الماده 4 عقوبات
لا تقام الدعوى العمومية على مرتكب جريمة أو فعل في الخارج إلا من النيابة العمومية.
ولا تجوز إقامتها على من يثبت أن المحاكم الأجنبية برأته مما أسند إليه أو أنها حكمت عليه نهائيا واستوفى عقوبته.
========================================
قيود المحاكمة عن الجرائم المرتكبة فى الخارج
======================================== 
  نصت على هذه القيود المادة الرابعة من قانون العقوبات ، وحكمها لا يسرى إلا على الجرائم والأفعال المرتبكة فى خارج الاقليم المصرى ، ويشمل ذلك الحالات المنصوص عليها فى المادتين الثانية والثالثة من  قانون العقوبات ، أما الجرائم التى ترتكب فى الاقليم المصرى ، ثم يفر مرتكبها إلى الخارج قبل محاكمته أو أثناء هذه المحاكمة ، فلا شأن لهذه القيود بها إذا عاد إلى مصر بعد ذلك (1) .
وقيود المحاكمة عن الجرائم والأفعال التى ترتكب خارج الاقليم المصرى ويسرى عليها القانون المصرى تتمثل فى قيدين : أحدهما شكلى يتعلق بمن له حق إقامة الدعوى الجنائية عن الجريمة والآخر موضوعى يتعلق بعدم جواز إقامة الدعوى لسابقة الفصل فيها . فالمادة الرابعة من قانون العقوبات تنص على أنه " لا تقام الدعوى العمومية على مرتكب جريمة أو فعل فى الخارج إلا من النيابة العمومية . ولا يجوز إقامتها على من يثبت أن المحكام الأجنبية برأته مما أسند إليه أو أنها حكمت عليه نهائياً واستوفى عقوبته " . ونتناول هذين القيدين بشىء من التفصيل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : د/ فتوح عبدالله الشاذلى ، مرجع سابق ، ص 148 وما بعدها .
========================================
القيد الأول : قصر حق إقامة الدعوى الجنائية على النيابة العامة (2):
======================================== 
  القيد الأول : قصر حق إقامة الدعوى الجنائية على النيابة العامة (2):
الأصل فى الدعوى الجنائية أنها لا تحرك إلا من النيابة العامة ، لكن المشرع يجيز للمضرور من الجريمة أن يحرك
الدعوى الجنائية عن الجريمة إذا كانت جنحة أو مخالفة عن طريق الادعاء المباشر ، وفقاً للأحكام التى يقررها قانون الاجراءات الجنائية . أما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت فى الخارج ، فليس للمضرور منها أن يحرك الدعوى الجنائية عنها مباشرة ، وإنما يقتصر حق تحريك الدعوى الناشئة عن الجرائم المرتكبة فى الخارج على النيابة العامة وحدها . وعلة هذا القيد هى ترك تقدير ملاءمة اتخاذ الاجراءات الجنائية فى مثل هذه  الجرائم للنيابة العامة ، نظراً لدقة الموضوع وما قد يكتنفه من صعوبات وما قد يستلزمه التحقيق من نفقات وعناء وما يحيط به من صعوبات وظروف وملابسات لا يصلح لتقديرها غير النيابة العامة . من أجل ذلك كان من المصلحة العامة ترك هذا التقدير للنيابة العامة وحدها ، دون صاحب المصلحة فى تحريك الدعوى الجنائية ، الذى يقتصر دوره على تقديم الشكوى للنيابة العامة التى تقرر بصددها ما تراه طبقا لظروف وملابسات كل واقعة على حدة ، والنيابة العامة تراعى فى ذلك خطورة الجريمة ومدى إمكان الحصول على الأدلة اللازمة لاثباتها وغير ذلك من الاعتبارات التى يعجز المضرور من الجريمة عن الاحاطة بها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) : د/ فتوح عبدالله الشاذلى ، مرجع سابق ، ص 148 وما بعدها .
