تنص المادة (80 " و ") من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنية ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من سلم لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها بأية صورة وعلى أي وجه وبأية وسيلة أخبارا أو معلومات أو أشياء أو مكاتبات أو وثائق أو خرائط أو رسوم أو صور أو غير ذلك مما يكون خاصا بالمصالح الحكومية أو الهيئات العامة أو المؤسسات ذات النفع العام وصدر أمر من الجهة المختصة بحظر نشره أو إذاعته" .
          المادة 80 (و) هى مادة جديدة قصد منها معالجة نقص في التشريع القائم ذلك أن نصوص ذلك التشريع إنما تهدف في المادة 80 وما بعدها إلى صون أسرار الدفاع عن البلاد من أن تسلم إلى دولة أجنبية أو أن تفشى أو تذاع أو تتخذ الأسباب لإفشائها أو إذاعتها على أن هناك طائفة من الأخبار والمعلومات ونحوها لا ترقى إلى مرتبة أسرار الدفاع ومع ذلك يفرض الصالح العام عدم إذاعتها إلى الهيئات الأجنبية وقد وضع النص المقترح للوفاء بهذا الغرض وعاقب من سلم أمثال هذه الأخبار والمعلومات إذا كانت خاصة بالمصالح الحكومية أو الهيئات العامة أو المؤسسات ذات النفع العام وصدر أمر من الجهة المختصة بحظر نشرها وإذاعتها . (المذكرة الإيضاحية)
 
•        أركان هذه الجريمة :
وهذه الجريمة لها ركنين : الأول الطيران فوق الإقليم المصري بغير ترخيص وأخذ الصور أو الرسوم أو الخرائط للمواضع والأماكن المحظورة وبغير إذن .
والدخول في محل أو مكان له صلة بشئون الدفاع عن البلاد ومحظور على الجمهور دخوله أو الوجود أو الإقامة فيه . والثاني القصد الجنائي .
وهما على الترتيب التالي :
•        الركن الأول : الطيران فوق الإقليم المصري بغير ترخيص مادة 80 هـ فقرة أولى
ولم يخص الشارع المصري التجريم بالطائرات الأجنبية وإن كان الغالب أن هذه الطائرات الأجنبية تطير فوق إقليم الدولة لأغراض ضارة كالتجسس أو تسقط سر الأماكن العسكرية ومنشآت الدفاع ولا سيما في زمن الحرب أو الفترة التي تسبق الحرب فجاء النص عاما ينطبق على الجريمة سواء كانت الطائرة تابعة لمصر أو لدولة أجنبية إذ لا يمنع أن تكون الطائرة وطنية ولكن يقودها أجنبية أو أن هيئة إرادتها تضم أشخاصا من الأجانب .
وتنظيم الطيران في مصر عدة تشريعات منها القانون الجوي ولفظ "طار " الوارد في نص المادة (80هـ) ع يشمل مجرد عبور الطائرة فوق الإقليم كما يشمل التحليق فوق مكان معين فترة من الزمن وقد دارت المناقشة حول مؤدى كل من اللفظيين عند وضع المادة 145 من مشروع قانون العقوبات التي هي أصل لنص المادة (80هـ) ورؤى اختيار لفظ " طار " لعموم معناه ، كذلك رأت اللجنة عدم قصر النص على الطائرات الأجنبية . وذلك احتياطا لأخطار التجسس التي تقوم به الطائرات إذ يجوز أن تكون الطائرة التي تقع بها الجريمة مصرية وقائدها أجنبي وحكم النص يقتصر على قائد الطائرة أو من يشاركه في قيادتها دون ترخيص ولا شأن لركاب الطائرة بالمسئولية الجنائية ما لم يكونوا شركاء في الجريمة بأي طريق من طرق الاشتراك .
والطائرات الأجنبية تكون متميزة بعلامات خاصة ترمز إلى جنسيتها ، وجرى العرف الدولي على منع مرور هذه الطائرات الأجنبية بإقليم دولة أخرى إلا بموجب اتفاق بين الدولتين ، أو بإذن سابق من السلطة المختصة ، خصوصا في وقت الحرب ، حيث يكون مرور هذه الطائرات خطرا على الدفاع ، ومرورها وقتئذ يكون غالبا مقصودا به الحصول على أسرار الدفاع بتصوير المنشآت والمواقع ونحوها من الجو ، أو إلقاء المنشورات التي تثير الأهالي ، أو تبت الفتنة فيهم ، وما من شك في أنها أعمال ضارة بمصلحة الدفاع عن البلاد .
وقد تتوسل الدولة الأجنبية المعادية في وقت الحرب ببعض الحيل غير المشروعة كرفع علم الدولة التي تطير طائرتها فوق إقليمها ، أو وضع علامة طائرتها بقصد الغش ، ويعاقب القانون الجنائي في بعض الدول على هذه الأعمال باعتبارها من أعمال التجسس ، ولا خلاف بين علماء القانون الدولي على أن تحليق الطائرات الأجنبية فوق ميادين القتال في إقليم دولة محاربة ، أو في إقليم تحتله ، وبطائرات مستترة ، لا خلاف بينهم في أن ذلك يعتبر تجسسا معاقبا عليه وذلك بخلاف ما إذا كان تحليق هذه الطائرات جهارا وبدون استعمال وسائل للتخفي .
وإذا كان ورود الطائرة على إقليم الدولة بدون إذن ولا اتفاق وإنما بقوة قاهرة ، نتيجة لعاصفة شديدة أجبرتها على التحليق في غير طريقها ، أو خلل طرأ على محركها ، أو نحو ذلك فلا مسئولية في هذه الأحوال ، لأن – قائدها يكن في موقف استحال عليه فيه ماديا ، وبصفة مطلقة أن يتجنب الجريمة .
•        مباشرة الرسم والتصوير وأخذ الخرائط في الأماكن المحظورة (الفقرة الثانية من المادة 80 هـ :     
تنص الفقرة الثانية من المادة 80هـ على جريمة مباشرة الرسم أو التصوير الفوتوغرافي داخل أماكن حظرت السلطة المختصة إجراء شيء من ذلك فيها كما في داخل الميادين أو المنشآت أو المواقع أو المحال الكائنة في منطقة محظورة ، أو حولها وقد أراد الشارع وحرم دخول المنشآت والمصانع التي تعتبر مرافق للدفاع أو تستخدم في أغراضه ، أراد أن يتناول هذه الأماكن بنوع أخر من الحماية ، أو بزيادة من الاحتياط وترك تحديدها للسلطات المختصة بأوامر أو قرارت تصدرها سواء كانت المنطقة برية أو بحرية أو جوية ، وعاقب على اقتحام هذه المناطق ومباشرة الرسم أو التصوير فيها ...الخ من الخارج أو من الداخل ولو وقع الفعل على جزء من المنشآت العسكرية .
وقد كانت المناطق القريب من منشآت الدفاع أول الأمر مقصورة على المعسكرات والمطارات ثم زادها تطور الحرب الحديثة اتساعا وتعددا – حتى شملت الأرصفة والحواجز المائية ، والقناطر والمطارات المدنية ، والحدود الفاصلة بين الدولتين ، ومعسكرات اعتقال الأسرى والرعايا المدنين من الأعداء متى طرأت السلطات العسكرية حظر هذه المناطق وعدم جواز الدخول فيها أو الاقتراب منها .
وتقدير أهمية المنطقة التي يحظر على الجمهور مباشرة الرسم أو التصوير الفوتوغرافي فيها أو أخذ الخرائط لها هو من حق السلطات العسكرية – ولذلك جرى العمل في مصر على إصدار أوامر عسكرية أو قرارات من وزارة الدفاع بتحديد هذه المناطق والأعمال المحرمة بالنسبة إليها ، وقد ينص على العقاب في نفس الأمر العسكري ، ويكون هذا العقاب هو الواجب التطبيق دون ما فرضته المادة 82ع .. لأن نص الأمر العسكري هو نص خاص بالنسبة إلى النص الوارد في القانون العام ، وهو لذلك مقدم في التطبيق وذلك ما لم ينص الأمر أو القرار على إعمال حكم القانون عندما ينص على عقوبة أشد .
ويجب أن يكون تحديد المنطقة المحظورة تحديدا واضحا نافيا للجهالة حتى يسوغ العقاب ، وأن يعلن الحظر للجمهور ليكون على بينة من حرمة هذه – المناطق .
والرسم والنقل مقود بهما التخطيط باليد ، والتصوير الفوتوغرافي هو التقاط الصور بالأجهزة الخاصة المعروفة على اختلاف أنواعها ، وهذه الأفعال ذات خطر كبير ولا سيما في وقت الحرب ، لأن تصوير مكان من أماكن الدفاع أو منشأته أو مواقعه يساعد العدو على الوقوف على الاستعداد العسكري والخطط الحربية لعدوه ، وعلى الطريقة التي رسمها للدفاع .
وإذا طبعت هذه الصور أو الرسومات أن نشرت كان ذلك إذاعة لأسرار الدفاع مما تنطبق عليه المادة 80 (ثالثة) من قانون العقوبات إذا توافرت أركانها ، وفي غالب الأحوال يكون الشخص الذي يختلس هذه الصور أو الرسومات مدفوعا إلى عمله بالتجسس لصالح العدو ، وبالرغبة في إطلاعه على أسرار الدفاع ، إذ لا ريب في أن الدولة المعادية يهمها وقت الحرب أن تكون على بينة من هذه الأسرار ومن طرق الدفاع التي يركن إليها الخصم وأساليبه التي اختصها لنفسه وهي تتخذ من ذلك عدة للتغلب عليه عن طريق إفساد تدبيره أو العمل على تدمير هذه المنشآت والمواقع .
وقد كانت المادة 82 (2) من القانون رقم40 لسنة1940 تذكر بين الأعمال المحرمة أعمال الطبوغرافية وهي كل ما يتعلق ببحث المميزات الطبيعية أو الصناعية (المستحدثة) لمكان ما ، سواء كان ذلك وصفا للمكان من الظاهر أو الباطن فالأعمال الطبوغرافية لمنطقة ما يشمل ما عليها من مرتفعات أو مجاري مائية أو أنهار أو كباري ثابتة أو متحركة وطرق وسكك حديدية وأشجارا وأية معالم أخرى ، كما يشمل وصف طبيعة الأرض من حيث طبقاتها ، ودرجة صلابتها أو رخاوتها ، وما تحتويه من معادن وغيرها ، مما يدل عليه اختبار باطنها .
وقد تتم هذه الأعمال برسم خريطة توضع عليها ما على المكان من أبنية وأشجار وأنهار وغيرها ، أو برموز تشير إلى ذلك ، كما قد تتم هذه الأعمال على يد أخصائيين من المهندسين وغيرهم ، والنص عام يندرج فيه كل ما يتصل بالأوصاف والمزايا الخاصة بمكان ما ولو لم يكن ذلك عن طريق الرسم أو النقل وقد حذفت عبارة " الأعمال الطبوغرافية " من نص المادة 80هـ واستعيض عنها بأخذ الخرائط (م 80هـ الفقرة الثانية منها ويقول المستشار/محمود إبراهيم إسماعيل – " من رأينا أنه كان من الأنسب من الوجهة الفنية التشريعية الإبقاء على الأعمال الطبوغرافية لاختلاف مدلولها الاصطلاحي عن منطلق أخذ الخرائط .
وقد جرم القانون مباشرة الرسم أو التصوير أو أخذ الخرائط داخل الأماكن المحظورة .
والقصد الجنائي : أي العلم بحظر المكان مفترض في الجاني لأن الأوامر التي تصدر بتحديد الأمكنة من السلطات العسكرية مفروض العلم بها من تاريخ نشرها وكذلك العلم بأن الفعل محرم قانونا ويترتب على ذلك أن الجريمة تتوافر بمجرد أخذ الرسم أو الخريطة وأن يقع ذلك في مكان محظور من السلطات العسكرية سواء البرية أو البحرية وعدم وجود الترخيص وعلى ذلك لا يستطيع الجاني أن يدفع بجهله أن المنطقة محظورة .  
•        الدخول في المعسكرات ومنشآت الدفاع الممنوع الجمهور من دخولها :
تنص المادة 80هـ الفقرة الثالثة على جريمة دخول الحصون أو منشآت الدفاع أو المعسكرات أو مكان خيمت أو استقرت فيه قوات مسلحة أو سفينة حربية أو تجارية أو أي محل حربي أو مصنع يباشر فيه عمل لمصلحة الدفاع عن البلاد ، متى كان الجمهور ممنوعا من دخوله .
والشارع بعد أن نص على جريمة أخذ الصور أو الرسوم أو الخرائط في الفقرة الثانية على خلاف الحظر الصادر من السلطة المختصة ، بسط حمايته على الأماكن التي لا يجوز صيانة لأسرار الدفاع اقتحامها من الجمهور ، فبين الجريمتين نسبة ، كما حظر الشارع الإقامة أو الوجود في هذه الأماكن على خلاف نهي صريح صدر من السلطات (م 80هـ/4) ، والجرائم المنصوص عليها في المادة 80هـ ذات طبيعة واحدة وقد كان نص المادة 82 من القانون رقم 40 لسنة 1940 يجعل دخول الأماكن المحظورة بوسيلة من وسائل التخفي أو الخداع عنصرا من عناصر الجريمة ، وينص في المادة 82 مكرر على الجريمة مجرد هذه العنصر وكان هذا منتقدا لاتحاد طبيعة الجريمتين ، وقد تلاقى المشرع في التعديل الذي أجراه في سنة 1957 بالقانون رقم 112 هذا العيب فنص في المادة 80/3 على جريمة دخول الأماكن المحظورة ثم أورد وساءل التخفي في نهاية المادة كظرف مشدد يسري على الجرائم الأربع الواردة في صدرها .
ويجب أن يتوافر لدى الجاني القصد الجنائي العام الذي يستلزمه الشارع في المادة 82 بأن يكون الجاني عالما بأنه يدخل مكانا أو منطقة محظورة أو يبقى فيه أو فيها رغم النهي الصريح عن ذلك بنص القانون .
ولما كانت مصلحة الدفاع وصيانة أسراره والمحافظة على معداته وكتمان كل نشاط حربي ، منع دخول الجمهور في أماكن معينة أو وروده مناطق محظورة خول المنشآت والمراكز العسكرية ، أو الإقامة في بعض هذه المناطق فقد حرم الشارع تلك الأفعال على غير أفراد القوات المتصلين أو المختصين بشئون الدفاع وقد رخص له في ذلك أن ويكون هذا المنع أو التحريم أظهر في أوقات الحروب وجرت عادة القوات في الأزمنة الأولى على تحقيق هذا المنع بفرض حراسة شديدة على هذه الأماكن والمناطق وعلى إصدار منشورات عسكرية تعلن للناس هذا الحظر والأماكن التي نص القانون على حظر دخولها ي الحصون ومنشآت الدفاع والمعسكرات والأمكنة التي يخيم أو يستقر فيها الجيش والبوارج الحربية والبواخر التجارية المسلحة والطائرات والسيارات الحربية المسلحة والترسانات والمحلات والمصانع التي يباشر فيها عمل لمصلحة الدفاع عن البلاد وهذه الأمكنة واردة على سبيل المثال لا الحصر لأن الشارع أردف بيانها بعبارة " أو أي محل حربي " ما دام الجمهور ممنوعا من دخوله .
ومدلول كل من هذه الأماكن واضح ، وليس في هذا البيان ما يدعو إلى اللبس غير المخيمات والأمكنة التي يستقر فيها الجيش ، لأنها قد تكون غير مفرزة ولا مميزة بل مختلطة بمساكن الأهالي في القرى أو المدن وهذا الاختلاط هو الذي يثير الشك حول تعمد دخولها أو الاقتراب منها وقد يجهل الداخل فيها أنها مخصصة لأفراد القوات الحربية وعلى كل فالأمر في ذلك مرده إلى الواقعة وظروفها مما يستقل بتقديره قاضي الموضوع والأصل أن يكون الجمهور ممنوعا من دخول الأماكن والمحلات الحربية لأن الدخول إليها وقف على المتصلين بها ، فإذا اقتضى الحال دخول غير هؤلاء فيصدر له إذن خاص من السلطة العسكرية .
•        الوجود أو الإقامة في الأماكن المحظورة :
قد تقتضي أعمال الدفاع إخلاء منطقة أو أكثر من سكانها المدنين بأمر يصدر بذلك وتحدد في هذه المنطقة ويشمل جميع من يقم فيه ومخالفة هذا الأمر والتراخي في تنفيذه في خلال الفترة المناسبة أو المحددة للإخلاء يعد جريمة يسري عليها نص المادة 80هـ/4 ، وقد يستثنى من هذا الحظر بعض الأمكنة كمحلات العبادة ، أو بعض الأشخاص كالموظفين أو العمال الذين تختل برحيلهم بعض المصالح الهامة .
والوجود : هو تسلل شخص إلى مكان أو منطقة محرمة بموجب قرار صادر من السلطة العسكرية ولا يستلزم الوجود إقامة تدوم بعض الوقت لأن هذه الإقامة هي فعل أخر نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 80هـ فمجرد اقتحام إنسان لمنطقة أو مكان من الأماكن المحدد بالقرار ولو لأمر أو غرضي وقتي يعتبر وجود محرما ويلاحظ أن المادة 82 من قانون رقم40 لسنة1940 لم تتناول مجرد الوجود في المناطق المحظورة والظاهر أن مجرد الوجود بذاته في مكان محظور هو فعل في غالب الأحوال غير ذي خطر فقد يكون الشخص الذي وجد في ذلك المكان لا يشوب فعله إرادة إجرامية ، ومن أجل ذلك لم تنشر المادة (82ع ق) إلى هذا الفعل – كما سلفت الإشارة – وهي مصدر المادة 80هـ.
ونرى لاعتبار مجرد الوجود جريمة أن تثبت سلطة الاتهام سوء القصد لدى المتهم وأنه كان يعلم أن المكان محرم وعمد إلى مخالفة النهي الصادر من السلطات ، وأن تتاح له دائما فرصة لإثبات حسن نيته في الأحوال التي لا يكون وجوده إلا نتيجة الجهل أو أنه ضل الطريق مثلا أو أضله غيره ، أو يثبت ذلك للمحكمة من وقائع الدعوى . (المستشار محمود إسماعيل)
والإقامة في المناطق المحظورة رغم النهي الصريح من السلطة الحربية المختصة ، هو إجراء شديد تبرره المصلحة العليا للدفاع عن البلاد ، ولذلك فإن الحكومات غالبا ما تبرر أمر إقامة النازحين في جهات أخرى ولكن ليس شرطا للامتثال لهذه الأوامر ، بل يجب تنفيذها مطلقا وبالنسبة إلى كافة المقيمين في المنطقة التي يحظر الإقامة أو البقاء فيها بغير تمييز بين الغرباء الذين يزورونها عرضا ولفترة موقوتة ، وبين من أقاموا فيها على وجه الدوام والاستمرار كأصحاب المنازل ، والمحلات التجارية ، وكل ما استلزمه القانون لقيام المسئولية الجنائية هو إعلانهم بالأمر الصادر ، فالحظر المنصوص عليه في المادة 80هـ هو أمر بالكف عن البقاء في المنطقة المحظورة وليس طلبا يتوقف على قبول الشخص المقيم أو على تسهيل انتقاله منه إلى مكان وعصيان هذا الأمر بمجرد إعلانه يرتب مسئولية الممتنع جنائيا وليس المراد بالإقامة في المنطقة المحظورة من يدخلها متخفيا ثم يظل بداخلها وقتا طويلا دون أن يكشف أمره ، لأن ذلك يعتبر دخولا محرما على أصله الذي بدأ به ، وإنما المرد استئناف الإقامة رغم تنبيه السلطات على المقيم بإخلاء المكان ، وصيغة النص واضحة في إفادة المعنى هذا من جهة التكيف القانوني للجريمة ، أما من حيث العقاب المفروض ، فإنه واحد في الحالتين متى وقع الفعل المادي ما لم يثبت أن الجاني قد وقعت منه جريمة أخرى ، كجريمة الحصول على أسرار الدفاع وإتلاف شيء من مهماته ، فيعاقب الجاني عندئذ بعقوبة الجريمة الأشد عملا بالمادة 32/2 من قانون العقوبات .
•        الجرائم المنصوص عليها في المادة 80 هـ :     
والجرائم المنصوص عليها في المادة 80 هـ ليست كلها ذات طبيعة واحدة فمنها جرائم وقتية ، ومنها جرائم مستمرة فالدخول بوسيلة من وسائل التخفي أو الخداع في منشآت الدفاع أو المعسكرات ، والطيران في الجو بغير ترخيص وأخذ الصور والرسوم والخرائط ، كلها جرائم وقتية بمجرد وقوعها ويبدأ التقادم فيها من ذلك الوقت ، وأما الإقامة في منطقة محظورة رغم النهي الصريح فهو جريمة مستمرة تنتهي بالكف عن البقاء أو بانتهاء حالة الاستمرار فيه . 
•        الظروف المشددة :
بعد أن نص الشارع على جرائم الطيران فوق إقليم الجمهورية والقيام بأخذ الصور أو الرسوم أو الخرائط ودخول منشآت الدفاع ونحوها والوجود أو الإقامة في منطقة محظورة على ظرفين مشددين :
1)      وقع جريمة من هذه الجرائم في زمن الحرب .
2)      استعمال وسيلة من وسائل التخفي أو الخداع توسلا لارتكاب جريمة منها .
وظرف الحرب يتوفر إذا كانت واقعة فعلا ولو بغير إعلان سابق ، وفي زمن هدنة متفق عليها بين الطرفين المتحاربين – واعتبر القانون حالة قطع العلاقات السياسية ، وكذلك الفترة التي يحدق فيها خطر الحرب بالدولة متى انتهت بوقوعها فعلا ، اعتبر القانون ذلك في حكم الحرب .
واشترط القانون لتوافر الشرط المشدد أن يكون الدخول لهذه الأماكن على تنوعها بوسيلة من وسائل التخفي أو الخداع وضرب الأمثلة لهذه الوسائل فذكر التخفي والخداع والغش وإخفاء الشخصية أو المهنة أو الصفة أو الجنسية .
والتخفي : هو أن يستتر الشخص تحت ستار ويتنكر به كأن يتنكر زيا ماثلا لزي الجنود الوطنين أو كسوة من كسي عمال البريد أو يضع علامة يعرفها الحراس فلا يعترضون سبيله أو نحو ذلك .
وإخفاء الشخصية : نوع من التخفي بانتحال اسم كاذب أو إبراز بطاقة شخصية زائفة أو ورقية مزيفة أو خطاب مصطنع ويلحق بذلك إخفاء المهنة أو الجنسية أو الصفة .
أما الخداع أو الغش : فهو التحايل أو الاستعانة في ارتكاب الجريمة بذريعة مبتدعة أو صادقة تكون محل تصديق الحراس أو القائمين على أمر الأماكن المحظورة وغيرها نتيجة لما وقع من غش يتأثر به رضائهم ويصل الجاني به إلى تحقيق غرضه .
ويجب أن تكون وسيلة التخفي هي التي سهلت الوصول إلى المكان المحظور أي أن تكون هي التي أثرت بذاتها على الحراس فإذا استخدم الجاني وسيلة أخرى سافرة فيها من قوة الإغراء مما أدى إلى دخوله كالرشوة مثلا فإن المادة 82 لا تنطبق وتقع فعلته تحت نص أخر متى توافرت شروط تلك الجريمة الأخرى .
ويجب أن تكون وسيلة التخفي مقارنة للدخول ونحوه ، فإذا دخل شخص إلى مكان حربي دون أن يخادع حراسه ، ثم ضبط داخله معه بطاقة شخصية مزورة ، أو خطاب مصطنع كان قد أعده لتستير دخوله ولم يستعمله ، فإنه لا يؤخذ بالظرف المشدد النصوص عليه في المادة 80هـ/3 لأنه لم يستخدم هذه الأوراق عند مقارنة فعله وإنما تقتصر مسئوليته على الجريمة مجردة عن الظرف المشدد (مادة 80هـ و 1 و 2 و 3 و 4)
الركن الثالث : القصد الجنائي في الجرائم المنصوص عليها في المادة (80هـ) هو قصد عام فلابد أن يعلم الجاني أنه يدخل مكانا أو منطقة محظورة أو يباشر رسما أو تصوير مخالف لذلك القانون واستعمال وسائل التخفي أو الخداع يعتبر قرينة على علم الجاني وتعمده مخالفة القانون بدخوله أو محاولة دخوله في مكان حربي أو في منطقة محظورة وليس بلازم أن يقصد الجاني من دخوله ارتكاب عمل معين أو جريمة بذاتها بل يكفي كما تقول المذكرة الإيضاحية للمادة (82أ) مكررا القديمة أن يكون الجاني على بينة مما يفعل أي عمل على علم بعدم امتثاله لأمر الشارع . 
ولا يستقيم النظر إلى الجرائم المنصوص عليها في المادة 80 هـ بأنها جرائم مادية بحت مع ما اشترطه الشارع لارتكابها من استعمال وسائل الخداع أو التخفي فاستخدم تلك الوسائل كما تقول المذكرة الإيضاحية قرينة على نية الإجرام .
وإذا ثبت قصد الجاني من دخوله وأنه قصد الحصول على أسرار الدفاع أو ارتكاب عمل من أعمال التجسس أو الإتلاف فإنه عندئذ يؤخذ بقصده ويكون فعله شروعا منطبقا على المواد 45 ، 80 أو 80أ بحسب الأحوال ومتى توافرت أركان أي من هذه الجرائم وتوافرت أركان الشروع .
ويلاحظ أن الشارع وضع المادة 80 هـ للأحوال التي يتعذر فيها إثبات القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون لجريمة بذاتها من جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج .
•        العقوبة :
والعقاب المفروض لهذه الجريمة هو الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 100 جنيه إلى خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا الجريمة في زمن سلم أو بالحبس إذا ارتكبت في زمن الحرب .
 
•        الشروع في الجرائم المنصوص عليها في المادة 80 هـ : 
نصت الفقرة الأخيرة من المادة 80هـ على أنه يعاقب بالعقوبات نفسها على الشروع في ارتكاب هذه الجرائم وتطبيق هذه النص يحتاج إلى بيان ، فليست كل الأفعال الإجرامية التي نص عليها الشارع في المادة 80هـ يتصور فيها الشروع كما هو معرف في القانون ، فالدخول بالتخفي وكذلك مباشرة الاسم أو التصوير أو النقل أو الأعمال الطبوغرافية يعاقب على الشروع فيها لأن بدء التنفيذ لكل من هذه الأفعال متصور ، أما الطيران والبقاء في منطقة محظورة فلا يتصور شروع والسبب في ذلك أن الطيران فعل يوجد بمجرد دخول الطائرة في الجو الإقليمي للدولة وقبل ذلك لا يكون ذلك جريمة وإنما عمل مباح لا مسئولية فيه ، وكذلك جريمة البقاء في المنطقة المحظورة رغم النهي الصريح لا شروع لها والبقاء ليس إلا استصحابا لحالة قائمة من قبل ، وعلى ذلك كان حكم الشروع المنصوص عليه في المادة 82 مقصورا على الأفعال التي يتصور قانونا البدء في تنفيذها .
•        العقوبة :
والعقاب المفروض لهذه الجريمة هو الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .
فإذا وقعت الجريمة في زمن الحرب أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو الغش أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية ..الخ فتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين .
وإذا اجتمع الظرفان – ظرف الحرب وظرف السلم واستعمال الجاني وسيلة من وسائل التخفي أو الغش تكون العقوبة السجن .
 ويعاقب بهذه العقوبات نفسها على الشروع في ارتكاب جريمة من هذه الجرائم
وقد يصدر أمر عسكري بحظر الدخول أو البقاء في منطقة محظورة أو مكان حربي وينص في هذا الأمر على عقاب أخف مما هو منصوص عليه في المادة 80هـ وتلك العقوبة المخففة لا يمنع من توقيع العقوبات المنصوص عليها في المادة 80هـ أو في أي نص من قانون العقوبات . (راجع في التقسيم السابق كله المستشار محمود إبراهيم إسماعيل – مرجع سابق)