللازم
مراعاتها
في إجراءات التسوية(3). وأبدى بعض الملاحظات التي كانت مرشداً
لضباط
التسوية والتسجيل في السودان فيما بعد. وقد تمخضت كل هذه التجارب عن
إجراءات
التسوية المنصوص عليها في قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925م والتي
سوف
نتناولها بإيجاز شديد في الفصل التالي.



أما في
أمارة دبي فقد بدأت إجراءات تسوية الأراضي وتسجيلها في أوائل عام 1960م مع
بداية
التطور العمراني وارتفاع قيمة الأراضي وتخطيط المدن تخطيطاً حضارياً يكفل
فيه وجود
شوارع وطرق وساعة وتراعي فيه النواحي الصحية والخدمات العامة. فقد أمر سمو
الحاكم الشيخ راشد بن سعود المكتوم في عام 1960 بتكوين لجنة لتسوية الأراضي
برئاسة
سمو الشيخ مكتوم بن راشد المكتوم وأعطى هذه اللجنة صلاحيات لتدقيق الوثائق
والمستندات والكشف علي الأراضي ومسحها واستخراج خرائط لها. وقد وافق سمو
الحاكم
على أن تطبق اللجنة في إجراءاتها النظام المتبع في السودان(4) ،
مع
مراعاة الظروف الخاصة بأمارة دبي. وقد سارت اللجنة في أعمالها وفقاً
للإجراءات
التالية.


عند تقديم
أي طلب أو وثيقة لتسجيل أي قطعة أرض تقوم اللجنة بتسجيل الطلب أو الوثيقة
وتعطى
صاحبها إيصالاً تكتب له فيه التاريخ المحدد للكشف على الأرض. وفي الموعد
المضروب
لمعاينة الأرض تقوم اللجنة بمعاينتها بحضور صاحب الطلب وجيرانه وشهوده.
وبعد أن
تنتهي اللجنة من إجراءات الكشف على الأرض وتحديدها ومسحها تستخرج لها خريطة
(كروكي) وتعطيها رقماً ثم تفتح لها صفحة سجل (أورنيك تسجيل رقم 1) توضح
فيها اسم المالك
ووصف الأرض وجيرانها ويوقع على ذلك المالك وجيرانه وشهوده أمام اللجنة.
وبعد
الانتهاء من التحري والتدقيق في الأرض تستكمل الإجراءات ويكتب تقرير مختصر
عن
كيفية امتلاك الأرض وتحرر شهادة ملكية ويرسل الملف إلى سمو الحاكم للاطلاع
على
أقوال الشهود والوثائق ثم التوقيع على شهادة الملكية. ومن ثم تسلم شهادة
الملكية
والخريطة التي توضح مساحة الأرض وأبعادها للمالك. وعندما ينشأ نزاع حول
ملكية أي
قطعة أرض تسمع اللجنة شهود أطراف النزاع وجيرانهم وتستعين بالخبراء وتعاين
الأرض
على الطبيعة مرتين أو ثلاث مرات إلى أن تتحقق من صحة الدعوى وصاحب الحق ثم
تصدر
قرارها وتبعاً له تصدر شهادة ملكية للطالب المستحق.


ومن نافلة
القول أن نذكر أن الأخذ من أي تجربة قانونية أو الاقتباس من أي نظام قانوني
يتطلب
نقلاً وتطبيقاً واعياً تراعي فيه الفروق بين الظروف والأحوال في البلاد
التي نشأ
فيها النظام والبلاد التي يراد نقل تلك التجربة أو ذلك النظام إليها وهذا
هو عين
ما حصل في أمارة دبي والسودان بالنسبة لنظام التسجيل العيني حيث اتبع نظام
التسجيل
الإجباري الذي تبدأ إجراءاته في المنطقة المعنية الدولة وتتكفل بنفقاته ،
ولأسباب
عملية اختفت فكرة التعامل بشهادة الملكية واستعيض عنها بشهادة البحث التي
تكفي
لتوضيح اسم المالك المسجل ووصف القطعة ورقمها وتاريخ تسجيلها وبيان
الرهونات وأي
معاملات أخرى مانعة للتصرف واردة في السجل ، وهي شهادة بسيطة يستخرج
المعلومات
الموضحة فيها موظف التسجيلات من واقع السجل. ولمنع احتكار الأرض – وبصفة
خاصة
الأراضي الزراعية – دون استغلال واستثمار فضل المشرع في السودان وفي أمارة
دبي
الأخذ بمبدأ حيازة الأرض المسجلة بوضع اليد بدلاً من الأخذ بنظرية حجية
السجل
المطلقة في مواجهة الحائز واستناداً إلى النصوص القانونية الصريحة والواضحة
صدرت
في السودان أحكام قضائية لا حصر لها اكتسب بمقتضاها الحائزون أراضي كانت
مملوكة
ومسجلة في اسم الغير، كما كونت بعض أحكام القضاء في مجال التصرف في الأراضي
بالبيع
أو الرهن أو الأمانة المرتجعة سوابق رائدة وتضمنت حصيلة ضخمة ورصيداً
ممتازاً أثرى
تجربة نظام التسجيل العيني بمعيار يختلف عن المعيار الأنجلوسكسوني وبأسلوب
روعيت
فيه الظروف المحلية والحالة الاقتصادية والاجتماعية والروابط الأسرية
والأعراف والتقاليد السائدة في البلاد. ولهذا فإن من المفيد عرض نماذج لهذه
الأحكام بعد استعراض النصوص القانونية الخاصة بإجراءات التسوية والتسجيل
ومقارنتها
بما عليه العمل في أمارة دبي في الفصول التالية.









الفصل
الثاني



مراحل
التسوية والتسجيل



كما ذكر
آنفاً اتبع السودان منذ بداية اقتباسه نظام التسجيل العيني – اتبع نظام
التسجيل
الإجباري الذي تتخذ إجراءاته وتتكفل بمصروفاته ونفقاته الحكومة وفقاً
لسياساتها
وبرامجها ، وتبدأ إجراءات التسوية بإعلان ينشره النائب العام في الجريدة
الرسمة
(غازيته حكومة السودان) يبين فيه أنه في النية إجراء تسوية وتسجيل للأراضي
في
المنطقة المحددة للتسوية(5). ويعين رئيس الجهاز القضائي المختص
فرقة
التسوية المكونة من ضابط التسوية وضابط التحديد والمساحة وضابط التسجيل
للقيام
بمسح وتحديد وتسوية وتسجل منطقة التسوية(6). وينشر ضابط التسوية
بعد
تعيينه إعلاناً ببدء أعمال التسوية والتسجيل المزمع إجراؤهما يوضح فيه
منطقة
التسوية أو يدعى الحق أو امتياز عليها أن يتقدم بمطالبته ، كما يأمر كل
المطالبين
بأرض داخل منطقة التسوية أن يبينوا حدود الأرض المتأثرة بمطالباتهم(7).
ويجب على كل مالكي الأراضي والمطالبين بها والمطالبين بامتياز عليها أن
يحضروا إلى
الأرض بأنفسهم أو عن طريق وكلاء مفوضين في التاريخ الذي أعلنهم به ضابط
التسوية أو
في أي وقت لاحق يحدده لهم مصحوبين بكل الوثائق والشهادات والمستندات
المؤيدة
لمطالباتهم ، وإذا تخلف أي شخص مكلف أو معلن بالحضور فإن إجراءات التسوية
تستمر في
غيابه.


وبعد أن يتأكد
ضابط التحديد من حدود كل قطعة أرض منفردة ومملوكة ملكية خاصة وحدود الطرق
العامة
وحقوق المرور والشرب وحرم كل الآبار والمقابر والقرى والأراضي البور
والغابات
والأراضي غير المأهولة الموجودة داخل منطقة التسوية يعد لها رسماً تخطيطياً
وقائمة
مرقمة بأسماء ملاك القطع والمطالبين بها أو بأي امتياز عليها. ويعلن ضابط
التسجيل
كل الأشخاص الذين ظهرت أسماؤهم في هذه القائمة بالمثول أمامه للتحرى معهم
ومن ثم
يقوم بإعداد سجل أولي مرقم لكل قطعة أرض يسمى سجل التسوية. ويسجل في هذا
السجل
حقوق الانتفاع والملكيات العقارية الخاصة التي يثبتها أصحابها ويسجل الأرض
الأخرى
الخالية من أي حقوق خاصة والأراضي التي لا ترقي الحقوق الخاصة التي عليها
إلى
مستوى الملكية – يسجلها في اسم الحكومة ، كما يقيد أي امتيازات على الأرض
والتاريخ
الذي تم فيه التسجيل. ويوقع على سجل تسوية كل أرض المالك وضابط التسجيل
وشيخ
القرية أو البلدة ولك من يكون حاضراً من الأشخاص المعروفين. ويشرف ضابط
التسوية
على كل إجراءاتها ويوجه كل العاملين بها وينظر ويفصل في كل المطالبات
والعرائض
والمنازعات المتعلقة بملكية أو حدود أي أرض داخل منطقة التسوية أو متعلقة
بتغيير
الحدود التي أجراها ضابط التحديد أو القيد الذي سجله ضابط التسجيل في سجل
التسوية
على أن تقدم هذه المطالبات والعرائض قبل انتهاء التسوية في الموقع أو
المكان الذي
تقع فيه الأرض. ويعد ضابط التسوية عند سماع أي مطالبة أو منازعة محضراً
يتبع
فيه – كلما كان ذلك عملياً – الإجراءات اللازم اتباعها في سماع الدعاوى
المدنية.
وبعد مضى مدة ستة أشهر من تاريخ توقيع ضابط التسجيل على سجل التسوية أو بعد
انقضاء
مدة ستة أشهر من تاريخ أي تصويب أو تعديل يجريه ضابط التسوية بالنسبة لأي
قطعة أرض
يعتبر التسجيل نهائياً ويكون هو المحضر الذي يعد وفقاً له سجل الملكية ،
ولكن يجوز
لأي متضرر من قرار ضابط التسوية فيما يتعلق بملكية أي قطعة أرض أو امتياز
عليها أن
يستأنف ذلك القرار إلى محكمة المديرية خلال مدة ستة أشهر من تاريخ القرار
المستأنف
، وإن لم يقبل بحكم قاضى المديرية يستأنفه أمام محكمة الاستئناف(Cool.





الفصل
الثالث



السجل
العقاري وأثر التسجيل






تشكل مكاتب
تسجيل الأراضي في السودان جزئ من الهيئة القضائية ويديرها مسجل عام
ومساعدون له
تحت إشراف رئيس القضاء(9) ، ويحفظ في مكتب تسجيل الأراضي سجل
الملكية
العقارية في المديرية أو المنطقة التي أنشئ فيها مكتب التسجيلات ويحرر سجل
كل قطعة
أرض نقلاً عن سجل التسوية وتحمل كل قطعة أرض سجلت رقماً مميزاً. وتصبح حقوق
المالك
سواء أكانت قد اكتسبت عند التسجيل الأول أم بعد ذلك حقوقاً غير قابلة
للإبطال إلا
على الوجه المنصوص عليه في قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925 ويملكها
المالك
مع كل الميزات والحقوق التابعة لها خالية من كل المصالح والمطالبات. فيما
عدا:


1- الامتيازات والأعباء والالتزامات والشروط
والقيود المقيدة في السجل.



2- الالتزامات والحقوق والمصالح التي نص
القانون علي أنها لا تتطلب إشعاراً في السجل.



3- أي حقوق أو مصالح غير مسجلة قد يكون أي
شخص مستحقاً لها ، إذا كان المالك غير مستحق الأرض لمنفعته الخاصة (فيما
بينه وبين
الشخص المستحق لمنفعتها)(10). وتعتبر الأرض ما لم ينص على ذلك
صراحة في
السجل – خاضعة للالتزامات والحقوق والمصالح التالية دون إشعار بها في
السجل:



أ/
ضريبة الأراضي وضريبة المباني وغيرها من الضرائب والعوائد المفروضة على
الأرض.


ب/
لوائح المباني واللوائح الصحية.


ج/
حق المرور وحق الشرب وحقوق الارتفاق الأخرى.


د/
الحقوق المتعلقة بالمناجم والمعادن.


هـ/
الحقوق المتعلقة بأشجار النخيل والأشجار الأخرى.


و/
الحقوق التي تكون في الطريق إلى تملكها بمرور الزمن(11).


ز/
الإيجارات أو الاتفاق على الإيجارات لفترة تقل عن ثلاث سنوات.


ح/
الحق العرفي في شغل المنازل المبنية على الأرض بموافقة المالك أو المالك
السابق له(12).


ويكون أي
تصرف في أي قطعة أرض مسجلة دون تسجيل أو أي محاولة لنقل أي أرض أو امتياز
أو
إخضاعها لامتياز أو التصرف فيها بأي كيفية دون تسجيل باطلاً ولا أثر له ،
ويجوز للمسجل عندما يقدم إليه طلب لتسجيل أي وثيقة أن يقبل ويسجل تلك
الوثيقة
ويقرر أولوية تسجيلها بالنسبة للوثائق التي سبقتها بعد أن يدعو جميع
الأشخاص
المتأثرين بالتسجيل أو بالأولوية لإبداء الأسباب المانعة من تسجيل الوثيقة
أو
منحها الأولوية المعتزمة(14). ويجوز لأي شخص يطالب بمصلحة في
أرض أو
امتياز بموجب وثيقة غير مسجلة أو بخلاف ذلك بأي وجه آخر أن يودع لدى المسجل
تحوطاً
يمنع بمقتضاه تسجيل أي تصرف في الأرض أو قيد يؤثر فيها قبل إخطاره ، ويبين
المتحوط
الحقوق التي يدعيها ويجوز أن يطلب منه المسجل أداء اليمين ، كما لا يسمح
المسجل
بتسجيل التحوط في الحالة التي يعتبر فيها أن أغراض التحوط يمكن تحقيقها
بتسجيل
الوثيقة ولكن يجوز بموافقة المسجل العام أن يسمح بتسجيل أي تحوط لحماية
وثيقة
امتياز غير مسجلة مصحوبة بإيداع سندات الملكية وشهادة التسجيل إن وجدت
لضمان قرض
المصرف الدائن ، وطالما بقي التحوط بالسجل بلا يجوز أن يسجل أي سند أو بدون
أي قيد
في السجل بدون موافقة المتحوط أو بدون أمر المحكمة(15). ولكن
يجوز
للمسجل بناء على طلب من أي شخص ذى مصلحة أن ينذر المتحوط بإزالة تحوطه من
السجل
بعد مضى المدة المحددة في الإنذار إذا فشل المتحوط في بدء الإجراءات
القضائية
لإثبات مطالبه. ويجوز للمحكمة حسب تقديرها بناء على طلب أي شخص ذي مصلحة في
أرض أو
امتياز كما يجوز للمسجل بعد سماع الأشخاص الذي يرى من المناسب سماعهم إصدار
أمر
يحظر أو يقيد بمقتضاه أي تصرف في الأرض أو الامتياز لمدة معينة أو حتى صدور
أمر
آخر(16).


وقد أعطى
المشرع المسجل سلطة تصحيح السجل فيما يتعلق بالأمور الشكلية وفي حالة الخطأ
أو
السهو الذي لا يؤثر تأثيراً جوهرياً في مصلحة الملاك ، وفي أي حالة أخرى
بموافقة
كل الأشخاص ذوى المصلحة. كما أعطى سلطة تصحيح السجل وتغيير التسجيل في أي
من
الحالتين التاليتين :


1- إذا اقتنعت المحكمة بأن تسجيل أي شخص
كمالك لأرض أو امتياز قد تم الحصول عليه عن طريق أي خطأ أو إغفال أو بطريق
الغش أو
حدث على سبيل الغلط.



2- إذا طلب أي حاز يدعى أنه اكتسب ملكية
الأرض بمرور الزمن من المحكمة تصحيح السجل(17).



أما في
أمارة دبي – وكما ذكر آنفاً فقد وافق سمو الحاكم على أن تسير إجراءات
التسوية
وفقاً للنظام المتبع في السودان ، وتنتهي هذه الإجراءات بتسليم شهادة
الملكية
للمالك مع الخريطة التي توضح مساحة الأرض وأبعادها. وتتخذ إجراءات تسجيل
الأرض
مباشرة بعد إصدار شهادة الملكية للمالك ، وذلك بفتح سجل خاص لكل قطعة أرض
يوضح
مباشرة بعد إصدار شهادة الملكية ، وذلك بفتح سجل خاص لكل قطعة أرض يوضح فيه
اسم
المالك ورقم العقار ومساحته والطريقة التي تم بها امتلاكه، وينقسم السجل
إلى ثلاث
أقسام ، قسم يوضح وصف الأرض ومساحتها وقسم يوضح اسم المالك والطريقة التي
امتلك
بها الأرض وقسم ثالث يوضح الرهونات المقامة على الأرض. جدير بالذكر أن نسبة
كبيرة
من الأراضي في دبي مملوكة بالملك الحُر Freehold كما أن هناك بعض
الأراضي التي يأمر سمو الحاكم بإصدار شهادات حيازة لها في أسماء بعض
الأفراد
لغرض السكن فقط وتبقي الأرض ملكاً للحكومة.



وتنقسم
دائرة الأراضي في دبي إلى قسمين : إحداهما لجنة شؤون الأراضي والقسم الثاني
هو
دائرة التسجيل. وتختص لجنة شؤون الأراضي بالتحقيق في إثبات الملكية وذلك من
خلال
عملها الذي يشمل تسجيل طلبات المرور ومعاينة الأراضي على الطبيعة ومسحها
وفحص
الوثائق والمستندات والتحقيق في الملكية والحيازة والنظر في مشاكل الحدود
وتسويتها
والنظر في الاعتراضات (الطعون) وإصدار قرارات بشأنها ، وتختم اللجنة
أعمالها
بتسليم شهادات الملكية لأصحابها المستحقين لها. ويناط بدائرة التسجيل حفظ
تقارير
لجنة شؤون الأراضي وتحرير ملخص لها وحفظ السجلات والوثائق ، كما تقوم دائرة
التسجيل بتسجيل التصرفات اللاحقة التي تقع على الأرض كالبيع والرهن والهبة.





الفصل
الرابع



الحيازة
بوضع اليد



اختلفت
وجهات النظر الفقهية والنظم القانونية بالنسبة للأثر المترتب على التقادم
فبعض
النظم القانونية يعتبر التقادم سبباً مكسباً للملكية في حين أن البعض الآخر
يعتبر
التقادم مجرد سبب مسقط للحق تسقط بمقتضاه دعوى الاستحقاق وقد أخذ السودان
قبل صدور
قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م وفي ظل قانون التقادم المكسب للملكية
والتقادم
المسقط لسنة 1928 بالنظرية الأولي حيث كانت الحيازة بوضع اليد على الأراضي
المسجلة
المملوكة للأفراد لمدة عشر سنوات أو أكثر كافية لكسب ملكية هذه الأراضي وفق
شروط
معينة حددها القانون ولعبت المحاكم دوراً هاماً في تفسيرها وتطبيقها.


وبعد صدور
قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م الذي ألغى قانون التقادم المكسب
للملكية
وقانون التقادم المسقط لسنة 1928م – بعد صدور هذا القانون الذي ترسم خطي
مجلة
الأحكام العدلية(18) أصبح التقادم مسقطاً لحق الملكية والحقوق
العينية
وذلك بمنع رفع دعوى الاستحقاق لاسترداد الحيازة من الحائز للأرض لمدة عشر
سنوات ،
وبذلك أخذ القانون الحالي بالنظرية الثانية حيث نصت المادة 649 (أ) منه على
أن :
(من حاز بحسن نية وبسبب صحيح منقولاً أو عقاراً أو حقاً عينياً على منقول
أو عقار
باعتباره ملكا له دون انقطاع لمدة عشر سنوات فلا تسمع عليه عند الإنكار
دعوى الملك
أو دعوى الحق العيني من شخص ليس بذي عذر شرعي) وفي تقديري أن هذا النص لا
يتناغم
ولا ينسجم مع النصوص القانونية الواردة في قانون تسوية الأراضي وتسجيليها
لسنة
1925 المؤسسة على اكتساب حق الملكية بالحيازة بمرور الزمن إذ تنص المادة 27
(و)
منه على أن تعتبر الأرض – ما لم ينص على خلاف ذلك في السجل – خاضعة للحقوق
التي
تكون في الطريق إلى تملكها بمرور الزمن ، وكذلك تعطى المادة 85 (ج) منه
المحكمة
سلطة تصحيح السجل وإلغاء التسجيل إذا طلب الحائز تغيير السجل لاسمه بمرور
الزمن.
هاتان المادتان مستمدتان من النظرية الأولي المؤسسة على أن التقادم مكسب
للملكية
وليس مجرد سبب لإسقاط الحق ومن الأفضل للمشرع في السودان أن يعيد النظر في
كل
المواد الواردة في الفصل الثالث عشر من قانون المعاملات المدنية والخاصة
بكسب
الملكية بالحيازة وبصفة خاصة المادة 649 (أ) والتي أضحت صوتاً نشازاً
وعائقاً
يتصادم مع فكرة التسجيل العيني التي تبنى على شهر الحقوق العقارية الثابتة
في
السجل ، إذ طبقاً لنصوص قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م فإن المحاكم لا
تحكم
للحائز بحق الملكية كي يتسنى له تغيير السجل وسوف يكتفي الحائز باستعمال
حقه كدرع
يتقى به دعوى المالك الأصلي وهنا يبرز التناقض حيث لا يتطابق الواقع مع
السجل.


رب قائل بأن
مبدأ اكتساب الملكية بالتقادم ووضع اليد نفسه يتعارض مع مبدأ حجية السجل
الذي تقوم
عليه فكرة التسجيل العيني كما قالت – مثلاً – المذكرة الإيضاحية للقانون
المصري
رقم 142 لسنة 1964 (من أثبت اسمه في السجل كمالك للعقار يصبح في مأمن تام
من أن
يفاجأ بإدعاء أي مغتصب يزعم أنه تملك العقار بوضع اليد) وقد أخذ بهذا الرأي
عدد من
الشراح(19) وقوانين كثير من البلاد كالمغرب(20)
ولبنان(21)
وليبيا(22) وسوريا(23) وتونس(24) وبعض
الولايات
الأمريكية(25) ولكنى أري أن إباحة كسب الملكية بالتقادم لا
تتعارض مع
القوة المطلقة للسجل Indefensibility
of
registered title ذلك
لأن المشرع في استراليا عندما أخذ بالفكرة في بداية الأمر لم يمنع التملك
بالتقادم
، وقد عادت نيوثاوث
New
South
Wales وألغت النص القديم
في قانونها والذي يحظر اكتساب الملكية في الأراضي المسجلة وقد تم هذا
التعديل في
تشريع حديث(27) مما يدل على عدم التعارض بين الفكرتين. وقياس
الحيازة
بوضع اليد بما يقع على العقار من تصرفات كالبيع أو الرهن قياس خاطئ ذلك لأن
الحيازة واقعة مادية وليست تصرفاً ولا تكتمل أركانها إلا بعد مضى المدة
التي
يحددها القانون ولذا فإن شهرها يكون من واقع التعامل مع الأرض وليس من خلال
السجل.



وطالما
انتهينا إلى أن حجية السجل المطلقة قد تقوم جنباً إلى جنب مع مبدأ الحيازة
بالتقادم فإن المسألة تكون من قبيل السياسة التشريعية ويترك الأمر للمشرع
في كل
مكان وزمان وله أن يختار حسب المصلحة العامة ووفق ظروف البلاد والأعراف
والتقاليد
والأحوال الاقتصادية السائدة فيها. وعليه يجوز للمشرع أن يجعل التقادم
سبباً
مكسباً للملكية أو أن يحظر كسب الملكية العقارية بالتقادم في الأراضي
المسجلة
بنظام التسجيل العيني ، وقد اختار القانون السوداني الرأي القائل بعدم
التعارض بين
النظريتين فأخذ بمبدأ التسجيل العيني جنباً إلى جنب مع فكرة الحيازة بوضع
اليد.
وقد أرسي القضاء السوداني المبادئ وبلور القواعد الخاصة بتحديد نطاق قاعدة
الحجية
بصورة اتسمت بالأصالة والابتكار(27). وفي اعتقادي أن الحكمة
اقتضت
اباحة اكتساب الملكية العقارية بالتقادم في السودان وما زالت قائمة بالنسبة
للأراضي الزراعية دون السكنية وذلك لضمان استغلال الأراضي الزراعية ومنعاً
للملكية
الغائبة(28).









الفصل
الخامس



الأمانة
المرتجعة






مبدأ
الأمانة المرتجعة أو الأمانة الراجعة Resulting
Trust من مبادئ الإنصاف
والعدالة التي وضعتها المحاكم الإنجليزية منذ قرون غابرة ، وقد استفادت
المحاكم
السودانية من هذا المبدأ وطبقته في الحالات التي يثور فيها نزاع بين أفراد
الأسرة
الواحدة حينما يسجل أحد أفرادها عقاره أو العقار الخاص بكل أفراد الأسرة في
اسم
فرد من أفرادها دون أن يقصد من تسجيل العقار التنازل من ملكيته أو وهبه لمن
سجل في
اسمه. هنا يثار السؤال هل يحق لمن سجل في اسمه العقار الاحتجاج بحجية السجل
المطلقة أم ينظر إلى نية وقصد المالك الأصلي؟ اختلفت المحاكم في السودان في
الإجابة على هذا السؤال. ذهب الرأي الراجح إلى أن هذه الحالة تخرج عن نطاق
قوة
السجل المطلقة فيما بين الطرفين إذا ثبت هذا الرأي لصاحب العقار الأصلي
أمانة في
عنق من سجلت الأرض في اسمه يستردها منه حال مطالبته بها ، ولكن هذه الأمانة
المرتجعة لا يمتد أثرها إلى الغير ، أي لو تصرف من سجلت الأرض في اسمه فيها
فلا
يحق لصاحب الأمانة الراجعة أن يستردها من الشخص الثالث الذي آلت إليه وسجلت
في
اسمه. وبذلك يوفق الرأي الراجح قضاء بين مبدأ حجية السجل المطلقة أنصاف
صاحب
العقار الأصلي الذي لم يتقاعس حتى يتصرف من سجلت الأرض في اسمه فيها وقبل
أن تنشأ
فيها حقوق الآخرين.



ويرى الرأي
المرجوح أن لا مجال لتطبيق مبدأ الأمانة المرتجعة الإنصاف في هذه الحالة
على
الإطلاق لأنه لا ينسجم ولا يتسق مع نظام التسجيل العيني ولا يتفق مع قاعدة
حجية
السجل(29).