========================================
القيد الثانى : عدم جوزا إقامة الدعوى الجنائية لسابقة الفصل فيها (3):
======================================== 
  القيد الثانى : عدم جوزا إقامة الدعوى الجنائية لسابقة الفصل فيها (3):
لا تجوز اقامة الدعوى الجنائية عن جريمة ارتكبت فى الخارج ضد مرتكب الجريمة إذا كان قد حوكم فى الخارج أمام المحاكم الأجنبية التى قضت ببراءته أو بإدانته واستوفى عقوبته . وعلة هذا القيد وجوب مراعاة العدالة التى تقتضى ألا يعاقب الشخص على فعل واحد مرتين ، كما يتضمن هذا القيد اعترافاً بقيمة الحكم الأجنبى الذى يجب احترام ما له من قوة الشىء المحكوم فيه باعتباره قد فصل فى الجريمة المنسوبة الى المتهم . ولا يشترط فى الحكم النهائى أن يكون صادراً من محكمة الدولة التى ارتكبت الجريمة فى إقليمها كما يبدو من ظاهرعبارة النص ، وإنما يكفى أن يكون صادراً من محكمة أجنبية ، ولو كانت من غير محاكم الدولة التى وقعت فيها الجريمة ، كما لو كانت محكمة دولة أخرى يسرى قانونها على الجريمة المرتكبة على أساس أن المتهم يحمل جنسيتها .
والمنع من إقامة الدعوى الجنائية وفقاً لهذا القيد يقتصر على الحالتين المنصوص عليهما وهما : الأولى : أن يكون الحكم الصادر من المحاكم الأجنبية قد قضى ببراءة المتهم . والثانية : أن يكون الحكم قد قضى بإدانته مع استيفائه العقوبة المحكوم بها . وفى الحالتين يجب أن يكون الحكم نهائياً وفقاً لقانون الدولة التى أصدرت محاكمها الحكم  ولس وفقاً لأى قانون آخر . وقد صرح نص المادة الرابعة بضرورة أن يكون الحكم نهائياً فى حالة الادانة دون حالة البراءة ، لكن مفهوم النص يقتضى تطلب أن يكون الحكم نهائياً فى الحالتين لاتحاد العلة ، وهى انقضاء الدعوى الجنائية بالحكم الصادر من المحاكم الأجنبية ، والدعوى الجنائية لا تنقضى إلا إذا كان الحكم الصادر بالبراءة أو بالإدانة نهائياً ، أى غير قابل للطعن فيه بالطرق العادية أو غير العادية .
 وإذا كان الحكم صادراً بالبراءة ، فإن ظاهر نص المادة الرابعة من قانون العقوبات يفيد أن هذا الحكم يمنع من إعادة المحاكمة فى مصر عن الفعل ذاته ، ولو كانت البراءة مستندة إلى أن الفعل غير معاقب عليه طبقاً لقانون الدولة التى ارتكب فى إقليمها ، فهذا النص جاء عاماً لم يفرق بين أسباب البراءة . لكن إذا صح أن البراءة المستندة إلى عدم عقاب القانون الأجنبى على الفعل من شأنها أن تمنع من إقامة الدعوى فى مصر عن الفعل ذاته طبقاً لنص المادة الثالثة من قانون العقوبات ، الذى يشترط لإمكان محاكمة المصرى عن الفعل الذى ارتكب فى الخارج كون القانون الأجنبى يعاقب على هذا الفعل فإن اعتبار البراءة مانعاً من جواز إقامة الدعوى فى مصر عن الأفعال المعاقب عليها طبقاً للمادة الثانية من قانون العقوبات ، إذا كانت البراءة مستندة الى عدم عقاب القانون الأجنبى على الفعل ، يبدو مخالفاً لصريح نص المادة الثانية من قانون العقوبات المصرى التى لا تشترط للعقاب على الجرائم التى تنص عليها أن يكون معاقباً عليها وفقاً لقانون الدولة التى ارتكبت فيها . ويقول د/ فتوح الشاذلى : لذلك نرى مع بعض الفقهاء أن حكم البراءة الصادر من المحاكم الأجنبية فى جريمة من جرائم المادة الثانية من قانون العقوبات المبنى على عدم العقاب على الفعل فى القانون الأجنبى