النظام الواجب تطبيقه والمحكمة المختصة فى العقود المبرمه عبر الانترنت
النظام الواجب تطبيقه :
أولاً : أهمية تحديد النظام الواجب تطبيقه :
تعتبر الأعمال والعقود التي تتم عبر شبكات الإنترنت ذات طابع دولي لأن أطرافها في الغالب ينتمون إلى دول مختلفة, فقد وضعت شبكة الإنترنت أكثر دول العالم في حالة اتصال مستمر حيث أن المعلومات التي يتم تحميلها على الشبكة تنتشر في أنحاء العالم في لحظات وجيزة.
وهنا يأتي السؤال عن النظام الذي يجب تطبيقه في هذه العقود والأعمال, هل هو نظام المشتري ( المستهلك ) أم نظام البائع, أم نظام الوسيط في حالة وجوده, أم نظام موِّرد خدمة الإنترنت,...؟
لقد ناقشت الاتفاقيات الدولية والفقه القانوني هذه المسألة وتوصلوا إلى أن النظام الذي يجب تطبيقه هو نظام إدارة المتعاقدين الذي اتفقا عليه عند العقد ( قانون الإرادة ) شريطة أن لا يتبع ذلك حرمان المستهلك في عقود الاستهلاك(1) من الحماية التي توفرها الأحكام الآمرة لنظام الدولة التي بها محل إقامته العادية, ولعل السبب في ذلك واضح وهو حماية المستهلك بصفة أنه الطرف الأضعف أمام شركات الإنتاج والتسويق العالمية(2) ولما تستخدمه هذه الشركات من أساليب دعائية قد تتسبب في إيقاع الغرر لدى المتعاقد .
ثانياً : النظام الواجب تطبيقه في الفقه الإسلامي :
يحدد - في الغالب - أطراف التعاقد النظام الذي يجب تطبيقه على العقد, بأن يكونا اتفقا عليه في بداية العقد، أو أن الشركة قد نصت عليه في نموذج العقد .
______________
(1) وهي البيع والإيجار والقرض ونحوها من العقود التي يكون موضوعها تقديم سلع وخدمات لمن هو في حاجة إليها.
(2) انظر: النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية- د. عبد الفتاح حجازي 1/168 .
وهذا الاتفاق صحيح ويعمل به لقوله صلى الله عليه وسلم " والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً "(1)
ويستوي أن يكون هذا النظام لدولة معينة أو لجهة من الجهات أو المؤسسات التحكيمية, ولكن هذا الاتفاق محكوم بقاعدة شرعية أساسية هي أن يكون هذا النظام الذي اتفق عليه المتعاقدان راجعاً إلى الشريعة الإسلامية ومستمداً منها. وهذه المسألة مقررة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واتفق عليها أئمة الهدى في جميع الأعصار والأمصار.
قال تعالى: ]فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[ [النساء:59](2) وقال سبحانه:] وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[
[الشورى 9].
ويستوي في ذلك أن يكون جميع الخصوم من المسلمين, أو من المسلمين وغيرهم أو كانوا جميعاً من غير المسلمين. قال تعالى : ] وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ * فإِنْ تَوَلَّوْا فاْعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيِبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيِراً مِنَ اْلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ [المائدة:49-50] فالضمير في قوله " بينهم " راجع إلى اليهود, وذلك حينما أتى كبارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون تحكيمه بينهم وبين غيرهم من عامتهم وتعهدوا له إن حكم لهم ضدهم أن يؤمنوا به فتتبعهم بقية اليهود . فأنزل الله هذه الآيات(3), وحكم الجاهلية: كل ما سوى حكم الله سواءً كان قبل دين الإسلام أو بعده.(4)
ووصف جلّ وعلا من لم يحكم بما أنزل بالكفر والظلم والفسوق(5)، وبيَّن سبحانه وتعالى أن من شأن المنافقين أنهم إذا دعو إلى من يحكم بينهم وكان الحق عليهم يحكِّمون غير دين الله، وإن يكن الحق لهم يحكِّمون دين الله (6).
ومن خلال هذه النصوص القرآنية الكريمة يتبين لنا بوضوح وجلاء وجوب تحكيم شرع الله، وحرمة تحكيم غيره، وعلى ذلك فإنه لا يجوز الاتفاق على تحكيم نظام ليس مستمداً من الشريعة الإسلامية مهما كان هذا النظام , والاتفاق على ذلك اتفاق باطل غير صحيح , ولا يعمل به لأنه شرط "أحل حراماً" .
أما إذا كان الاتفاق على نظام دولة أو جهة تحكِّم الشريعة الإسلامية في تعاملاتها وتحكم وفق ما شرع الله فإنَّ هذا الاتفاق صحيح ويعمل به بين الأطراف .
ثالثاً: الواقع, والحلول المقترحة:
ما سبق أن قررناه من وجوب أن يكون النظام المحكَّم راجعاً إلى الشريعة الإسلامية ومستمداً منها محل اتفاق لا نزاع فيه، ولكن الوضع العملي للتعاقد بطريق الإنترنت حالياً قد لا يساعد على تطبيق هذه القاعدة الرئيسة من قواعد الدين الإسلامي، ذلك أن الشركات المتواجدة عبر شاشات العرض من دول اجنبية غير إسلامية، أومن دول إسلامية ولكن لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وغالباً ما يكون العقد المعدُّ من قبل الشركة العارضة موجوداً به اسم النظام الذي يحكم العقد، فكيف نوفق بين هذا الأساس في الدين الإسلامي وهو تحكيم شرع الله وبين الوضع العملي المنتشر حالياً؟ وما هي الحلول المناسبة لهذا الأمر ؟
إننا نجد أنفسنا بين خيارين هما :
الخيار الأول: أن نرضى بالأمر الواقع ونسلم به وهو التحاكم إلى تلك الأنظمة والقوانين بدعوى الضرورة والحاجة.
وهذا الخيار غير معتبر لأن تحكيم الشريعة الإسلامية أمر لا خيار فيه وليس متروكاً لرغبات المتعاقدين وإرادتهم، وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن الذين يصدُّون ويعرضون عن تحكيم شرعه, فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره(1) : أن رجلاً يزعم أنه مسلم كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي : أحاكمك إلى أهل دينك, لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ رشوة في الحكم, وأبى المسلم, فنزل قوله تعالى: ] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا[ [النساء 60-61] .
أما قاعدة الضرورة والحاجة فإنها غير متوفرة في هذه الحالة إلا في حالات مستثناه لا تنطبق على أكثر حالات التعاقد بطريق الإنترنت.
الخيار الثاني: البحث عن حلول مناسبة تتفق مع هذا الأساس في الدين الإسلامي.
ومن الحلول المقترحة التي أراها مناسبة للتطبيق ما يلي :
أولاً: اعتماد نص صريح بتحكيم الشريعة الإسلامية :
عندما يتعاقد المسلم مع الشركات الأجنبية والعالمية فإن عليه أن لا يرضى بالعقد الذي ينص على تحكيم نظام معين لدولة أجنبية لا تحكم بما أنزل الله, بل عليه أن يشترط أنَّ الذي يحكم العقد هو الشريعة الإسلامية، أو يذكر نظام دولة معينة تطبق الشريعة الإسلامية في معاملاتها.
ومن عوامل نجاح هذا الاقتراح الإلحاح في إيراد هذا الشرط من قبل المتعاقدين المسلمين، فإذا رأت شركات التسويق والإنتاج العالمية هذا الإلحاح المستمر والرغبة العامة فإنها لا شك سترضي بهذا الشرط وتضمنه عقودها مع المسلمين.
