الطعن رقم 5124 لسنة 52 بتاريخ 14/04/1983
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين: أولا ( 1 ) المتهمين جميعاً: قتلوا ................ عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وعقدوا العزم على ذلك وترصدوه في المكان الذي أيقنوا تواجده به وما إن ظفروا به حتى أطلقوا عليه وابلا من الأعيرة النارية من أسلحتهم التي أعدوها لهذا الغرض قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته واقترنت هذه الجناية بجنايتين أخريين هما أنهم في الزمان والمكان سالفي البيان قتلوا ..... عمدا مع سبق الإصرار والترصد وشرعوا في قتل ................ عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتلهما وأعدوا لذلك أسلحة نارية (بنادق) وترصدوهما بالمكان الذي اعتادا الجلوس به وما إن ظفروا بهما حتى أمطروهما رميا بالأعيرة النارية قاصدين قتلهما فأحدثوا بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياة أولهما وأوقف أثر الجريمة بالنسبة لثانيهما لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو فراره قبل الإجهاز عليه ومدراكته بالعلاج. (2) أحرزوا بغير ترخيص بنادق مششخنة وأخرى لا يجوز الترخيص بحيازتها وإحرازها (3): أحرزوا ذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية سالفة الذكر. (ثانياً): المتهمين الأول والثاني أيضاً: ارتديا علانية كسوة رسمية خاصة بجنود القوات المسلحة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر ذلك. وادعى كل من ....( ابن المجني عليه الثاني)  و .... (المجني عليه الثالث) مدنيا قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملا بالمواد 45، 46، 23، 231، 232، 234 /2، 156 من قانون العقوبات والمواد 1/1، 6، 26/ 2، 3، 5، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954المعدل بالقوانين 546 لسنة 1954، 75 لسنة 1958، 26 لسنة 1978والبند "ب" من القسم الثاني من الجدول رقم 3 الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادتين 32/ 2، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة عما أسند إلى كل منهم ومصادرة الأسلحة والذخائر المضبوطة وإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا إلى كل من المدعيين بالحقوق المدنية مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض .. الخ
المحكمة
حيث إن مبني الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجنايتي قتل عمد وشروع فيه مع سبق الإصرار والترصد وبجنايتي إحراز أسلحة نارية مششخنة وذخائر بغير ترخيص ودان الأول والثاني بجريمة لبس كسوة رسمية خاصة بجنود القوات المسلحة قد خالف القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في الإسناد وإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه عول في قضائه على شهادة المجني عليه الثالث ((............)) رغم أنها جاءت متأخرة وهي شهادة منه لنفسه فلا تكون مقبولة شرعا لمخالفتها مبادئ الشريعة الإسلامية الصريحة في عدم قبول الشهادة المتأخرة ومن يجر لنفسه مغنما وبالتالي مخالفة الحكم للدستور الذي يقضي في مادته الثانية بأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، كما استند الحكم إلى ما شهد به هذا الشاهد في التحقيقات وبالجلسة من أن الطاعنين الأولين كانا في مقدمة الباقين مرتدين زيا عسكريا مع أن أقواله بالجلسة لا تساند الحكم فيما حصله منها، ولم يعن بالرد على ما أثاره الدفاع من تناقض أقواله مع أقوال الشاهد ((..........)) وتعارضها مع الدليل الفني إذ أن مؤدى أقواله أن الأرض مستوية بمكان الحادث في حين أن الثابت من التقرير الطبي الشرعي الموقع عليه أن الضارب كان في مستوي أعلى منه بقليل، هذا إلى أن الحكم أحال في بيان شهادة الشاهد ((................)) إلى مضمون ما شهد به الشاهد ((...........)) رغم