القتل بالترك أو الامتناع
هو أحجام الجانى عن آتيان فعل إيجابى معين ، وهناك رأى آخر يقول " هى جريمة إيجابية بطبيعته ، لأنه تفترض اعتداء على الحياة لكن القانون لم يحدد وسائل القتل بل جعل أى وسيلة منها تستوى مع غيرها متى كان من شأنها الاعتداء على الحق الذى يحميه القانون (1) .
الآراء المختلفة :
كان هناك رأى يقول منذ أوائل القرن التاسع عشر بضرورة عقاب القتل بالترك أو الامتناع ، إذا كان على الممتنع التزام قانونى أو تعاقدى بالتدخل لإنقاذ المجنى عليه
وللرد على هذا الاعتراض قيل أن من يترك متعمدا نتيجة معينة تتحقق لأنه يريد تحقيقها ، مع أنه كان فى مقدوره منعها إنما يتسبب فيها لأن السببية ما هى إلا إرادة الإنسان عندما تستخدم فى الوقت المناسب قوى الطبيعة المختلفة فى تحقيق رغباتها ، فقتل المجنى عليه كان إذا يمكن تفاديه لو تدخل الجانى فى الوقت المناسب لإنقاذ المجنى عليه ، وهذا وحده يعنى قيام رابطة السببية بين الأمرين .
ويمكن القول بأن الرأى السائد الآن لدى شراح هو أن القتل بالامتناع معاقب عليه كالقتل بفعل إيجابى سواء بسواء ، وذلك إذا كان على الممتنع التزام قانونى أو تعاقدى بالتدخل لإنقاذ المجنى عليه فخالف هذا الالتزام ، كما فى مثلى الممرضة ورجل المطافئ اللذين أشرنا إليهما آنفا لأن السببية بين مخالفة الالتزام وبين القتل عندئذ واضحة ، فالقاتل بالامتناع يعد حينئذ قاتلا عمدا طالما توافر لديه قصد القتل أى إرادة إزهاق الروح ، ويعد قاتلا بإهمال إذا انتقى ذلك القصد لديه .
أما حيث لا يكون على الممتنع أى التزام قانونى ولا تعاقدى بالتدخل ، فلا وجه لمساءلته عن القتل العمد ولو توافر لديه القصد الجنائى ، ولا عن القتل بإهمال إذا انتقى لديه ذلك القصد ، ومن ذلك مثلا أن يمتنع جار عن إنقاذ جار له مشرف على الحرق أو الغرق فالقانون لا يفرض على الناس الشجاعة ولا التضحية خصوصا إذا اقترنت بقدر من الخاطرة ولو يسير ، ومن المتعذر كذلك إسناد النتيجة إلى مجرد نكول هذا الجار أو تقاعده عن انتشال الغريق أو إطفاء الحريق أية كانت بواعث هذا النكول ، أو وجه المصلحة منه فى نظره ، ويحبذ أغلب شراح القانون المصرى الأخذ بهذا الرأى السائد ، ولكن بشرط قيام رابطة السببية - بين امتناع الممتنع وبين النتيجة التى تحققت - فى حدودها العامة  (2) .  
القتل بالترك فى القضاء المصرى :
الحالات التى عرضت على قضائنا من القتل بنشاط سلبى نادرة من ذلك قضية أم تركت وليدها يموت بعد ولادته نتيجة تركه بدون عناية فقضت المحكمة ببراءتها استناداً إلى أنها لم ترتكب عملا إيجابيا يستفاد منه قيام القصد الجنائى ، كما اعتبر قاضى الإحالة جريمة أم امتنعت عمدا عن ربط الحبل السرى لوليدها جنحة قتل خطأ ، وذلك يصح اعتباره قتلا خطأ ، ولو توافرت فيه نية إزهاق الروح لأن الخطأ أو الإهمال المستوجب للمسئولية الجنائية قد يكون بنشاط إيجابى أو سلبى على السواء
ورأت محكمة النقض أن تعجيز شخص عن الحركة بضربه ضربا مبرحا ، ثم بتركه فى مكان منعزل محروما من وسائل الحياة بنية قتله يعتبر قتلا عمدا ، متى كانت الوفاة نتيجة مباشرة لتلك الأفعال ، وقد اختلطت الأفعال السلبية المسندة إلى المتهمين فى هذه الدعوى بأفعال إيجابية متعددة وهو ما يرفع دلالة الحكم على اتجاه المحكمة . (3)
_________________________
(1) / فتوح عبد الله الشاذلى ـ المرجع السابق صـ 22
(2) د/ روؤف عبيد ـ المرجع السابق صـ 20
(3) نقض 28/12/1936 القواعد القانونية ج 4 رقم 28