الاختصاص المكاني
للمحاكم السورية
مقدمة
إن
الجهاز القضائي في الجمهورية العربية السورية إنما يتكون من جهات قضائية متميزة عن بعضها البعض إلى حد ما يسمح
أحيانا للتدخل بينها وهذه الجهات هي:
جهة القضاء العادي
جهة القضاء الإداري
جهة القضاء الاستثنائي
وكل
جهة من هذه الجهات تتكون من عدة طبقات و تشمل كل طبقة عدة محاكم والأصل إن القضاء
العادي هو الجهة القضائية المختصة للنظر في جميع المنازعات فله ولاية عامة لا يخرج
عنها إلا ما استثني بنص خاص وهذا ما أوردته المادة 25من قانون السلطة القضائية
الصادرة بالمرسوم التشريعي رقم 98 لعام 1961.
ولكن
قد تثار في كثير من الأحيان مسائل وقضايا حول اختصاص هذه الجهات و تداخلها وقد تكون هذه المسائل المثارة
أحيانا ضمن الجهة القضائية الواحدة وبين محاكمها سيما إذا كانت مختصة نوعيا وشخصيا
بنظر تلك المسائل المطروحة أمام القضاء.
لذلك
كان حريا على المشرع تحديد هذا الاختصاص بين المحاكم باختلاف جهاتها وأنواعها وقد
نظم المشروع السوري في قانون أصول المحاكمات بشقيه المدني والجزئي موضوع الاختصاص ومن بين هذا الاختصاص 0الاختصاص
المكاني الذي سنبحث به منفردا في هذه الأبحاث بقليل من التفصيل وكثيرا من العجلة
تعريف الاختصاص
القضائي وأنواعه
تعريفه:
أن
الاختصاص للنظر في أي دعوى تعرض على القضاء أنما هو:
" معيار تحديد ولاية – سلطة المحكمة للنظر في الدعاوى التي منحها
القانون حق الفصل به ".
أنواعه:
الاختصاص
القضائي وفق التشريع السوري ثلاثة أنواع:
-
اختصاص
قيمي : يتبع قيمة الحق المنازع عليه أو الشيء المدعى به فيتم تحديد المحكمة
المختصة على أساس هذه القيمة0
-
وإما
أن يكون الاختصاص نوعي:
وعندها
يتبع نوع الدعوى المطروحة أمام القضاء
فيتم تعين المحكمة صاحبة الولاية للنظر بهذه الدعاوى على أساس اختصاصها الشامل
للنظر بهذا النوع من الدعوى 0
وهنا
لابد من الإشارة إلى الاختصاص الاستثنائي الذي أوجده المشروع لاعتبارات اجتماعية
أو سياسية أو اقتصادية وأحدث محاكم خاصة للنظر بدعاوى معينة و سلب القضاء العادي
صاحب الولاية العامة حق النظر بها 0
-
وإما
أن يكون الاختصاص مكاني :
تعريف
الاختصاص المكاني
يقصد
بالاختصاص المكاني أو المحلي :
مجموعة
القواعد القانونية التي تعين المحكمة المختصة من بين عدة محاكم موزعة في دوائر
قضائية مختلفة للنظر في قضية معينة 0
ولابد
لنا عند البحث في التميز بين الاختصاص المكاني المعقود وللمحاكم المدنية والاختصاص
المكاني المعقود للمحاكم الجزائية0
الاختصاص
المكاني للمحاكم المدنية
معايير الاختصاص المكاني للمحاكم المدنية :
أن
القواعد المنظمة للاختصاص المكاني للمحاكم المدنية في التشريع السوري إنما تأخذ
بإحدى المعايير الثلاث التالية:
- المعيار
الأول:
و الذي يعتبر المبدأ الأساسي في هذه القواعد وهو
المعيار الناظر إلى شخص المتخاصمين وأما الاستثناءان منهما :
- المعيار
الثاني:
وهو
معيار موضوع النزاع 0
-
المعيار
الثالث:
وهو
معيار السبب القانوني للدعوى 0
فإذا
ما أخذ بمعيار شخص المتخاصمين فان الاختصاص ينعقد للمحكمة الموجود في دائرتها موطن
المدعى عليه0
وإذا
ما اخذ بمعيار موضوع النزاع أي الشيء المنازع عليه فان الاختصاص ينعقد للمحكمة
الموجود في دائرتها هذا الشئ0
وإما
إذا أخذ بمعيار السبب القانوني للدعوى فقد تكون المحكمة المختصة :
-
تلك التي يكون قد انعقد العقد في دائرتها أو جرى تنفيذه فيها.
-
أو المحكمة التي حدثت الواقعة التي نشئ عنها الضرر بإحدى المتخاصمين.
-
أو المحكمة التي فتحت التركة بدائرتها.
-
وتجدر الملاحظة إلى أن قواعد الاختصاص المحلي والأخذ بالمعايير السابقة إنما يبحث
بالاختصاص أمام محاكم الدرجة الأولى أما محاكم الدرجة الثانية (الاستئنافية) إنما
ينحصر اختصاصها المكاني بالدعاوى التي تنظر بها محاكم الدرجة الأولى الموجودة ضمن
دائرتها القضائية.
ويجب
التنويه إلى أنه إذا ما دفع أحد الخصوم بعدم اختصاص محكمة الدرجة الأولى مكانياً وعدم
إجابة هذه المحكمة لهذا الطلب أو الدفع فإنه إذا استؤنف قرارها هذا أمام محكمة
الدرجة الثانية التابعة لدائرتها القضائية فإن محكمة الاستئناف تبقى واضعة يدها
على الدعوى فيما إذا رأت أن المحكمة المختصة هي واقعة ضمن دائرتها القضائية وإذا
ما رأت أن المحكمة المختصة خارج دائرتها أحالت الدعوى بحالتها التي وصلت إليها إلى
محكمة الدرجة الثانية التي تتبع لها المحكمة مكانياً أصلا بنظر هذه الدعوى.
- إذا
تبين لنا مما سبق أن المشرع السوري أقر بناءاً على الاختصاص المكاني مبدأ أساسيا
في أنه يجب على المدعي أن يسعى إلى المدعى عليه وإن المحكمة المختصة محلياً بنظر
النزاع هي محكمة المدعى عليه وأوجد إلى جانب هذا المبدأ استثناءات مثيرة تقوم إما
إلى النظر لموضوع النزاع أو الشيء المنازع به وأما أن تقوم على أساس السبب
القانوني للدعوى لذلك سنتناول المبدأ ثم الاستثناءات عليه.
أولا: المبدأ اختصاص محكمة موطن المدعى عليه:
إن
المقصود بموطن المدعى عليه المكان الذي يقيم به الشخص عادتاً وبصورة مستقلة ودائمة
وإن المحكمة التي يقع ضمن دائرتها موطن المدعى عليه هي المحكمة المختصة مكانيا
للنظر في جميع الدعاوى الشخصية والدعاوى العينية المنقولة.
فقد نصت
المادة 81 من قانون أصول المحاكمات المدنية على ما يلي:
"
في دعاوى الحقوق الشخصية أو المنقولة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها
موطن المدعى عليه".
2-
إذا لم يكن للمدعى عليه موطن في سوريا للمحكمة التي يقع في دائرتها سكنه.
3-
إذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم"
إذا فإذا لم يكن للمدعى عليهم موطنا في سوريا فإن المحكمة المختصة هي التي يقع ضمن
مكان سكن المدعى عليه والسكن هو المحل الذي يأوي إليه الشخص بصورة مؤقتة وفي حال
لم يكن للمدعى عليه موطنا أو سكنا في سوريا فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة التي يقع
في دائرتها موطن المدعي أو سكنه فإذا لم يكن أيضاً لهذا الأخير موطناً أو سكناً
فأن الاختصاص ينعقد لمحكمة دمشق وهذا ما نصت عليه المادة 93 من قانون الأصول
المدنية.
ولابد
من التنويه إلى ما أقرته المادة 83 أصول مدنية في أنه:
"
تطبق على الأشخاص الاعتبارية قواعد الاختصاص ذاتها بالنسبة للأشخاص الطبيعية
لتحديد المحكمة المختصة محليا فالمحكمة المختصة هي التي يقع في دائرتها مركز إدارة
الشركة أو الشخص الاعتباري".
ثانياً استثناءات مبدأ محكمة موطن المدعى عليه:
الدعاوى
العينية والشخصية العقارية:
سواء
الدعاوى بأصل الحق أو دعاوى الحيازة أو الدعاوى الشخصية العقارية.
فقد
نصت المادة 82 من قانون أصول المحاكمات المدنية:
"
في الدعاوى العينية العقارية ودعاوى الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في
دائرتها العقار أو أحد أجزاءه إذا كان واقعاً في دوائر محاكم متعددة".
إذا
تعددت العقارات كان الاختصاص للمحكمة التي يقع أحدها في دائرتها.
وفي
الدعاوى الشخصية العقارية يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو
موطن المدعى عليه".
والمقصود
بالدعوى العينية العقارية الدعوى التي تتعلق بحق عيني على عقار بحسب نص المادة 85
من القانون المدني فإنه يعتبر مالاً عقارياً كل حق عيني يقع على عقار وكذلك كل
دعوى تتعلق بحق عيني على عقار.
والمقصود
بدعاوى الحيازة فهي الدعاوى التي لا تنازع على الملكية أصلا ولا تتعرض لأصل الحق
وهي أشبه بالدعوى المستعجلة لكنها تقع على حق عيني على العقار كدعوى استرداد
الحيازة ومنع التعرض.
والمقصود
بالدعوى الشخصية العقارية وبخلاف الدعوى العينية العقارية أعطى المشرع للمدعي الحق
بالخيار بين محكمتين الأولى المحكمة التي يقع ضمن دائرتها العقار والثانية محكمة
المدعى عليه والخيار بينهما للمدعي.
والعبرة
في استثناء المشرع الدعاوى العينية والشخصية العقارية من مبدأ محكمة موطن المدعى
عليه هي طبيعة هذه الدعاوى وما تفرضه من معاينة المحكمة للعقار أو للحق المدعى به
على ذلك العقار وما تصاحب سير الدعوى من إجراءات كالكشف على العقار والتحقيق
المحلي ضمن الدائرة الواقع فيها العقار.
2- الدعاوى المتعلقة بالتركات:
تنص
المادة 84 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أن الدعاوى المتعلقة بالتركات أو
التي يرفعها الدائن قبل قسمة التركة تكون من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها
محل فتح التركة وكذلك الدعاوى التي يرفعها بعض الورثة على بعض قبل قسمة
التركة".
نظراً
لأن الدعوى المتعلقة بالتركة أنما تهم الورثة جميعاً ولجمع كل المنازعات المتعلقة
بالتركة أمام محكمة واحدة نص المشرع على أن ينعقد الاختصاص في دعاوى التركات
للمحكمة التي فتحت في دائرتها التركة.
ولابد
من الإشارة إلى أنه في حال فتح التركة بجزء منها فقط في سوريا والباقي فتح خارج
سوريا لا يغير في قواعد الاختصاص المحلي شيء إذ أنه من المقرر قانوناً أن محل فتح
التركة هو أخر موطن للمتوفى المورث حتى ولو كان المورث غير سوري أو من جنسية أخرى
إذا كان أخر موطن له في سوريا.
3- الدعاوى التي يكون فيها اتفاق على محل مختار لتنفيذ العقد:
تنص
المادة 85 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه:
"في
المواد التي يكون فيها اتفاق على محل مختار لتنفيذ عقد يكون الاختصاص للمحكمة التي
يقع في دائرتها موطن المدعى عليه أو المحل المختار للتنفيذ ما لم يلحظ بالعقد
مصلحة المدعى عليه أو طرفي العقد".
إذا
ما اتفق طرفا العقد المتنازعان على تعيين المحكمة المختصة للنظر في نزاعهما على
أنها المحكمة التي اتفق على أن ينفذ العقد في دائرتها كان الخيار للمدعي في أن
يقدم دعواه أما أمام محكمة موطن المدعى عليه أو المحل المختار للتنفيذ.
ويشترط
لذلك الاختيار أن يكون طرفا العقد قد عيناه باختيارهما في العقد ويجب أن يكون
صريحا وثابتا بصورة واضحة ولا يجوز إثبات الموطن المختار ألا بالكتابة.
4- الدعاوى المتعلقة بالنفقة والحضانة:
نصت
المادة 90 من قانون أصول المحاكمات المدنية على :
"
في الدعاوى المتعلقة بالنفقة والحضانة والرضاع يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في
دائرتها موطن المدعي أو موطن المدعى عليه".
إن
المدعي في دعاوى النفقة مخير بين إقامة الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرتها
موطنه أو المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه وفي ذلك تسهيلا من المشرع
لطالب النفقة وتيسيرا له سيما وأن المدعي لم يدعي بالنفقة إلا لأنه بحاجتها بخلاف
أنه حق من حقوقه.
5- المنازعات المتعلقة بالتفليس والإعسار المدني:
المادة
86 أصول مدنية
"
في المنازعات المتعلقة بالتفليس أو الإعسار المدني يكون الاختصاص للمحكمة التي قضت
بهم ولا بد من الإشارة إلى أن محكمة الإفلاس أو الإعسار أنما هي محكمة موطن
المدين.
وإن
المحكمة الناظرة بالمنازعات الناشئة عن الإفلاس إنما هي أيضا المحكمة التي أعلنت
الإفلاس ولا يجوز الاتفاق بين الخصوم على تعيين مرجع قضائي أخر في النظر بهذه
الدعوى.
6-
الدعاوى المتعلقة بالتوريد والأشغال وأجور المساكن وأجور العمال والصناع يكون
الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي في دائرتها تم الاتفاق أو نفذ"
المادة 87 أصول مدنية.
وهنا
فإنه للمدعي حق الخيار بين ثلاثة محاكم
المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه .
والمحكمة التي تم في دائرتها الاتفاق.
والمحكمة التي نفذ الاتفاق في دائرتها.
فمثلا
المنازعات المتعلقة بعقد العمل أو المقاولة يكون الاختصاص المحلي بشأن المنازعة
فيه معقود لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي تم أو نفذ في دائرتها الاتفاق أو
التي نفذ في دائرتها العقد.
7- الدعاوى التجارية:
تنص
المادة 89 من قانون أصول المحاكمات المدنية:
"
في المواد التجارية يكون الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي في دائرتها
تم الاتفاق وتسليم البضاعة أو التي في دائرتها يجب الوفاء".
إذا
من هنا أيضا أجاز القانون للمدعي في منازعة تجارية أن يختار أحدى محاكم ثلاث:
1- محكمة موطن المدعى عليه وهذا طبقاً للمبدأ العام.
2- محكمة محل الاتفاق وتسليم البضاعة.
3- محكمة الوفاء.
8-
ولا بد من ذكر المادة 92 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي نصت في المنازعات المتعلقة
بمصروفات الدعاوى وأتعاب المحامين إذا وقعت المنازعات حولها يكون الاختصاص للمحكمة
التي فصلت في اصل الدعوى".
إلا
أن هذا النص قد جاء في قانون عام والمادة واجبة التطبيق في هذه المنازعات هي
المادة 53 و 61 و 130 من قانون تنظيم المهنة المحاماة حيث أعطت هذه المادة الحق
لمجلس فرع النقابة التي ينتمي أليه المحامي الفصل في دعاوى الأتعاب وهذه المادة
واجبة التطبيق حسب القاعدة القائلة الخاص يقدم على العام.
طبيعة قواعد الاختصاص المكاني المعقودة للمحاكم المدنية:
إن
قواعد الاختصاص المكاني المعقودة للمحاكم المدنية ليست من النظام العام فقد أوجدها
القانون لمصلحة إطراف الدعوى ويجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص المحلي من قبل المدعى
عليه وقبل أي دفع أخر ولا يجوز للمحكمة الحكم به من تلقاء نفسها.
حيث
نصت المادة 145 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه.
"يجب
أبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلي في بدء المحاكمة وقبل أي دفع أخر وألا سقط الحق
فيه".
وعلى
ذلك ربما أن الاختصاص المحلي ليس من النظام العام فأن للخصوم الاتفاق على لغة
قواعده باستثناء الاتفاق على المحكمة المختصة للنظر في اعتراض الغير سواء الأصلي
أو التبعي حسب نص المادة 267 من قانون الأصول المدنية.
وكذلك
فقد اقر الاجتهاد القضائي عدم اعتبار الاختصاص المحلي من النظام العام على ما جاءت
عليه المادة 145 من القانون حيث جاء في قرار محكمة النقض السورية رقم 967 اساس 378
لعام 1978 ما يلي:
"إن
واجب الإدلاء بعدم الاختصاص المحلي يكون في بدء المحاكمة وفي أول جلسة يدعى لها
الخصوم بدفوعه ولا يسلب المحكمة ولايتها أن يبرز من الطرفين اتفاقا مسبقا يعين
محكمة أخرى للفصل في النزاع ما لم يقترن هذا الطلب بموافقة الطرف الأخر".
للمحاكم السورية
مقدمة
إن
الجهاز القضائي في الجمهورية العربية السورية إنما يتكون من جهات قضائية متميزة عن بعضها البعض إلى حد ما يسمح
أحيانا للتدخل بينها وهذه الجهات هي:
جهة القضاء العادي
جهة القضاء الإداري
جهة القضاء الاستثنائي
وكل
جهة من هذه الجهات تتكون من عدة طبقات و تشمل كل طبقة عدة محاكم والأصل إن القضاء
العادي هو الجهة القضائية المختصة للنظر في جميع المنازعات فله ولاية عامة لا يخرج
عنها إلا ما استثني بنص خاص وهذا ما أوردته المادة 25من قانون السلطة القضائية
الصادرة بالمرسوم التشريعي رقم 98 لعام 1961.
ولكن
قد تثار في كثير من الأحيان مسائل وقضايا حول اختصاص هذه الجهات و تداخلها وقد تكون هذه المسائل المثارة
أحيانا ضمن الجهة القضائية الواحدة وبين محاكمها سيما إذا كانت مختصة نوعيا وشخصيا
بنظر تلك المسائل المطروحة أمام القضاء.
لذلك
كان حريا على المشرع تحديد هذا الاختصاص بين المحاكم باختلاف جهاتها وأنواعها وقد
نظم المشروع السوري في قانون أصول المحاكمات بشقيه المدني والجزئي موضوع الاختصاص ومن بين هذا الاختصاص 0الاختصاص
المكاني الذي سنبحث به منفردا في هذه الأبحاث بقليل من التفصيل وكثيرا من العجلة
تعريف الاختصاص
القضائي وأنواعه
تعريفه:
أن
الاختصاص للنظر في أي دعوى تعرض على القضاء أنما هو:
" معيار تحديد ولاية – سلطة المحكمة للنظر في الدعاوى التي منحها
القانون حق الفصل به ".
أنواعه:
الاختصاص
القضائي وفق التشريع السوري ثلاثة أنواع:
-
اختصاص
قيمي : يتبع قيمة الحق المنازع عليه أو الشيء المدعى به فيتم تحديد المحكمة
المختصة على أساس هذه القيمة0
-
وإما
أن يكون الاختصاص نوعي:
وعندها
يتبع نوع الدعوى المطروحة أمام القضاء
فيتم تعين المحكمة صاحبة الولاية للنظر بهذه الدعاوى على أساس اختصاصها الشامل
للنظر بهذا النوع من الدعوى 0
وهنا
لابد من الإشارة إلى الاختصاص الاستثنائي الذي أوجده المشروع لاعتبارات اجتماعية
أو سياسية أو اقتصادية وأحدث محاكم خاصة للنظر بدعاوى معينة و سلب القضاء العادي
صاحب الولاية العامة حق النظر بها 0
-
وإما
أن يكون الاختصاص مكاني :
تعريف
الاختصاص المكاني
يقصد
بالاختصاص المكاني أو المحلي :
مجموعة
القواعد القانونية التي تعين المحكمة المختصة من بين عدة محاكم موزعة في دوائر
قضائية مختلفة للنظر في قضية معينة 0
ولابد
لنا عند البحث في التميز بين الاختصاص المكاني المعقود وللمحاكم المدنية والاختصاص
المكاني المعقود للمحاكم الجزائية0
الاختصاص
المكاني للمحاكم المدنية
معايير الاختصاص المكاني للمحاكم المدنية :
أن
القواعد المنظمة للاختصاص المكاني للمحاكم المدنية في التشريع السوري إنما تأخذ
بإحدى المعايير الثلاث التالية:
- المعيار
الأول:
و الذي يعتبر المبدأ الأساسي في هذه القواعد وهو
المعيار الناظر إلى شخص المتخاصمين وأما الاستثناءان منهما :
- المعيار
الثاني:
وهو
معيار موضوع النزاع 0
-
المعيار
الثالث:
وهو
معيار السبب القانوني للدعوى 0
فإذا
ما أخذ بمعيار شخص المتخاصمين فان الاختصاص ينعقد للمحكمة الموجود في دائرتها موطن
المدعى عليه0
وإذا
ما اخذ بمعيار موضوع النزاع أي الشيء المنازع عليه فان الاختصاص ينعقد للمحكمة
الموجود في دائرتها هذا الشئ0
وإما
إذا أخذ بمعيار السبب القانوني للدعوى فقد تكون المحكمة المختصة :
-
تلك التي يكون قد انعقد العقد في دائرتها أو جرى تنفيذه فيها.
-
أو المحكمة التي حدثت الواقعة التي نشئ عنها الضرر بإحدى المتخاصمين.
-
أو المحكمة التي فتحت التركة بدائرتها.
-
وتجدر الملاحظة إلى أن قواعد الاختصاص المحلي والأخذ بالمعايير السابقة إنما يبحث
بالاختصاص أمام محاكم الدرجة الأولى أما محاكم الدرجة الثانية (الاستئنافية) إنما
ينحصر اختصاصها المكاني بالدعاوى التي تنظر بها محاكم الدرجة الأولى الموجودة ضمن
دائرتها القضائية.
ويجب
التنويه إلى أنه إذا ما دفع أحد الخصوم بعدم اختصاص محكمة الدرجة الأولى مكانياً وعدم
إجابة هذه المحكمة لهذا الطلب أو الدفع فإنه إذا استؤنف قرارها هذا أمام محكمة
الدرجة الثانية التابعة لدائرتها القضائية فإن محكمة الاستئناف تبقى واضعة يدها
على الدعوى فيما إذا رأت أن المحكمة المختصة هي واقعة ضمن دائرتها القضائية وإذا
ما رأت أن المحكمة المختصة خارج دائرتها أحالت الدعوى بحالتها التي وصلت إليها إلى
محكمة الدرجة الثانية التي تتبع لها المحكمة مكانياً أصلا بنظر هذه الدعوى.
- إذا
تبين لنا مما سبق أن المشرع السوري أقر بناءاً على الاختصاص المكاني مبدأ أساسيا
في أنه يجب على المدعي أن يسعى إلى المدعى عليه وإن المحكمة المختصة محلياً بنظر
النزاع هي محكمة المدعى عليه وأوجد إلى جانب هذا المبدأ استثناءات مثيرة تقوم إما
إلى النظر لموضوع النزاع أو الشيء المنازع به وأما أن تقوم على أساس السبب
القانوني للدعوى لذلك سنتناول المبدأ ثم الاستثناءات عليه.
أولا: المبدأ اختصاص محكمة موطن المدعى عليه:
إن
المقصود بموطن المدعى عليه المكان الذي يقيم به الشخص عادتاً وبصورة مستقلة ودائمة
وإن المحكمة التي يقع ضمن دائرتها موطن المدعى عليه هي المحكمة المختصة مكانيا
للنظر في جميع الدعاوى الشخصية والدعاوى العينية المنقولة.
فقد نصت
المادة 81 من قانون أصول المحاكمات المدنية على ما يلي:
"
في دعاوى الحقوق الشخصية أو المنقولة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها
موطن المدعى عليه".
2-
إذا لم يكن للمدعى عليه موطن في سوريا للمحكمة التي يقع في دائرتها سكنه.
3-
إذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم"
إذا فإذا لم يكن للمدعى عليهم موطنا في سوريا فإن المحكمة المختصة هي التي يقع ضمن
مكان سكن المدعى عليه والسكن هو المحل الذي يأوي إليه الشخص بصورة مؤقتة وفي حال
لم يكن للمدعى عليه موطنا أو سكنا في سوريا فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة التي يقع
في دائرتها موطن المدعي أو سكنه فإذا لم يكن أيضاً لهذا الأخير موطناً أو سكناً
فأن الاختصاص ينعقد لمحكمة دمشق وهذا ما نصت عليه المادة 93 من قانون الأصول
المدنية.
ولابد
من التنويه إلى ما أقرته المادة 83 أصول مدنية في أنه:
"
تطبق على الأشخاص الاعتبارية قواعد الاختصاص ذاتها بالنسبة للأشخاص الطبيعية
لتحديد المحكمة المختصة محليا فالمحكمة المختصة هي التي يقع في دائرتها مركز إدارة
الشركة أو الشخص الاعتباري".
ثانياً استثناءات مبدأ محكمة موطن المدعى عليه:
الدعاوى
العينية والشخصية العقارية:
سواء
الدعاوى بأصل الحق أو دعاوى الحيازة أو الدعاوى الشخصية العقارية.
فقد
نصت المادة 82 من قانون أصول المحاكمات المدنية:
"
في الدعاوى العينية العقارية ودعاوى الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في
دائرتها العقار أو أحد أجزاءه إذا كان واقعاً في دوائر محاكم متعددة".
إذا
تعددت العقارات كان الاختصاص للمحكمة التي يقع أحدها في دائرتها.
وفي
الدعاوى الشخصية العقارية يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو
موطن المدعى عليه".
والمقصود
بالدعوى العينية العقارية الدعوى التي تتعلق بحق عيني على عقار بحسب نص المادة 85
من القانون المدني فإنه يعتبر مالاً عقارياً كل حق عيني يقع على عقار وكذلك كل
دعوى تتعلق بحق عيني على عقار.
والمقصود
بدعاوى الحيازة فهي الدعاوى التي لا تنازع على الملكية أصلا ولا تتعرض لأصل الحق
وهي أشبه بالدعوى المستعجلة لكنها تقع على حق عيني على العقار كدعوى استرداد
الحيازة ومنع التعرض.
والمقصود
بالدعوى الشخصية العقارية وبخلاف الدعوى العينية العقارية أعطى المشرع للمدعي الحق
بالخيار بين محكمتين الأولى المحكمة التي يقع ضمن دائرتها العقار والثانية محكمة
المدعى عليه والخيار بينهما للمدعي.
والعبرة
في استثناء المشرع الدعاوى العينية والشخصية العقارية من مبدأ محكمة موطن المدعى
عليه هي طبيعة هذه الدعاوى وما تفرضه من معاينة المحكمة للعقار أو للحق المدعى به
على ذلك العقار وما تصاحب سير الدعوى من إجراءات كالكشف على العقار والتحقيق
المحلي ضمن الدائرة الواقع فيها العقار.
2- الدعاوى المتعلقة بالتركات:
تنص
المادة 84 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أن الدعاوى المتعلقة بالتركات أو
التي يرفعها الدائن قبل قسمة التركة تكون من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها
محل فتح التركة وكذلك الدعاوى التي يرفعها بعض الورثة على بعض قبل قسمة
التركة".
نظراً
لأن الدعوى المتعلقة بالتركة أنما تهم الورثة جميعاً ولجمع كل المنازعات المتعلقة
بالتركة أمام محكمة واحدة نص المشرع على أن ينعقد الاختصاص في دعاوى التركات
للمحكمة التي فتحت في دائرتها التركة.
ولابد
من الإشارة إلى أنه في حال فتح التركة بجزء منها فقط في سوريا والباقي فتح خارج
سوريا لا يغير في قواعد الاختصاص المحلي شيء إذ أنه من المقرر قانوناً أن محل فتح
التركة هو أخر موطن للمتوفى المورث حتى ولو كان المورث غير سوري أو من جنسية أخرى
إذا كان أخر موطن له في سوريا.
3- الدعاوى التي يكون فيها اتفاق على محل مختار لتنفيذ العقد:
تنص
المادة 85 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه:
"في
المواد التي يكون فيها اتفاق على محل مختار لتنفيذ عقد يكون الاختصاص للمحكمة التي
يقع في دائرتها موطن المدعى عليه أو المحل المختار للتنفيذ ما لم يلحظ بالعقد
مصلحة المدعى عليه أو طرفي العقد".
إذا
ما اتفق طرفا العقد المتنازعان على تعيين المحكمة المختصة للنظر في نزاعهما على
أنها المحكمة التي اتفق على أن ينفذ العقد في دائرتها كان الخيار للمدعي في أن
يقدم دعواه أما أمام محكمة موطن المدعى عليه أو المحل المختار للتنفيذ.
ويشترط
لذلك الاختيار أن يكون طرفا العقد قد عيناه باختيارهما في العقد ويجب أن يكون
صريحا وثابتا بصورة واضحة ولا يجوز إثبات الموطن المختار ألا بالكتابة.
4- الدعاوى المتعلقة بالنفقة والحضانة:
نصت
المادة 90 من قانون أصول المحاكمات المدنية على :
"
في الدعاوى المتعلقة بالنفقة والحضانة والرضاع يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في
دائرتها موطن المدعي أو موطن المدعى عليه".
إن
المدعي في دعاوى النفقة مخير بين إقامة الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرتها
موطنه أو المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه وفي ذلك تسهيلا من المشرع
لطالب النفقة وتيسيرا له سيما وأن المدعي لم يدعي بالنفقة إلا لأنه بحاجتها بخلاف
أنه حق من حقوقه.
