حيثيات الحكم بوقف تصدير الغاز لاسرائيل: الصفقة مريبة ومخالفة للدستور


أصدرت محكمة
القضاء الإدارى حكما بوقف قرار وزير البترول والحكومة المصرية بتصدير
الغاز الطبيعى إلى إسرائيل بأسعار تقل عن الاسعار العالمية وقيمتها
السوقية.

وقررت المحكمة رفض الدفوع التى أبدتها وزارة البترول ومجلس الوزراء بعدم
اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وقبول تدخل عدد من المواطنيين الى جانب
السفير ابراهيم يسرى مقيم الدعوى ورفض طلبات التدخل الانضمامى من جانب بعض
المحامين.

وقالت محكمة القضاء الادارى فى حيثيات حكمها ان الدفع بعدم اختصاص المحكمة
ولائيا بنظر الدعوى فى غير محله بما يتعين معه الرفض إذ انه من الثابت فى
الأوراق ان المنازعة الماثلة تدور حول سلطة الادارة فى تنظيم وادارة
واستغلال موارد الدولة وأحد ثرواتها الطبيعية والتصرف فيها.

وأضافت المحكمة ان المدعى اختصم وزارة البترول كسلطة ادارية تقدم هذا
المرفق وينبغى عليها أن تلتزم فى ذلك فى حدود الدستور والقانون، ومن ثم لا
يعد تصرفها فى هذه الحالة ولا القرار 100 لسنة 2004 الصادر بشأنه الحكم من
أعمال السيادة بالمعنى القانونى والدستورى وانما يعتبر من قبيل أعمال
الادارة التى يقوم على ولاية الفصل فيها القضاء الادارى دون سواه طبقا لنص
المادة (172) من الدستور.

وأشارت إلى أن الدستور فى المادة (123) منه حرص على حماية موارد الثروة
الطبيعية للبلاد باعتبارها موردا مهما من موارد الدولة ليست ملكا للأجيال
الحالية فحسب بل يشترك فى ملكيتها الأجيال المستقبلية فنص صراحة على أن
يحدد القانون والقواعد والاجراءات الخاصة بمنح التزامات استغلال موارد
الثروة الطبيعية والمرافق العامة.

وتابعت المحكمة انه بموجب ذلك فانه يتعين على السلطة التنفيذية اللجوء إلى
مجلس الشعب للحصول على موافقته على منح الالتزامات المشار اليها ويعتبر
ذلك إجراء وجوبيا يحتمه الدستور وشرطا أساسيا لنفاذ العمل ونوعا من
الرقابة التى تمارسها السلطة التشريعية - بنص الدستور - على بعض أعمال
الادارة وتتمثل فى الفلسفة التى تبرر إعطاء هذه السلطة لمجلس الشعب فى
الصفة التمثيلية للجهاز التشريعى فهو بحسب الأصل يكون منتخبا من الشعب
ويعبر عن إرادة أغلبيته وبالتالى فهو أصلح الأجهزة القادرة على مراقبة عمل
الادارة فيما يخص منح التزامات استغلال موارد الثروة الطبيعية الموهوبة
للشعب.

وقالت محكمة القضاء الإدارى فى حيثيات حكمها "إنه من الثابت من استعراض
القرار المطعون فيه أنه فوض كل من رئيس مجلس ادارة الشركة المصرية القابضة
للغازات الطبيعية ورئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول فى
إنهاء إجراءات التعاقد كطرف بائع للغاز الطبيعى مع شركة البحر الأبيض
المتوسط ، وكطرف ثالث ضامن لكميات الغاز الطبيعى ومواصفاته ومدة التوريد
فى عقود شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز لتصدير الغاز الطبيعى من
خلال خط أنابيب مع الشركات الواقعة فى منطقة البحر المتوسط وأوروبا بما
فيها شركة كهرباء إسرائيل".

وأضافت المحكمة "أن هذا ما فوض وزير البترول كلا من الهيئة المصرية العامة
للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية فى العمل بموجبه دون عرض هذا
الالتزام المرتبط باستغلال أحد أهم موارد الثروة الطبيعية فى البلاد على
مجلس الشعب ، الأمر الذى يعد افتئاتا على اختصاص مجلس الشعب وسلطته
المقررة دستوريا فى هذه الحالة".

وتابعت فى حيثياتها قائلة إنه من ناحية أخرى فإن البادى من الأوراق أن
القرار المطعون فيه لم ينشر ، كما لم تنشر تفاصيل وشروط تصرف الهيئة
المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية
المتعلقة ببيع هذه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعى المصرى إلى شركة
البحر الأبيض المتوسط ومنها إلى اسرائيل.

وأشارت إلى أن ذلك يأتى بالرغم من مطالبة العديد من نواب الشعب والخبراء
المتخصصين فى مصر بالاطلاع على تفاصيل هذه الصفقة ورغم الجدل الكبير الذى
يدور فى الأوساط العلمية حول حجم الاحتياطى المصرى من هذه الثروة الناضبة
على نحو ما ورد بالمستندات المقدمة من المدعى بالاضافة إلى ما نطقت به
الأوراق من سرعة متناهية وتعاصر مريب فى إنشاء الشركة المصرية القابضة
للغازات الطبيعية وإنشاء شركة شرق البحر الأبيض المتوسط وهى شركة مساهمة
قطاع خاص وتعديل نشاط الشركة الأخيرة والغرض منها ثم منحها - فور ذلك -
دون غيرها عقد عقد امتياز واحتكار شراء الغاز الطبيعى المصرى الذى يتم
تصديره فى هذه الحالة إلى اسرائيل.

وأكدت المحكمة أن ما سلف ذكره يثير التساؤل عن أسباب ذلك التزامن العجيب
وعن السرية والتكتم الشديد الذى فرضته الإدارة حول صفقة بيع الغاز المصرى
لاسرائيل والمترتبه على صدور القرار المطعون فيه وحجب تفاصيلها عن الشعب
ونوابه وذلك ما يتعارض مع الشفافية التى بات أمرها مستقرا فى ضمير الأمة
والعالم المتحضر، ومع المسيرة الديمقراطية التى تشهدها البلاد ، كما أنه
يخل بالثقة الواجب توافرها فى تعاملات جهة الادارة.

وسبق لهيئة قضايا الدولة وللمحامين المتدخلين انضماميا فى صف وزارة
البترول - فى الجلسة الماضية - أن دفعوا بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر
الدعوى لكون المدعين غير ذى صفة، فضلا عن ان مجلس الدولة - حسبما قالوا -
ليس من اختصاصاته بحسب القانون التدخل فى أمور سيادة الدولة. .

وكان الدبلوماسى السابق السفير إبراهيم يسرى وعضو مجلس الشعب محمد أنور
السادات وعدد من المواطنين قد أقاموا دعوي قضائية أمام محكمة القضاء
الإدارى بمجلس الدولة يطالبون فيها بوقف قرار وزير البترول بتصدير الغاز
الطبيعى إلى إسرائيل.

واستندوا فى ذلك إلى عدة أسباب أولها أن الاتفاق الموقع بأسعار تقل كثيراً
عن الأسعار العالمية للغاز وأن مصر فى حاجة إلى هذا الغاز بدلا من تصديره
إلى إسرائيل وأخيراً أن إسرائيل لم تحترم تعهداتها مع الدول العربية وخاصة
بعد الأحداث الأخيرة والتصعيد فى الضفة الغربية وغزة.

وكان مقيمو الدعوى قد أشاروا فى دعواهم إلى أن مصر وقعت اتفاقية تقضى
بتصدير 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعى لأسرائيل على مدار 15 سنة
قابلة للتجديد بسعر منخفض للغاية لا يتجاوز دولارا وربع الدولار فى حين أن
قيمته السوقية تزيد على 9 دولارات، وذلك فى الوقت الذى قامت فيه الحكومة
مؤخرا برفع أسعار المحروقات من بنزين وسولار فى السوق المحلى.

واعتبر السفير ابراهيم يسرى ان قرار تصدير الغاز ينتقص من السيادة الوطنية
ومصالح مصر لكونه يحدد سعر وكمية الغاز التى يتم تصديرها إلى اسرائيل
ويمنع فى نفس الوقت أى تغيير فى هذه الاسعار لمدة 15 عاما، مشيرا إلى ان
ذلك "يعوق التنمية الاقتصادية ويحرم البسطاء من المواطنين المصريين من
الاستفادة بفروق الاسعار العالمية التى تصب فى مصلحتهم ".

وقال إن مصر تخسر 9 ملايين دولار يوميا جراء هذه الصفقة وان صفقة كهذه كان
من الاجدر التعامل معها بعرضها أولا على مجلس الشعب لابداء رأيه فيها
بالموافقة أو الرفض على اعتبار ان الغاز المصرى ملك للشعب وليس لشركة
خاصة، خاصة وان المدة المقدرة للغاز بمصر فى حدود 17 سنة، بما يعنى ان
صفقة كهذه فى حكم الاهدار للمال العام والثروة القومية.

وكان الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية
قد أكد أن الحكومة لا تصدر الغاز الطبيعي لإسرائيل، وأنما يتم التصدير عن
طريق شركات خاصة وينحصر دور الدولة في توصيل خطوط الأنابيب التي تمر
بأراضي أكثر من دولة.

ورفض الوزير الإفصاح عن سعر بيع الغاز لإسرائيل وقال إن هذه الأسعار ليست
1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بل تزيد عن أسعار بيع الغاز في
السوق المحلي للمنازل والمصانع كثيفة استخدام الطاقة، ومن المقدر في نهاية
عام 2009 أن تزيد التكلفة ولكنها لن تصل إلى 2.65 دولار، حسبما ذكرت وكالة
أنباء الشرق الأوسط.

وأوضح أن عقود تصدير الغاز تتضمن بنودا لسرية المعلومات تسري طوال مدة
سريان العقد ولا يتم الأفصاح عن البيانات إلا بموافقة الطرفين وهذا البند
موجود في كل عقود تصدير الغاز.

وقال شهاب ان عقد بيع الغاز ليس اتفاقا بين دولتين او دولة وشركة وانما
اتفاق بين شركات مصرية لها شخصيتها الاعتبارية موضحا ان عقد البيع بين
طرفين هما الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات
وشركة استثمارية تعمل فى مجال تصدير الغاز وحصلت على كل الموافقات على
نشاطها من وزارة الاستثمار.

يذكر أن تصدير الغاز لإسرائيل جاء بموجب اتفاق وقع في عام 2005 بين شركة
الشرق الأوسط للغاز ومصر لتوريد 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز
الطبيعي المصري لمدة 15 عاماً، بسعر لا يتعدي 7 سنتات للقدم المكعب.

وبدأ الضخ الفعلي للغاز المصري لإسرائيل عبر خط أنابيب الشرق الممتد من العريش إلي عسقلان بتكلفة 470 مليون دولار.

وأثار اتفاق تصديره إلي إسرائيل جدلاً واسعاً مصر، خاصة بعد أن كشفت بعض التقارير في تدني أسعار البيع مقارنة بالأسعار العالمية.

المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط