الطعن رقم 742 لسنة 13 بتاريخ 24/05/1943
إن المادة 145 من قانون العقوبات وهي تنص على عقاب "كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء، إما بإيواء الجاني المذكور، وإما بإخفاء أدلة الجريمة، وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك" لم يرد فيها ما يفيد أنه يشترط أن يصر المتهم كل مدة التحقيق على فعل الإعانة الذي وقع منه، بل لقد جاء نصها عاماً مطلقاً لا يقبل مثل هذا القيد. ولا وجه لقياس هذه الجريمة، في هذا الصدد، على شهادة الزور. فإن الشهادة أمام المحكمة وحدة لا تتجزأ، لأن القضاة الذين يسمعونها لا يتغيرون أثناء المحاكمة، وهم إنما يصدرون حكمهم في الدعوى بناء على التحقيقات التي يجرونها بأنفسهم فيها، فكل ما يجيء على لسان الشاهد أمامهم - مهما كان فيه من خلاف أو تناقض - يؤخذ جملة عند التقدير على أنه هو ما شهد به الشاهد. أما التحقيقات الابتدائية فإنها عمليات متعددة مختلفة متتالية قوامها السرعة في العمل ولا يجب فيها ألا يتغير المحقق، وذلك لا يصح معه اعتبارها منذ البدء فيها حتى الانتهاء منها كلاً غير متجزئ كما هو الشأن في المحاكمة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تمثيل من يعين الجاني في التحقيق على الفرار من وجه القضاء بالشاهد الذي يشهد زوراً أمام المحكمة لا يمكن أن يكون - لو جاز هذا التمثيل - إلا في حالة إبداء أقوال كاذبة في التحقيق بشأن الجريمة، أما سائر الحالات الواردة في المادة 145 فالتمثيل فيها ممتنع بالبداهة. ولما كان ذلك، وكان الواجب أن يكون حكم الجريمة الواحدة واحداً في جميع الصور التي عددها القانون لوقوعها، ثم لما كانت المادة 145 المذكورة قد اقتبست من شرائع لا تجعل لعدول المتهم عن فعل الإعانة تأثيراً في مسئوليته الجنائية، وكانت قد استثنت من حكمها أشخاصاً لم ينص في مواد شهادة الزور على إعفائهم من العقاب، وكذلك لما كانت المادة 144ع المأخوذة عن القانون الفرنسي قد نصت على جريمة تشبه تلك التي نص عليها في المادة 145 من عدة وجوه ولم يقل عنها أحد عندهم إن حكمها حكم شهادة الزور فيما يختص بعدول المتهم عن فعل الإعانة - لما كان ذلك كله كذلك فإنه يتعين القول بأن عدول المتهم بالجريمة الواردة بالمادة 145ع عما ارتكبه من قول أو فعل في سبيل إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء لا يصح أن يرفع عنه المسئولية الجنائية