•        رجعية التشريعات الجنائية التي تلغي التجريم :
تتعلق الشروط التي ذكرناها في الفرع السابق بالحالة التي يكون فيها التشريع الجديد معدلا فقط لما تضمنه النص السابق ن تجريم الواقعة بصورة نهائية، ولذلك فقد اشترط القانون ألا يكون قد صدر حكم نهائي في شأن الواقعة موضوع التعديل، أما الحالة التي نحن بصددها الآن فهى التي يلغى فيها النص الجديد التجريم كلية والتي نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة الرابعة التي قررت " وإذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية " (نقض 18/11/1949 مجموعة الربع قرن رقم 34 ص921)
فالشروط في هذه الصورة لا تخرج عن شرطين:
1.       أن تكون بصدد تشريعين يتعلقان بنفس الواقعة.
2.       أن يتضمن التشريع اللاحق إلغاء كليا لتجريم الواقعة.
عندئذ يحدث التشريع اللاحق أثره بالنسبة للجاني الذي ارتكب الفعل الذي كان مجرما أيا كانت الحالة التي عليها الدعوى، حتى ولو كان قد صدر حكم نهائي في شأنه ويوقف تنفيذ الحكم إذا كان قد بدئ في تنفيذه، ويزول الحكم وتزول كافة آثاره الجنائية، فيحذف من سوابق المتهم، ولا يحتسب سابقة في العود إذا كان قد نفذ، وعلى الجملة فإنه يعتبر كأن لم يكن.
وتبرير ذلك يرجع الى أنه إذا كان المشرع نفسه قد ارتأى ضرورة إباحة الفعل بعد أن كان معاقبا عليه لأنه لم يعد متناقضا مع المصلحة التي يحميها القانون الجنائي، فإن استمرار تنفيذ الأحكام الصادرة وفقا للتشريع الملغي يكون أمرا يتنافى مع العدالة ومع مبدأ المساواة.
ولذلك فقد أراد المشرع أن يزيل هذا التناقض ويهدر حجية الشئ المقضي فيه في سبيل إرضاء شعور العدالة.
وقد ثار النقاش حول ما إذا كان للمحكوم عليه بالغرامة أن يستردها بد زوال أثر الحكم الصادر ضده واعتباره كأن لم يكن، ذلك أنه مما لا شك فيه أنه إذا كانت الغرامة لم تستوف بعد فلا محل لاستيفائها، ولكن الأمر الذي يثور الجدل حوله هو ما إذا كان من حق من قام بسداد الغرامة بالفعل أن يستردها أم لا ؟ فهناك من يرى أنه لا وجه لاسترداد ما سدد من الغرامة كما أنه لا محل لتعويض المحكوم عليه بالنسبة لما نفذه بالفعل من العقوبة المقيدة للحرية، ويستند هذا الرأى الى أن القول بغير ذلك يؤدي الى نتائج لا يتصور أن يكون المشرع قد أرادها، وهى استرداد جميع الغرامات التي تكون قد تم سدادها تنفيذا لأحكام نهائية صدرت وفق قانون كان صحيحا ومنتجا لكل آثاره. (د/ السعيد مصطفى السعيد ص108)
ويقول رأى آخر بأنه يجب استرداد ما دفع من الغرامة، كما يسترد الأشياء التي صودرت مادام المشرع قد أفصح عن إرادته باعتبار الحكم كأن لم يكن، ويستند هذا الرأى الى أن المشرع بإباحته للفعل فإنه أراد أن يمحو جميع الآثار المترتبة عليه، واستفادة المحكوم عليه من هذا القانون الجديد تعني تطبيقه عليه كما لو كان صادرا قبل الحكم البات، وذلك يؤدي الى امتناع أى أثر له، لأن المحكوم عليه يعتبر كأنه أتى نشاطا مباحا، كما يستند هذا الرأى كذلك الى أنه لا مجال لقياس الغرامة على الحبس، لأن القانون نفسه قد أقام فارقا بين الحبس والغرامة فورا بمجرد صدور الحكم الابتدائي بالرغم من استئنافه وعدم تنفيذ الحكم الصادر بالحبس إلا إذا كان نهائيا، ذلك لأن طبيعة الحبس تختلف عن طبيعة الغرامة. (د / محمود مصطفى، د/ محمود نجيب حسني ص118، 119)
ومن ناحية أخرى فإن القول بعدم جواز الاسترداد يؤدي الى أن يكون المحكوم عليه بالغرامة الذي ماطل في تنفيذ الحكم في وضع أفضل ممن بادر بتنفيذه، وهذا ما لا يمكن أن يكون الشارع قد أراده.
ونحن نتفق مع هذا الرأى الثاني لأن هذا ما يتفق مع روح النص، مع التسليم بما يترتب عليه في بعض الأحيان من صعوبات عملية، وعلى المشرع إذا أراد أن يتجنب هذه الصعوبات أن ينص على عدم جواز استرداد ما دفع من الغرامة في الحالات التي يرى فيها ضرورة لذلك.