اختلاف أقوالهما في شأن رؤية المجني عليه الثالث قبل الحادث حاملا صفحة الطعام والجهة التي قدم منها الخفيران، كما أغفل في تحصيله لأقوال الشاهد ((....................)) ما قرره من أن كلا من الطاعنين الثالث والرابع كان مرتديا زيا عسكريا وما قرره الشاهد ((....................)) بشأن وصف ملابس الطاعنين الثاني والخامس وكيفية رؤيته لهما واستدل بأقوال شهود الإثبات رغم أن شهادة كل منهم لا تفيد بذاتها تدليلا على مقارفة الطاعنين لما أسند إليهم إذ أن المجني عليه الثالث فر من مكان الحادث بعد إصابته كما أن باقي الشهود لم يروا واقعة القتل وإنما شهدوا بوقائع سابقة ولاحقة عليها، فضلا عن أنه أغفل الرد على دفاع الطاعنين بأن بلاغ الحادث جاء خلوا من ذكر أسماء الجناة وأسند الاتهام إلى مجهول، يضاف إلى ذلك أن الحكم لم يدلل على توافر نية القتل في حق الطاعنين تدليلا كافيا وسائغا إذ أن أغلب إصابات المجني عليهما الأولين وإصابة المجني عليه الثالث ليست في مقتل وجاء الحكم قاصرا في بيان تلك الإصابات غير القاتلة وموضعها من الجسم هذا إلى أن المجني عليه الثالث نفى قصد قتله، كما أنه استدل على توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد بما لا يسوغ به توافرهما إذ استند في إثباتهما إلى ما قاله من أن الطاعنين ارتكبوا الحادث بعد تفكير في هدوء وترو وأنهم كانوا عالمين باعتياد المجني عليهم بالجلوس في المكان الذي وقع فيه الحادث دون أن يبين سنده فيما ذهب إليه. وأخيرا فقد أنبنى دفاع الطاعنين على أن الحادث لم يقع على الوجه الوارد بالتحقيق وفق مفهوم شهادة المجني عليه الثالث شاهد الرؤية استنادا إلى ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه الأول ((......................)) مصاب بعضتين آدميتين أغفلهما الحكم ووجود بقايا طعام غير مميز بمعدته بما يدل على التحام الجناة والمجني عليهم وقرب مسافة إطلاق النار وأن الحادث لم يقع أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار وإلا لتميز الطعام لأنه أثر مضغة يبدأ هضمه وطلبوا مناقشة الطبيب الشرعي في دلالة عدم تميز الطعام بالمعدة وصولا لتحديد وقت وقوع الحادث إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع وطلب التحقيق المتعلق به بما لا يصلح ردا. كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما تبين من معاينة النيابة العامة لمكان الحادث وما ثبت من التقارير الطبية الشرعية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان ما نص عليه الدستور المادة الثانية منه أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس واجب الأعمال بذاته وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا فيما يستنه من قوانين ومن ثم فإن أحكام تلك الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ وبالتالي فإنه لا مجال للتحدي بأحكام الشريعة الإسلامية ما دام أن السلطة التشريعية لم تفرغ مبادئها في تشريع وضعي، وكان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين - إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجرائم معينة - وإنما ترك حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام أن له مأخذه من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن تأخر الشاهد في أداء شهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد اطمأنت إليها، ذلك أن تقدير الدليل من سلطة محكمة الموضوع ومن ثم فإن تعويل الحكم المطعون فيه على شهادة المجني عليه في قضائه بالإدانة بعد أن أفصحت المحكمة عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بشهادته يكون مبرءا من مخالفة القانون وينحل نعي الطاعنين في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات المضمومة تحقيقا للطعن أن ما أورده الحكم من أقوال المجني عليه الثالث له مأخذه الصحيح من التحقيقات - وهو ما لا ينازع فيه الطاعنون - وكان لا ينال من سلامة الحكم أن ينسب أقوال هذا الشاهد إلى التحقيق الابتدائي، وجلسة المحاكمة رغم خلو أقواله بالجلسة من أن الطاعنين الأول والثاني تقدما الباقين مرتدين زيا عسكريا. إذ أن الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحا محددا مبينا به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجا مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي إيرادا له وردا عليه، وكان الطاعنون لم يكشفوا بأسباب الطعن عن أوجه التناقض بين أقوال المجني عليه الثالث والشاهد ............... والتضارب فيها بل ساقوا قولهم مرسلا مجهلا فضلا عما هو مقرر من أنه لا يقدح في سلامة الحكم عدم اتفاق أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فان النعي على الحكم في هذا المقام فضلا عن عدم قبوله يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وكان الحكم المطعون فيه لم يحصل من أقوال المجني عليه الثالث أن الأرض مستوية بمكان الحادث بل أورد من أقواله أن عميه المجني عليهما الأولين كانا جالسين على ((مصطبة)) بينما كان هو جالسا على مقعد يتناولون جميعا طعام الإفطار وأثناء ذلك دخل عليهم الطاعنون حاملين بنادق سريعة الطلقات وما أن اقتربوا منهم إلى مسافة أربعة أمتار حتى أطلقوا عليهم أعيرة نارية أصابت عميه كما أصابته إحداها في ساقه اليمني فسارع بالهرب بينما استمر الطاعنون في إطلاق الأعيرة على عميه، ونقل عن التقرير الطبي الشرعي الموقع عليه أن إصابته بالساق اليمني نارية تنشأ من عيار ناري معمر بمقذوف مفرد يتعذر تحديد نوعه لعدم استقراره وأطلق من مسافة جاوزت مدى الإطلاق القريب ويمكن حدوثها وفق التصوير الوارد بأقواله وفي تاريخ يتفق وتاريخ الحادث ومن كل من البندقية الروسي المضبوطة وأي من الطلقات والمقذوفين من عيارهما وأيضا من أي من البندقتين اللي انفليد المضبوطتين وكذا من أي الطلقات التشيكي والألماني، وإذا كان ما أورده الحكم من أقوال المجني عليه المذكور لا يتعارض بل يتلاءم مع ما نقله عن الدليل الفني فيما تقدم فإن ما يثيره الطاعنون من قالة جمع الحكم بين دليلين متناقضين يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذا كان الطاعنون لا يجادلون في أن أقوال الشاهدين ((..............)) و ((....................)) متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة الجوهرية المشهود عليها وهي مشاهدتهما الطاعنين حاملين أسلحتهم متجهين بها صوب مكان جلوس المجني عليهم ثم سماعهما صوت الأعيرة النارية فلا يؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوالهما في غير ذلك إذ أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال ثانيهما إلى ما حصله من أقوال أولهما فيما اتفقا فيه أنه لم يستند في قضائه إلى ما اختلفا فيه من أقوال طالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا تناقضا في حكمها ومن ثم فان النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم قانونا إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها أطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم من إغفاله تحصيل بعض أقوال الشاهدين ................، ..................  في شأن وصف الملابس التي كان يرتديها الطاعنون وكيفية مشاهدة الثاني لبعضهم لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند إلى أدلة الثبوت التي أوردها في مجموعها المستمدة من أقوال شهود الإثبات بين راء وسامع ومن بينهم المجني عليه الثالث شاهد الرؤية ومما تبين من معاينة النيابة لمكان الحادث ومما ثبت من التقارير الطبية الشرعية وهي تؤدي في مجموعها إلى ما رتبه الحكم عليها من ثبوت مقارفة الطاعنين للجرائم المسندة إليهم ولما كان من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجه في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه فإن ما يثيره الطاعنون في شأن استناد الحكم إلى أقوال شهود الإثبات رغم أن شهادة كل منهم لا تفيد بذاتها تدليلا على مقارفتهم الجريمة لا يكون مقبولا. لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعنون في شأن عدم اشتمال التبليغ عن الحادث على أسماء الجناة مردودا بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات فان النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل بقوله ((وحيث إنه عن نية القتل فثابتة من أقوال الشهود والتحريات وما قرره المتهمون بالتحقيقات من وجود خصومة ثأرية بينهم والمجني عليهم ومن أنهم أمطروهم بالأعيرة النارية ولم يتركوهم إلا وقد أيقنوا أنهم أجهزوا عليهم ولولا فرار المجني عليه ............ ومداركته بالعلاج لأجهزوا عليه مع عميه المجني عليهما)). ولما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان ما أورده الحكم على النحو المتقدم كافيا وسائغا في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين، وكان الحكم - فوق ذلك - قد بين إصابات المجني عليهم ومواضعها من الجسم بيانا كافيا على نحو ما كشفت عنه مدوناته إذ نقل عن التقارير الطبية الشرعية - بما لا يجادل الطاعنون في صحة إسناد الحكم بشأنها - أن المجني عليه الأول أصيب بخمسة أعيرة بين الصدر وبين الرأس وبالفخذ الأيمن والمرفق الأيسر وتعزي الوفاة للإصابة النارية بالجثة وما أحدثته من تهتك ونزيف بالأحشاء الصدرية والبطنية والتمزقات بالأنسجة الرخوة للأطراف والكسور بعظامها، وأن المجني عليه الثاني أصيب بستة أعيرة بالطرفين العلويين والرأس والعنق والجزع وبخمسة عشرا عيارا بالطرفين السفليين الأيمن والأيسر وتعزى الوفاة لإصاباته النارية وما أحدثته من كسور بالحنجرة وتهتك للقصبة الهوائية والبلعوم وكسور بالأضلاع على الجانبين وتهتك بالقلب والرئتين والأحشاء البطنية والأوعية الدموية وكسور بالعمود الفقري وتهتكات بالنخاع الشوكي وكسور بعظام الأطراف ونزيف دموي، وإصابة المجني عليه الثالث بعيار ناري بالساق اليمنى بما تنحسر عن الحكم قالة القصور في البيان في هذا الصدد، وفضلا عن ذلك فإن جريمة القتل العمد لا تتطلب سوى ارتكاب فعل على المجني عليه بنية قتله يؤدي بطبيعته إلى وفاته سواء أكانت الوفاة حصلت من إصابة وقعت في مقتل أم من إصابة وقعت في غير مقتل ما دامت الوفاة نتيجة مباشرة للجريمة ومتى بين الحكم جريمة القتل من ثبوت نية القتل واستعمال أسلحة نارية قاتلة بطبيعتها وحدوث الوفاة من الإصابات النارية فلا يعيبه عدم بيان الإصابات الواقعة في مقتل وتلك الواقعة في غير مقتل ما دام أنه بينها جميعا - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ونسب حدوثها إلى الطاعنين جميعا دون غيرهم. أما قول المجني عليه الثالث بجلسة المحاكمة أن الطاعنين استهدفوا عميه بإطلاق النار عليهما أو أنه نفى في التحقيقات قصد قتله - كما يثير الطاعنون في طعنهم - فإن هذا القول لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل بالنسبة له من كافة ظروف الدعوى وملابساتها ولأن ما أورده الحكم بيانا لنية القتل وتوافرها لدى الطاعنين بالنسبة لجريمة قتل المجني عليهما الأولين ينعطف حكمه بطريق اللزوم إلى جريمة الشروع في قتل المجني عليه الثالث ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعنون حول تعييب الحكم في بيانه لنية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرفي سبق الإصرار والترصد وكشف عن توافرهما في قوله ((وحيث إنه عن ظرفي سبق الإصرار والترصد فقد اعتاد المجني عليهم الجلوس بمكان الحادث وشهد بذلك من سئلوا بالتحقيقات من شهود الحادث وقرر بذلك خفيرا الحراسة اللذان يجلسان من الخارج والمتهمون عالمون بذلك ومتيقنون منه وفكروا في