ماهية الــــزواج
 
تعريف الزواج :
1- الزواج لغة : يقصد بالزواج في اللغة ، خلاف المفرد ، واللفظ في عمومه يطلق علي كل ما له نظير مثل الأبيض والأسود ، والذكر والأنثى ، ويقول الإمام الفخر الرازي ، إن الزواج إما الضدان أو المتماثلان .
أما النكاح في اللغة فيقصد به الضم والتداخل .
2- الزواج في اصطلاح الفقهاء : تعددت تعريفات الزواج ، وسارت مثاراً للانتقاد ، ودون الدخول في الجدل الفقهي حول تعريف الزواج ، نذكر تعريف الحنفية للزواج ، حيث عرف الإمام السرخسي الحنفي المذهب في المبسوط ، الزواج بأنه " النكاح في اللغة عبارة عن الوطء ...
وحقيقة المعني هو الضم .. ثم يستعار للعقد مجازاً لأنه سبب شرعي يتوصل به إلي الوطء ، أو لأن في العقد معني الضم ، فإن أحدهما ينضم به إلي الآخر ، ويكونان كشخص واحد في القيام بمصالح المعيشة .. ثم يتعلق بهذا العقد أنواع من المصالح الدينية والدنيوية ، من ذلك حفظ النساء ، والقيام عليهن والإنفاق ، ومن ذلك صيانة النفس عن الزنا ، ومن ذلك تكثير عباد الله تعالي بالتناسل ، وهذا التناسل عادة لا يكون إلا بين الذكور والإناث ، ولا يحصل ذلك بينهما إلا بالوطء ، فجعل الشارع طريق ذلك الوطء النكاح " ، ثم يستطرد الإمام السرخسي رحمه الله قائلا " وليس المقصود بهذا العقد قضاء الشهوة ، وإنما المقصود به ما بيناه من أسباب المصلحة ، ولكن الله تعالي علق به قضاء الشهوة ليرغب فيه المطيع والعاصي " (1 ).
مشروعية الزواج : لا ريب أن علاقة الزواج من أسمي العلاقات الإنسانية ، لذلك حثت كل الأديان والشرائع السماوية عليه ، وليس أدل علي سمو الزواج وأهميته أكثر من أن نبي الله موسي عليه السلام قضي أعواماً طويلة من عمره في سبيل الزواج ، (2 ) وفي الشريعة الإسلامية ورد النص علي الزواج في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة :
1- القرآن الكريم : قال تعالي " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ " ( ) ، وقال تعالي أيضا " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" . ( )
وغير هذا من الكثير والكثير من آيات الذكر الحكيم التي ترغب في الزواج ، والتي لا يتسع المقام لذكرها جميعاً .
2- السنة النبوية الشريفة : كما ورد عن رسول الله e الكثير من الأحاديث التي تحث علي الزواج ، ومنها :
- ما رواة بن ماجة بسنده ، عن أبي هريرة t ، أن النبي e قال " ثلاثة كلهم حق علي الله عونه ، المجاهد في سبيل الله ، والناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء " .
- ما رواه البخاري عن أنس  بن مالك t : أن ثلاثة نفر من أصحاب النبي e قال بعضهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم : أصلي ولا أنام ، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك النبي e فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني" (متفق عليه) ، وهذا الحديث دلالة واضحة علي أن الإسلام ينهي عن التبتل ويحث علي الزواج .
ما روي عن ابن مسعود t قال: قال رسول e : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ، أي أن الزواج معين للشخص علي العفة والاستقامة
حكم الزواج : يتغير الحكم الشرعي للزواج بتغير ظروف الشخص ، لذا فالزواج يخض للأحكام التكليفية الخمسة ، وذلك علي البيان التالي :
1- الاستحباب : فيكون الزواج مستحبا للفرد في حالة الاعتدال ، بمعني أنه إذا كانت له غريزة طبيعية معتدلة ، لا تسوقه إلي ارتكاب الفاحشة ، وكان قادرا علي الوفاء بمتطلباته وحقوق الزوجة ولا يعتقد أنه يظلمها ، ويقصد بالاستحباب أن الفعل أرجح من الترك ، بمعني أن الزواج أفضل من عدم الزواج .
2- الوجوب : ويكون الزواج واجباً عند قدرة الشخص علي أعبائه ، لا يخشي منه ظلم الزوجة ، وتيقن أنه لو لم يتزوج وقع في إرتكاب الفاحشة ، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء .
3- التحريم : فقد يكون الزواج حراماًً ، وذلك إذا تيقن من أن الفرد سيظلم الزوجة ويضر بها ، ومن أهم الأمثلة علي ذلك ، حالة زواج العاجز جنسياً ، أو زواج الكهل الذي لا يطيق الوطء بالشابة التي تطلب النكاح العفيف .
كما يندرج تحت الزواج المحرم أيضاًً ، من لا يقدر علي الوفاء بمتطلبات زوجة واحدة ، ومع ذلك يتطلب الزواج من أخريات ، مع التيقن من عدم استطاعته العدل بينهن .
4- الكراهة : ويكون الزواج مكروهاًً لم يخشي منه ظلم الزوجة ، وغلب الظن علي أنه سيظلم .
5- الإباحة : وصورتها الفرد المعتدل الذي يتزوج لقضاء الشهوة دون نية العبادة أو أي غرض آخر .
مقاصد الزواج : للزواج مقاصد عديدة ، وأكتفي هنا بذكر بعض هذه المقاصد
1- الولد : فالزواج هو الوسيلة الشرعية للرزق بالولد ، لعبادة الله سبحانه وتعالي وبقاء النوع وعمارة الأرض ليكون الإنسان خليفة الله في أرضه ، مصداقاًً لقوله تعالي " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " ، وقوله تعالي " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ".
2- تحصين النفس : فالزواج إعانة للشاب علي تحصين نفسه والحيلولة دون الوقوع في حبائل الشيطان ، ومنع شيوع الرذيلة في المجتمع المسلم ، كما هو حال المجتمعات الغربية .
______________________________
(1) المبسوط للإمام السرخسي - نقلا عن فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الغزالي - الوسيط في أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي والتقنينات العربية المعاصرة (دراسة مقارنة) - الكتاب الأول (الزواج) - دار النهضة العربية - 1999 - ص17.
  (2) تدبر قوله تعالي " قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ " . (الآية  27 من سورة القصص )
  - الآية (72) من سورة النحل .
  - الآية (21) من سورة الروم .
  - الآية الأولي من سورة النساء .