نفقه الصغير
المبحث الأول : النصوص القانونية
نصت المادة 18 مكرر ثانياً من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 على أنه : إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه.
وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى إن تتزوج البنت أو تكسب ما يكفى نفقتها والى أن يتم الابن الخامسة عشر من عمره قادراً على الكسب المناسب، فان أتمها عاجزاً عن الكسب لآفة بدنية أو عقلية أو بسبب طلب العلم الملائم لأمثاله ولاستعداده ، أو بسبب عدم تيسر هذا الكسب استمرت نفقته على أبيه.
ويلتزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يساره وبما يكفل للأولاد العيش فى المستوى اللائق بأمثالهم.
وتستحق نفقة الأولاد على أبيهم من تاريخ امتناعه عن الإنفاق عليهم.
 
المبحث الثاني : الشرح والتعليق
الأصل أن نفقة الصغير في ماله إن كان له مال :
نصت المادة على أنه إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبية وهذا يتفق مع الأصل الشرعى على أن نفقة الإنسان في ماله فمن كان له مال لا تجب نفقته على غيره سواء كان صغير أو كبيراً ذكراً أو أنثى لأن نفقة الأقارب تجب للحاجة فإذا لم يكن القريب محتاجاً لا تجب نفقته على غيره .
الأصل الشرعى لنفقة الأولاد الصغار على أبيهم :
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب نفقة الأولاد الصغار على الآباء فقد ثبت وجوب هذه النفقة بنصوص من الكتاب والسنة .
فقد قال تعالى : وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " ( 1 )
فالمولود له أب ولما ثبت رزق الوالدات على الأب بسبب الولد ، وجب عليه رزق الولد ، وما روى من أن هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان قالت يا رسول الله " إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطينى ما يكفينى وولدى إلا ما أخذ منه وهو لا يعلم ، فقال رسول الله r ( خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف ) ، وقول رسول الله r فى خطبة الوداع " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " صدق رسول الله r
نفقة الصغير تكون على أبيه إذا لم يكن له مال :
نصت المادة كما رأينا على إنه لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه وهذا يتفق مع الأصل الشرعى إنه لا يشارك الأب في نفقة ولده أحد والمراد بالولد المباشر لا من دونه لأن الأولاد جزء منه فالإنفاق عليهم كالإنفاق على نفسه لأن الأب يتصل بانتساب أولاده إليه لا يشاركه أحد في ذلك وهو غنم يختص به فيتحمل غرم النفقة .
وقد جعل النص نفقة الصغير على أبية حتى بلوغة الخامسة عشرة وتحسب هذه السن على أساس التقويم الهجرى لأنه الأصل في التقويم الشرعى ما لم يرد نص على خلافه ، والسن المذكورة هى أقصى سن البلوغ وثبوت الولاية على النفس وإلية التقاضى طبقاً للرأى الراجح في المذهب الحنفى .
وقد أحسن القانون بإلزامه بنفقة ولده حتى هذه السن لأن الولد قبلها ينبغى أن يكون مشغولاً بطلب الحد الأدنى من العلم الأساسى سواء في ذلك النظرى أو الذى يؤهله لاحتراف مهنه فينبغى ألا يكلف قبل هذه السن بالخروج للتكسب والاحتراف ولو كان بالغاً أو قادراً على الكسب .
وتجب النفقة على الأب ولو كان مختلفاً مع أبنه في الدين لأنة لا يشترط إتحاد الدين في نفقة الأولاد لأن سبب وجوبها الولادة ، وهذه لا تختلف باختلاف الدين ولا عبرة فيها بالإرث .
ولأن الفرع جزء من الأصل وجزء الإنسان في معنى نفسه فكما لا تمتنع النفقة على نفسه بالكفر فكذلك لا تمتنع على جزئه .
على من تجب نفقة الصغير في حالة إعسار الأب أو عجزه أو عدم وجوده .
نصت المادة على أنه إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبية ولكنها لم تبين من تجب عليه نفقته إذا كان الأب معسراً أو عاجزاً عن الكسب أو غير موجود وعلى هذا يتعين الرجوع في هذا الصدد للرأى الراجح في المذهب الحنفى عملا بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمنصوص عليه في المذهب الحنفى إنه إذا كان الأب معسراً ولكنه قادراً على الكسب أو كان قادراً على الكسب ولكنة لا يكسب بالفعل لعدم وجود عمل له ، فلا ينتقل وجوب النفقة إلى غيره بل يبقى الوجوب عليه ولكنه لا يكلف بالأداء بل تكلف الأم بالإنفاق إن كان لها مال ويكون ما تنفقه ديناً على الأب ترجع به عليه إذا أيسر لإنها أولى بالتحمل من سائر الأقارب فإن لم يكن للأم مال كلف من يليها فلا ترتيب من تجب عليهم النفقة وهو الجد لأب بالإنفاق ليرجع على الأب إذا أيسر كذلك .
أما إذا كان الأب معسراً عاجزاً عن الكسب كأن يكون مريضاً بمرض مزمن يقعده عن الكسب بحيث تكون نفقته على غيره من الأصول أو الفروع فأنه في هذه الحالة يعتبر في حكم الميت ويسقط وجوب النفقة وينتقل الوجوب إلى من يليه في الترتيب لأنه لا يسوغ عقلاً أن توجب عليه نفقة غيره وهو يأخذ نفقة من غيره .
إذا كان مال الصغير حاضراً في يد الأب أنفق منه عليه وينبغى أن يشهد على ذلك ، وإذ لم يشهد فمن الجائز أن ينكر الصبى إذا بلغ ويقول أن الأب أنفق من مال نفسه لا من ماله فيصدقه القاضى لأن الظاهر أن الرجل الموسر ينفق على ولده من مال نفسه وأن كان لولده ، فكان الظاهر شاهداً للولد فيبطل حق الأب .
وأن كان مال الصغير في بلد آخر ينفق الأب من مال نفسه بأمر القاضى ويرجع على الابن أو يشهد أنه ينفق من مال نفسه ليرجع به في مال ولده ليمكنه الرجوع لما ذكرنا أن الظاهر إن الإنسان يتبرع بالإنفاق من مال نفسه على ولده فإذا أمر القاضى بالإنفاق من ماله ليرجع أو يشهد على أنه أنفق ليرجع ، فقد بطل الظاهر وتبين أنه إنما أنفق من ماله على طريق القرض وهو يملك إقراض ماله فيمكنه الرجوع .
أنواع نفقة الصغير :
اقتصرت ( المادة 17 مكرراً ثانيا ) على النص على التزام الأب بنفقة صغيره إذا لم يكن للصغير مال دون أن تعدد أنواع النفقة الواجبة له وذكرت منها السكنى ومصاريف التعليم فقط ولا ينال من ذلك أن النص جرى على إلزام الأب بمصاريف تعليم الابن الكبير العاجز عن الكسب دون الابن الصغير لأن وجوبها للأخير أولى .
والنفقة شرعاً هى الطعام والكسوة والسكنى وفى العرف الطارئ في لسان أهل الشرع هى الطعام فقط ولذا يعطفون عليه الكسوة والسكنى والعطف يقتضى المغايرة فنجد كثيراً من الفقهاء يقولون مثلا تجب للزوجة على زوجها النفقة والكسوة والسكنى فيجعلونها شيئاً أخر غير الكسوة والسكنى .
وعلى ذلك إذا أطلق لفظ النفقة فأنه لا يشمل سوى الطعام والكسوة والسكنى دون غيرها من أنواع النفقة .
غير إن الفقهاء يدخلون علي نفقة الصغير أنواعاً أخرى هى بدل الفرش والغطاء وأجر الحضانة وأجر الخادم وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بالقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها (الملغى ) ما يأتى : شمول نفقة الزوجية لنفقة الطعام وبدل الكسوة وأجرتى المسكن والخادم وشمول نفقة الصغير لذلك ولأجرتى الحضانة والرضاعة .
وعلى ذلك تكون أنواع نفقة الصغير كالأتى :
1- الطعام : وقد جرى القضاء على فرض نفقة الطعام شهرياً لمن في يده الصغير كما سنرى ، وإذا كان الصغير في سن الإرضاع وهو حولان فإنه يستحق نفقة طعام تفرض له بجانب أجر الإرضاع وتسمى بدل إصلاح شأن .
2- الكسوة : جرت عادة الفقهاء على فرض كسوة للصغير كل أربعة أشهر أى ثلاثة مرات في السنة وقد جرى القضاء على فرض مبلغ شهرى للكسوة .
3- بدل الفرش والغطاء : يجب للصغير على أبيه فرشه وغطاؤه ولما كان الفرش والغطاء مما يبلى فإنه يلتزم بتجديده بدوام الاستعمال ويجب للصغير الفرش والغطاء ولو كان رضيعاً إذ المعروف عادة والمقرر طبيعة إن الطفل يجب أن يكون في مهد خاص يناسب حالته لا يشترك مع حاضنته في فراشها وغطائها وهذا أيضا ما تمليه المبادئ الصحية .
وقد جرى القضاء على فرض مبلغ يسير شهرياً لبدل فرش وغطاء الصغير يضاف إلى نفقته .
4- أجر الخادم : إذا أحتاج الصغير إلى خادم للقيام بشئونه فإن أجر الخادم يكون من كفايته ويلتزم به الأب إذا كان مثله ممن يخدم أولاده فإذا كان الصغير في يد حاضنتها المفروض لها أجر خادم فإنه لا يفرض للصغير أجر خادم إلا إذا كانت حالته تسمح بأكثر من خادم وإذا كان للأب أكثر من ولد لا يكفيهم خادم واحد فإنه يجوز فرض أجر أكثر من خادم للأولاد إذا كانت حالته تسمح بذلك .
وتقدير ما إذا كان الأولاد يحتاجون إلى أكثر من خادم مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لقاضى الموضوع .
5- مصاريف العلاج : لم تنص المادة 18 مكرراً ثانياً المضافة إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على إلزام الأب مصاريف علاج الصغير كما فعلت المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 المستبدلة بالقانون المذكور بالنسبة لمصاريف علاج الزوجة نصت على إلزام الزوج بها ومن ثم يتعن الرجوع في ذلك إلى الرأى الراجح في المذهب الحنفى عملاً بنص المادة الثالثة من القانون رقم (1) لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى في مسائل الأحوال الشخصية .
وبالرجوع إلى المذهب الحنفى نجد أن العلامة أبن عابدين ذكر في حاشيته إنه لم يرد من ذكر وجوب أجر الطبيب وثمن الأدوية على الوالد لأبنه وإنما ذكروا عدم الوجوب للزوجة .
والذى نراه مع البعض ، إن مصاريف العلاج لا غنى عنها للصغير وللأقارب المستحقين للنفقة عامة ، فهى بهذه المثابة تدخل ضمن الحاجات التى فرضت ضمن نفقة الأقارب ، فتكون إذن من جملة الكفاية وتجب للقريب على قريبة .  
 
المبحث الثالث : الدفوع القانونية
1- الدفع بعدم وجوب النفقة على المدعى عليه .
وحيث ان من المقرر انه اذا كان الصغير ذا مال حاضر فان نفقته تقع فى ماله ولا تجب على أبيه فإذا لم يكن له مال يكفيه فإن وجوبها على أبيه وإنفراده بتحملها بقدر احتياج الولد لها . قاعدة ثابتة لا تأويل فيها .
 ( القضية رقم 29 لسنة 11 ق " دستورية " جلسة 26/3/1994 )
2 - الدفع بثبوت عجز المدعى عليه عن الكسب .
من المقرر أنه لا مراء فى أن نفقة الأولاد على أبيهم تكون بقدر يساره وبما يكفل لهم العيش اللائق بأمثالهم وأن الأب لا يشاركه أحد فى نفقة أولاده
( الدعوى رقم 354 لسنة 1986 شبين الكوم - جلسة 25/10/1986 )
3 - الدفع بوجوب النفقة على المستأنف ضدها :
 بموجب عقد مؤرخ  /  /    مبرم فيما بين المستأنف والمستأنف ضدها تم الاتفاق فيما بينهما على أن تتحمل المستأنف ضدها بنفقة صغيرها منه ............ وحتى بلوغه الخامسة عشر من عمره نظير طلاقها وذلك بدلاً من مخالعته ، فكان ذلك بمثابة طلاق على مال ، وهو الأمر الذى يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً برفض الدعوى .