هدوء وروية باعثهم للقتل أخذا بالثأر فأعدوا وخططوا وانتظروا وتربصوا واختاروا يوما للتنفيذ معدين الأسلحة والملابس وقد جاء المجني عليهم في مكان الحادث الأمر الذي يتوافر معه ظرفي سبق الإصرار والترصد كما هما معرفين به في القانون .. .. ولما كان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصا، وكان يكفي لتحقيق ظرف الترصد مجرد تربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه أو وجوده به ليتوصل بذلك إلى مفاجأته والاعتداء عليه، وكان البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج، وكان لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحا ودالا مباشرة على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ولما كان ما قاله الحكم في تدليله على توفر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حق الطاعنين من علمهم باعتياد المجني عليهم الجلوس في مكان الحادث وما استطرد إليه من أنهم جاءوا المجني عليهم في هذا المكان باعثهم على القتل الأخذ بالثأر بعد أن أعملوا الفكر وأعدوا أسلحتهم وملابسهم لهذا الغرض له مأخذه من أوراق الدعوى ومستمدا مما شهد به شهود الإثبات الذين لا يجادل الطاعنون في صحة ما حصله الحكم من أقوالهم فضلا عن استخلاص الحكم توافر هذين الظرفين من ظروف الدعوى وملابساتها وقرائن الأحوال فيها، وكان ما استظهره الحكم للاستدلال على هذين الطرفين من وقائع وأمارات كشفت عنهما هو مما يسوغ به هذا الاستخلاص فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون له محل. فضلا عن ذلك فإنه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعنين وهي الأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة - تدخل في الحدود المقررة لأي من جنايتي القتل العمد التي قارفوها مجردة من أي ظروف مشددة، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين اتفاقهم على قتل المجني عليهما الأولين وباشر كل منهم فعل القتل تنفيذا لما اتفقوا عليه مما مقتضاه قانونا مساءلتهم جميعا عن جريمة القتل العمد دون حاجة إلى تعيين من منهم أحدث الإصابات القاتلة فإن مصلحتهم في إثارة الجدل حول توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حقهم أو عدم توافرهما تكون منتفية. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان الحكم قد اطمأن إلى شهادة المجني عليه الثالث وصحة تصويره للواقعة من أن الطاعنين أطلقوا النار على المجني عليهم من مسافة أربعة أمتار وهو ما لا يتعارض مع ما نقله عن تقريري الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي من أن الأعيرة النارية التي أصابت المجني عليهم أطلقت من مسافات جاوزت مدى الإطلاق القريب وأن إصاباتهم جائزة الحدوث وفق تصوير المجني عليه الثالث، وإذ كان البين من مجموع ما أورده الحكم أنه أسند إلى الطاعنين دون غيرهم أنهم أطلقوا الأعيرة النارية من أسلحتهم على المجني عليهم وأحدثوا بهم الإصابات النارية التي أودت بحياة الأولين دون أن يسند إليهم إحداث الإصابتين العضيتين بالمجني عليه الأول اللتين أظهرهما التقرير الطبي الشرعي واللتين لم يكن لهما دخل في إحداث الوفاة ولم ترفع الدعوى الجنائية بشأنهما واستظهر قالة المجني عليه الثالث بما يتفق وصحة هذا الإسناد وذلك التصوير ونقل عن تقرير الصفة التشريحية الموقع على جثة المجني عليه الأول أن الوفاة نشأت عن الإصابات النارية وحدها، وكانت مدونات الحكم - فوق ذلك - بينة الدلالة على أن أحدا آخر سوى الطاعنين لم يعتد على المجني عليه الأول في الحادث الذي سقط فيه صريعا فإن جدل الطاعنين في تصوير الواقعة بدعوى التحام الجناة والمجني عليهم وما رتبوه على ذلك من قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني في هذا الصدد يكون غير سديد، ولا يؤثر في ذلك أن يكون الحكم قد أغفل الإشارة إلى الإصابتين