تعارض المصلحه المخل بحق الدفاع
إن القانون يوجب على المحكمة ألا تقبل أن يتولى مدافع واحد أو هيئة دفاع واحدة المدافعة عن متهمين فى جريمة مطروحة أمامها فى حالة تعارض مصلحتهم فى الدفاع تعارضاً من شأنه ألا يهيئ للدفاع الواحد الحرية الكاملة فى تفنيد ما يقرره أى المتهمين ضد الآخر بحيث إذا أغفلت مراعاة ذلك فإنها تخل بحق الدفاع إخلالاً يبطل حكمها، إلا أنه إذا كان الثابت أن هيئة الدفاع رغم تقدمها للمحكمة على أساس المرافعة عن جميع المتهمين بغير تخصيص قد عينت بتقسيم الدفاع عن المتهمين فتولى منها مساعدة كل متهم غير من تولى مساعدة المتهم الآخر، وفحص كل فريق منها الأدلة القائمة على كل متهم اختص بالدفاع عنه بما فى ذلك ما قاله غيره من المتهمين عليه، ففى هذه الصورة تكون مظنة حرج المحامى فى المدافعة عن مصلحتين متعارضتين منتفية فى الواقع.
وطالما أن كل متهم قد أخذ حقه فى الدفاع وأتيح له أن يتناول بكامل الحرية تقيد ما أسنده زميله إليه فقد انهار كل أساس يقوم عليه القول بحصول إخلال بحق الدفاع.
وإذا كانت المحكمة قد اعتمدت فى إدانة متهمين على قول لأحدهما لم يسلم به الآخر، وكان هذان المتهمان يتولى الدفاع عنهما محام واحد، فإن حكمها يكون معيباً فتولى محام واحد الدفاع عن هذين المتهمين فيه إخلال بحق الدفاع لتعارض مصلحتهما.
ونقض الحكم لهذا السبب يقتضى نقضه بالنسبة إلى كل الطاعنين لوحدة الواقعة المتهمين فيها مما يستوجب لحسن سير العدالة أن تكون إعادة نظر الدعوى بالنسبة إلى جميع المتهمين بارتكاب واقعتها.
وتعارض المصلحة فى الدفاع يقتضى أن يكون لكل متهم دفاع يلتزم عنه عدم صحة دفاع المتهم الآخر بحيث يتعذر على محام واحد أن يدافع عنهم معاً، أما إذا التزم كل منهم جانب الإنكار ولم يتبادلوا الاتهام فلا مجال للقول بقيام التعارض بينهم.
إن مناط التعارض بين مصلحة المتهمين أن يكون لأحدهم دفاع يلزم عنه عدم صحة دفاع الآخر بحيث يتعذر على محام واحد أن يترافع عنهما معاً، ويمكن القول أن مناط تعارض مصلحة المتهمين الذى يستلزم فصل دفاع كل منهما عن الآخر أن تكون أقوال أحدهما شهادة إثبات ضد الآخر فإذا تولى محام واحد الدفاع عنهما فإنه يمكن القول بتوافر الإخلال بحق الدفاع المبطل للحكم، فتعارض المصلحة الذى يوجب إفراد كل متهم بمحام خاص يتولى الدفاع عنه أساسه الواقع ولا يبنى على احتمال ما كان يسع كل متهم أن يبديه من أوجه الدفاع مادام لم يبديه بالفعل، ويمكن القول أيضاً بأن مناط فتعارض مصلحة المتهمين المخل بحق الدفاع أن يكون القضاء بإدانة أحدهما يترتب عليه القضاء ببراءة الآخر.
ولا محل لافتراض تعارض مصلحة المتهمين المخل بحق الدفاع عند عدم تبادلهما الاتهام والتزامهما جانب الإنكار، ومتى كان الواضح من الأدلة التى استند إليها الحكم فى حق أحد المتهمين الأول والثانى لا يؤدى إلى تبرئة الآخر من التهمة التى نسبت إليه فإن مصلحة كل منهما فى الدفاع لا تكون متعارضة مع مصلحة الآخر ولا يعيب إجراءات المحاكمة تولى الدفاع عنهما محام واحد.
وإذا تولى محام واحد الدفاع عن متهمين فى دعوى ظاهرة من واقعتها ومن الأدلة المقدمة فيها أن الدفاع عن أحدهما يستلزم أن يقوم به محام لا شأن له بالدفاع عن الآخر لتعارض مصلحتهما فهذا خطأ يستوجب بطلان المحاكمة، كذلك فإنه متى كانت ظروف الواقعة ومركز المتهمين من الاتهام على ما يتضح من الحكم لا تؤدى إلى تعارض بين مصلحة المتهمين فلا يقبل النعى على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لتولى محام واحد المدافعة عن هذين المتهمين.
وإذا كان ثبوت الفعل المكون للجريمة فى حق أحد المتهمين لا يؤدى إلى تبرئة الآخر من التهمة فإن ذلك يجعل مصلحة كل منهما غير متعارضة مع مصلحة الآخر، ولا يقتضى أن يتولى الدفاع عن كل منهما محام خاص.
فالقانون لا يمنع أن يتولى محام واحد أو هيئة دفاع واحدة واجب الدفاع عن متهمين متعددين فى جناية واحدة ما دامت ظروف الواقعة لا تؤدى إلى القول بقيام تعارض حقيقى بين مصالحهم وكما ذكرنا فإن مناط التعارض الحقيقى المخل بحق الدفاع أن يكون القضاء بإدانة أحدهم يترتب عليه القضاء ببراءة الآخرين أو يجعل إسناد التهمة شائعاً بينهم شيوعاً صريحاً أو ضمنياً.
وإذا كانت مصلحة المتهمين فى الدفاع متعارضة قد تقتضى أن يكون لأحدهما دفاع يلزم عنه عدم صحة دفاع الآخر بحيث يتعذر على محام واحد أن يترافع عنهما معاً فإنه يتعين أن يتولى الدفاع عن كل منهما محام خاص به، فإذا اكتفت المحكمة بمدافع واحد عنهما فإنها تكون قد أخطأت خطأ يعيب إجراءات المحاكمة مما يستوجب نقض الحكم. وإذا كان يبين من الحكم أن أحد المتهمين اعترف على الآخر وأن المحكمة أخذته باعترافه فى حق نفسه ولم تأخذ باعترافه بالنسبة للمتهم الآخر فإن مصلحة كل منهما تكون متعارضة مع مصلحة الآخر ومقتضى هذا أن يتولى الدفاع عن كل محام خاص تتوافر له حرية الدفاع فى نطاق مصلحته الخاصة دون غيره.
وقد نصت المادة 80 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 على أن:
"على المحامى أن يمتنع عن إبداء أية مساعدة ولو من قبيل الشورى لخصم موكله فى النزاع ذاته أو فى نزاع مرتبط به إذا كان قد أبدى فيه رأياً للخصم أو سبقت وكالته عنه ثم تنحى عن وكالته، وبصفة عامة لا يجوز للمحامى أن يمثل مصالح متعارضة. ويسرى هذا الحظر على المحامى وكل من يعمل لديه فى نفس المكتب من المحامين بأية صفة كانت على أن ترتب البطلان جزاء على مخالفة هذا النص فقد دلت بذلك على أن هذه المخالفة مهنية وإن عرضت المحامى للمساءلة التأديبية إلا أنها لا تجرد العمل الذى قام به المحامى لمساعدة خصم موكله بغرض حصوله من آثاره المنتجة لدى المحكمة.
وأخيراً فإنه لا يرفع عوار مدافع واحد عن متهمين كان من المحتم فصل دفاع كل منهما عن الآخر أن المحكمة قد فطنت أثناء المرافعة وبعد سماع الشهود إلى وجود ذلك التعارض وندبت مدافعاً مستقلاً للطاعن الأول. فالغرض من إيجاب حضور مدافع عن كل متهم بجناية لا يمكن تحقيقه على الوجه الأكمل إلا إذا كان المدافع متتبعاً لإجراءات المحاكمة بالجلسة من أولها إلى آخرها بما يكفل له حرية مناقشة الشهود والتعقيب على أقوالهم فى حدود مصلحة موكله الخاصة وهو ما لم يتحقق فى خصوص هذه الدعوى بما يعيب الحكم بالبطلان فى الإجراءات.