الدليل الثاني : في إثبات ونفي التعاقد موضوع دعوى الصحة  والنفاذ ( المحررات العرفية )
 
المحررات العرفية هي الدليل الثاني في سلسلة الأدلة المقبولة في إثبات ونفي التعاقد موضوع دعوى الصحة والنفاذ ؛ وفي تعريف المحرر بصفة عامة قيل بأن المحرر بوجه عام هو كل مسطور ينتقل به فكر أو معني محدد من شخص لأخر حال الإطلاع عليه ، أيا كانت طبيعته المادية أو نوعيته أو لغته أو العلامات التي حرر بها ، وللمحرر عموماً ثلاث عناصر أساسية هي مكوناته الطبيعية والتي يتعذر دونها القول بوجود محرر بالمعني المادي الملموس بل وبالمعني القانوني أيضاً ، وهذه العناصر هي علي الترتيب : -
 
العنصر الأول للمحرر : ونعني به أدوات الكتابة وموادها التي استخدمت في كتابة المحرر ، ويمكننا تقسيم هذه الأدوات والمواد إلى ثلاثة أقسام ، القسم الأول : ويشمل مواد الكتابة الصلبة ، وهى القلم الرصاص القلم الكوبيا الأقلام الملونة ، القسم الثاني : ويشمل مواد كتابة لزجة وهي الأقلام ذات السن الكروي وهذه تستعصي على النحو الآلي تتطلب جهودا خاصة لأزالتها بالمحاليل الكيميائية ومقاومتها للعوامل الجوية واحتفاظها بلونها لمدة طويلة وهي صالحة للاستعمال في كتابة المحررات ذات القيمة كالشيكات والكمبيالات والحوالات وغيرها ممن يخشى عليها من محاولات التزوير المادي أو الضياع التدريجي لكتابتها بمرور الزمن ، القسم الثالث : مواد الكتابة السائلة وهي عبارة عن سوائل مائية ذائبة في المادة مضاف إليها مواد تساعد على حفظها من التلف ومنها الأحبار الكربونية والأحبار الملونة والأحبار القلوية وأحبار الخشب الأحمر والأحبار الحديدية.      
 
العنصر الثاني للمحرر :  الورق أو المادة الورقية وهي المادة التي سطر عليها الحروف أو الكلام أو العلامات الاصطلاحية المتفق عليها .
العنصر الثالث للمحرر :  الكتابة ذاتها بما تتضمنه من عبارات وتوقيعات و حروف وهي الوسيلة التي يعبر به الشخص عما يجيده وهي تنقسم إلى نوعين لكل منهما أساليبه ودراساته النوع الأول الكتابة اليدوية والنوع الثاني الكتابة الآلية .
 
والمحررات العرفية - كأدلة - هي الأوراق التي يقوم بتحريرها عامة الناس بقصد إثبات تصرف ما أو واقعة محددة بعينها دون التدخل من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ، بمعني أن المحررات العرفية هي كل المحررات التي لا تحمل صفة الرسمية ، ولا يمكن القول بحصر وتعداد هذه المحررات ، فهي تستعصي علي ذلك .
تقسيم المحررات العرفية وفق دورها المحدد في الإثبات
تنقسم المحررات العرفية وفق دورها في الإثبات أي كدليل إلى نوعين : -
 
النوع الأول :  ونعني به المحررات العرفية التي أعدت مقدماً لكي تكون دليلاً للإثبات.
 
النوع الثاني : ونعني به المحررات العرفية لم تعد مقدماً لتكون دليلاً للإثبات لكنها تؤدي دوراً في الإثبات إلى الحد الذي يمكن اعتبارها دليلاً بشروط وبنص صريح.
والتفرقة السابقة ليست تفرقة نظرية بل تفرقة علمية عملية يتولد عنها عدد هائل من الآثار الأمر الذي يدعونا إلى دراسة كل منها علي حده .
 
النوع الأول من المحررات العرفية المحررات العرفية المعدة  سلفاً للإثبات المحرر العرفي المعد مقدماً للإثبات وكما يتضح من مسماة يفترض بداهــة أن يكون مكتوباً ، كما يفترض أن يحمل هذا المحرر توقيعاً أو توقيعات منسوب صدورها إلى المخاطبين بمضمون المحرر العرفي ؛
 
إذا : فلا بد أن يكون المحرر العرفي مكتوباً ، لأن طبيعة هذا الدليل تستلزم ذلك . كما يلزم أن يكون موقعاً ، لأنه بالتوقيع يمكن نسب التصرف إلى شخص محدد هو الملتزم في السند أو المحرر العرفي .
 
المحرر العرفي وشرط أن يكون مكتوباً
 
يشترط أن يكون المحرر العرفي مكتوباً ، تلك طبيعته ، لكن لا يشترط في المحررات العرفية أن تكون مكتوبة بطريقة معينة ، فلا تخضع هذه المحررات في كتابتها لشكل من الأشكال كالمحررات الرسمية كما سلف ، فلا يشترط أن يكون صلب المحرر مكتوبا بخط من يحتج عليه به ، بل يصح أن يكون مكتوبا بخط أي شخص حتى ولو كان ناقص الأهلية لان محرر الورقة ليس سوى أداة تعبر عن إرادة الموقع عليها .
 
و يراعي في فهم الأحكام الخاصة بشرط كتابة المحرر العرفي  :
أولا : لا يشترط قانون الإثبات أن تكون المحررات مكتوبة باللغة العربية ، كما هو الحال في المحررات الرسمية ، فيصح أن يكون المحرر العرفي مكتوبا بلغة أجنبية أو حتى برموز أو اصطلاحات معينة معروفة لذوى الشأن .
 
ثانياً : يجوز أن تكون الكتابة الخاصة بالمحرر العرفي خطية أو بالطباعة أو بالآلة الكاتبة ، فان كانت بالخط فيصح أن تكون بالمداد او بالقلم الرصاص أو غيرها ، وقد جرت العادة أن تكون بالمداد لان الكتابة بالرصاص يسهل إحداث تغيير فيها وقد يصعب في بعض الحالات إثبات التزوير.
 
ثالثاً : لا يعيب المحرر العرفي أن يوجد به تحشير أو إضافات بين السطور أو في الهامش أو أن يوجد به كشط ، ويلزم التوقيع على الإضافات أو التحشيرات فيصح للقاضى أن يأخذ بها إذا كان العقد لا يستقيم إلا بها ، أو إذا كان المحرر مكتوبا من عـدة نسخ وكانت الإضافات او التحشيرات موجودة فى جميع النسخ ومطابقة لبعضها ، او إذا كان المحرر مكتوبا بخط المتمسك به ، او كانت النسخة التى بها الإضافات او التحشيرات موجودة تحت يده ، وكذلك لا يلزم ذكر الكلمات المشطوبة في نهاية المحرر العرفي ان يوجد به تحشير أو إضافات بين السطور او في الهامش أو أن يوجد به كشط .
رابعاً : لا يلزم التوقيع على الإضافات أو التحشيرات فيصح للقاضى أن يأخذ بها إذا كان العقد لا يستقيم إلا بها ، أو إذا كان المحرر مكتوبا من عدة نسخ وكانت الإضافات أو التحشيرات موجودة في جميع النسخ ومطابقة لبعضها ، او إذا كان المحرر مكتوبا بخط المتمسك به ، أو كانت النسخة التي بها الإضافات او التحشيرات موجودة تحت يده .
 
خامساً : لا يلزم ذكر الكلمات المشطوبة في نهاية المحرر وتوقيع أصحاب الشأن على ذلك ، فهذه الكلمات تعتبر لاغيه ، ويفترض حصول الشطب برضاء أصحاب الشان وقت كتابة المحرر ما لم يتبين من ظروف الدعوى ان الشطب كان سهوا أو بطريق الغش أو سبب حادثة وغنى عن البيان ان للمحكمة ان تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والتحشير وغير ذلك من العيوب المادية فى المحرر من إسقاط قيمته في الإثبات او إنقاصها  .
 
 
المحرر العرفي وشرط أن يكون موقعاً  عليه 
كما يشترط في المحرر العرفي المعد للإثبات أن يكون مكتوباً ، وفق ما أوضحنا ، فإنه يشترط فيه أن يكون موقعاً ، أي موقعاً عليه ، والتوقيع علي المحرر العرفي قد يكون بالإمضاء أو بالختم أو ببصمة الإصبع ، وفي ذلك تقرر المادة 45 من قانون الإثبات : يجوز لمن بيده محرر غير رسمي أن يختصم من يشهد عليه ذلك المحرر ليقر بأنه بخطه أو بإمضائه أو بختمه أو ببصمة ولو كان الالتزام الوارد به غير مستحق الأداء ويكون ذلك بدعوى أصلية بالإجراءات المعتادة .
 
حجية المحرر العرفي كدليل  بين طرفيه حال الدفع بالإنكار والجهالة
 
الفهم الصحيح والدقيق للدفع بالإنكار والدفع بالجهالة - وهي دفوع هامة في مجال التطبيق العملي - يقتضي قراءة متأنية لنصوص المواد 14 ، 30 من قانون الإثبات .
تنص المادة 14 من قانون الإثبات : يعتبر المحرر العرفي صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط وإمضاء أو ختم أو بصمة .
أما الوارث أو الخلف فلا يطلب منه الإنكار ، ويكفى أن يحلف يمينا بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هي لمن تلقى عنه الحق .
 
ومن احتج عليه بمحرر عرفي وناقش موضوعه ، لا يقبل منه إنكار الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع .
 
والواضح أن المادة 14 من قانون الإثبات تتناول ثلاث قواعد أساسية في مجال التعامل مع المحررات العرفية وقوتها في الإثبات وهي :
 
القاعدة الأولي : إن المحرر العرفي أيا كان مضمونه يعد صادراً ممن وقعه ، و لنفي هذه الصلة يجب أن ينكر الشخص صراحة ما هو منسوب إليه من خط وإمضاء أو ختم أو بصمة ، فمحل الإنكار :
( إنكار الخط - إنكار الإمضاء - إنكار الختم - إنكار البصمة )
 
القاعدة الثانية : إذا قدم المحرر العرفي ضد الوارث أو الخلف فلا يطلب منــه الإنكار ، ويكفى أن يحلف يمينا بأنه لا يعلـم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمـة هي لمن تلقى عنه الحق ، وهو ما يسمي بالجهالة .
 
القاعدة الثالثة : لا يجوز لمن احتج عليه بمحرر عرفي وناقش موضوعه إنكار الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع ، وفي ذلك تقرر المذكرة الإيضاحية للمادة 14 إثبات " إن من يحتج عليه بمحرر عرفي فيناقض موضوعه لا يقبل منه بعد ذلك إنكار الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة المنسوبة له عليه ، وذلك سداً من المشروع لباب الشغب والكيد ، ذلك أن مناقشة موضوع المحرر يتعين لكي تكون جادة منتجة أن تكون وليدة الإطلاع علي هذا المحرر . وهو ما يمكن من التحقق من نسبة الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة أن يشهد عليه المحرر ، إذ من اليسير علي هذا الأخير أن بمجرد هذا الإطلاع التحقق من هذه النسبة ، فإذا لم ينكرها فور إطلاعه علي المحرر وخاض في مناقشة موضوعة ، فإن ذلك منه يفيد تسليمه بصحة تلك البيانات .
تنص المادة 30 من قانون الإثبات  : إذا أنكر من يشهد عليه المحرر خطه أو إمضاءه أو ختمه أو بصمة إصبعه أو أنكر ذلك خلفه أو نائبه وكان المحرر منتجاً فى النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لتكوين عقيدة المحكمة فى شأن صحة الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة إصبعه أمرت المحكمة بالتحقيق بالمضاهاة أو بسماع الشهود أو بكليهما .
 
حجية المحرر العرفي كدليل علي الغير فيما يخص صحة صدور المحرر
 
يصبح المحرر العرفي كالمحرر الرسمي حجة علي الكافة في ثلاث حالات :
 
الحالة الأولي : إذا اعترف الخصم الذي يحتج عليه بالمحرر العرفي بصحة التوقيع المنسوب إليه على المحرر .
 
الحالة الثانية : إذا ثبت صحة توقيع الملتزم في المحرر - المدين - بعد إنكـاره واتخاذ سائر الإجراءات القانونية الخاصة بذلك .
 
الحالة الثالثة : سكوت الملتزم في المحرر العرفي عن إنكار صدور المحرر العرفي عنه . وفي ذلك تنص المادة 14 الفقرة 1 من قانون الإثبات : يعتبر المحرر العرفي صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء او ختم أو بصمة .
 
النوع الثاني من المحررات العرفية المحررات العرفية الغير معدة  سلفاً للإثبات  - أي كدليل
 
عرفنا المحررات العرفية بأنها الأوراق التي يقوم بتحريرها عامة الناس دون التدخل من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ، بمعني أن المحررات العرفية هي كل المحررات التي لا تحمل صفة الرسمية ، ولا يمكن القول بحصر وتعداد هذه المحررات ، فهي تستعصي علي ذلك  .
 
وقد أوضحنا فيما سبق أن المحررات العرفية تنقسم من حيث سبق إعدادها كدليل إلى نوعين من المحررات ، محررات عرفية أعدت لتكون دليل ، ومحررات عرفية لم تعد مسبقاً لتكون دليلاَ ، والفارق بين نوعي المحررات العرفية يولد كم هائل من الآثار ، لعل أهمها علي الإطلاق الحجية التي يضفيها قانون الإثبات علي كل منهما ، فالمحررات العرفية المعدة مقدما للإثبات تعتبر دليلا كاملا ، لان توقيع المدين يضفي عليها حجية ، أما المحررات العرفية التي لم تعد مسبقاً ولأنها لم تعد مقدما للإثبات يجعل لها القانون - بنص خاص - حجية معينة  .
_________________________
  د . محمد لبيب شنب - الإثبات في المواد المدنية والتجارية - 1989 - دار النهضة العربية ، د . إسلام شريف  مرجع سابق - ص 59 .
   راجع تفصيلاً ماهية هذه المحررات وحجية كل منها في الإثبات الموسوعة الشاملة في الأدلة - مرجع سابق .