ثانياً: إنشاء مؤسسات تحكيم شرعية عالمية يكون لها مواقع عبر الإنترنت مما يتيح المجال لتحكيم الشريعة الإسلامية، وتلافي الوقوع في المخالفات الشرعية التي نصت عليها القوانين الوضعية وتكون هذه المؤسسات متميزة بما يلي:
1- النظام الواضح: ينبغي أن يكون لهذه المؤسسات نظام واضح وصريح تعتمد فيه على الأقوال الراجحة في الفقه الإسلامي مع الاستفادة مما توصلت إليه المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية لبعض الدول الإسلامية كهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ومجمع البحوث الإسلامية التابع لجامعة الأزهر، واللجنة العليا لتطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت وغيرها من الهيئات العلمية الشرعية في وطننا الإسلامي.
2- الإشراف المباشر: يلزم أن يكون لهذه المؤسسات ارتباط مباشر بأهل العلم والتقى بأن يكون على كل مؤسسة تحكيم هيئة رقابة شرعية تمتاز بالعلم والأمانة والعدل والقدرة على فهم المسائل المستجدة وتكييفها حسب الأحكام والمقاصد الشرعية.
3- التأهيل الشرعي : وذلك بأن يكون القائمون على التحكيم مؤهلين لهذا الأمر ولديهم الإلمام الكافي بالأحكام الشرعية في مسائل التحكيم التي يختصون بها.
ومما يؤيد جدوى هذا الحل ونجاح هذه الفكرة ما يلي :-
1.أن التحكيم يمتاز بالبساطة والحرية في اختيار المحكِّم والنظام الذي يجب تطبيقه.
2.ما يمتاز به التحكيم من السرعة في فصل الخصومة، والسرية، وقلة التكاليف والرسوم وأتعاب المحامين .
3.أن التحكيم أصبح في العصر الحالي الوسيلة الرديفة للقضاء وخاصة تسوية المنازعات الناشئة عن تنفيذ أو تفسير الأنظمة .
4.أن أكثر الأنظمة تعتبر بالتحكيم المطلق الذي يجيز للطرفين المتحاكمين تولية محكِّم يفصل بينهما بمقتضى العدالة والإنصاف(1).
النظام الواجب تطبيقه :
أولاً : أهمية تحديد النظام الواجب تطبيقه :
تعتبر الأعمال والعقود التي تتم عبر شبكات الإنترنت ذات طابع دولي لأن أطرافها في الغالب ينتمون إلى دول مختلفة, فقد وضعت شبكة الإنترنت أكثر دول العالم في حالة اتصال مستمر حيث أن المعلومات التي يتم تحميلها على الشبكة تنتشر في أنحاء العالم في لحظات وجيزة.
وهنا يأتي السؤال عن النظام الذي يجب تطبيقه في هذه العقود والأعمال, هل هو نظام المشتري ( المستهلك ) أم نظام البائع, أم نظام الوسيط في حالة وجوده, أم نظام موِّرد خدمة الإنترنت,...؟
لقد ناقشت الاتفاقيات الدولية والفقه القانوني هذه المسألة وتوصلوا إلى أن النظام الذي يجب تطبيقه هو نظام إدارة المتعاقدين الذي اتفقا عليه عند العقد ( قانون الإرادة ) شريطة أن لا يتبع ذلك حرمان المستهلك في عقود الاستهلاك(1) من الحماية التي توفرها الأحكام الآمرة لنظام الدولة التي بها محل إقامته العادية, ولعل السبب في ذلك واضح وهو حماية المستهلك بصفة أنه الطرف الأضعف أمام شركات الإنتاج والتسويق العالمية(2) ولما تستخدمه هذه الشركات من أساليب دعائية قد تتسبب في إيقاع الغرر لدى المتعاقد .
ثانياً : النظام الواجب تطبيقه في الفقه الإسلامي :
يحدد - في الغالب - أطراف التعاقد النظام الذي يجب تطبيقه على العقد, بأن يكونا اتفقا عليه في بداية العقد، أو أن الشركة قد نصت عليه في نموذج العقد .
______________
(1) وهي البيع والإيجار والقرض ونحوها من العقود التي يكون موضوعها تقديم سلع وخدمات لمن هو في حاجة إليها.
(2) انظر: النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية- د. عبد الفتاح حجازي 1/168 .
وهذا الاتفاق صحيح ويعمل به لقوله صلى الله عليه وسلم " والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً "(1)
ويستوي أن يكون هذا النظام لدولة معينة أو لجهة من الجهات أو المؤسسات التحكيمية, ولكن هذا الاتفاق محكوم بقاعدة شرعية أساسية هي أن يكون هذا النظام الذي اتفق عليه المتعاقدان راجعاً إلى الشريعة الإسلامية ومستمداً منها. وهذه المسألة مقررة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واتفق عليها أئمة الهدى في جميع الأعصار والأمصار.
قال تعالى: ]فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[ [النساء:59](2) وقال سبحانه:] وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[
[الشورى 9].
ويستوي في ذلك أن يكون جميع الخصوم من المسلمين, أو من المسلمين وغيرهم أو كانوا جميعاً من غير المسلمين. قال تعالى : ] وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ * فإِنْ تَوَلَّوْا فاْعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيِبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيِراً مِنَ اْلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ [المائدة:49-50] فالضمير في قوله " بينهم " راجع إلى اليهود, وذلك حينما أتى كبارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون تحكيمه بينهم وبين غيرهم من عامتهم وتعهدوا له إن حكم لهم ضدهم أن يؤمنوا به فتتبعهم بقية اليهود . فأنزل الله هذه الآيات(3), وحكم الجاهلية: كل ما سوى حكم الله سواءً كان قبل دين الإسلام أو بعده.(4)
ووصف جلّ وعلا من لم يحكم بما أنزل بالكفر والظلم والفسوق(5)، وبيَّن سبحانه وتعالى أن من شأن المنافقين أنهم إذا دعو إلى من يحكم بينهم وكان الحق عليهم يحكِّمون غير دين الله، وإن يكن الحق لهم يحكِّمون دين الله (6).
ومن خلال هذه النصوص القرآنية الكريمة يتبين لنا بوضوح وجلاء وجوب تحكيم شرع الله، وحرمة تحكيم غيره، وعلى ذلك فإنه لا يجوز الاتفاق على تحكيم نظام ليس مستمداً من الشريعة الإسلامية مهما كان هذا النظام , والاتفاق على ذلك اتفاق باطل غير صحيح , ولا يعمل به لأنه شرط "أحل حراماً" .
أما إذا كان الاتفاق على نظام دولة أو جهة تحكِّم الشريعة الإسلامية في تعاملاتها وتحكم وفق ما شرع الله فإنَّ هذا الاتفاق صحيح ويعمل به بين الأطراف .
ثالثاً: الواقع, والحلول المقترحة:
ما سبق أن قررناه من وجوب أن يكون النظام المحكَّم راجعاً إلى الشريعة الإسلامية ومستمداً منها محل اتفاق لا نزاع فيه، ولكن الوضع العملي للتعاقد بطريق الإنترنت حالياً قد لا يساعد على تطبيق هذه القاعدة الرئيسة من قواعد الدين الإسلامي، ذلك أن الشركات المتواجدة عبر شاشات العرض من دول اجنبية غير إسلامية، أومن دول إسلامية ولكن لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وغالباً ما يكون العقد المعدُّ من قبل الشركة العارضة موجوداً به اسم النظام الذي يحكم العقد، فكيف نوفق بين هذا الأساس في الدين الإسلامي وهو تحكيم شرع الله وبين الوضع العملي المنتشر حالياً؟ وما هي الحلول المناسبة لهذا الأمر ؟
إننا نجد أنفسنا بين خيارين هما :
الخيار الأول: أن نرضى بالأمر الواقع ونسلم به وهو التحاكم إلى تلك الأنظمة والقوانين بدعوى الضرورة والحاجة.
وهذا الخيار غير معتبر لأن تحكيم الشريعة الإسلامية أمر لا خيار فيه وليس متروكاً لرغبات المتعاقدين وإرادتهم، وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن الذين يصدُّون ويعرضون عن تحكيم شرعه, فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره(1) : أن رجلاً يزعم أنه مسلم كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي : أحاكمك إلى أهل دينك, لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ رشوة في الحكم, وأبى المسلم, فنزل قوله تعالى: ] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا[ [النساء 60-61] .
أما قاعدة الضرورة والحاجة فإنها غير متوفرة في هذه الحالة إلا في حالات مستثناه لا تنطبق على أكثر حالات التعاقد بطريق الإنترنت.
الخيار الثاني: البحث عن حلول مناسبة تتفق مع هذا الأساس في الدين الإسلامي.
ومن الحلول المقترحة التي أراها مناسبة للتطبيق ما يلي :
أولاً: اعتماد نص صريح بتحكيم الشريعة الإسلامية :
عندما يتعاقد المسلم مع الشركات الأجنبية والعالمية فإن عليه أن لا يرضى بالعقد الذي ينص على تحكيم نظام معين لدولة أجنبية لا تحكم بما أنزل الله, بل عليه أن يشترط أنَّ الذي يحكم العقد هو الشريعة الإسلامية، أو يذكر نظام دولة معينة تطبق الشريعة الإسلامية في معاملاتها.
ومن عوامل نجاح هذا الاقتراح الإلحاح في إيراد هذا الشرط من قبل المتعاقدين المسلمين، فإذا رأت شركات التسويق والإنتاج العالمية هذا الإلحاح المستمر والرغبة العامة فإنها لا شك سترضي بهذا الشرط وتضمنه عقودها مع المسلمين.
ثانياً: إنشاء مؤسسات تحكيم شرعية عالمية يكون لها مواقع عبر الإنترنت مما يتيح المجال لتحكيم الشريعة الإسلامية، وتلافي الوقوع في المخالفات الشرعية التي نصت عليها القوانين الوضعية وتكون هذه المؤسسات متميزة بما يلي:
1- النظام الواضح: ينبغي أن يكون لهذه المؤسسات نظام واضح وصريح تعتمد فيه على الأقوال الراجحة في الفقه الإسلامي مع الاستفادة مما توصلت إليه المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية لبعض الدول الإسلامية كهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ومجمع البحوث الإسلامية التابع لجامعة الأزهر، واللجنة العليا لتطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت وغيرها من الهيئات العلمية الشرعية في وطننا الإسلامي.
2- الإشراف المباشر: يلزم أن يكون لهذه المؤسسات ارتباط مباشر بأهل العلم والتقى بأن يكون على كل مؤسسة تحكيم هيئة رقابة شرعية تمتاز بالعلم والأمانة والعدل والقدرة على فهم المسائل المستجدة وتكييفها حسب الأحكام والمقاصد الشرعية.
3- التأهيل الشرعي : وذلك بأن يكون القائمون على التحكيم مؤهلين لهذا الأمر ولديهم الإلمام الكافي بالأحكام الشرعية في مسائل التحكيم التي يختصون بها.
ومما يؤيد جدوى هذا الحل ونجاح هذه الفكرة ما يلي :-
1.أن التحكيم يمتاز بالبساطة والحرية في اختيار المحكِّم والنظام الذي يجب تطبيقه.
2.ما يمتاز به التحكيم من السرعة في فصل الخصومة، والسرية، وقلة التكاليف والرسوم وأتعاب المحامين .
3.أن التحكيم أصبح في العصر الحالي الوسيلة الرديفة للقضاء وخاصة تسوية المنازعات الناشئة عن تنفيذ أو تفسير الأنظمة .
4.أن أكثر الأنظمة تعتبر بالتحكيم المطلق الذي يجيز للطرفين المتحاكمين تولية محكِّم يفصل بينهما بمقتضى العدالة والإنصاف(1).