الطعن رقم 1902 لسنة 62 بتاريخ 02/01/1994
 الوقائع
الوقائع
 
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم بصفتهم موظفين عموميين طلبوا وأخذوا لأنفسهم رشوة للإخلال بواجبات وظيفتهم بأن طلبوا وأخذوا مبلغ مائتين وسبعون جنيها علي سببيل الرشوة مقابل تسليمه أجزاء من جثة أدمية من الجثث المحفوظة بقسم التشريخ المخصصة لأغراض الدراسة المقرر دفنها وأحالتهم إلي محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت -حضوريا عملا بالمادتين 103، 104 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريم كل منهم ألف جنيه.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ...... إلخ
 
 المحكمة
المحكمة
 
ومن حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة الارتشاء قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه أطرح الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية بما لا يسوغ إطراحه, ولم تفطن المحكمة إلى أن الجريمة ما كانت تحدث لولا التدخل الإيجابي من محرر المحضر, وأن العمل الذي تقاضوا الرشوة من أجله وإن كان يدخل في اختصاص الطاعن الأول إلا أنه لا اختصاص للثاني والثالث فيه كما أن الجثة التي استلمها محرر المحضر تعد من قبيل المتروكات بدليل خروجها من عهدة الطاعن الأول لعدم صلاحيتها لعملية التشريح ومن ثم فإن الواقعة لا تشكل جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادتين 103, 104 من قانون العقوبات وإن شكلت - على فرض ثبوتها - الجريمة المنصوص عليها بالمادة 115 من ذات القانون بيد أن الحكم التفت عن دفاع الطاعنين في هذا الصدد. كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه والإعادة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, عرض للدفع ببطلان الإذن الصادر من النيابة العامة لعدم جدية التحريات ورد عليه بقوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن النيابة لابتنائه على تحريات غير جدية فإنه غير سديد ذلك أن النيابة العامة قد خلصت إلى إصدار ذلك الإذن بعد الإطلاع على محضر التحريات والاطمئنان إلى ما جاء فيه من تحريات ارتأت في إطار سلطتها التقديرية أنها تحريات جدية وترى هذه المحكمة أن النيابة العامة كانت على حق حين أصدرت هذا الإذن وتثق في تقديرها لصدوره بالشكل الذي صدر به وعلى نحو يتفق مع صحيح أحكام القانون الأمر الذي تقره المحكمة عليها ويكون الدفع في غير محله متعينا - الالتفات عنه" لما كان ذلك, وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع, ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره - كما هو الشأن في الدعوى المطروحة - وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن, فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون, ولما كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير قويم, لما كان ذلك, وكان من المقرر أن من مهمة مأمور الضبط القضائي بمقتضى المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية الكشف عن الجرائم والتوصل إلى مرتكبها وكل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحا منتجا لأثره ما دام لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك, وكان توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أصل ثابت في الأوراق, وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته - بما لا يمارى فيه الطاعنين - أن الطاعن الأول عامل تحنيط الجثث وحفظها واستلامها كعهدة خاصة طوال العام الدراسي وأن الطاعن الثاني يعمل بقسم التشريح بالمشرحة المعدة لتدريب طلبة كلية طب الأسنان وهو الذي يقوم بإخراج وترجيع الجثث أثناء التدريس وأن الطاعن الثالث عامل يختص بتنظيف متحف التشريح وأن كلا من الثاني والثالث يقومان بمساعدة الطاعن الأول في إعداد الجثث وهم جميعا موظفون تابعون لكلية طب القاهرة, وكان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذبا, وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم, إذ هو حينئذ يجمع بين اثنين الاحتيال والارتشاء, لما كان ذلك, وكان الشارع في المادة 104 من قانون العقوبات قد نص على "الإخلال بواجبات الوظيفة" كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف أسوة امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته أو المكافأة على ما وقع منه وجاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقا من التقيد ليتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال ويعد واجبا من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائما أن تجرى على سند قويم, فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع, فإذا تعاطى الموظف مقابلا على هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبة للعقاب, وإذن يكون طلب وأخذ الرشوة على الصورة التي أثبتها الحكم في حق الطاعنين وهم موظفون عموميون وأن لكل منهم قدر من الاختصاص يسمح لهم بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة فإن ما قارفوه يعد إخلالا بواجبات وظائفهم في حكم المادة 104 من قانون العقوبات وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل حكم القانون على وجهه الصحيح ولا يكون للطاعنين - من بعد - النعي على الحكم التفاته عن الرد على ما أثاره من أن الواقعة تشكل الجريمة المقررة بالمادة 115 من قانون العقوبات طالما أنه دفاع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا