عقوبة القتل الخطأ
كانت عقوبة القتل الخطأ فيما مضى هى الحبس أو الغرامة التى لا تتجاوز مائتى جنيه ، كما كانت عقوبة الإصابة الخطأ هى الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة التى لا تتجاوز عشرة جنيهات مصرية .
إلا أن الشارع رأى تشديد هذه العقوبات مما اقتضى وضع صياغة جديدة تماما للمادتين ( 238 ، 244 ع ) بالقانون رقم 120 لسنة 1962 .
وكانت علة هذا التشديد حسبما ورد فى المذكرة الإيضاحية للقانون الآنف الذكر أنه " نظرا لتطور أسباب الحوادث فى العصر الحديث بسبب كثرة الآلات الصناعية ولتعدد مناحى النشاط الاقتصادى فى الحياة اليومية حتى وصلت الحوادث فى بعض الأحيان إلى ما يشبه الكوارث لكثرة عدد الضحايا ولأن النصوص القائمة بشأن القتل الخطأ والإصابة الخطأ لم تحقق الردع الكافى اتجه المشروع إلى رفع الجزاء المقرر لهاتين الجريمتين على الوجه المبين بتشديد العقوبة برفع حديها الأدنى والأقصى فى حالة ما إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجانى إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته ، أو إذا كان الجانى عند ارتكابه الخطأ الذى نجم عنه الحادث متعاطيا مسكرا أو مخدرا أو نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة ، أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك ، كما جعل المشروع من تعدد المجنى عليهم فى الجريمتين ظرفا مشددا آخر تغلظ به العقوبة دون تغيير طبيعة الجريمة من جنحة إلى جناية لأن وصف الجناية لا يتلاءم مع حصول الحادث عن خطأ ، وبهذا يمكن درء أسباب كثيرة من النكبات والحوادث التى تهدر حياة المواطنين الآمنين " .
 
عقوبة القتل الخطأ
 
عاقب المشرع القتل الخطأ فى صورتين " بسيطة وأخرى مشددة "
 
المطلب الأول : القتل الخطأ فى صورة البسيطة
نصت مادة 238/ 1 ع "من تسبب خطأ فى موت شخص أخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين "
ونلاحظ من هذه المادة ، أن القاضى يملك الجمع بين العقوبتين أو الأكتفاء بأحدهما فقط ، كما أن المشرع جعـل لعقوبة الحبس حدا أدنى (ستة أشهر ) دون أن يضع حدا أقصى الأمر الذى يجيز له الوصول بالعقوبة الى ثلاث سنوات باعتبارها الحد الأقصى لعقوبة الجنحة ، وفى نفس الوقت نجده حدد الحد الأقصى لعقوبة الغرانة وهى مائتى جنية دون أن يحدد الحد الأدنى لها ، الأمر الذى يجعل حددها الأدنى مائة جنية باعتبارها الحد الأدنى لعقوبة الغرامة (1) .
 
المطلب الثانى : القتل الخطأ فى صورة المشددة
نصت المادة  238 / 2 ، 3 عقوبات " وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسميا بما تقرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك .
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص ، فإذا توافر ظرف أخر من الظروف والواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.
وفقا لهذا النص فإن المشرع شدد العقاب على القتل الخطأ متى أقترن بأحدى الظروف المشددة الواردة فى هذا النص وهى جسامة الخطأ أو لجسامة الضرر أو لجسامة الخطأ والضرر .
أولا : تشديد العقاب لجسامة الخطأ
1. القتل الخطأ نتيجة لخطأ مهنى جسيم
يشدد المشرع عقوبة القتل الخطأ إذا وقعت الجريمة نتيجة اخلال الجانى أخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته فتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائه ولا تجاوز خمسمائة جنية أو بأحدى هاتين العقوبتين ، فإذا وقعت الجريمة ولم تكن نتيجة قيام الجانى بالإخلال بالأصول التى تفرضها عليه وظيفته أو مهنته أو حرفته لم يتوافر الظرف المشدد .
وبناء عليه يتعين لتوافر الظرف المشدد أن يمارس الجانى مهنه أو حرفه وأن يخل بأصول هذه المهنى أو الحرفة ولم يضع المشرع ضابطا لتحديد جسامة الخطأ ، ولذلك كان الأمر بيد القاضى الذى يحدد مدى جسامة الخطأ بالنظر الى كل حالة على حده ، وعليه عئذ أن يبحث عن مدى أهمية القاعدة التى خالفها المتهم فإذا كانت من القواعد الأولية المتعارف عليها بيم أصحاب المهنة أو الحرفة كان الخطأ جسيما (2) .
وقد قضى أن : الإهمال الجسم فى نطاق الوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينشئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه ، قوامه تصرف إرادى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضاره توقعها الفاعل أو كان عليه توقعها الفاعل لأو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد أحداثها ولم يقبل وقوعها " (3) .
2. تعاطى المسكرات أو المخدرات
إن المواد المسكرة والمخدرة تؤثر على إرادة الشخص بحيث يفقد السيطرة عليها ويفقد القدرة على اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادى تحقق النتيجة الإجرامية ، علاوة على أنه ترتب على سلوكه وفاه أنسان ، ويجب لقيام الظرف المشدد أن يتعاطى المتهم المادة المسكرة أو المخدرة بإرادته مع علمه بطبيعتها ، ولا يشترط أن يؤدى التعاطى الى أن يفقد الجانى سيطرته على إرادته تما فيكفى أن تنقص هذه المواد من وعى المتهم ، كما يتعين أن يكون واقعا تحت تأثير هذه المواد وقت ارتكاب الفعل ، ولا يشترط أن يكون السكر بينا ، وأنما أكتفى بتعاطى المخدر أو المسكر أيا كان كمية ، وأيا كان تأثيره كظرف مشدد للعقاب وذلك أستنادا الى أن المشرع لم يشترط ذلك فى نص المادة 238 عقوبات فكل ما أشترطه لتشديد العقاب هو أن تعاطى المسكر أو المخدر عند ارتكابه جريمته ، كما أن مشروع وزارة العدل كان يشترط فى السكر أن يكون بينا ، إلا أن لجمة تعديل قانون العقوبات رأت حذف هذا الشرط . (4)
وقد قضى بأن : الأصل أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هى التى تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجانى قهراً عنه وعلى غير علم منه بحقيقة أمرها بحيث تفقده الشعور والاختيار فى عمله وقت ارتكاب الفعل ، وكان تقدير حالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة فيما يتعلق بفقدان الشعور أو التمتع به ، والفصل فى امتناع مسئوليته تأسيساً على وجوده فى حالة سكر وقت الحادث أمراً يتعلق بوقائع الدعوى يقدره قاضى الموضوع دون معقب . (5)
وقد قضى بأن : متى تحققت محكمة الموضوع أن الجانى قد تعاطى الخمر بمحض اختياره فليس لسكره فى هذه الحالة تأثير ما فى مسئوليته الجنائية . (6)
3. النكول عن المساعدة
إذا نكل الجانى وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك ، والنكول هو الامتناع عن المساعدة أو عن طلبها ، وهو يتطلب ابتداء أن يعلم الجانى بوقوع الحادثة ، وبما أسفرت عنه من إصابة شخص أو آخر لا يزال بحاجة إلى المساعدة لأنه لا يزال على قيد الحياة .
ثم يمتنع عن تقديم المساعدة أو عن طلبها مع " تمكنه من ذلك " على حد تعبير النص ولا محل لانطباق هذا الظرف المشدد إذا وقع الحادث تحت سمع السلطات العامة وبصرها أو بالقرب منها ، لأنها هى المنوط بها أصلا تقديم المساعدة للمصابين فى الحوادث أو طلبها لهم ، بما يقتضى القول بانتقاء الحكمة من التشديد ، ولأن المصاب لا يعد بحاجة إلى مساعدة إلا إذا كان بعيدا عن متناول السلطان العامة
وقد قضى بأن : لما كان وقوع الحادث قد ثبت لدى المحكمة من أقوال المجنى عليهم ومن المعاينة ومن تقرير المهندس الفنى والتقارير الطبية ذلك أن الثابت من أقوال الشهود والمعاينة أن المتهم ........ كان يقود سيارته بسرعة ولم يحتفظ ببعد مناسب بينه وبين السيارة التى تسبقه مما أدى إلى إصطدامه بالسيارة قيادة ........ مما يتعين معه عقاب المتهم ........... عن تهم القتل والإصابة الخطأ وقيادة سيارة بحالة ينجم عنها الخطر و النكول عن مساعدة المجنى عليهم طبقاً لمواد الاتهام وعملاً بالمادتين 2 / 304 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 1 / 32 من قانون العقوبات وتنوه المحكمة إلى أنه وإن كانت العقوبة الواجبة التطبيق هى الحبس وجوباً إلا أنه لما كان المتهم هو المستأنف وحده ولذلك لا يضار باستئنافه . (7)
 
ثانيا : تشديد العقاب لجسامة الضرر
نصت الفقرة الثالثة من المادة (238) معدلة على أن العقوبة تكون الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص ، وعله التشديد أن سلوك الخاطئ الذى يفضى الى تلك النتيجة يكون من الجسامة بمكان مما يوجب تشديد العقوبة ، وقد اتخذ الشارع من مجرد تحقق النتيجة وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص ، قرينة على جسامتها مما يسلب القاضى حل سلطة فى تقديرها ، ويلاحظ أن الشارع قد أستبعد عقوبة الغرامة وجعل الحبس وجوبيا مما يسلب القاضى أمكانية أحلالها محله ، وبناء عليه يكون الحكم القاضى بالأدانة معيبا أن وقف بالعقوبة عند حد الغرامة .
ثالثا : التشديد لجسامة الخطأ وجسامة الضرر
تكون العقوبة هى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين إذا ترتب على الجريمة وفاه أكثر من ثلاثة أشخاص ، بالإضافة الى أى من الظروف المشددة الراجعة الى جسامة خطأ الجانى ( الخطأ المهنى الجسيم ، تعاطى المسكرات والمخدرات ، نكول الجانى ) ، وليس ذلك ألا لما تفصح عنه الجريمة من خطورة بالغة على المجتمع تسوغ تغليظ عقاب فاعلها الى تلك الحدود ، وفى جميع الأحوال تظل الجريمة جنحة باعتبار أن العقوبة المقررة لها فى صورتها البسيطة والمشددة هى الحبس  .
________________________
(1) د/ محمود طه ـ المرجع السابق ـ ص 229
(2)  د/ مدحت رمضان ـ المرجع السابق ـ ص 292
(3) نقض 26/4/1966 ، مجموعة أكمام النقض سنة 17 ، ص 491 ، رقم 94 .
(4) د/ عبد المهين بكر ، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال ، ص 161 .
(5) طعن رقم 8989 لسنة 58 ق ، بجلسة 02/3/1989.
(6) طعن رقم 1627 لسنة 4 ق ، بجلسة 29/1/1934.
(7) طعن رقم 3225 لسنة 57 ق ، بجلسة 20/12/1988 .