بسم الله الرحمن الرحيم

باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الادارى
الدائرة الأولى

بالجلسة المنعقدة علناً فى يوم الثلاثاء الموافق 16/12/2008
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد أحمد عطية
نائب رئيس مجلس الدولة
ورئيس محكمة القضاء الادارى
وعضوية السيدين المستشارين /
منير محمد غطاس نائب رئيس مجلس الدولة
حماد مكرم توفيق نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار /
حماد جمعة صديق مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سامى عبد الله أمين السر
أ-فى الدعوى رقم رقم 31677 لسنة 61 ق

المقامة من
1-حامد صديق سيد مكى
2-محمد صلاح الدين محمد أحمد متدخل انضمامياً وهجومياً
3-عبد المجيد العنانى متدخل انضمامياً للمدعى

ضـــــــــــــــد
1-وزير الصحة بصفته
2-مفتى الجمهورية بصفته
ب-وفى الدعوى رقم 32850 لسنة 61 ق
المقامة من
يوسف صديق محمد البدرى
ضـــــــــــــــــد
1-وزير الصحة ........ ( بصفته )
2- حمدى محمود السيد ، بصفته نقيب الأطباء ، خصم متدخل مع الجهة الإدارية
3-خالد على عمر خصم متدخل مع الجهة الإدارية

الوقـــــــــــــــــــــــــــــــــــائع
أقام المدعى / حامد صديق سيد مكى الدعوى الأولى (31677 لسنة 61 ق) بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 1/7/2007 مختصماً فيها المدعى عليهما الأول والثانى ومختتماً عريضتها بطلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزير الصحة بحظر ختان الاناث لمخالفته نصوص الدستور وأحكام الشريعة الاسلامية مع تنفيذ الحكم بموجب مسودته بدون إعلان وما يترتب على ذلك من آثار اهمها إنشاء وحدات خاصة تابعة لوزارة الصحة للاشراف على عملية الختان عموماً
وذكر المدعى تبياناً لدعواه ان وزير الصحة اصدر قراراً يمنع به إجراء عملية الختان للاناث دون سند مشروع يبرر ذلك فضلاً عن مخالفة هذا المنع لأحكام الدستور والعادات والأعراف المستقرة ، حيث نصت المادة ( من الدستور على ان تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ، بما يعنى عدم التفريق بين الذكر والأنثى فيما تكفله الدولة من تكافؤ الفرص لجميع مواطنيها ، غير ان القرار المطعون عليه حرم الأنثى التى ترغب فى الختان من أجرائه وجعله مجرماً ، رغم أن الرجال يختتنون ، وليس من العدل أن يمنع الختان على امراة راغبة فيه ، وليس من المعروف أن يمنع الختان استناداً إلى دعوى بعض النساء أن فيه ضرراً وخطراً ، ذلك ان ختان الختان يجرى للرجل وللمرأة على السواء منذ قرون ، وأن من لم تختتن من النساء لم يصبهن ضرر يبرر شكاتهن لعدم لحق الضرر بهن من وجههه ، وليس من حقهن المطالبة بمنع الختان على من ترغب فيه من وجه آخر .
واستطرد المدعى فذكر ان القرار المطعون عليه يخالف المادة (9) من الدستور الناصة على ان الأسرة اساس المجتمع وقوامها الدين والخلاق والوطنية وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد مع تاكيد هذا الطابع ، ولما كان المتوارث لدى الأسرة المصرية على مدى تعاقب الأجيال ان الختان من الدين ، لا فرق فى ذلك بين ذكر وانثى ، واصبح ذلك راسخاً من العادات والتقاليد والقيم المصرية فكان متعيناً الحفاظ على هذه العادة تأكيداً أيضاً لما نصت عليه المادة (12) من الدستور من التزام المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها والتمكن للتقاليد المصرية الأصيلة ، ومضى المدعى فذكر ان القرار الطعين يخالف ايضاً المادتين (11) ، (40) من الدستور حيث اخل بالمساواة بين المواطنين بسبب الجنس حيث منع النساء من اجراء الختان وهو ليس كذلك بالنسبة للذكر ، هذا إضافة إلى اعتداء القرار المطعون عليه على الحرية الشخصية التى هى حق طبيعى كفل الدستور صيانتها وحظر المساس بها ، إذ القرار يمنع الراغبات من الاناث فى اجراء الختان من حريتهن الشخصية فى اجراء تلك العملية .
واختتم المدعى عريضة دعواه بطلب الحكم له بالطلبات السالفة البيان .
وبموجب عريضة تدخل – معلنه – طلب المتدخل الأول ( محمد صلاح الدين محمد ) انضمامه إلى المدعى فى طلباته ، كما طلب إدخال خصم جديد إلى الدعوى هو المدعى عليه الثالث ( رئيس الجمعورية ) ملتمساً قبول تدخله هجوماً باضافة طلب جديد فى مواجهة الخصم المدخل هو : وقف تنفيذ والغاء قرار رئيس الجمعورية قرار رئيس الجمهورية باصدار القانون رقم 126 لسنة 2008 فيما تضمنه من إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات برقم 242 مكرراً ، جعلت من ختان الاناث جريمة يعاقيب عليها بالحبس والغرامة ، وفيما تضمنه من اضافة مادة جديدة إلى قانون الأحوال المدنية برقم 31 مكرراً حظرت اجراء توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثمانية عشر سنة ميلادية كاملة ، واشترطت لاجراء التوثيق أن يتم فحص الراغبين فى الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض ، وذلك على سند من أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه خالف المادة الثانية من الدستور التى جعلت من الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع من حيث تجريمه لختان الاناث وهو مشروع فى الشريعة الاسلامية ومن حيث مخالفته لأركان الزواج المعتبرة شرعاً وحظره الزواج لمن يقل عمره عن ثمانية عشر عاماً من الجنسين .
كما أقام المدعى / يوسف صديق محمد البدرى الدعوى الثانية (32850 لسنة 61 ق ) بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 11/7/2007 طالباً فى ختامها الحكم : بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 ، وتمهيدياً وقبل الفصل فى موضوع الدعوى : بضم حلقة برنامج " فضفضة " الذى قدمه الدكتور / صفوت حجازى الداعية الاسلامى على قناة الناس يوم الاثنين 9/7/2007 المتضمنة أحاديث للأساتذة الأطباء / محسن نصر ، وشريف حمزة المشتملة على أن بعض الفتيات تحتان إلى عملية الختان بالطريقة التى تعرفها الشريعة الاسلامية ، وأحاديث الدكتور / محمد احمد المسير ، والشيخ / على أبو الحسن مستشار شيخ الأزهر ورئيس لجنة الفتوى السابق الذين اكدا على ان ختان الاناث مشروع وثابت بالأحاديث النبوية الصحيحة ، وتشكيل لجنة من كبار علماء الحديث بجامعة الأزهر لاعداد تقرير حول مدى صحة الأحاديث العشرة التى تضمنتها عريضة الدعوى ، وكذا تشكيل لجنة من رؤساء اقسام طب النساء والتوليد والجراحة بكليات الطب بالجامعات المصرية لاعداد تقرير بالراى العلمى حول مدى حاجة بعض النساء إلى إجراء عملية الختان (الخفاض) وحول ما إذا يترتب على اجراء هذه العملية حال الحاجة إليها فوائد طبية وصحية من عدمه والخلوص إلى رأى طبى علمى حول هذه العملية عموماً والحكم بالغاء القرار المطعون عليه واعتباره كأن لم يكن وما يترتب على ذلك من ىثار والزام الجهة الادارية المصروفات ومقابل أتعاب المحامة .
وذكر المدعى تبياناً لهذه الدعوى بعضاً من ىيات الذكر الحكيم الدالة على الرضوخ لحكم الله واوامره ونواهيه والرضا والتسليم بها ، واستطرد القول بان وزير الصحة اصدر القرار رقم 271 لسنة 2007 تضمن فى المادة الولى منه على أن يحظر على الأطباء وأعضاء هيئة التمريض وغيرهم إجراء اى قطع أو تسوية أو تعديل لأى جزء طبيعى من الجهاز التناسلى للأنثى (الختان) سواء فى المستشفيات الحكومية أو غير الحكومية وغيرها من الأماكن ، ويعتبر قيام اى من هؤلاء باجراء هذه العملية مخالفاً للقوانين واللوائح المنظمة لمزاولة مهنة الطب
وينعى المدعى على هذا القرار ابتنائه على اساس غير صحيح من الواقع ، حيث صدر على اثر وفاة فتاة متاثرة بجرعة مخدر زائدة أثناء إجرائها عملية الختان دون ان يكون لعملية الختان ذاتها اى أثر فى إحداث الوفاة كما ورد فى تقرير الطبيب الشرعى ، فضلاً عن مخالفة القرار لأحكام المواد 2، 41 ، 45 ، 46 من الدستور ، لورود احاديث صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم يامر فيها بختان الاناث ويبين فيها طريقته وحكمته ، ولانعقاد الاجماع على شرعيته لكونه من خصال الفطرة وشعائر الاسلام .
ومضى المدعى فى سرد اسانيد دعواه مستظهراً الأحاديث النبوية الدالة على شرعية الختان منها : حديث ابى هريرة الذى رواه البخارى " خمس من الفطرة " وعدد منها الختان وحديث " إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل " وحديث ام عطية رضى الله عنها قالت : " أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم " لا ينهكى فإن ذلك احظى للزوج وأسرى للوجه " والحديث الذى رواه الامام احمد فى مسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " وذكر ان من جملة هذه الأحاديث فقد استدل الفقهاء على سنة ختان الاناث وقالوا إنه من فطرة الإسلام وشعائره واجمعوا على مشروعيته وانه لا خلاف بينهم على استحباب الختان لكنهم اختلفوا فى وجوبه
واستطرد المدعى قائلاً أن فقه الإمامين أبى حنيفة ومالك على أن الختان للرجال سنة وهو من الفطرة وللنساء مكرمة ولو اجتمع اهل بلد على تركه قاتلهم الإمام " ولى الأمر " لأنه من شعائر الإسلام وهو ما عليه إفتاء الشيخ / جاد الحق شيخ الأزهر السابق ، وكذا إفتاء الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر وقت ان كان مفتياً للجمهورية ، وأنه حينما سئل الإمام ابن تيمية عن ختان المرأة قال : نعم تختتن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التى كعرف الديك ، مستشهداً بقوله صلى الله عليه وسلم للخاتنة " أشمى ولا تنهكى فإنه أبهى للوجه وأحظى عن الزوج " كما أشار المدعى إلى إفتاء لدار الافتاء المصرية فى العام 1950 للشيخ علام نصار ، وإفتاء الشيخ / عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السبق ، والشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية والدكتور نصر فريد واصل مفتى الجمهورية السابق وان هذه الفتاوى جميعها تتفق فى الحد الأدنى من الحكم المقرر لختان الاناث وهو الاستحباب ، وذكر المدعى أن حديثاً نشرته جريدة المصرى اليوم بتاريخ 30/6/2007 لكل من الدكتور / أحمد عمر هاشم ، والدكتور / محمد رأفت عثمان ، والدكتور / منيع عبد الحليم محمود ، والشيخ / على ابو الحسن اكد فيه المذكورون على خطأ الافتاء القائل بتحريم ختان الاناث لعدم وجود نص فى الكتاب أو السنة يحرمه بل إن العكس هو الصحيح حيث توجد الأدلة الكثيرة على مشروعيته ، يضاف إلى ذلك ما يراه كثير من اساتذة الطب من فوائد الختان للاناث ، لما فيه من وقايتهن من الالتهابات المزمنة ومن تكاثر الميكروبات ومن احتمالات الاصابة بالسرطان إذا تم اجراء الختان على نحو ما تشير إليه الأحاديث النبوية من إزالة الجزء الجلدى الزائد فقط الذى يخلو من الأعصاب الحسية .
وخلص المدعى فى ختام عريضة دعواه إلى طلب الحكم له بالطلبات السالفة البيان .
وجرى تداول الدعويين على النحو الموضح بمحاضر الجلسات ، حيث أودع المدعى فى الدعوى الأولى مذكرو بدفاعه ، وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها بجلسة 11/12/2007 طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى بشقيها ، تأسيساً ‘لى ان ختان الإناث ليس إلا عادة تأصلت فى بعض البلدان الافريقية ، دون ان يكون مردها إلى الشريعة الاسلامية التى تخلو مصادر الحكم الشرعى فيها من نص يجعل ختان الاناث واجباً ، حيث لا يوجد فى القرآن الكريم نص يمكن الارتكان إليه فى استنباط حكم شرعى بخصوص الختان ، وأن ما ورد من أحاديث نبوية فى شأن ختان الاناث ضعيف ضعيف السند ولا يدل على وجوب ختان الاناث وهو ما يراه الشيخ محمود شلتوت والشيخ سيد سابق فى كتله "فقه السنة" حيث ذكر ان أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شئ ، كما أن الأطباء انفسهم مختلفون حول هذه العادة فبعضهم يؤيد إجراءها وبعضهم يعارضها ، وان وزارة الصحة لما رأت الأضرار التى تصيب الفتيات من إجراء هذه العادة فقد اصدر الوزير بما له من صلاحيات خولها له القانون بغية الحفاظ على الصحة العامة القرار المطعون فيه مستهدفاً له الصالح العام .
كما أودع المدعى فى الدعوى ثلاث حوافظ مستندات طويت على عدد من الفتاوى الشرعية والآراء الطبية حول ختان الإناث منها ما خلص إليه مجمع البحوث الإسلامية فى جلستيه رقمى 227 ، 228 بتاريخ 27/10/1994 من ان خان الاناث (أى خفاضها) مشروع فى الاسلام ولا يجوز تجريمه ، وأن ختان الإناث لا يجوز إلا بخفاضها دون مبالغة استجابة لما ورد فى الأثر " أشمى ولا تنهكى " أى لا تجورى ، وبذلك لا يكون فيه عدوان او ظلم ، وإنما فيه مصلحة ومكرمة .
وبجلسة 14/10/2008 أودع المدعى مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلباته الواردة بأصل صحيفة الدعوى وأضاف دفعاً بعدم دستورية المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فيما تضمنته من تجريم إجراء عملية ختان الاناث .
وبجلسة 11/12/2007 أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها اختتمتها بطلب الحكم برفض الدعوى بشقيها تأسيساً على ذات الأسباب التى حوتها مذكرتها المقدمة فى ذات التاريخ فى الدعوى الأولى .
وبجلية 29/1/2008 أودع الخصم المنضم إلى الجهة الادارية ( نقيب الأطباء بصفته ) مذكرة اختتما بطلب رفض الدعوى تأسيساً على أن ختان الاناث شأن طبى بحت لا دخل للدين فيه بل حكمه الشرعى يتبع حكم الأطباء ، وليس فى الكتاب ولا فى السنة ولا الاجماع دليل واحد يؤيد الابقاء على هذه العادة ، التى تفوت بجميع صورها الاستمتاع الكامل بين الزوجين بما يعتبر إجراؤها ضاراً ضرراً لا يمكن جبره .
وبجلسة 29/2/2008 أودع الخصم المتدخل مع الجهة الادارية(خالد على عمر ) مذكرة بدفاعه خلص فى ختامها إلى طلب الحكم برفض الدعوى تأسيساً على أن القرار المطعون عليه لم يخالف احكام الدستور فى شئ من نصوصه إذا الختان عمل جراحى خلت أحكام الشريعة من حكم يوجبه ، فالأصل فيه ألا يتم بغير قصد العلاج ، وأن السنة الصحيحة لا حجة فيها على مشروعية ختان الاناث ، وما يحتج به من احاديث الختان للاناث كلها ضعيفة لا يستفاد منها حكم شرعى وأن الأمر لا يعدو ان يكون عادة من العادات ، ترك الاسلام للزمن وتقدم العلم والطب أمر تهذيبها او إبطالها .
وبجلسة 14/10/2008 قررت المحكمة ضم الدعوى رقم : 23850 لسنة 61 ق إلى الدعوى رقم 31677 لسنة 61 ق ليصدر فيهما حكم واحد ، وفى ذات الجلسة قررت المحكمة حجز الدعوى فيها الحكم بجلسة 25/11/2008 ومد أجل النطق به إلى جلسة اليوم 16/12/2008 وفيها صدر وأودعت مسودته عند النطق به .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة قانوناً .
ومن حيث إن المدعيين يطلبان الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الصحة رقم :271 لسنة 2007 المتضمن النص على ان يحظر على الأطباء واعضاء هيئات التمريض وغيرهم إجراء أى قطع أو تسوية أو تعديل لأى جزء طبيعى من الجهاز التناسلى للأنثى (الختان) سواء فى المستشفيات الحكومية او غير الحكومية وغيرها من الأماكن وما ترتب على ذلك من آثار ، وإلزام الجهة الادارية المصروفات.
ومن حيث إنه عن طلبات التدخل فإنه عملاً بحكم المادة 126 من قانون المرافعات المدنية والتجارية يجوز لكل ذى مصلحة ان يتدخل منضماً فى الدعوى لأحد الخصوم أو طالباً الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى ، وذلك إما بالاجراءات المعتادة لرفع الدعوى او بطلب يقدم شفاهة فى الجلسة ويثبت فى محضرها ، ومناط التدخل فى الدعوى هو قيام المصلحة لدى المتدخل وتوافر الارتباط بين طلبات المتدخل والطلبات موضوع الدعوى .
ومن حيث إنه ولئن كان يتعين لقبول الدعوى أن يكون المدعى فيها – وكذا المتدخل – ذا مصلحة شخصية ومباشرة ، إلا أنه فى مجال دعوى الإلغاء ، حيث تتصل هذه الدعوى بقواعد واعتبارات المشروعية والنظام العام ، لا يشترط أن تقوم المصلحة على حق أهدره القرار الادارى المطعون فيه ، بل يكفى لتوافر المصلحة أن يكون رافع دعوى الإلغاء فى حالة قانونية خاصة من شانها أن يكون القرار مؤثراً فيها ، دون ان يكون فى ذلك خلط بين دعوى الإلغاء والحسبة ، إذ يظل قبول دعوى الإلغاء – وطلب التدخل فيها – منوط بتوافر المصلحة الشخصية لدى رافعها ، على اتساع مدلول المصلحة فيها .
وترتيباً على ما تقدم ، فإن الثابت من الأوراق أن المحامى / عبد المجيد العنانى أبدى شفاهة فى الجلسة – وأثبت فى محضرها – طلب تدخله منضماً إلى المدعى فى الدعوى رقم : 31677 لسنة 61 ق ومؤازراً له فى طلباته وتوافرت مصلحته فى التدخل المتمثلة فيما يرومه من معرفة الحكم الصحيح فى عملية ختان الاناث ، صدوعاً عما يراه من ان ذلك الختان أمراً مشروعاً باعتباره من سنن الاسلام ام بوصف مكرمة للمرأة ، وهذه مصلحة يؤثر فيها القرار المطعون عليه تأثيراً مباشراً بحظره ختان الاناث ، الأمر الذى يضحى معه تدخله مقبولاً شكلاً ، اما المحامى / محمد صلاح الدين محمد فقد تدخل فى الدعوى بعريضة معلنة طالباً أمرين : أولهما انضامه إلى المدعى فى طلباته بالدعوى المذكورة ، وثانيهما : اختصام رئيس الجمهورية والحكم له فى مواجهة المدعى عليهم بطلب جديد هو إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية المادة 31 مكرراً من قانون الأحوال المدنية المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فيما تضمنته من حظر إجراء توثيق عقد الزواج إذا كان احد الزوجين لا يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً وحظر توثيق هذه العقود قبل إجراء فحص طبى للراغبين فى الزواج ، وإذا توافرت مصلحة المذكور فى تدخله منضماً إلى طلبات المدعى على نحو توافرها للمتدخل الأول على ما سلف بيانه ، الأمر الذى يغدو معه تدخله الانضمامى مقبولاص شكلاً ، وإذ انتفى الارتباط بين طلب تدخله - الهجومى – وبين موضوع الدعوى بحسب طلبات المدعيين فيها التى هى مقصورة على مخاصمة قرار وزير الصحة الخاص بحظر ختان الاناث ، إذ لا وجه للارتباط بين هذه الطلبات وبين طلب المتدخل إختصام النص القانونى المتعلق بعدم توثيق عقود الزواج لمن تق أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً بإحالته إلى المحكمة الدستورية للنظر فى مدى دستوريته ، ومن ثم ينتفى مناط قبول هذا الطلب وتقضى المحكمة برفضه .
وأما عن طلب تدخل كل من نقيب الأطباء بصفته ، والمحامى/ خالد على عمر كخصمين منضمين إلى الجهة الادارية ، فقد أبديا بعريضة معلنة وفق احكام المادة 126 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، ولا ريب فىتوافر الصفة لدى نقيب الأطباء بصفته بحسبانه القائم على شئون نقابة الأطباء القوامة على ممارسة مهنة الطب وآدابها ، الأمر الذى تقضى معه المحكمة بقبول تدخلهما كخصمين منضمين إلى الجهة الادارية المدعى عليها .
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى بعدم دستورية نص المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 الناصة على أن " .... يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه فى المادتين 241 ، 242 من قانون العقوبات عن طريق غجراء ختان الاناث " تأسيساً على مخالفة المادة المذكورة لمبادئ الشريعة الاسلامية التى هى المصدر الرئيسى للتشريع بنص المادة الثانية من الدستور ، ومخالفتها لأحكام المادتين 8 ، 12 من الدستور ، وذلك بنصها على منع وتجريم أمر اتفق العلماء على استحبابه حيث دعت إليه الشريعة الاسلامية وحثت عليه واعتبرته من خصال الفطرة ومن شعائر الاسلام ، فإن المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على ان " تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه الآتــى :
(أ)إذا تراءى لاحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية .
(ب)إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا.... "
ومن حيث إن الختان لغة هو موضع القطع من الذكر والأنثى ( المعجم الوسيط باب ختن ص 218 طبعة المكتبة الاسلامية فى تركيا ) ومسألة ختان الاناث وسعها الخلاف بين الفقهاء الأولين ، وكان خلافهم دائر حول ما إذا كان ختان الاناث – ويسمى الخفاض – واجباً أو مندوباً أم انه محمول على السنية والاستحباب ، وعلى نحو ما اختلف الأقدمون من الفقهاء جرى الخلاف بين العلماء المحدثين حول حكم هذه المسألة ، حيث اتسع الخلاف ليشمل آراء- وإن كانت قليلة – ترى أن ليس فى ختان الاناث سنة تتبع وأنها عادة عرفتها الأمم لا بأس بها ، ثم وفى الوقت المعاصر صدرت الفتيا على نحو يجعل من ختان الاناث عادة سيئة ، وهى محمولة على ما جرت به الممارسات من تجاوز حدود القطع المعروفة شرعاً فى خفاض الإناث إلى استئصال أجزاء أخرى حساسة ، على تفصيل يتبع .
فالشافعية يرون وجوب الختان على الذكور والختان معاً ، والحنفية والمالكية يرون أنه سنة للذكور مندوب للاناث والحنابلة يرون وجوبه على الذكور وأنه مكرمة للاناث ، ولكل وجهة هو موليها حسبما يرى استخلاصه مما ورد من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وما صح لديه منها حسب القواعد الأصولية التى يسير عليها كل مذهب ، على نحو ما هو مسطور فى الكتب المعتبرة لكل مذهب ، وقد عرض الامام الشوكانى فى كتابه " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأحبار "لتلك الآراء ، كما استعرض الأحاديث المروية عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلكم الشان ومنها حديث أم عطية بلفظ " أشمى ولا تنهكى " خطاباً من النبى صلى الله عليه وسلم للخافضة ، وحديث " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " مبيناً حجج الفقهاء ، خلوصاً على ما انتهوا إليه من رأى متناول إياها بالتعليق ثم خلص إلى القول بان " والحق أنه لم يقم دليل على الوجوب والمتيقن السنية " ( يراجع المرجع السابق الجزء الأول ص 164 وما بعدها طبعة مكتبة الايمان بالمنصورة ، وهى طبعات حققها كل من الدكتور / كمال الجمل وعبد الله المنشاوى والشيخان محمد بيومى وصلاح عويضة )
أما المعاصرون فقد ذهب فضيلة الشيخ/علام نصار مفتى الديار المصرية بتاريخ 11/11/1950-صورتها مرفقة بأوراق الدعوى –إلى"ختان الإناث من شعائر الإسلام وردت به السنة النبوية الشريفة واتفقت كلمة فقهاء المسلمين وأئمتهم على مشروعيته ومع اختلافهم فى كونه واجبا أو سنة فإننا نختار للفتوى القول بسنته لترجيح سنده ووضوح وجهته والحكمة من مشروعيته مع ما فيه من تلطيف الميل الجنسى للمرأة00"
وذهب فضليلة الشيخ/جاد الحق على جاد الحق فى فتواه بتاريخ 31/5/1992 إلى أن " الروايات الواردة فى شأن ختان الاناث تحمل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على إجرائه ونهيه عن الاستئصال ، وقد علل ذلك فى إيجاز وعمق حيث أوتى جوامع الكلم فقال "أشمى ولا تنهكى فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج" وهذا التوجيه النبوى إنما لضبط ميزان الحس الجنسى عند الفتاة فأمر بخفض الجزء الذى يعلو مجرى البول لضبط الاشتهاء مع الإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن ، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله وبذلك يتحقق الاعتدال فلم يحرم المرأة مصدر الاستمتاع ولم يبقها دون خفض .... لما كان ذلك وكان المستفاد من النصوص الشرعية ومن أقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت فى كتب السنة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التى دعا إليها الإسلام وحث على الالتزام بها على ما يشير إليه تعليم رسول صلى الله عليه وسلم كيفية الختان وتعبيره فى بعض الروايات بالخفض مما يدل على القدر المطلوب من ختانهن ومقتضى ما قاله الامام البيضاوى عن حديث (خمس من الفطرة) أنه عام فى ختان الذكر والأنثى حيث قال إن معنى الفطرة فى هذا الحديث تتمثل فى مجموع ما ورد من أن الفطرة هى السنة القديمة التى اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلى000ومن هنا اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره وأنه أمر محمود ، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعناه من كتبهم التى بين ايدينا قول يمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى إذا هو تم على الوجه الذى علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة أما الاختلاف فى وصف حكمه بين واجب وسنة ومكرمة فيكاد يكون اختلافاً فى الاصطلاح الذى يندرج تحته الحكم ، يشير إلى هذا ما نقل فى فقه الإمام أبى حنفية من أنه لو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام (ولى الأمر) لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه كما يشير إليه أيضاً أن مصدر تشريع الختان هو إتباع ملة ابراهيم000 إذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات من فطرة الإسلام وطريقته على الوجه الذى بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليقه إلى قول غيره ولو كان طبيباً لأن الطب علم والعلم متطور تتحرك نظرته ونظرياته دائما ، وأية ذلك أن قول الأطباء فى هذا الأمر مختلف ، فمنهم من يرى ترك ختان النساء وآخرون يرون ختانهن لأن هذا يهذب كثيراً من إثارة الجنس 000 ولعل تعبير بعض روايات الحديث الشريف فى ختان النساء بأنه مكرمة يهدينا إلى أن فيه الصون وانه طريق العفة فوق أنه يمنع تلك الإفرازات الدهنية التى تؤدى إلى التهابات مجرى البول وموضع التناسل 000 فلو لم تختتن الفتيات على الوجه الذى شرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لام حبيبة لتعرضهن لمثيرات تؤدى بهن مع موجبات أخرى تذخر بها حياة العصر وانكماش الضوابط فيه إلى الانحراف والفساد ، انتهت فتوى فضلية الشيخ جاد الحق (يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 5257لسنة 43 القضائية بجلسة 28/12/1997 حيث استعرض هذا الافتاء كاملاً)0
ولما عرضت هذه الفتوى –فتوى فضلية الشيخ /جاد الحق –على مجلس مجمع البحوث الإسلامية بجلسته رقم 322بتاريخ 22جمادى الأولى سنة 1415هــ الموافق 27/10/1994قرر المجلس :-
أولاً: أن ختان الانثى(اى خفافضها) مشروع فى الإسلام ولا يجوز تجريمه0
وثانياً: أن خفاض الأنثى لا يجوز أن يكون إلا بخفاضها دون مبالغة استجابة فى هذا الشأن لما جاء فى الأثر " أشمى ولا تنهكى "وبذلك لا يكون فيه عدوان أو ظلم وإنما فيه مصلحة ومكرمة0
وذهب فضيلة الشيخ د/سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر فى إفتاء سابق لفضيلته وقت توليه دار الإفتاء المصرية مؤرخ 28/12/1993 إلى أن " الفقهاء اتفقوا على أن الختان فى حق الرجال والخفاض فى حق النساء مشروع ثم اختلفوا على وجوبه فقال الإمامان أبو حنيفة ومالك هو مسنون فى حقهما وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم تاركه وقال الشافعى هو فرض على الذكور والإناث وقال الإمام أحمد هو واجب فى حق الرجال وفى النساء عنه روايتان :أظهرهما الوجوب وهو فى شأن النساء قطع الجلدة التى فوق مخرج البول دون مبالغة فى قطعها ودون استئصالها ويسمى هذا خفاضاً 000 ومن أقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت فى كتب السنة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التى دعا إليها الإسلام وحيث على الالتزام بها " انتهت فتوى فضيلته0
(يراجع فى سردها حكم محكمة القضاء الادارى فى الدعوى رقم 5لسنة51ق جلسة 24/6/1997)
هذا وفى إفتاء لفضيلة الشيخ/محمود شلتوت أورى" أنه خرجنا من استعراض المرويات فى مسألة الختان على انه ليس فيها ما يرجح أن يكون دليلاً على السنة الفقهية فضلاً عن الوجوب الفقهى وأنه ليس فى الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع " ، كما خلص فضيلة الدكتور/نصر فريد واصل وقت توليه دار الإفتاء إلى أن " دار الإفتاء ترى أن ختان الإناث سنة تنظيمية فليس واجباً فعله ولا منهيا عن تركه لأن النصوص الواردة بشأنه لا تأمر بالفعل ولا تنهى عن الترك بما تدل فى مجموعها على مبدأ المشروعية للجميع وأن كان بالنسبة للمرأة أن الأمر التشريعى فيه أمر تنظيمى يتعلق بعادات الناس ومصالحهم وان ختان الإناث متروك بما يتناسب ومصلحة ذوى الشأن"
ثم إقتاء فضيلة الشيخ د/ سيد طنطاوى شيخ الأزهر – عدولاً عن فتواه السالفة – الموجه إلى وزير الصحة بتاريخ 8/10/1994 الذى خلص فيه إلى أن " .... الكلمة الفاصلة فى مسألة ختان الإناث مردها إلى الأطباء فإن قالوا فى إجرائها ضرراً تركناها لأنهم أهل الذكر فى ذلك وإن قالوا غير ذلك فعلى وزارة الصحة فى مصر أن تتخذ كافة الإجراءات القانونية لإجراء هذه العملية بالنسبة للإناث بطريقة يتوفر فيها الستر والعفاف والكرامة الإنسانية ، التى تصون للفتاة أنوثتها السوية وبالله التوفيق .
( يراجع : حكم المحكمة الادارية العليا فى الطعن رقم 5257 لسنة 43 ق جلسة 28/12/1997 )
ومن حيث إن الثابت خلوصاً مما سلف ومما حوته الأوراق من مستندات ، أن ختان الاناث ( خفاضهن ) بمعنى استئصال قلفة البظر لدى الأنثى وهى تلك الجلدة الناتئة عن البظر فى أعلى الفرج ، هذا الخفاض بذلكم التحديد لا ينزل حكمه فى مدارج الحكم الشرعى عن كونه مباحاً ، وشأن المباح ألا قصد الشارع فى فعله دون تركه ولا فى تركه دون فعله ، بل قصد الشارع لخيرة المكلف ، فما كان من المكلف من فعل أو ترك فذلك قصد الشارع بالنسبة إليه أيهما فعل فهو قصد الشارع ( يراجع فى بيان حكم المباح : الموافقات فى أصول الشريعة لأبى اسحاق الشاطبى فإذا نظر إليه من جانب كونه مباحاً بالنص فيكون مستحباً فعله فلقد كان الختان معروفاً لدى الأمم قبل الاسلام ولما بلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم أقره وارشد الخافضة إلى ما ينبغى عليها فعله عند الخفاض بقوله صلى الله عليه وسلم " أشمى ولا تنهكى " وهو ما يجعل الخفاض – ختان الانثى – بالمعنى السابق الاشارة إليه من قبيل السنة التقريرية وكفى بذلك دليلاً على الاستحباب ( حديث : أشمى ولا تنهكى " صححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة 2/353 برقم 722 وصححه السيوطى فى الجامع الصغير 1/24 برقم 297 مشار إلى ذلك فى هامش ص 166 من كتب نيل الأوطار السالف الاشارة إليه الجزء الأول بتحقيق الدكتور / كمال الجمل ).
ولعل الاشكال فى تلك المسألة يعود إلى أن الخفاض يجرى فى موضع العفة من المرأة وشأنه الخفاء والستر ، فاكتنفها الغموض بين كثير من الناس عامهم وخاصهم فجرى الخلط – فى الفهم والتطبيق – بين خفاض الاناث – ختانهن – بحدوده المرعية شرعاً وبين ممارسات أخرى ضارة تستوجب وحدها المنع والتجريم .
ذلكم أنه قد شاع أن ختن الأنثى يعنى قطع البظر أو أخذ جزء منه أو من الشفرين – وهى مراتب للختان يعرفها الأطباء – وجرت الممارسات فى كثير من الحالات على إجراء الختان على هذا النحو المنهى عنه ( .... لا تنهكى ) غير أن حقيقة الخفاض الذى قررته السنة ليس كذلك ، إذ أن ما يقطع من المرأة عند خفاضها – ختانها – هو عبارة عن جلدة تخلو من الأعصاب الجنسية تسمى قلفة لدى الأطباء – ويسميها الفقهاء عرف الديك – وقطع هذه الجلدة يكشف عن البظر ولا يفصله ، بما يكون معه هذا القطع مناظراً تماماً لقطع القلفة عند الذكر.
( يراجع فى ذلك : كتاب ختان الإناث رؤية طبية للدكتورة / ست البنات خالد محمد على ، منشور بالشبكة العنكبوتيتة للحاسوب " الانترنت " على موقع يحما اسم المؤلفة وكذا بموقع ويكبيديا الطبى )
ولئن كان إجراء الختان على نحو – غير شرعى – تستأصل فيه أجزاء حساسة لدى الأنثى تترتب عليه أضرار جسيمة تطال جسدها وتؤثر تأثيراً بالغاً على الفتاة وعلى حاجياتها المشروعة ، بما يستوجب محاربتها وتأثيمها إذ لا ضرر ولا ضرار ولكون التجريم تبع الضرر حيثما كان ، فإن للخفاض – الختان – بمعناه قطع تلك الجلدة المشار إليها فوائد طبية وجسدية يقررها أهل الطب ، ومن ثم كان كتاب مجمع البحوث الاسلامية المرفق بالأوراق المتضمن أن الختان عادة سيئة محمولاً على تلك الممارسات الضارة التى اقترنت بإجراء الختان للأنثى وهى بقية من عادة عرفتها الأمم ، دون إجراء الختن على وجهه الشرعى المحدد السالف بيانه .
ومن حيث إنه ولما كان الدستور قد صدر ناصاً فى المادة الثانية منه على ان مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ومقرراً فى المادة الحادية عشر فى التزام المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها ومراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والتراث التاريخى للشعب ، ومؤكداً فى المادة الحادية والأربعين على أن الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس ، وفى المادة السادسة والأربعين منه على أن تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، وكانت الحرية الشخصية هى ملاك الحياة الإنسانية كلها لا تخلقها الشرائع بل تنظمها ولا توجدها القوانين بل توفق بين شتى مناحيها ومختلف توجيهاتها تحقيقاً للخير المشترك للجماعة ورعاية الصالح العام ، فهى لا تقبل من القيود إلا ما كان هدفاً إلى هذه الغاية مستوجباً تلك الأغراض ، وهذه الحرية الشخصية أصل يهيمن على الحياة بكل أقطارها ، لا قوام لها بدونها ، إذ هى محورها وقاعدة بنيانها ، ويندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التى لا تكتمل الحرية الشخصية فى غيبتها ، ومنها مما لا شك فيه حق الشخص فى أن يفعل شيئاً مباحاً يرى فيه نفعه وتحقيق صالحه دون أن يطال حق الغير أو الافتئات عليه .
ومن حيث إنه وترتيباً على ذلك وهدياً به فإنه وإذ حظر المشرع بمقتضى أحكام المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ختان الإناث وجعل من إجرائه جريمة يعاقب من أحدثه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه ، كما إنه صدر قرار وزير الصحة ذى الرقم 271 لسنة 2007 مقرراً حظر قيام أى من الأطباء او العاملين فى المجال الطبى بإجراء اى قطع او تسوية لأى جزء طبيعى فى الجهاز التناسلى لأنثى ( ختان الإناث ) فإن ذلك تراه المحكمة مخالفاً لأحكام الدستور من الوجوه التالية :
أولاً: انه طالما أن خفاض الإناث ( ختانهن ) بالحدود المقررة شرعاً على الوجه السالف بيانه هو أمر مباح – فى أدنى مراتبه – فكان الشأن فيه أن يتناوله المشرع تنظيماً او تقييداً بما يحقق صالح الفرد والجماعة وليس شأنه الحظر والتجريم ، وإذ كان ذلك الأمر مباح يستوى فيه الفعل والترك فإن شأن المشرع فيما خلص إليه من التجريم والتأثيم للفعل كشأنه فيما لو خلص – فرضاً – إلى تجريم الترك .
والحاصل إن تدخل المشرع بحظر خفاض الإناث فى الحدود المقررة شرعاً يقف حائلاً مانعاً دون استعمال طائفة من النساء لحقهن المشروع فيما تعتقدنه من شرعية الختان واستحسانه وما يترتب عليه من فوائد طبية فى إزالة الزوائد وتععديل رغبتها المشروعة وهو حق ملازم للمرأة وكيانها وطبيعتها لا يجوز للمشرع أن يعصف به أو ينال منه ، كما الشأن فيمن هن غير راغبات فيه فلا يكرههن أحد على القيام به ، استصحاباً لأصل الإباحة كما أن المشرع قد خلط فى مجال التأثيم بين امر مباح وهو إجراء الختان فى حدوده المشروعة وهى قطع تلك الجلدة الناتئة على ما سلف بيانه ، وبين أمر آخر فى هذا الأمر الأخير المنع والتجريم لضرره وتجاوزه حدود الاباحة الشرعية ، أما الشأن بالنسبة للأمر الأول فكان يقتضى التنظيم وفق ما يراه المشرع محققاً مصالح الراغبات فى الختن ، بأن يعهد بهذا الأمر لذوى الاختصاص أو قصر ممارسته على بعض منهم وتنظيم الأماكن التى تجرى فيها وتحديد الخطوط الفاصلة بين ذلك الأمر المباح ، وبين ما اختلط به من ممارسات خاطئة جرى النهى عنها وحدها . إن المشرع بحظره مطلقاً إجراء عملية الخفاض – الختان – على النحو المقرر إباحته يعصف بحق المرأة التى تعتقد فى فوائد الخفاض واستحبابه شرعاً انطلاقاً من عقيدة بأن الشرع الحنيف لا يحض إلا على ما فيه خير العباد وصالحهم.
ثانياً : إن المشرع وإن حظر عمليات الختان جميعها سواء ما كان منها داخلاً فى حدود الاباحة أو ما جرت به الممارسات الخاطئة يؤدى إلى الوقوع فى المحظور واستفحال وقوعه من حيث قصد المشرع المنفعة . ذلك ان الحظر المطلق على ذوى الاختصاص من الأطباء ومساعديهم على نحو ما انتظمه قرار وزير الصحة المشار إليه ، وتأثيم فعل الخفاض – الختان – للاناث ونقله بكل صوره إلى دائرة التحريم على نحو ما تضمنته المادة 242 مكرر من قانون العقوبات المشار إليه ، هذا المسلك يدفع الراغبين فيع المنتصفين لرأى القائلين باستحسانه أو إباحته الملتمسين لما فيه من فوائد يقررها بعض ذوى الذكر من الأطباء يدفع أولئك نزولاً عندما يرونه حقاً لهم إلى اللجوء إلى غير ذوى الاختصاص العارفين لإجراء هذا الخفض أو الختن . ومن هنا يأتى المحظور وتترتب مفاسد أعظم من تلك التى يراد جلبها من منافع ، إن كانت ، ذلك ان غير العارفين لن يقتصروا على إجراء هذه العملية فى الحدود المنضبطة وتستمر تلك الممارسات الجائرة المتجاوزة لحدود ما هو مباح أو مستحسن وما أعظمها مفسدة ، لاسيما وأن هذا الأمر بطبيعه محوط بالخفاء والكتمان خاصة لدى كثير من غير ذوى الثقافة والمعرفة التى تمكنهم من معرفة ما ينبغى فعله وما يقتضى النهى عنه من ممارسات جائرة تقترن بعملية الخفاض .
ثالثاً: أما ثالث هذه المناعى وآخرها فيتمثل فى أن حظر ختان الاناث – بكافة مراتبه – وبأى صورة كان وتأثيم هذا العمل وتجريمه بنص عقابى يؤدى إلى عزوف الأطباء وامتناعهم عن إجراء أية عمليات جراحية فى هذا الموضع نأياً بأنفسهم عن الدخول فى دائرة التجريم إزاء عموم التصريح بالحظر والتأثيم ، حتى ولو كانت الجراحات أو بعضها تستوجبها الضرورة الطبية ، ومن ثم فإن الحظر والتأثيم على هذا الاطلاق يحول دون استعمال النساء حقهن فى التطبيب ، وهو حق يتصل بحقهن فى الحياة لصيق بالشخصية منذ ولادتها وهو ما يعد معه ذلك التجريم افتئاتاً على هذا الحق بما يناهض أحكام الدستور المقرر لحقوق الأفراد وحرياتهم .
ومن حيث إنه ولما كان الفصل فى مدى دستورية المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فيما تضمنته من تجريم عمليات الختان على وجه العموم وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 القاضى بحظر قيام اى من الأطباء وهيئة التمريض بالعمليات المذكورة على نحو مطلق ، يتوقف عليه الفصل فى الدعوى المطروحة على المحكمة ، وكان الفصل فى دستورية ذلك النص وهذا القرار مما يخرج الفصل فيه عن ولاية هذه المحكمة ، الأمر الذى تقضى معه المحكمة بإحالة الأوراق – بدون مصروفات – إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتهما

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :-
أولاً : بقبول تدخل كلاً من / عبد المجيد العنانى ، محمد صلاح الدين محمد منضمين إلى المدعيين فى طلباتهما ، وبعدم قبول تدخل الأخير فيما يجاوز هذه الطلبات ، وبقبول تدخل كلاً من / نقيب الأطباء بصفته ، خالد على عمر ، منضمين إلى الجهة الادارية .
وثانياً : بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007
وثالثاً : وقف الدعوى وقفاً تعليقياً إلى حين الفصل فى دستورية المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات وقرار وزير الصحة المشار إليهما ,
سكرتير المحكمة رئيس المحكمة