الطعن رقم 209 لسنة 58 بتاريخ 06/12/1988
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه طلب لنفسه وأخذ عطية لاستعمال نفوذ حقيقي لدى سلطة عامة لمحاولة الحصول على مزية منها بأن طلب وأخذ من .......... مبلغ ألف جنيه على سبيل الرشوة لاستعمال نفوذ لدى المختصين بالمجلس الشعبي المحلي لمحافظة القاهرة لتخصيص مسكن للمواطن المذكور بمساكن المحافظة من النسبة المقررة لهذا المجلس حالة كونه في حكم الموظف العمومي، وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة أمن الدولة العليا قضت حضورياً عملاً بالمواد 104، 106 مكررا، 112/2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبتغريمه مبلغ ألف جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ........ إلخ
 
 المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة طلب وأخذ عطية لاستعمال نفوذ حقيقي لدى سلطة عامة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون, ذلك بأن الحكم لم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة المسندة إلى الطاعن ودانه على الرغم من أن العمل المطلوب إليه أداؤه لا يدخل في اختصاصه وتساند الحكم في إثبات اختصاص الطاعن بهذا العمل إلى ما جاء بكتاب المحافظة من أنه يجوز له تزكيه أية طلبات مع أن التزكية لا تضفي عليه اختصاصا ومع أن الحكم أسقط من ذلك الكتاب ما جاء به من أن اللجنة المختصة تبحث الحالات المزكاة شأنها شأن سائر الحالات الأخرى. كما لم يعرض الحكم لدفاعه الذي خلا منه محضر الجلسة القائم على أن الجريمة تحريضية. ورد على ما دفع به الطاعن من بطلان التسجيلات وما تلاها من إجراءات ومن بطلان الاعتراف لكونه وليد إكراه وإجراءات باطلة بما لا يصلح رداً. هذا إلى أن الدعوى قدمت إلى المحكمة بقراري اتهام طلبت النيابة العامة في أولهما تطبيق المادتين 103, 111/2 من قانون العقوبات بينما طلبت في الآخر - وهو الذي دين الطاعن بمقتضاه - إعمال المواد 104, 106 مكرراً, 111 من القانون سالف البيان وإذ خلت الأوراق مما يفيد إلغاء القرار الأول فقد أعد الطاعن دفاعه على أساسه غير أن الحكم دانه بموجب قرار الإحالة الآخر إلا أنه أوقع عليه عقوبة الغرامة المقررة في المادة 103 من قانون العقوبات بما يفصح عن اختلال فكرة الحكم عن الواقعة يؤكد ذلك أنه قضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات دون إعمال المادة 17 من القانون المذكور في حين أن العقوبة المنصوص عليها في المادتين 104, 106 مكرراً هي الأشغال الشاقة المؤبدة كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "تتحصل في أن .......................... كان قد تقدم إلى محافظة القاهرة بطلبات ثلاث للحصول على مسكن من مساكن المحافظة ولم تشمله القرعة فتوجه إلى مبنى المحافظة ليقدم تظلما إلى السكرتير العام ولكنه لم يجده والتقى بالمتهم  - الطاعن - الذي طلب منه لقاءه بمنزله فقبل وطلب مبلغ ألف جنيه مقابل تخصيص مسكن له فدفع إليه خمسمائة جنيه ثم مائة وخمسين لكنه ساوره الشك فأبلغ الشاهد الثاني عضو الرقابة الإدارية بالواقعة وطلب منه مسايرته وأمده بمبلغ ثلاثمائة وخمسين جنيها وتكررت اللقاءات حتى تم ضبط المتهم أثر تقاضيه مبلغ الرشوة واعترف المتهم بالتحقيقات وأنه أخذ من الشاهد المذكور مبلغ ألف جنيه مقابل تخصيص مسكن له من مساكن المحافظة من النسبة المقررة للمجلس الشعبي للمحافظة والتي يختص بتوزيعها وأنه تم ضبطه أثر تقاضيه مبلغ 350 جنيه منه وقام برد مبلغ 650 جنيه كان قد تسلمه منه وأورى المجلس الشعبي لمحافظة القاهرة بكتابه أن المتهم عضو بمجلس الشعب للمحافظة من 15/11/1979 وأنه وفقا لقرار مجلس محلي القاهرة فإن المجلس يختص بتوزيع نسبة 3% من مساكن المحافظة للحالات الماسة التي تقدم إليه وأنه يجوز للمتهم تزكية أي طلب إليه وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة أستمدها مما شهد به كل من ............................ و............................ ومن اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة ومن كتاب المجلس الشعبي المحلي لمحافظة القاهرة وهي أدلة سائغة - لا ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت في التحقيقات - من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلا خاصا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها - فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافيا لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها, كان ذلك محققا لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ويكون منعى الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك, وكان الشارع قد استهدف بما نص عليه في المادة 106 مكررا من قانون العقوبات التوسع في مدلول الرشوة حتى تشمل حالة استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول في مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة - وبذلك تتحقق المساءلة حتى ولو كان النفوذ مزعوما. والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية. فإن كان الجاني موظفا عموميا وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها في عجز المادة 106 مكرراً عقوبات, وذلك على اعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً في الجريمة وإنما ظرف مشدد للعقوبة. لما كان ذلك, وكان الثابت في حق الطاعن أنه بصفته عضواً بالمجلس الشعبي المحلي لمحافظة القاهرة والذي يختص بتوزيع نسبة 3% مساكن محافظة القاهرة قد طلب وأخذ من ...................... مبلغ ألف جنيه مقابل تخصيص مسكن له, ودان الحكم الطاعن على هذا الاعتبار فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير قويم. لما كان ذلك, وكان الحكم قد حصل كتاب محافظة القاهرة في قوله أنه ورد " خطاب من المجلس الشعبي المحلي لمحافظة القاهرة بأن المتهم عضو بالمجلس اعتباراً من 15/11/1979 وأنه وفقا لقرار مجلس محلي القاهرة بأن المجلس يختص بتوزيع نسبة 3% من مساكن المحافظة للحالات القاسية التي تقدم إليه وأنه وفقا للقرار المذكور يطلب منه بحث هذه الطلبات ويجوز لأعضاء المجلس المحلي وغيرهم من الشخصيات العامة تزكية الطلبات وأنه لا تكفي هذه التزكية الموافقة وإنما يتم بحث الحالات". وكان ما حصله الحكم لا يتعارض مع ما جاء بأسباب الطعن ومن ثم يضحى منازعة الطاعن في تحصيل الحكم لكتاب المحافظة على غير أساس. لما كان ذلك وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر دفاعه القائم على أن الجريمة تحريضية فإنه ليس له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها ولا يقبل منه إثارته أمام محكمة النقض,. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم إذ عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته في هذا المحضر ما عليه إن أدعى أن المحكمة صادرت حقه في الدفاع قبل حجز الدعوى للحكم أن يقدم الدليل على ذلك وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم وإذ كان الطاعن لم يذهب إلى الإدعاء بأنه طلب أن يثبت بمحضر جلسة المحاكمة دفاعه سالف البيان أو أنه تقدم بطلب سجل فيه على المحكمة مصادرة حقه في الدفاع وكانت أسباب طعنه قد خلت من أي إشارة إلى سلوك طريق الطعن بالتزوير في هذا الصدد فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أطرح التسجيلات التي تمت ولم يأخذ بالدليل المستمد منها وبنى قضاءه على ما اطمأن إليه من اعتراف الطاعن بالتحقيقات إلى جانب باقي أدلة الثبوت التي أقام عليها فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالا على أي دفاع يتصل بهذه التسجيلات لما كان ذلك وكانت المحكمة قد قدرت في حدود سلطتها التقديرية أن اعتراف الطاعن أمام النيابة كان دليلا مستقلا عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة بها كما نفى الحكم أن الاعتراف المنسوب إلى الطاعن كان وليد إكراه استنادا إلى أنه قول مرسل لا دليل عليه, وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه كما أن لها تقدير ما إذا كان الاعتراف صدر من المتهم أثر إجراء باطل وتحديد مدى صلة الاعتراف بهذا الإجراء ومتى تحققت من أن الاعتراف كان دليلاً مستقلا منبت الصلة عن الإجراءات السابقة عليه وأنه سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها فيه, وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى اعتراف الطاعن باعتباره دليلا مستقلا عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة عنها وأنه صدر منه طواعية واختيارا ولم يكن نتيجة أي إكراه واقتنعت بسلامته وصحته فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض, لما كان ذلك وكان الثابت من مطالعة مفردات الطعن التي أمرت المحكمة بضمها - تحقيقا لوجه الطعن - أن الأوراق لم تحوي سوى أمر إحالة واحد صدر بتاريخ 29 من مارس 1987 فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول. لما كان ذلك وكان من المقرر أن المصلحة شرط لازم في كل طعن, فإذا التفت لا يكون الطعن مقبولا, وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره من خطأ الحكم في تطبيق القانون لنزوله بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر للجريمة المسندة إليه ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا