الطعن رقم 2144 لسنة 36 بتاريخ 25/04/1967
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 10/6/1966 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية: عرضا رشوة على موظف مكلف بخدمة عمومية للامتناع عن عمل من الأعمال المكلف بها وللإخلال بواجباتها بأن عرضا على السيد/ .......... العضو المتفرغ بالمكتب التنفيذي بالإتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية لشئون الفلاحين والمكلف بالاشتراك في إجراءات بحث تصفية الإقطاع الزراعي دفع مبلغ ألف جنيه أصدر له بها المتهم الأول شيكين لحامله وذلك على سبيل الرشوة مقابل التغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه من مخالفة المتهم الأول لقانون الإصلاح الزراعي ونظير التستر على هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع ولكن المكلف بالخدمة العمومية لم يقبل الرشوة منهما. والمتهم الأول حاز بوضع اليد أرضا زراعية غير مملوكة له تجاوز الخمسين فدانا المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 104 و109 و110 و111/5 من قانون العقوبات. وبالمادة 37 من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 المعدل بالقانونين 24 لسنة 1958 و127 لسنة 1961 بشأن الإصلاح الزراعي. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا بتاريخ 29 سبتمبر سنة 1966 عملا بالمواد 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية و109 و111/5 و32 من قانون العقوبات و37 من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 المعدل بالقانونين 24 لسنة 1958 و127 لسنة 1961. (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه عن التهمتين. (ثانيا) معاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث إن الطاعنين مجتمعين ينعيان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أقام قضاءه بالإدانة على أن عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي مكلف بخدمة عامة في حكم الفقرة الخامسة من المادة 111 من قانون العقوبات تصدق في حقه جريمة عرض الرشوة في مجال تطبيق المادة 109 مكررا منه، مع أنه ليس كذلك، على سند من القانون الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي والإعلان الدستوري الصادر في 24 مارس سنة 1964 اللذين حددا دور هذا الاتحاد بأنه تنظيم شعبي سياسي يقتصر اختصاصه على المجال السياسي، وأبقاه الدستور خارج الإطار القانوني للدولة فلم يخوله أي قدر من السلطة العامة التي قصر حق مباشرتها على سلطات الحكم التقليدية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذه وحدها هي التي تملك حق التكليف بالخدمة العامة من دونه، وإذ ما كان مشروع قانون العقوبات الجديد قد تضمن نصا ألحق به أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي بالموظفين العموميين ومن في حكمهم طبقا للمادة 111 من قانون العقوبات، فإنه بذلك يكون قد كشف عن أن القانون - بنصوصه الحالية - لا يعين على اعتبارهم كذلك. وقد تأدى الحكم من ذلك إلى خطأ آخر إذ اعتبر أن ما وقع من الطاعنين تتوافر به جريمة عرض الرشوة مع أن هذه الواقعة كانت قد انقضت برفض الصراف...... الوساطة لدى المجني عليه، فكان سعي الأخير من بعد - للإيقاع بالطاعنين - واقعة جديدة مثبتة عن الواقعة الأولى، وهي في صورتها هذه لا تنطوي على عرض الرشوة من جانبهما، وإنما تتضمن طلبا لها من جانب المجني عليه، الأمر الذي تفتقد به جريمة عرض الرشوة - التي دين الطاعنان بها - ركنها المادي وهو واقعة العرض ذاتها.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعنين بأنهما في يوم 10 يونيه 1966 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية، عرضا رشوة على مكلف بخدمة عامة للامتناع عن عمل من الأعمال المكلف بها والإخلال بواجباته في هذه الخدمة بأن عرضا على السيد/...... العضو المتفرغ بالمكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية لشئون الفلاحين والمكلف بالاشتراك في إجراءات بحث وتصفية الإقطاع الزراعي دفع مبلغ ألف جنيه أصدر له بها المتهم الأول شيكين لحامله وذلك على سبيل الرشوة في مقابل التغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه من مخالفة المتهم الأول لقانون الإصلاح الزراعي ونظير التستر على هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع ولكن المكلف بالخدمة العامة لم يقبل الرشوة منهما، كما أن المتهم الأول خلال العام الزراعي 65 و66 وحتى 10/6/1966 حاز بوضع اليد الفعلي أرضا زراعية غير مملوكة له تجاوز الخمسين فدانا المصرح بها في القانون، وطلبت النيابة العامة معاقبتهما بالمواد 104 و 109 و110 و111/5 من قانون العقوبات والمادة 37 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 24 لسنة 1958 و127 لسنة 1961 بشأن الإصلاح الزراعي. ومحكمة الجنايات بحكمها المطعون فيه قضت بمعاقبة الطاعن الأول بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه عن التهمتين وبمعاقبة الطاعن الثاني بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه وذلك طبقا لمواد الاتهام بعد استبعاد المادتين 104 و110 من قانون العقوبات وإعمال حكم الفقرة الثانية من المادة 32 منه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه عقب حادث كمشيش الذي اغتيل فيه أحد أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي على يد بعض الإقطاعيين نشط أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي المختصين بوحي من الأجهزة المهيمنة على نشاطه في تتبع أوكار الإقطاع المتخلف في البلاد وفي تقديم التقارير والمذكرات في هذا الصدد تمهيدا للقضاء نهائيا على جيوب الإقطاع ومعاقبة أولئك الذين يتحايلون على مخالفة القوانين الإصلاحية وبالأخص قوانين الإصلاح الزراعي بتملك أو حيازة أرض زراعية أكثر من المسموح به قانونا أو أولئك الذين يعيشون في الأرض فسادا وإجراما مرتكنين في ذلك على ما كان لهم من قوة أو سطوة الأسرة، وقد علم السيد/ ......... عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية المختص بشئون الفلاحين والمتفرغ لهذا العمل أن المتهم الأول......... يحوز بوضع اليد فعلا أرضا زراعية غير مملوكة له بناحية المعمورة أكثر من المسموح به في القانون ومساحتها 25 فدانا بعقود صورية حررت بأسماء مستأجرين هم في حقيقة الأمر مجرد أجراء لديه فأنهى ذلك لرياسته بالاتحاد الاشتراكي بالإسكندرية كما قدم بذلك مذكرة للجهات العليا المختصة فكف بمواصلة البحث في هذا الموضوع وتتبع ما عسى أن يكون قد ارتكبه المتهم الأول من مخالفات، فاتصل بالمستأجرين المزعومين وعلم منهم بصفة قاطعة وبأقوال وقعوا عليها أنهم إنما يعملون كأجراء لدى المتهم الأول وأنهم إن كانت الأرض قد وزعت عليهم في الظاهر إلا أن الحائز الحقيقي لها والذي يستغلها فعلا لمصلحته هو المتهم الأول الذي رفض أن يسلمها إليهم، وحدث بطبيعة الحال أن علم المتهم الأول بتحريات السيد/ ......... التي يجريها كما علم بذلك صديقه المتهم الثاني......... المفتش بالإصلاح الزراعي فاتصل ثانيهما بإيعاز أولهما بالشاهد...... صراف ناحية المعمورة التي تتبعها الأراضي الزراعية التي يحوزها المتهم الأول بالمخالفة لأحكام القانون وطلب إليه أن يتصل بدوره بالسيد/ ....... ليعمل من جانبه على عدم إبلاغ الرؤساء المختصين بحقيقة الأمر بشأن هذه الأرض وعلى توزيعها على المستأجرين الصوريين ومنع أي ضرر قد يلحق بالمتهم الأول بهذا الخصوص مفهما إياه بأن المتهم مستعد لترضية السيد/ .........إن هو قام بما يطلب، ثم تقابل الشاهد المذكور مع السيد/.......... وأبلغه بهذه المحاولة من جانب المتهمين وبأنه أفهم المتهم الثاني أنه أي السيد/........ ليس من أولئك الذين يستهويهم المال فما كان من الشاهد الأول السيد/ ....... إلا أن طلب من الصراف أن يجاري المتهمين حتى يتمكن من إلقاء القبض عليهما متلبسين وأبلغ ما تقدم إلى السيد أمين الاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية فكلفه بإبلاغ ذلك إلى البوليس الذي طلب إليه - بعد الاتصال بالسيد رئيس النيابة - أن يستمر في إجراءاته وفي يوم الجمعة 10/6/1966 ذهب السيد/ ......... إلى الصراف ....... وطلب إليه أن يتصل تليفونيا بالمتهم الثاني..... لتحديد ميعاد للمقابلة فتم ذلك بالفعل وحدد ميعاد المقابلة بممر القهوة التجارية بالإسكندرية الساعة الثامنة مساء فأخطر السيد/......... البوليس الذي ندب بعض الضباط لمراقبة هذه المقابلة ومحاولة الاستماع لما يدور فيها وفي الميعاد المضروب توجه السيد/ ....... مع الصراف .......... إلى القهوة التجارية حيث وجدا المتهمين بانتظارهما - وكان ضابطان من البوليس قد جلسا على مقربة منهما - فانضما إلى المتهمين حول المائدة التي يجلسان إليها وعرض المتهم الثاني على السيد/....... مبلغ 200ج لينهي الأمر دون مساس بالمتهم الأول فتظاهر السيد/ ...... بأن المبلغ قليل وقد تدخل الصراف طالبا رفعه إلى 500ج وانتهى الأمر بتحديد مبلغ ألف من الجنيهات فأخرج المتهم الأول من جيبه دفتر شيكاته وسلمه إلى المتهم الثاني الذي حرر شيكين كل منهما بمبلغ 500ج أحدهما مؤرخ في 10/6/1966 والثاني في 20/6/1966 واتفق على أن يستولى السيد/ ..... في اليوم التالي على مبلغ 500ج من المتهم الأول وعلى أن يرد له الشيك الأول أما الشيك الثاني فيقبض في ميعاده ووقع المتهم الأول على الشيكين وسلمهما إلى الصراف الذي أعطاهما للسيد/ ........ ثم انصرفا متجهين إلى البوليس حيث قدما الشيكين فأبلغت النيابة وبدأ التحقيق وقبض على المتهمين وفتش منزلاهما ومكتب المتهم الأول فعثر في جيب المتهم الأول على دفتر الشيكات الذي حرر منه الشيكان المضبوطان" وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال كل من ...... عضو الاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية و.... صراف ناحية المعمورة والرائد ...... والنقيب .......، و...... و....... و............ و.......... و.............. وإلى أقوال الطاعنين و....... وكيل الطاعن الأول والمهندس...... وإلى ما تبين من كتاب الاتحاد الاشتراكي العربي المؤرخ 15 يونيه 1966 في شأن صفة واختصاصات المجني عليه وهي أدلة سائغة ولها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان رئيس الجمهورية قد أصدر القرار رقم 1789 لسنة 1961 بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر وطني يقدم إليه فيه مشروع بميثاق العمل الوطني ثم أصدر القرار بقانون رقم 35 لسنة 1962 بتشكيل المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي انعقد في 21 مايو سنة 1962 وقدم إليه رئيس الجمهورية مشروع الميثاق فأقره المؤتمر وأعلنه في 30 يونيه سنة 1962، كما قدم إليه أيضا في 2 يوليه سنة 1962 مشروع إقامة الاتحاد الاشتراكي العربي، وبتاريخ 4 يوليه 1962 فوض المؤتمر رئيس الجمهورية في تشكيل لجنة تنفيذية عليا مؤقتة لهذا الاتحاد وبناء على هذا التفويض أصدر رئيس الجمهورية في 28 أكتوبر 1962 القرار الجمهوري رقم 3607 لسنة 1962 بتشكيل اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي لتقوم بإعداد البحوث والدراسات اللازمة لقيام تشكيلات التنظيم وممارسة أوجه نشاطه وعرض اقتراحاتها على اللجنة التنفيذية العليا التي أصدرت من بعد النظام الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي. وقد نص في هذا النظام "أن الاتحاد الاشتراكي العربي وهو السلطة الشعبية يقوم بالعمل القيادي والتوجيهي وبالرقابة التي يمارسها باسم الشعب بينما يقوم مجلس الأمة وهو سلطة الدولة العليا ومعه المجالس النقابية والشعبية بتنفيذ السياسة التي يرسمها الاتحاد الاشتراكي العربي " ثم صدر الدستور في 24 مارس سنة 1964 فأكد هذا المعنى ولم يخرج عن مدلوله بما نص عليه في المادة الثالثة منه من أن "الوحدة الوطنية التي يصنعها تخالف قوى الشعب العامل وهي الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانيات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة". لما كان ذلك، وكان هذا التسلسل التشريعي يكشف عن السند القانوني للاتحاد الاشتراكي العربي وتشكيلاته المنبثقة عنه، وأنه إنما يمارس سلطاته واختصاصاته ومن بينها "الرقابة الفعالة ...... وليصفي ما تبقى من آثار تحكم الرأسمالية والإقطاع" حسبما ورد في مقدمة نظامه على سند صحيح من القانون. ولما كانت منظمات الاتحاد الاشتراكي العربي، ومن بينها المكاتب التنفيذية، هي الموكول إليها تنفيذ الاختصاصات المنوطة به بما في ذلك القضاء على آثار الإقطاع، وهو ما من شأنه التحري عن تهريب الأراضي الزراعية والكشف عن صور الانحرافات المختلفة، ويتم ذلك عن طريق أعضاء هذه المكاتب. ولما كانت عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي وإن تكن بالاختيار الشخصي إلا أنها تصبح، لمن ينضمون إلى عضويته - تكليفا بالخدمة للقادرين على الوفاء بها، وهو ما جرت به الكتب السنوية الصادرة عن الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المكلف بالخدمة العمومية هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع ولو لم يكن من طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين مادام أن هذا الشخص قد كلف بالعمل العام ممن يملك هذا التكليف. ولما كان المجني عليه ...... عضوا باللجنة التي شكلها المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية والخاصة بتصفية الإقطاع، متخصصا بمكتب شئون الفلاحين ومن اختصاصه بحث كافة الشكاوى المتعلقة بالفلاحين وبحث مخالفات التهرب من قوانين الإصلاح الزراعي وتحقيقها، على ما أورده الحكم المطعون فيه استنادا إلى الكتاب الصادر عن الاتحاد الاشتراكي العربي لمحافظة الإسكندرية بتاريخ 15 يونيه 1965، فإنه بذلك يقوم بخدمة عامة يباشرها بتكليف ممن يملكه وهو ما لم يخطئ الحكم في استخلاصه. ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعنان في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من أن العرض الصادر منهما كان قد سقط بصد الصراف لهما عن السعي في رشوة المجني عليه فكان سعي هذا الأخير - من بعد - إلى طلب الرشوة واقعة جديدة مقطوعة الصلة بالواقعة الأولى فإنه يبين من مساق الحكم المطعون فيه أنه أطرح ما قيل من أن الصراف صد الطاعنين عن الرشوة وما ترتب على ذلك من القول بأن عرض الرشوة كان قد انقضى من جانب الطاعنين، وأقام قضاءه على أساس أن هذا العرض استمر قائما منذ أن اتصل الطاعن الثاني بالصراف ليسعى إلى المجني عليه بالرشوة إلى أن انتهى هذا العرض بتقديم الشيكين إليه على سبيل الرشوة، فلم يكن مسعى المجني عليه - من بعد - طلبا للرشوة مما يوفر واقعة جديدة على نحو ما يثيره الطاعنان في وجه طعنهما، وإنما كان في واقعة استمرارا للواقعة الأولى. ولما كان ما أورده الحكم من ذلك يتحقق به الركن المادي لجريمة عرض الرشوة التي دين الطاعنان بها، ولا ينال من ذلك مظهر الاستجابة من جانب المجني عليه لعرض الطاعنين، ذلك بأن لا يشترط لقيام جريمة عرض الرشوة أن يكون المجني عليه جادا في قبولها إذ يكفي لقيام تلك الجريمة مجرد عرض الرشوة - ولو لم تقبل - متى كان العرض حاصلا لموظف عمومي أو من في حكمه. ويكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن في غير محله.
وحيث إن سائر ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه هو التناقض في التسبيب والخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أورد في بيان واقعة الدعوى أن الصراف ....... قد أفضى إلى المجني عليه بأنه صد الطاعنين عن السعي إليه بالرشوة، وأن المجني عليه طلب إليه مجاراتهما حتى يتم القبض عليهما متلبسين بالجريمة، غير أن الحكم عاد - وهو بسبيل الرد على ما دفع به الطاعنان من أن المجني عليه هو الذي سعى إلى طلب الرشوة - فأطرح هذه الأقوال بمقالة إن الصراف هو مصدرها الوحيد، على خلاف ما هو ثابت في التحقيقات من أن المجني عليه أيد الصراف في روايته تلك، هذا إلى أن الحكم حصل من أقوال المجني عليه أنه تسلم الشيكين مناولة الصراف بالمخالفة لما أورده من مؤدى أقوال الصراف من أن الشيكين بقيا معه ولم يسلمهما إلى المجني عليه، ومع أن هذا التعارض يتصل بواقعة جوهرية لها أثرها في ثبوت أو نفي عرض الرشوة إذ أن من شأن استبقاء الصراف للشيكين أن ينفي عن الطاعن عرض الرشوة ويساند دفاعه بأن تسليم الشيكين إليه إنما كان تنفيذاً لاتفاق بينهما متضمنا قبول الطاعن توزيع الأرض على المستأجرين وسداد الديون المستحقة عليها لبنك التسليف وتفويض الصراف في هذا السداد بموجب الشيكين المسلمين إليه، فإن الحكم لم يلتفت إلى هذا التعارض بين الأدلة فيعمد إلى رفعه. كما أن الحكم اعتبر الأرض موضوع التهمة الثانية التي دين الطاعن بها أرضا زراعية لمجرد أنها ظلت تزرع حتى تاريخ الواقعة، مع أنها كانت قد بيعت في 9 نوفمبر سنة 1954 من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي طبقا لأحكام القانون رقم 565 لسنة 1964 إلى شركة سياحية التزمت قانونا بتقسيمها وتخصيصها لإقامة مدينة سكنية عليها، وبذلك تعتبر أرضا مقسمة معدة للبناء، من الجائز أن تكون قد خصصت كلها أو بعضها للمنفعة العامة بمقتضى القانون رقم 34 لسنة 1959، وبذلك تكون الأرض قد فقدت - في الحالين - صفتها كأرض زراعية وخرجت بالتالي من نطاق تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 في شأن الإصلاح الزراعي. ولا يغير من ذلك أن تكون الشركة المشترية قد تركت الأرض بطريق التسامح وبصفة مؤقتة لاستغلالها زراعيا، إذ أن ذلك ليس من شأنه أن يضفي مركزا أو يكسب حقا على خلاف القانون. وأخيراً فإن الحكم عول في الإدانة على أقوال الرائد....... والنقيب........ مع أن ما أورده من أقوالهما لا ينتفي به دفاع الطاعن في خصوص جريمة عرض الرشوة أو يؤدي إلى ثبوتها في حقه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وساق أدلتها مستندة إلى أقوال الشهود التي أورد مؤداها بما له أصله الثابت في الأوراق، استظهر من ظروف الحال في الدعوى أن رواية الصراف....... من أنه صد الطاعنين عن رشوة المجني عليه وأنه - أثناهما عن عرضهما الرشوة عليه، هي رواية غير صادقة، وأن حقيقة الأمر هي أنه سعى بالرشوة إلى المجني عليه، فإن ذلك من الحكم، لا يتعارض مع ما أثبته في صدره من أن الصراف أخبر المجني عليه بهذه الرواية المكذوبة، إذ الإخبار بأمر يختلف عن حصوله بالفعل، ولا يقدح في ذلك أن يكون المجني عليه قد نقل هذا القول عن الصراف لأن ذلك لا يعدو مجرد ترديد للقول لا يحمل معنى صحته أو تأييده وليس من شأنه أن يصم الحكم بالتعارض الذي يعيبه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر قصد الإرشاء في حق الطاعنين بالاستناد إلى أدلة الثبوت السائغة التي عول عليها مما تستقل محكمة الموضوع بتقديره، وكان ما أورده الحكم من أن الشيكين قد سلما إلى المجني عليه على سبيل الرشوة له سنده من أقوال الصراف وشهادة المجني عليه والضابطين وأقوال المتهم الثاني، وكان ما خلص إليه الحكم من ذلك لا يتعارض البتة مع كون تسليم الشيكين قد حصل عن طريق الصراف إذ يستوي لتكامل أركان جريمة الرشوة أن يكون دفع مبلغ الرشوة قد تم مباشرة إلى المجني عليه أو عن طريق وسيط ويكون ما يثيره الطاعن - من بعد - من أن الشيكين سلما إلى الصراف تنفيذاً للاتفاق الذي تم بينهما ووفاء للدين المستحق على الأرض هو وجه صورة للدعوى أطرحتها المحكمة ولم تأخذ بها ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكانت الأرض موضوع النزاع تدخل في نطاق كردون محافظة الإسكندرية، ولم يثبت صدور مرسوم بتقسيمها طبقا للقانون رقم 52 لسنة 1940 أو أن تجزئة لها قد تمت بوجه رسمي بالصورة الواردة في القرار التفسيري رقم 1 لسنة 1963 بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 في شأن الإصلاح الزراعي، وكان يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 60 لسنة 1962 بتصفية الشركة المصرية للأراضي والمباني - التي ابتاعت الأرض موضوع النزاع - أنها لم تقم من جانبها بتقسيم ما كانت قد ابتاعته من الأراضي الزراعية بناحية المعمورة وبتزويدها بالمرافق، وكان تخصيص جزء من الأراضي الزراعية للمنفعة العامة - لو صح ذلك - لا يفقدها بالنسبة إلى حائزها صفتها كأرض زراعية مادام أنها لم تستخدم بعد في الغرض العام الذي خصصت من أجله، وكان الطاعن لا ينازع في أن الأرض موضوع حيازته ظلت تزرع بالفعل حتى تاريخ الواقعة، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون سديدا متفقاً مع حكم القانون. هذا فضلا عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر التهمة الثانية في حقه مادامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة عرض الرشوة التي أثبتها في حقه ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما عول عليه الحكم من أقوال الرائد..... والنقيب ....... يتساند مع أقوال المجني عليه والصراف والمتهم الثاني وسائر الأدلة التي أوردها الحكم والتي من شأنها في مجموعها أن تكشف عن أن الطاعن اجتمع بالمجني عليه بقصد رشوته لحمله على الإخلال بواجبات خدمته وأنه دفع إليه مبلغ الرشوة في صورة شيكين سلمهما إليه وأن الحديث الذي دار بالمقهى ونقله الحكم عن الضابطين إنما انصب على هذا الغرض وحده. ولما كان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وهو ما لم تخطئ المحكمة فيه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير قويم.
وحيث إن باقي ما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم المطعون فيه هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والتناقض في التسبيب، ذلك بأنه اعتبر مجرد تسليم الشيكين بمبلغ الرشوة إلى المجني عليه يتحقق به الركن المادي لجريمة عرض الرشوة في حين لم يثبت أن لهذين الشيكين رصيد قائم وقابل للسحب مما ينتفي به معنى العطاء الذي يكون ذلك الركن وتنتفي به الجريمة بالتالي، وأنه وإن اعتبر التسليم بهذه المثابة وعدا بالعطاء، أو اعتبر عطاء كاملا وكان قد تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه وهو إبلاغ المسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي فعلى الحالين لا تتوافر جريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكررا من قانون العقوبات. كما أن الطاعن دفع بأنه حرر الشيكين بناء على طلب الطاعن الأول وفاء للديون المتأخرة على الأرض موضوع التهمة الثانية وسلمهما لهذا الغرض دون غيره وقد أطرح الحكم هذا الدفاع بما لا يسوغ به إطراحه. كما تمسك الطاعن بأن علاقة الطاعن الأول بمستأجري تلك الأرض هي علاقة تأجيرية صحيحة على سند من أقوال الشهود وبطاقات الحيازة وعقود الإيجار وهي علاقة لم يكن يحظرها قانون الإصلاح الزراعي قبل تعديله بالقانون رقم 127 لسنة 1961 ولو زادت الحيازة على خمسين فدانا فالتفت الحكم عن هذا الدفاع وأغفل الثابت فيما قدمه الطاعن من مستندات في شأنه. بل إنه قضى على خلافه ثم إن الحكم أغفل التحدث عن ظروف المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه والصراف والغرض منها بما يدحض ما هو مستفاد من ظروف الحال وأقوال المجني عليه وسائر الشهود من أن هذا الغرض إنما كان للاتفاق على قسمة الأرض وكيفية سداد الديون المستحقة عليها دون غيرها من الأغراض. هذا فضلا عن أن الحكم لم يبين واقعة الدعوى بيانا يكشف عن عناصر الجريمة والغرض من الرشوة واجتزأ من أقوال الشهود فلم يضمنها شيئا عن ذلك الغرض. كما أن الحكم تناقض حين اعتمد في الإدانة على ما قرره الطاعنان، ثم عاد وعدل وأثبت أنهما اعتصما بالإنكار، وكذلك حين أشار إلي أن قيمة الشيكين تمثل مقابل الرشوة، ثم أكد أنه لا يقابلهما رصيد قائم وقابل للسحب. ثم إنه لم يعمد إلى رفع التناقض بين ما قرره الشهود في شأن حيازة الطاعن الأول للأرض وما دلت عليه الأوراق المقدمة من أن المستأجرين هم أصحاب الحيازة الفعلية لها.
وحيث إنه يكفي لتوافر الركن المادي لجريمة عرض الرشوة أن يصدر وعد من الراشي إلى الموظف أو من في حكمه بجعل أو عطاء له متى كان هذا العرض جديا لا يهم في ذلك نوع العطاء المعروض ماديا كان أو يمكن تقويمه بمال وبقطع النظر عن الصورة التي قدم بها. ولما كان الشيك بطبيعته أداة دفع بمجرد الإطلاع ومن شأنه أن يرتب حقوقا لحامله قبل الساحب ولو لم يكن له رصيد قائم وقابل للسحب - فإن ما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الطاعن الأول قدم شيكين بمبلغ الرشوة بقصد حمله على الإخلال بواجباته في الخدمة العمومية الموكول إليه أداؤها، يكفي لتحقق الركن المادي لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكررا من قانون العقوبات، ذلك بأن وجود أو عدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب للشيكين المسلمين إلى المجني عليه على سبيل الرشوة هو ظرف خارج عن نطاق جريمة عرض الرشوة ولا مدخل له في اكتمال عناصرها القانونية. لما كان ذلك، وكان تقديم العطاء إلى المجني عليه يعتبر عرضا للرشوة - ولو تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه، وهو إبلاغ المجني عليه للمسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي - لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الطاعن ولا ارتباط له بجريمته فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالف ذلك من صور أخرى، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جريمة عرض الرشوة التي دان الطاعنين بها، متضمنة الغرض من الرشوة وهو امتناع المجني عليه عن عمل من الأعمال المكلف بها والإخلال بواجباته في هذه الخدمة بالتغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه عن مخالفة الطاعن الأول لقانون الإصلاح الزراعي والتستر على هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع، وأورد على ثبوتها أدلة سائغة مردودة لأصولها في الأوراق وتؤدي إلى ما رتب عليها، مستمدة من أقوال الشهود وسائر أدلة الدعوى، ودلل من واقعها على أن المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه كانت لغرض عرض الرشوة عليه لحمله على الإخلال بواجبات الخدمة العمومية التي وكل إليه أداؤها ولم تكن لغرض آخر، وهو محض تقدير موضوعي تستقل به محكمة الموضوع مادامت قد استخلصته من الأسباب السائغة التي أوردتها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن عن سبب تحرير الشيكين أو حيازة الطاعن الأول للأرض موضوع التهمة الثانية أو ظروف المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه والصراف والغرض منها لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو ذلك الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته البعض الآخر. ولما كان الحكم إذ أخذ بأقوال الطاعنين في التحقيقات لا يناقض ما أثبته من أنهما اعتصما بالإنكار بجلسة المحاكمة، وكذلك ما أشار إليه من أن الشيكين يمثلان مقابل الرشوة لا يتعارض مع عدم وجود رصيد لهما قائم وقابل للسحب كعطاء للرشوة على ما سلف بيانه، وكان باقي ما يثيره الطاعن هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تثار أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته - من كلا الطاعنين - على غير أساس ويتعين رفضه