التلوث البيئي وتأثيراته على الصحة





لقد حظي موضوع البيئة والدراسات البيئية
باهتمام المتخصيين والرأي العام العالمي وكثرت الموضوعات والدراسات التي تناولت
قضايا البيئة ومشكلاتها وبخاصة بعد ان اصبحت التربة والهواء والماء والمواد
الغذائية ملوثة بأنواع شتى من المواد الطبيعية والمواد الكيمائية والبيولوجية وهو
امر اسهم بدور كبير في زيادة الامراض وفساد مكونات البيئة اضافة الى انقراض العديد
من انواع الحيوانات والنباتات التي تشاركنا الحياة على سطح الارض .



والمفهوم العلمي للتلوث هو إفساد مكونات البيئة
حيث تتحول من عناصر مفيدة الى عناصر ضارة (ملوثات) بما يفقدها دورها في صنع الحياة
وبصيغة أخرى يمكن تعريف التلوث بأنه اختلاف في توزيع نسبة وطبيعة مكونات الهواء
والماء والتربة الناتجة عن الغازات والنفايات والكيميائيات والحرارة العالية
والضوضاء الزائدة عن الحد المألوف .



وينتج التلوث اساساً عن تدخل الانسان في قوانين
البيئة التي سنها الخالق عز وجل وإخلاله بتوازن عناصرها ومكوناتها. وكانت للثورة
الصناعية والعلمية والطفرة الحضارية الكبيرة التي يعيشها الانسان في هذا العصر
آثار مدمرة على البيئة فبدلاً من ان يستفيد الانسان من التطور العلمي ونمو
التكنولوجيا لتحسين نوعية حياته وصيانة البيئة والمحافظة عليها اصبح الانسان ضحية
لهذا النمو الذي افسد البيئة وجعلها في كثير من الاحيان غير ملائمة لحياته بتلوث
الماء والهواء والتربة والغذاء .



إن تلوث البيئة وان كان يبدو لأول وهلة مشكلة
محلية الا انه يعد مشكلة عالمية فالملوثات تحت تأثير عوامل كثيرة لا تعرف حدوداً
سياسية فهي تتصف بقدرتها على الحركة والانتقال من موقع إلى آخر على المدى القريب
او البعيد حيث تسهم الرياح والسحب والتيارات المائية في نقل الابخرة والدخان
والغازات الناتجة عن المصانع الى بلاد نائية وأماكن بعيدة عنها ولعل حادثة المفاعل
النووي في الاتحاد السوفيتي في نيسان (ابريل) عام 1986 خير مثال على عالمية التلوث
فقد اصابت الاشعاعات النووية المنبعثة عنه الكثير من الدول الاوروبية وشمال آسيا
وغرب افريقيا .



ويوصف التلوث بأنه الوريث الذي حل محل المجاعات
والاوبئة ويعكس ذلك مدى خطورته واذاه الذي امتد الى مجالات الحياة البشرية المادية
والصحية والنفسية مما ادى الى حالة جعلت الانسان يعيش في دوامة من القلق والاضطراب
.



ولكي تتكامل صورة التلوث اود أن اقف عند تلوث
الهواء وتلوث الماء وتلوث التربة لانها تشكل مجتمعة البيئة الرئيسية التي يفترض ان
توفر الحياة الآمنة السليمة للانسان .



فتلوث الهواء يعد من اكبر المشاكل التي تواجه
المجتمعات المعاصرة وبخاصة في الدول الصناعية وتزداد هذه المأساة عاماً بعد عام
نتيجة الزيادة التراكمية في حجم الملوثات التي تنتشر في الهواء فتحدث تغييراً في
نسب الغازات المكونة له او توجد فيه مواد غازية او صلبة او سائلة تؤدي الى تأثيرات
ضارة على الكائنات الحية بطرق مباشرة او غير مباشرة او تؤثر في المواد غير الحية
المكونة للنظام البيئي .



فتلوث الهواء بالمواد الصلبة ينتج عن الدخان
وعوادم السيارات والاتربة وحبوب اللقاح وغبار القطن واتربة الاسمنت والمبيدات
الحشرية كما يتلوث الهواء من الغازات السامة كأول اكسيد الكربون الناتج عن
الاحتراق الكامل لمختلف انواع الوقود العضوي كالفحم والمازوت والمنتجات البترولية
الاخرى والاوزون والابخرة الخانقة كأبخرة الهيدروكربونات النفطية المتطايرة ويتلوث
الهواء من الاشعاعات الذرية الناجمة عن مصادر طبيعية وبيولوجية كالبكتيريا والجراثيم
والعفن الناتج عن تحلل النباتات والحيوانات الميتة ونفايات الانسان .



إن خير وسيلة لحماية الهواء من التلوث هي ضبط
مصادر الملوثات والوصول الى الحد اللآمن وذلك باستعمال اجهزة تجميع الغازات
والجسيمات التي تخرج من مداخن المصانع ومعالجتها واعادة استخدامها اضافة الى تطوير
تقنية صناعة السيارات واستخدام بدائل اقل تلويثاً من بنزين السيارات واتخاذ
الوسائل التي تحافظ على مكونات الهواء سليمة وفقاً للمقادير التي قدرها الله
سبحانه وتعالى .



أما بالنسبة للماء الذي يعد عصب الحياة والذي
يشكل 90% من اجسام الاحياء الدنيا ونحو 60-70% من اجسام الاحياء الراقية ومنها
الانسان فقد قال سبحانه وتعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي) .



ونظراً لأهمية الماء جعله الله حقاً شائعاً بين
البشر جميعاً فحق الانتفاع به مكفول للجميع بلا احتكار ولا افساد ولا تعطيل يقول
الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) : (الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ
والنار) وهذا يعني ان مصادر الماء لا يجوز لأحد ان يحتكرها او يمنعها عن الآخرين
فلو ادرك الناس اهمية هذا الحديث لانتهت الصراعات التي تدور بسبب موارد المياه .



تبلغ كمية المياه على سطح الارض حوالي 1400
مليون كيلومتر مكعب منها حوالي 97% من هذه الكمية مياه البحار والمحيطات والنسبة
الباقية تشمل المياه الجليدية الموجودة في جبال الجليد بالقطبين الشمالي والجنوبي
والانهار الجليدية والمياه الجوفية اما المياه العذبة الموجودة في الانهار والبحيرات
العذبة الموجودة في الارض كافية لتلبية احتياجات الانسان في الوقت الحاضر وفي
المستقبل القريب ولكن هذه المياه في الواقع الطبيعي غير منتظمة التوزيع فعلى سبيل
المثال يحتوي نهر الامازون وحده على نحو 10% من اجمالي كمية المياه العذبة في حين
يحتوي 15 نهراً أخرى في انحاء العالم على 33% من هذا الاجمالي فقط .



وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه دول عديدة تأمين
احتياجاتها وكفايتها من المياه العذبة نجد مناطق واسعة من العالم تعاني من
الفيضانات الموسمية .



وتعد الزراعة ،المستهلك الاكبر للمياه العذبة وللأسف
فإن نحو 75% من مياه الري تضيع هباء بسبب استخدام اساليب عقيمة في الري .



وعلى الرغم من ان الصناعة تحتاج الى كمية مياه
اقل بكثير مما تحتاجه الزراعة الا انها تعمل على تلويثها بشكل مزعج ويبعث على
القلق وحتى ان هناك بعض مياه الانهار قد فسدت تماماً ولم تعد صالحة للاستعمال
الانساني او الصناعي .



فتلوث الماء من اوائل الموضوعات التي اهتم بها
العلماء والمتخصصون في مجال حماية البيئة .



ويعرف تلوث الماء بأنه : إحداث تلف او افساد
لنوعية المياه مما يؤدي الى حدوث خلل في نظامها البيئي بصورة او بأخرى بما يقلل من
قدرتها على اداء دورها الطبيعي بل تصبح مؤذية عند استعمالها او تفقد الكثير من
قيمتها الاقتصادية وبصفة خاصة مواردها من الاسماك والاحياء المائية .



وبعبارة اخرى فإن المقصود بتلوث الماء هو تدنيس
مجاري المياه من انهار وبحار ومحيطات اضافية الى مياه الامطار والآبار والمياه
الجوفية مما يجعل هذه المياه غير صالحة للانسان او الحيوان او النبات او الاحياء
التي تعيش في المسطحات المائية .



وهناك عدة صور لتلوث الماء منها :


- استنزاف كميات كبيرة من الأكسجين الذائب في
مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار مما يؤدي الى تناقص اعداد الاحياء
المائية فيها .



- زيادة نسبة المواد الكيميائية في المياه مما
يجعلها سامة للاحياء .



- ازدهار ونمو البكتيريا والطفيليات والاحياء
الدقيقة في المياه مما يقلل من قيمتها كمصدر للشرب او ري المحاصيل الزراعية .



ويتلوث الماء عن طريق المخلفات الانسانية او
النباتية او الحيوانية او الصناعية او الكيميائية التي تُلقى او تُصب في المحيطات
والبحار والبحيرات والانهار كما تتلوث المياه الجوفية من تسرب مياه المجاري ومياه
التصريف لكثرة ما فيها من البكتيريا او المركبات الكيميائية .






ويمكن تقسيم تلوث الماء الى اربعة أنواع
رئيسية :



1- التلوث الطبيعي :


وهو التلوث الذي يغير خصائص الماء الطبيعية
ويجعله غير مستساغ للاستعمال الانساني لتغير لونه ومذاقه واكتسابه الرائحة الكريهة
.



2- التلوث الكيميائي :


وهو التلوث الذي يصبح فيه الماء ساماً نتيجة
وجود مواد كيميائية خطرة فيه مثل : مركبات الرصاص والزئبق والزرنيخ والمبيدات
الحشرية . ويعد التلوث الكيميائي بالنسبة واحداً من اهم واخطر المشاكل التي تواجه
الانسان المعاصر .



3- التلوث البيولوجي :


ويعني هذا التلوث وجود ميكروبات او طفيليات في
الماء او وجود احياء نباتية : كالطحالب بكميات كبيرة تسبب في تغير طبيعة المياه
ونوعيتها وتؤثر في سلامة استخدامها .



4- التلوث الحراري :


وهو تلوث النفايات الصناعية حيث تعمل مصانع
الحديد والطلب والورق ومحطات الكهرباء والمفاعلات النووية وغيرها على استعمال
المياه في عمليات تبريد هذه المصانع ثم تقوم بصرف المياه الساخنة في مياه البرك
والانهار والبحيرات مما يؤدي الى ارتفاع درجة حرارة مياهها حيث تتعرض الاحياء
الموجودة فيها الى الخطر.



كما يؤدي ارتفاع درجة حرارة المياه الى زيادة
نمو بعض الطحالب غير الصالحة كغذاء للأحياء المائية وعندما تموت هذه الطحالب
وتتحلل فإنها تستهلك كميات كبيرة من الاكسجين الذائب في الماء اضافة الى ما ينتج
عنها من غازات كريهة وسموم تتراكم سنة بعد أخرى لتقضي على الحياة في الوسط المائي
الملوث بها وفي بعض الاحيان يعمل التلوث الحراري للمياه على أكسدة بعض الملوثات
المعدنية التي تلقيها المصانع في المياه مما يؤدي الى وجود بعض الاكاسيد السامة
فيه .



ويعد تلوث المياه احدى صور الفساد الذي يتسبب
فيه الانسان بطرق مباشرة او غير مباشرة لانه على الرغم من معرفة الإنسان لأهمية
المياه الا انه اختارها لطرح فضلاته عن طريق المجاري الملوثة بالمواد العضوية
والمواد الكيميائية والبكتيريا والمكروبات الضارة التي تنتقل إلى الانسان عن طريق
الجلد والجروح والفم عند الشرب او الاستخدام او السباحة في هذه المياه الملوثة
وكذلك عند تناول الانسان الاسماك والكائنات البحرية او النهرية المصابة بالاحياء
الدقيقة المنتشرة في مثل هذه المياه الملوثة، ولا ننسى ان امراض التيفوئيد
والنزلات المعوية والاسهال والقيء والكوليرا والتهابات الكبد والجهاز العصبي
وغيرها من اجهزة الجسم اسبابها تلوث المياه الناتجة عن مخلفات الانسان .



وقد يحدث تلوث الماء من طرح المخلفات الصناعية
وتسرب النفط الى المسطحات المائية إما بطريقة غير معتمدة كما هو الحال في تفجير آبار
النفط البحرية او بطريقة معتمدة كما يحدث عندما تُلقي الناقلات البحرية المياه
المستعملة في غسيل خزاناتها في البحار مما يؤدي الى موت طيور البحر والاسماك
والدلافين والاحياء المائية الاخرى .



إضافة الى ذلك تسرب المبيدات الحشرية التي ترش بها
المحاصيل الزراعية الى مياه الصرف والى مياه الترع والقنوات التي تغسل فيها معدات
الرش مما يؤدي الى نقلها الى الاسماك والاحياء المائية والمواشي التي تشرب الماء
الملوث كما تتمركز هذه المبيدات في الارض الزراعية فتنتقل الى الخضروات والنباتات
التي تؤكل نيئة او مطبوخة فتصل بدورها الى الانسان مسببة كثيراً من الامراض الخبيثة
.



وتسبب المفاعلات النووية التلوث الاشعاعي للمياه
وذلك حينما يتم طرحه من المياه المستعملة في تبريد هذه المفاعلات الى الماء ويؤدي
ذلك الى اضرار كبيرة بالاحياء المائية والتي تصل الى الانسان .



وهناك ملوثات اخرى عديدة من صنع الإنسان مثل : إلقاء
المواد البلاستيكية في الماء والتي تسبب اضراراً فادحة في الثدييات البحرية والأسماك
والطيور حيث تلتهما هذه الحيوانات وتؤدي الى إنسداد أمعائها ومن ثم الموت بها .



وينتقل الرصاص الى مياه البحار والانهار عندما
تطرح المصانع الكيميائية التي يدخل الرصاص في صناعتها وتنقله التيارات البحرية الى
أماكن شاسعة في البحار حيث يتركز الرصاص في الأنسجة اللحمية للاسماك والاحياء المائية
الموجودة في هذه البحار او الأنهار وينتقل هذا الرصاص عندما يتناول الإنسان هذه
الاسماك او الاحياء المائية الملوثة مما يؤدي الى حالات من التسمم وهلاك خلايا
المخ والموت البطيء للانسان ،إضافة الى تصريف الزئبق الناتج عن المصانع الكيميائية
الى المياه والجميع يعلم بأن الزئبق يهاجم خلايا المخ والجسم ويقتلها ولا يوجد
علاج حقيقي لحالات التسمم الناتجة عن الزئبق .



ويصل التلوث الى مياه الأمطار اثناء سقوطها في
المناطق الصناعية التي يكون هواؤها ملوثاً بأكسيد النيتروجين والكبريت وذرات
التراب مما يؤدي الى تلوث التربة والمياه الساقطة عليها وقد تتلوث المياه الجوفية
بكافة المواد الكيميائية وبفعل مياه المجاري التي تتسرب الى اماكن وجود هذه المياه
. ولحماية الماء من التلوث هناك عدة وسائل واساليب يمكن استعمالها مثل :



- معالجة مياه المجاري قبل تصريفها الى
المسطحات المائية .



- استعمال الوسائل الميكانيكية لتجميع النفط
الطافي فوق المسطحات المائية .



- تطهير المياه قبل شربها باستعمال الاوزون او
الكلور او الاشعة فوق البنفسجية .



- التخلص من الطحالب والنباتات المائية الملوثة
لمياه الانهار والسدود وذلك بالوسائل الميكانيكية .



- معالجة مخلفات المصانع قبل تسربها الى
المسطحات المائية .



غير ان الطريقة المثلى لحماية الماء من التلوث
هي : تجنب القاء الملوثات بكافة اشكالها في الماء ، ولا شك ان المحافظة على نقاء
الماء وعدم تلوثه هي اساس المحافظة على الحياة بأشكالها المختلفة لأن الماء اصل
الحياة .



اما الجانب الآخر من التلوث البيئي فهو الذي
يتضمن تلوث التربة والارض الناتج عن التدخل غير المدروس من جانب الانسان ومحاولاته
المستمرة في إفساد النظم البيئية بهدف الزيادة المؤقتة في إنتاجية الأراضي
الزراعية والسيطرة على الآفات والحشرات .



إن الحديث عن تلوث التربة والارض له إرتباط
وثيق بتلويث الماء والهواء وأن ما يلوث التربة يلوث الماء والهواء لذا فإن اي
اضطراب في احد النظم يؤدي الى اضطراب في بقية الانظمة الاخرى .



إن تلوث سطح الارض بوجه عام هو نتيجة لتراكم
المواد والمخلفات الصلبة الناتجة عن المصانع والمزارع والمنازل والمطاعم .



إن الملوثات التي تختلط بالتربة الزراعية
تفقدها خصوبتها وتؤثر تأثيراً سيئاً فيها حيث تسبب في قتل البكتيريا المسؤولة عن
تحليل المواد العضوية وعن تثبيت عنصر النتروجين واذا تمكنت ملوثات البيئة من
القضاء على ستة انواع من البكتيريا الموجودة في الدورة الطبيعية لعنصر النتروجين
فإن الحياة على الكوكب الارضي سوف تؤذن بالفناء .



إن مظاهر تلوث التربة وفسادها ناتج عن ارتفاع
نسبة الاملاح فيها عن المعدل المألوف حيث يؤدي الى إفساد الوسط البيئي الذي يمكن
للنبات ان ينمو ويعيش ويتكاثر فيه ومع مضي الزمن تضعف قدرة النباتات على المقاومة
فتموت وقد تظهر بدلاً منها نباتات شوكية تستطيع ان تتحمل الحياة في هذه الظروف
القاسية وتتحول الارض الى مناطق جرداء وتشيع فيها الحياة الصحراوية عند زيادة حدة
تملح الارض الناتج عن سوء استخدام الاراضي الزراعية، وإلى الممارسات الخاطئة في تطبيق
العمليات الزراعية وبخاصة في الري والصرف .



هناك انواع اخرى من الملوثات التي تتسبب في
تسمم النباتات مثل : الكاديوم والزئبق وهذا ما حدث في سكان قرية يابانية تناولوا النباتات المسممة من الكاديوم والزئبق فأصبحوا
غير قادرين على الحركة واصبحوا بعدها اقزاماً، فقد كان ذلك بسبب طرح مخلفات مصانع
صهر الخارصين في المياه التي انتقل السم منها الى التربة الزراعية ومن ثم الى
المحاصيل وكان اشهرها في تلك المنطقة الارز الذي يعتمدون عليه بصورة رئيسية في
غذائهم حيث لوث حبوبه وتسمم سكان القرية بسبب ذلك .



واذكر حادثة وقعت في العراق في عامي 1971 ،
1972 حيث استعمل مبيد حشري يحتوي على الزئبق واختلط الزئبق بحبيبات التربة وامتصته
النباتات وانتقل الى الانسان مما ادى الى موت نحو 500 شخص واصابة 5500 آخرين
بأعراض التسمم بالزئبق .



ازدادت ملوثات التربة والارض بزيادة حجم
النفايات والفضلات التي تنجم عن حياتنا المعاصرة عاماً بعد عام نتيجة لزيادة عدد
السكان من جانب وزيادة استهلاك الإنسان من السلع والمواد اضافة الى التقدم الصناعي
والعمراني وما يصاحبه من قدر كبير من النفايات الناجمة عن الانشطة البشرية
المتعددة في مجالات التصنيع والزراعة والتصدير والخدمات والسياحة .



ويؤدي طمر النفايات في الارض الى تحليل المواد
العضوية فيها وانطلاق غاز الميثان الخطر وانبعاث الروائح الكريهة كما يتسرب الى
المياه الجوفية في الطبقات البيولوجية فيلوثها كما أن حرق القمامة يؤدي الى تلوث
الهواء بالرماد المتطاير والروائح الكريهة وتركها في الارض يسبب تلف التربة الزراعية
ايضاً، لأن بعض النفايات لا يتحلل بيولوجياً بسهولة وبعضها الآخر سام كالمعادن
الثقيلة .



وتسبب المبيدات الحشرية في قتل البكتيريا
الموجودة في التربة وفي تلوث النباتات بالمركبات الكيميائية التي تؤدي الى تسممها
.



وقد يلجأ المزارعون في الافراط في استعمال
الاسمدة النيتروجينية رغبة في زيادة الانتاجية الزراعية مما يسبب في تغير طعم
الخضراوات والفواكه نتيجة تراكم النترات في الاوراق والجذور وتلوث الخضراوات
وحينما تنتقل هذه المركبات الى جسم الانسان عبر السلاسل الغذائية تسبب نوعاً من
فقر الدم عند الاطفال وسرطان البلعوم والمثانة عند الكبار .



تتلوث التربة بالمعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق
والكاديوم والالمنيوم وهي تتركز في انسجة النباتات وفي الثمار وتنتقل هذه المعادن عبر
السلاسل الغذائية الى الانسان وتصل هذه المعادن الى التربة إما مع النفايات التي
لم يتم طمرها في التربة وإما مع مياه الري الملوثة او نتيجة لتساقط المركبات
العالقة في الهواء لهذه المعادن على الارض او مع المطر او من عوادم السيارات او
غيرها التي تطير في الهواء ثم تسقط الى الارض وتنتقل الى النباتات فتلوثها .



وهناك ملوثات اخرى للتربة والارض كسقوط الامطار
الحمضية او الغبار الذري الناتج عن التفجيرات النووية التي يحدثها الانسان في كوكب
الارض فتتلوث التربة او تذوب في مياه الري او المياه الجوفية محدثة التسمم في
التربة والمحاصيل الزراعية .



ولا شك من ان العلاج الأمثل لحل مشكلة تلوث
البيئة لا يتأتى من تطبيق سياسات إقليمية لمكافحة هذا النوع من التلوث وانما يتطلب
الامر تطبيق خطة شاملة لحماية البيئة بوجه عام من الملوثات لان من واجب البشرية ان
تحاول تقليل التلوث بمختلف صوره باستخدام الطرق الممكنة عملاً بقوله تعالى (من قتل
نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن احياها فكأنما احيا
الناس جميعاً) صدق الله العظيم من الآية 32 من سور المائدة .



لذا فكل فرد منّا مسؤول عن تخفيف التلوث او
وقفه ، الصانع في مصنعه والمزارع في مزرعته والعالم في تجاربه والعامل مع معمله كل
فرد في هذه البشرية مسؤول فلا يؤتين من قبله الفساد او التلوث ،كما قال الرسول
عليه الصلاة والسلام : (انت على ثغرة من ثغر الاسلام فلا يؤتين من قبلك).



ان تلوث التربة ضرر يحيق بالبيئة الزراعية
وينتقل اثره الى كل الكائنات الحية التي تعتمد في غذائها على النباتات بما في ذلك
الانسان نفسه .



ويسهم تلوث الهواء والماء والتربة في زيادة حدة
مشكلة التلوث الكيميائي للغذاء وذلك من خلال تأثير الملوثات البيئيةعلى المحاصيل
الزراعية و الثروة الحيوانية المائية و البرية و قد أثبتت الدراسات أن هذه
الملوثات تؤثر على الحيوانات فتقلل من
قدرتها على ادرار الحليب وتؤثر على خصوبتها الانجابية بل قد تصاب بالعقم وتتعرض
للموت خنقاً اذا ما زادت حدة التلوث .



والاردن جزء من هذا العالم الصناعي والزراعي
يمكن أن تؤثر في بيئته مخلفات الصناعة والمبيدات الحشرية اضافة الى ان المنطقة
بأكملها تعيش بين دول لديها مفاعلات نووية وجرثومية وكيميائية مما تؤثر تأثيراً
مباشراً او غير مباشر على صحة الانسان والحيوان والنبات .



ولا ننسى ان إسرائيل استعملت العديد من الاسلحة
الكيميائية لمحاربة وردع الانتفاضة اضافة الى ما جرى من حروب ، ويجري في العراق من
تفجيرات للأسلحة التي يبقى اثرها في البيئة المائية والهوائية والتربة ولا بد من إعادة
النظر في كيفية التخلص من مخلفات هذه الاسلحة والمحافظة على بقاء بيئتنا في الأردن
.



هذا هو الحال والواقع للبيئة التي نعيش فيها
انه واقع مرعب ويحتاج الى اهتمام من كل فرد بل من الدولة نفسها ومن المؤسسات
جميعها والمصانع، ومعرفة المخاطر التي تنتاب مأكلنا ومشربنا بل الهواء الذي نتنفس
، وتنتج المعرفة مما يلي :



- تكوين وعي بيئي متكامل مقترن بالمهارات والخبرات
والاتجاهات التي تجعل المواطن ايجابياً في تعامله وتصرفاته مع البيئة عن طريق
الاعلام والصحف والنشرات والمجلات وبيان كيفية التلوث والحماية منه .



- القيام بالمحاضرات والندوات واللقاءات على
جميع المستويات في المجتمع بدءاً من الاسرة ونهايةً بأصحاب المصانع ومروراً بأصحاب
المزارع وغيرهم .



- انتاج افلام ومسرحيات تدعو الى محاربة التلوث
والتحرر منه .



- وضع العقوبات الصارمة وتنفيذها على من يخالف
التعليمات والانظمة والقوانين التي تحافظ على البيئة ونظافتها وعلى من يستخدم
المبيدات الزراعية الكيميائية وغيرها .



- حث العلماء على اكتشاف مبيدات حشرية ليس بها
آثار جانبية على الانسان والنبات والحيوان والتربة والهواء والماء .