لا يمنع من إعادة محاكمة المتهم فى مصر أمام المحاكم المصرية ، على اعتبار أن حكم البراءة لعدم العقاب على الفعل ليس إلا إعلاناً من المحكمة الأجنبية بأن قانونها لا يعاقب على الفعل المسند الى المتهم . فما ينتهى اليه هذا الرأى يؤدى الى عدم الاعتداد بحكم البراءة الصادر من المحكمة الأجنبية فى جريمة من جرائم المادة الثانية من قانون العقوبات ، إذا كان مبنى البراءة عدم عقاب القانون الأجنبى على الفعل ، وهو حل يحقق غرض المشرع من المادة الثانية من قانون العقوبات ، ويزيل التناقض بين نص هذه المادة والحكم الذى ورد فى المادة الرابعة من قانون العقوبات من تعميم المنع من إعادة المحاكمة ،
إذا كان حكم البراءة الصادر فى جريمة من جرائم المادة الثانية مبناه أن القانون الأجنبى لا يعاقب على الفعل المنسوب إلى المتهم . وتطبيقاً لهذا الرأى ، يجوز رفع الدعوى الجنائية فى الجرائم المشار اليها فى المادة الثانية رغم حكم البراءة الصادر من محكمة أجنبية تأسيساً على أن الفعل غير معاقب عليه .
وإذا كان الحكم صادراً بالإدانة فيلزم أن يكون المحكوم عليه قد استوفى كل عقوبته ، كى يمتنع رفع الدعوى عليه فى مصر عن ذات الفعل ، فإذا لم تكن العقوبة قد نفذت ، أو كان قد نفذ جزء منها فقط ، جازت محاكمة المتهم عن الجريمة مرة ثانية فى مصر لعدم توافر شروط القيد المانع من إعادة المحاكمة. ويرجع فى تقدير ما إذا كان المحكوم عليه قد استوفى عقوبته الى القانون الأجنبى الذى صدر حكم الادانة ونفذت العقوبة تطبيقاً لأحكامه . وإذا ثبت أن العقوبة نفذت كاملة ، فالمحاكمة تمتنع عن ذات الفعل ، ولو كانت العقوبة المقررة للفعل فى القانون الأجنبى لا تتناسب البتة مع العقوبة المقررة له فى القانون المصرى ، لأن القانون صريح فى اشتراط تنفيذ العقوبة المحكوم بها دون اعتداد بمدى تناسب هذه العقوبة مع الوصف المقرر للجريمة فى القانون المصرى .
وقد حصر المشرع قيد عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية عن الجرائم المرتكبة فى الخارج فى حالتى صدور حكم بالبراءة أو حكم بالادانة مع استيفاء العقوبة . ويعنى ذلك أن سقوط العقوبة بمضى المدة وفقاً للقانون الأجنبى لا يمنع من إقامة الدعوى الجنائية فى مصر إذا لم تكن قد سقطت بالتقادم ، كما أن العفو عن العقوبة طبقاً للقانون الأجنبى لا يترتب عليه ذات الأثر المترتب على تنفيذها من حيث عدم جواز إقامة الدعوى فى مصر . كذلك لا يمنع انقضاء الدعوى الجنائية عن الجريمة المرتكبة فى الخارج بالتقادم وفقاً للقانون الأجنبى أو صدور عفو عن الجريمة من إعادة المحاكمة فى مصر ، متى كانت الدعوى الجنائية لا تزال قائمة وفقا للقانون المصرى . ففى كل هذه الأحوال لا تمتنع إقامة الدعوى فى مصر وفقاً للقانون المصرى ، لأن تقدير الدولة الأجنبية لمدى أهمية العقاب على الجريمة المرتكبة على إقليمها قد لا يتفق فى كل الأحوال مع خطورة هذه الجريمة فى مصر والتى تختص بتقديرها السلطات المصرية ، ولذلك لم يجعل المشرع إلا الحكم النهائى وحده ، إذا كان صادراً بالبراءة أو بالإدانة ، مانعاً من إعادة المحاكمة عن الجرائم التى ترتكب فى الخارج ويسرى عليها القانون المصرى (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) ، (4)  : د/ فتوح عبدالله الشاذلى ، مرجع سابق ، ص 148 وما بعدها .
========================================
آثار الأحكام الجنائية الأجنبية (5)
======================================== 
  يرتب التشريع المصرى على الأحكام الجنائية الأجنبية أثرا سلبيا يتمثل فى منع اعادة المحاكمة عن واقعة صدر فيها من المحاكم الأجنبية حكم بات بالبراءة أو بالادانة ، وذلك طبقاً للمادة الرابعة من قانون العقوبات .
أما الآثار الايجابية للأحكام الجنائية الأجنبية والتى تتصل بقوتها التنفيذية فلا يعترف بها التشريع المصرى كقاعدة عامة . فهذه الأحكام لا تقبل التنفيذ فى مصر سواء فيما قضت به من عقوبات أصلية أو عقوبات تكميلية ، ولا تعد سوابق فى العود ، ولا يجوز الاستناد اليها فى الغاء وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها من المحاكم الوطنية ، ولا يترتب عليها ما يترتب على أمثالها من الأحكام  الصادرة فى مصر من عقوبات تبعية كالحرمان من بعض الحقوق أو المزايا . كما لا تكون لها أية حجية أمام القضاء المدنى فى مصر حيث يقيم المضرور من الجريمة دعواه المدنية للمطالبة بتعويض الضرر الذى سببته له الجريمة لا فيما يتعلق بثبوت الواقعة أو اسنادها الى المتهم ولا فيما يتصل بوصفها القانونى . ومع ذلك فقد يكون لبعض الأحكام الأجنبية قوة تنفيذية فى مصر بموجب اتفاقية دولية . مثال ذلك ما نصت عليه المادة 17 من اتفاقية تسليم المجرمين المعقودة بين دول الجامعة العربية سنة 1953 والتى صدقت عليها مصر فى نوفمبر سنة 1954 من أنه يجوز تنفيذ الأحكام القاضية بعقوبة مقيدة للحرية كالحبس أو السجن أو الأشغال الشاقة  فى الدولة الموجود بها المحكوم عليه بناء على طلب الدولة التى أصدرت الحكم وموافقة الدولة المطلوب منها التنفيذ ، على أن تتحمل الدولة طالبة التنفيذ جميع النفقات التى يستلزمها تنفيذ الحكم .
وعدم الاعتراف للأحكام الجنائية الأجنبية بقوة تنفيذية يتمشى مع الاتجاه السائد فى الفقه التقليدى الذى يرى فى التزام الدولة بتنفيذ هذه الأحكام مساسا بسيادتها ، فالحكم الجنائى مظهر لسيادة الدولة التى أصدرته وتنفيذه فى اقليم دولة أخرى يعنى امتداد تلك السيادة الى هذا الاقليم وذلك أمر مرفوض . ومع ذلك فان الفقه الحديث يتجه الى الاعتراف للأحكام الجنائية الأجنبية بقوتها التنفيذية باعتبار ذلك مظهرا من مظاهر التعاون بين الدول فى مكافحة الاجرام . وقد تأثرت بعض التشريعات بهذا الاتجاه الأخير فاعترفت للأحكام الجنائية الأجنبية بقوة تنفيذية فى حدود معينة (6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (5) ، (6) : د/ عمر السعيد رمضان ، شرح قانون العقوبات ـ القسم العام ـ  ص 119 ، 120 .