ومن أبرز
القضايا التي أخذت بالرأي الراجح في قضية عباس حسن ضد أحمد عباس حسن(30)
حيث اشترى الأب منزلاً وسجله في اسم ابنه المدعى عليه لظروف خاصة وقد أثبت
أمام
المحكمة أنه لم يقصد بتسجيل العقار في اسم ابنه وهبه له وقد ظل يمارس كل
حقوق
المالك في العقار. احتج الابن بأن العقار قد سجل في اسمه وبأجراء التسجيل
تكتمل
إجراءات نقل الملكية ولا سبيل لاستردادها لملء للسجل من قوة. قالت المحكمة
أن من
سلطاتها الإنصافية Equitable
Jurisdiction
منع الغش
والإثراء بلا سبب. وقد خلصت من الوقائع إلى أن نية الأب لم تكن وهب العقار
لابنه
كي يستبعد مبدأ الأمانة المرتجعة. وفي قضية عبد الفراج صالح ضد آدم عبد
الفراج
صالح وآخر(31) ردت محكمة الاستئناف العليا الطعن الذي تقدم به
الأب الطاعن في حكم المحكمة الابتدائية والذي أمرت بمقتضاه بتغيير سجل
العقار الذي
منحته الحكومة للأسرة للسكن فيه من اسم الأب إلى أسماء أفراد الأسرة حينما
حاول
الأب التصرف في المنزل بالبيع وذلك تأسيساً على مبدأ الأمانة المرتجعة حيث
لم يكن
القصد من تسجيل قطعة الأرض في اسم الأب تمليكه لها وحده، وفي قضية حد الزين
رمضان
ضد ورثة أبو الرضا بخيت(32) اشترت المدعية عقارين وسجلتهما في
اسم والدتها كي لا تطالهما يد زوجها ، وقد ظلت تدفع العوائد المحلية
(الضرائب) المستحقة عن العقارين طوال فترة حياتها. وعند وفاة الوالدة ادعت
ابنتها
الأخرى (شقيقة المدعية) أن القطعتين قد آلتا لوالدتهما بمجرد تسجيلهما في
اسمها
وطالبت بنصيبها في العقارين. بالرغم من أن النزاع في هذه الدعوى يثور بين
المالك
الأصلي وشخص ثالث هو الوارث قررت المحكمة تطبيق مبدأ الأمانة المرتجعة
وأمرت
بتغيير سجل القطعتين إلى اسم المالكة الحقيقية المدعية. كذلك طبقت المحكمة
هذا
المبدأ الإنصافي في قضية بخيتة يوسف حسن ضد برعي محمد دفع الله(33)
التي أقامها الوالدان والأخ الشقيق للمدعى عليه لاسترداد ملكية العقار الذي
منح في
وقت سابق لجد الأسرة كتعويض له على المنزل الذي فقده بسبب إعادة تخطيط
المدينة
والذي سجل في اسم الابن المدعى عليه لتمكينه من الحصول على قرض حكومي يمكن
الأسرة
من تشييد منزل على قطعة الأرض ، وقد ثبت أمام المحكمة أن جميع أفراد الأسرة
قد
ساهموا في تكاليف تشييد المنزل ليكون مأوي للأسرة ، وقد طبقت المحكمة مبدأ
الأمانة
المرتجعة استناداً إلى المادة 25 (ج) من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة
1925(34)
وقررت أن مبدأ الأمانة المرتجعة يطبق على من سجلت الأرض في اسمه بدون مقابل
ولكنه
لا يمتد لغيره من الأشخاص الآخرين(35).



ومن رأي أن
كيفية تطبيق مبدأ الأمانة المرتجعة في السودان تم بصورة أصيلة ومبتكرة راعت
فيها
المحاكم ظروف المجتمع وطبيعة الأسرة السودانية الممتدة وغلبت فيه دواعي
العدالة
والأنصاف على مبدأ حجية السجل المطلقة دون أن يؤثر على حقوق أي شخص ثالث
حصل على
العقار بمقابل.





الفصل
السادس



المعاملات
والتصرفات اللاحقة للتسجيل



وضعت لجنة
الأراضي في دبي احتياطات كافية لحصر وتحديد ملكة الأجانب منذ تاريخ تأسيس
دائرة
شؤون الأراضي والأملاك ، فيه لا تسمح لهم بمبايعات جديدة إلا بتصديق من سمو
الحاكم
، أما الملكيات القديمة والمبايعات التي تمت قبل مراجعة الحاكم والحصول على
موافقته فيمكن تسجيلها في ضوء تعريف كلمة أجانب(36) ، ولا تعترف
دائرة
شؤون الأراضي والأملاك بالبيع الوقائي (الاقالي) ولكنها تقوم بتسجيل
الرهونات
وتحتفظ للمرتهنين بحقوقهم كاملة فلا تسمح للمالك الراهن بالتصرف في ملكه
طالما ظل
الرهن قائماً، وبعد انقضاء مدة الرهن يحق للدائن إقامة دعوى لغلق الرهن.
وقد أصدر
سمو الحاكم مرسوماً في 25 ذو القعدة سنة 1397هـ الموافق 6 نوفمبر سنة 1977م
منع
بمقتضاه الحاكم من قبول أو النظر في أي دعوى تكون ناشئة عن المعاملات
المتعلقة
بالتصرف في الأراضي إلا إذا أحيلت إليها من دائرة الأراضي والأملاك(37).


والسؤال الذي
يثور هنا: هل يجوز دعوى غلق الرهن ابتداء أمام المحكمة أم لابد من أحالتها
بواسطة
دائرة الأراضي باعتبار أن دعوى غلق الرهن تنشأ عن المعاملات المتعلقة
بالتصرف في
العقار؟ وهذا السؤال يقود إلى سؤال آخر هو: هل رمى المشرع من وراء هذا
المرسوم إلى منع إقامة كافة أنواع الدعاوى العقارية والتي لا تتعلق
بالمطالبة
بالملكية دون أخذ إذن من دائرة الأراضي ؟ هل يشمل المرسوم أي دعوى متفرعة
من حق
الملكية كدعوة المطالبة بربع العقار أو ثماره أو إجراء محاسبة حول حصيلة
ربع
العقار أم أن كل ذلك يخرج عن كونه دعوى عقارية(38)؟ سؤال ثالث
قد يثار
هو: كيف يفصل في النزاع الذي يثور بين مشتريين متزاحمين؟ هل تفصل فيه دائرة
الأراضي أم تحيله للمحاكم ؟ وإذا أحيل النزاع إلى المحاكم فهل يحكم فيه
بترتيب
الأسبقية في السجل أم أسبقية الشراء؟.


في غياب
النص التشريعي أرى أن تهتدي المحاكم وتتقيد بالمبادئ التي يقوم عليها نظام
التسجيل
العيني والتي تجعل السجل مرآة صادقة لما اشتمل عليه ولا عبرة لما يتم خارج
السجل
من معاملات. وقد انتهى القضاء في السودان أخيراً وبعد خلاف طويل إلى هذا
الرأي(39).


وفي اعتقادي
أن الخلاف في السودان لم يكن له ما يبرره ولم يؤسس الرأي المرجوح على أي
سند
قانوني ، ذلك لأن قاعدة الأثر التطهيري للعقار وحجية السجل المطلقة منصوص
عليها في
القانون بنصوص واضحة وآمرة ، فقد نصت المادة 28 من قانون تسوية الأراضي
وتسجيلها
لسنة 1925م على اعتبار التصرفات العقارية والتي لا يتم تسجيلها باطلة ولا
أثر لها ،
كما نصت المادة 54 من نفس القانون على أنه (لا يجوز لمالك الأرض بمقتضى
وثيقة في
الشكل المقرر أن ينقل ملكية الأرض أو أي جزء منها ، ويكتمل نقل الملكية
عندما يقيد
المسجل في السجل اسم الشخص الذي نقلت إليه ملكية الأرض المالك لها). ويتضح
من هذا
النص أن تغيير السجل في اسم المشترى الذي نقلت إليه الملكية يشرط لازم
لاكتمال نقل
الملكية. ولكن بالرغم من ووضح النصوص فقد ذهب الرأي المرجوح إلى أن المادة
28 من
قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925م لا تحول دون تغيير تسجيل العقار
إلى اسم
المرتهن أو المشترى الذي لم يسجل رهنه أو بيعه بمقولة أن المشترى السابق
صاحب حق
إنصافي في العقار equitable
interest وأن تسجيل المشترى اللاحق
خاضع لحقوق المشترى السابق التي يعلم بها(40) ويلتزم الرأي
الراجح قضاء بالنص القانوني وبمبدأ حجية السجل المطلقة(41)
واستطراداً
من ذلك انتهى إلى أن العبرة في نقل الملكية العقارية المسجلة في حالة تزاحم
المشترين بالتسجيل وليست بواقعة الشراء ، وهو بذلك يتفق مع ما أخذ به الفقه
والقضاء حيثما طبق نظام التسجيل العيني.



الهوامش:


(1) تم
نشر هذين القانونين في العدد الثاني من الجريدة الرسمية (غزيته حكومة
السودان)
الصادر في 27 مايو 1899م.



(2) كمثال
لذلك قانون الأراضي غير المسجلة لسنة 1970م.



(3) راجع
الملف رقم
BNP/LRO/2-5/3 (خطاب
من مستر رايدر في القاهرة للسكرتير القضائي في الخرطوم في 19 ديسمبر 1952م)



(4) مذكرته
عن دائرة شئون الأراضي بالرقم د/ ش بتاريخ 4/9/1988م.



(5) المادة
4 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925م.



(6) المادة
5 (تعديل لسنة 1405هـ) صادر في 29 ربيع أول 1405هـ الموافق 22/12/1984م.



(7) المادة 6


(Cool راجع
المواد 18 و 19 – أيضاً راجع قضية أهالي قربة أبي عمار ضد ورثة محمد أحمد
خير الله
(مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1982م ص 263).



(9) المادة
20 (تعديل لسنة 1405) صادر في 29 ربيع أول 1405هـ الموافق الثاني والعشرين
من شهر
ديسمبر 1984م.



(10) المادة
25.



(11) المادة
27 (و).



(12) المادة
27 (ح)



(13) المادة
28



(14) المادة
45



(15) المادة
78



(16) المادة
79



(17) راجع
المادتين 84 و 85 (ج) – أيضاً أنظر قضية إدارة تركة ج. ب لوراندو ضد المسجل
العام
للأراضي (مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1965م صCool



(18) تنص
المادة 1660 من المجلة مقروءة مع المادة 1663 من المجلة على أن "لا تسمع
دعوى
الدين والوديعة والعقار المملوك وما لا يعود من الدعاوى إلى العامة ولا إلى
أصل
الوقف في العقارات الموقوفة كدعوى المقاطعة أو التصرف بالإجابتين والتولية
المشروطة والغلة بعد أن تركت خمس عشرة سنة- بلا عذر. وتنص المادة 1662 من
مجلة
الأحكام العدلية على الآتي: إذا كانت دعوى الطريق الخاص والمسل وحق الشرب
في عقار
الملك فلا تسمع بعد مرور خمس عشرة سنة.



(19) راجع
دكتور سعيد محمد أحمد المهدي: الوجيز في الملكية العقارية في السودان ص 42 ،
كذلك
راجع كلف تومسون : قانون الأراضي في السودان – المجلد الثاني – من صفحة 564
إلى
صفحة 568.



(20) ينص
الفصل 63 من الظهير المغربي الصادر في 9 رمضان سنة 1331 (12 غشت 1913) على
الآتي
" أن التقادم لا يكسب أي حق عيني على العقار المحفظ قس مواجهة المالك
المسجل
اسمه ، ولا يزيل أي حق من الحقوق العينية المسجلة برسم المالك".



(21) تنص
المادة 255 من قانون الملكية العقارية اللبناني الصادر في 12 نوفمبر 1930
على أن :
" لا يسرى



مرور الزمن على
الحقوق المقيدة في السجل العقاري".



(22) تنص
المادة 73 من قانون التسجيل العقاري الليبي الصادر في 25
سبتمبر 1965م على الآتي: "لا يجوز الاستناد الحيازة ووضع اليد في الإدعاء
بملكية العقارات التي اتخذت بشأنها إجراءات تحقيق الملكية وصدرت عنها سندات
مؤقتة
أو قطعية"



(23) تنص
المادة 925 من القانون المدني السوري على عدم سريان
التقادم على الحقوق المقيدة في السجل العقاري.



(24) ينص
الفصل 305 من مجلة الحقوق المدنية التونسية الصادرة
بالقانون رقم 5 لسنة 1965م على الآتي: لا يسرى مرور الزمن على الحق
المرسم".



(25) على
سبيل المثال نصت المادة 85 من قانون الملكية المسجلة في
ولاية إلينويس على الآتي:



Mfter land has been registered title
there to
adverse or in derogation to the title of the registered owrer
shall be acquiesced by any length of recession ونص
القانون في كل من ولاية
كالواينا الشمالية
North Carolinia وولاية جو رجيا Georgia على الآتي :


No title to hoyright
or interest in registered land in derogation of that of the registered owre shall be acquired prescription of adverse
possession (35)
راجع
The real property (possersory
title) Act 1979 الذي
ألغى المادة 45 من قانون
سنة 1900م والتي كانت تمنع التقادم في الأراضي المسجلة.



(26) راجع
على سبيل المثال قضية ورثة النيل عبد الله ضد عبد الله
عبد الله إدريس (مجلة الأحكام القضائية لسنة 1960م ص 58) ، وقضية عبد
الرحيم اليأس
ضد ورثة موسى كرار وآخرين (مجلة الأحكام القضائية لسنة 1968م ص 43)، وقضية
حكومة
السودان ضد الأمين البد راوي (مجلة الأحكام القضائية لسنة 1969م ص 37).



(27) في هذا
المعنى قالت محكمة الاستئناف في قضية أحمد كوكو ضد
ورثة الباقر حسن وآخرين (مدونة الأحكام القضائية – المجلد الثاني سنة 1932
إلى سنة
1940م).



Through history of
the present
government the legislature and the courts have shown little symparthy
of the registered landowner who has not only not cultivated the land
registered
in his name, but has been so negligent as not to obtian
over a considerable period any admission of his ownership from the
person in
possession, either by the collection of rent or otherwise (38) أنظر قضية أحمد
محمد إبراهيم ضد بتول مصطفى الحسن (مجلة
الأحكام القضائية لسنة 1966م ص 50).


(28) عباس
حسن ضد أحمد عباس حسن (مدونة الأحكام القضائية
السودانية – المجلد الرابع سنة 1948 إلى سنة 1949م ص 74).



(29) عبد
الفراج صاح ضد آدم عبد الفراج صالح وآخر (مجلة الأحكام
القضائية السودانية لسنة 1962م ص 256).



(30) حد
الزين رمضان ضد ورثة أبو الرضا بخيت (مجلة الأحكام
القضائية السودانية لسنة 1960م ص 34).



(31) بخيتة
يوسف حسن ضد برعي محمد دفع الله (مجلة الأحكام
القضائية السودانية لسنة 1968 ص 65).



(32) تقرأ
المادة 25 (أ) من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها كما يلي: استثناء مما نص
عليه في
هذا القانون تكون حقوق المالك سواء أكانت اكتسبت عند التسجيل الأول أم بعد
ذلك
بمقابل ذي قيمة أو باشر المحكمة ، حقوقاً غير قابلة للإبطال إلا على الوجه
المنصوص
عليه في هذا القانون ويملكها المالك مع كل الميزات



والحقوق التابعة
التي تتمتع بها خالية من كل المصالح والمطالبات الأخرى كيفما كانت وفقاًَ
للمصالح
المحدودة في السجل وفي هذا القانون ولكنها تكون خاضعة لأي حقوق أو مصالح
غير مسجلة
قد يكون أي شخص مستحقاً لها، إذا كان المالك غير مستحق لمنفعته الخاصة
(فيما بينه
وبين الشخص المستحق لمنفعتها)



(33) قالت
المحكمة :



Our
register is register of title, and the person whose hame
appears therein shall be decmed to be an
absolute
proprietor, in all respects and in particular when dealing with third
persons.
I don’t think it can be read in this section