5- المنازعات المتعلقة بالتفليس والإعسار المدني:
المادة
86 أصول مدنية
"
في المنازعات المتعلقة بالتفليس أو الإعسار المدني يكون الاختصاص للمحكمة التي قضت
بهم ولا بد من الإشارة إلى أن محكمة الإفلاس أو الإعسار أنما هي محكمة موطن
المدين.
وإن
المحكمة الناظرة بالمنازعات الناشئة عن الإفلاس إنما هي أيضا المحكمة التي أعلنت
الإفلاس ولا يجوز الاتفاق بين الخصوم على تعيين مرجع قضائي أخر في النظر بهذه
الدعوى.
6-
الدعاوى المتعلقة بالتوريد والأشغال وأجور المساكن وأجور العمال والصناع يكون
الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي في دائرتها تم الاتفاق أو نفذ"
المادة 87 أصول مدنية.
وهنا
فإنه للمدعي حق الخيار بين ثلاثة محاكم
المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه .
والمحكمة التي تم في دائرتها الاتفاق.
والمحكمة التي نفذ الاتفاق في دائرتها.
فمثلا
المنازعات المتعلقة بعقد العمل أو المقاولة يكون الاختصاص المحلي بشأن المنازعة
فيه معقود لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي تم أو نفذ في دائرتها الاتفاق أو
التي نفذ في دائرتها العقد.
7- الدعاوى التجارية:
تنص
المادة 89 من قانون أصول المحاكمات المدنية:
"
في المواد التجارية يكون الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي في دائرتها
تم الاتفاق وتسليم البضاعة أو التي في دائرتها يجب الوفاء".
إذا
من هنا أيضا أجاز القانون للمدعي في منازعة تجارية أن يختار أحدى محاكم ثلاث:
1- محكمة موطن المدعى عليه وهذا طبقاً للمبدأ العام.
2- محكمة محل الاتفاق وتسليم البضاعة.
3- محكمة الوفاء.
8-
ولا بد من ذكر المادة 92 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي نصت في المنازعات المتعلقة
بمصروفات الدعاوى وأتعاب المحامين إذا وقعت المنازعات حولها يكون الاختصاص للمحكمة
التي فصلت في اصل الدعوى".
إلا
أن هذا النص قد جاء في قانون عام والمادة واجبة التطبيق في هذه المنازعات هي
المادة 53 و 61 و 130 من قانون تنظيم المهنة المحاماة حيث أعطت هذه المادة الحق
لمجلس فرع النقابة التي ينتمي أليه المحامي الفصل في دعاوى الأتعاب وهذه المادة
واجبة التطبيق حسب القاعدة القائلة الخاص يقدم على العام.
طبيعة قواعد الاختصاص المكاني المعقودة للمحاكم المدنية:
إن
قواعد الاختصاص المكاني المعقودة للمحاكم المدنية ليست من النظام العام فقد أوجدها
القانون لمصلحة إطراف الدعوى ويجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص المحلي من قبل المدعى
عليه وقبل أي دفع أخر ولا يجوز للمحكمة الحكم به من تلقاء نفسها.
حيث
نصت المادة 145 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه.
"يجب
أبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلي في بدء المحاكمة وقبل أي دفع أخر وألا سقط الحق
فيه".
وعلى
ذلك ربما أن الاختصاص المحلي ليس من النظام العام فأن للخصوم الاتفاق على لغة
قواعده باستثناء الاتفاق على المحكمة المختصة للنظر في اعتراض الغير سواء الأصلي
أو التبعي حسب نص المادة 267 من قانون الأصول المدنية.
وكذلك
فقد اقر الاجتهاد القضائي عدم اعتبار الاختصاص المحلي من النظام العام على ما جاءت
عليه المادة 145 من القانون حيث جاء في قرار محكمة النقض السورية رقم 967 اساس 378
لعام 1978 ما يلي:
"إن
واجب الإدلاء بعدم الاختصاص المحلي يكون في بدء المحاكمة وفي أول جلسة يدعى لها
الخصوم بدفوعه ولا يسلب المحكمة ولايتها أن يبرز من الطرفين اتفاقا مسبقا يعين
محكمة أخرى للفصل في النزاع ما لم يقترن هذا الطلب بموافقة الطرف الأخر".