العضيتين بالمجني عليه الأول، ذلك بأن الأصل أنه متى كان الحكم قد أنصب على إصابة بعينها نسب إلى المتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المتهم هو محدثها فليس به من حاجة إلى التعرض لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى مما لا يصح معه القول بأن سكوت الحكم عن ذكرها يرجع إلى أنه لم يفطن لها، كما أنه لا وجه لمجادلة الطاعنين فيما اطمأنت إليه المحكمة من تصوير المجني عليه الثالث لوقوع الحادث أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار ذلك بأن تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى أن المجني عليه الثالث قد رأى الطاعنين وتحقق منهم وهم يطلقون الأعيرة النارية على عميه المجني عليهما الأولين وإصابته من إحداها أثناء تناولهم طعام الإفطار والى أن بعض شهود الإثبات قد رأو الطاعنين وهم حاملين أسلحتهم متوجهين بها صوب مكان جلوس المجني عليهم ثم سماعهم صوت الأعيرة النارية والى أن البعض الآخر رأو الطاعنين بعد ارتكاب الحادث وهم يطلقون الأعيرة النارية أثناء فرارهم وإسراع هؤلاء إلى مكان الحادث حيث شاهدوا المجني عليهما الأولين صريعين والمجني عليه الثالث مصابا على مسافة منهما فضلا عما تبين من الاطلاع على المفردات أن وكيل النيابة المحقق باشر التحقيق الساعة 11.30 صباحا بعد إخطاره بالحادث وأنه يبين من الحقيقة المادية الثابتة بمعاينة النيابة أن وكيل النيابة انتقل لإجراء المعاينة الساعة 12.30 ظهر يوم الحادث ومن بين ما أثبته في المعاينة وجود جثة المجني عليه الأول مسجاة على الأرض بجوار ((المصطبة)) ووجود جثة المجني عليه الثاني فوق ((المصطبة)) وبجوارها مائدة طعام الإفطار وهو مكون من خبز وشرائح سمك وطعمية وسلاطة طماطم وعنب كما وجد بعض هذا الطعام متناثرا على الأرض، كما يبين من تقرير الصفة التشريحية الموقع على جثة المجني عليه الأول ((...............)) أن النيابة طرحت في مذكرتها للطبيب الشرعي أن الحادث وقع في الثامنة صباحا أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار وفق رواية المجني عليه الثالث وأثبت الطبيب الشرعي أنه أجرى تشريح الجثة في الساعة 3.30 مساء يوم الحادث وضمن تقريره وجود بقايا قليلة من طعام غير مميز بمعدة المجني عليه وخلا تقريره مما يفيد أنه طعام مهضوم أو داخل في مرحلة الهضم وانتهى في تقريره إلى أنه قد مضى على الوفاة لحين تشريح الجثة عدة ساعات وأنه من الجائز حدوث إصابات المجني عليه وفق تصوير المجني عليه الثالث الذي طرحته النيابة في مذكرتها، وإذ كان هذا الذي أثبتته المعاينة والدليل الفني لا يتعارض بل يتلاءم مع شهادة المجني عليه الثالث بأن الحادث وقع في الصباح أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار ولا يؤثر في ذلك أن يكون الطبيب الشرعي لم يتيسر له تمييز نوع الطعام بمعدة المجني عليه الأول وهي عبارة أراد لها الطاعنون معنى معين لم يسايرهم فيه الحكم طالما أنه اطمأن إلى ما حواه الدليل الفني من وجود بقايا طعام بالمعدة وخلا من شبهة دخوله في مرحلة الهضم، وإذ كان ذلك فان كل ما يثيره الطاعنون من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليه الثالث أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وكانت المحكمة قد أقامت قضائها على ما اقتنعت به مما حواه تقرير الصفة التشريحية بما لا يتعارض مع قالة المجني عليه الثالث من وقوع الحادث في الصباح أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن طلب دعوة الطبيب الشرعي لتحقيق دفاع الطاعنين المبني على المنازعة في صورة الواقعة ووقت وقوعها ما دام أنه غير منتج في نفي التهمة عنهم على ما سلف بيانه ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بقالة الإخلال بحق الدفاع لهذا السبب في غير محله. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا