إذا
كانت تجليات العولمة على أصعدتها المختلفة محل جدل بين منكر ومقر، فإن التجليات
الاقتصادية للعولمة تعد أحد كثر هذه الأصعدة بروزاً وتجـذراً فـى الواقـع المعـاش
من خلال الكيان المؤسسى الذى تتجسده وهو "منظمة التجارة العالمية"، ذلك
الكيان العملاق الرابض على ضفاف بحيرة ليمان بجنيف والذى تأسس فى نهاية أعمال
الجولة الثامنة للمفاوضات المتعددة الأطراف وهى الجولة الأكثر شهرة "جولة
أورجواى" ليحل محل الاتفاقية العامـة للتعريفـات والتجـارة (
GATT).





-
وبإنشاء منظمة التجارة العالمية ( WTO ) اكتمل الضلع
الثالث لمؤسسات (بريتون وودز) التى أسفرت من قبل عن إنشاء صندوق النقد الدولى
والبنك الدولى للإنشاء والتعمير.






-
وترجـع أهمية إنشاء هذه المنظمة إلى عدد ونوعية الاتفاقيات
التى ترعاها، فعلى صعيد الكم بلغت هذه الاتفاقيات (28 اتفاقية)، أما على صعيد
النوع والكيف فإن تلك الاتفاقيات استهدفت إجراء مزيد من التحرير فى التجارة
العالمية ليس فقط فى مجال السلع المنظورة كما كان الأمـر فى إطار الجات، بل امتد
نطاقها يشمل مجالات جديدة مثل الخدمات، والاستثمار، وحقوق الملكية الفكرية وغيرها،
كما تم لأول مرة وضع نظاماً متكاملاً لتسوية المنازعات فى كافة المجالات التى تناولتها
هذه الاتفاقيات.






-
وتعد اتفاقية جوانب التجارة المتصلة بحقوق الملكية الفكرية
والتى يرمز إليها اختصاراً بـ
( TRIPS ) والتى يضمها الملحق رقم (1ج) من ملاحق
اتفاقية إنشاء منظمة التجارية العالمية إحدى أهم هذه الاتفاقيات، وتتبدى تلك
الأهمية من ثلاث زوايا:






الأولى:
أنها أوجدت كياناً دولياً جديداً يعنى بقضية الملكية الفكرية من خلال رعايتـه
لهـذه الاتفاقيـة ونعنى بهذا الكيان منظمة التجارة العالمية
WTO)) التى لا تتمتع
فيها الدول النامية بوزن متكافئ وذلك بجانب الكيان الأصيل الذى أنشأته الشرعية
الدولية العامة لرعاية الملكية الفكرية على الصعيد العالمى ونعنى به (المنظمة
العالمية للملكية الفكرية
WIPO) إحدى الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة والتى ترعى رعاية متكافئة
مصالح جميع الدول الأعضاء.






الثانية:
إنها أدت من الوجهة العملية إلى نوع من التوحيد الموضوعى لأحكام التشريعات الوطنية
فى مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، وذلك بما فرضته على الأعضاء فى منظمة التجارة
العالمية من وجوب ضمان اشتمال تشريعاتهم على الأحكام الواردة فيها.






الثالثة:
إن من أهم الأحكام التى تضمنتها اتفاقية
( TRIPS ) تلك الأحكام الواردة فى القسم الخاص ببراءات
الاختراع والخاصة بالمنتجات الكيمائية المتعلقة بالأغذية والمنتجات الكيمائية
الصيدلية لما لها من تأثير مباشر على الصحة العامة للشعوب من خلال تأثيرها على
غذاءها ودوائها، وهى أحكام أثارت وما زالت تثير جدلاً كبيراً.






وإذا
انضمت مصر إلى منظمة التجارة العالمية واتفاقات جولة أورجواى بمقتضى قرار رئيس
الجمهورية رقم 72 لسنة 1995، فقد تعين عليها أن تراجع تشريعاتها المنظمة لحقوق
الملكية الفكرية تحقيقاً لالتزاماتها الناجمة عن هذا الانضمام، ومن بينها تلك
الالتزامات التى تعكسها أحكام الاتفاقية فى مجال براءات الاختراع المتعلقة
بالمنتجات الكيمائية الغذائية والمنتجات الكيمائية الصيدلية (الصحة العامة
والدواء).






قانـون
حمايـة حقوق الملكية الفكريـة



وقضية
الدواء والصحة العامة فى مصر:






ألزمت
اتفاقية
( TRIPS ) الأعضاء بحماية جميع الاختراعات ـ إذا ما توافرت شروط منح الحماية
عن طريق البراءة ـ أياً كان المجال التكنولوجى الذى ينتمى إليه الاختراع، وبناء
على ذلك فقد استحدث القانون رقم 82 لسنة 2002حماية المنتجات الكيمائية المتعلقة
بالأغذية والمنتجات الكيمائية الصيدلية عن طريق براءة الاختراع.






وهذا
الحكم مغاير تماماً للوضع السابق إذ لا تشمل الحماية فى ظل القانون الملغى (132
لسنة 1949) هذه المنتجات عن طريق براءات الاختراع اكتفاء بالحماية إذا تعلق
الاختراع بطريقة الصنع فقط.






وقـد
اتبـع المشـرع منهجـاً تشريعيـاً للحـد من غلواء أحكام اتفاقية (
TRIPS ) وتأثيرها
السلبى على صناعة الدواء آخذاً فى الاعتبار ضرورة المحافظة على الصحة العامة،
فانعكس هذا المنهج على أحكام القانون فى معالجته لهذه القضية الفائقة الأهمية،
وذلك على النحو التالى:


















أولاً:
الأخذ بالحد الأدنى لمدة الحماية عن طريق براءة الاختراع:






إذ
أخذ القانون بالحد الأدنى المقرر فى هذا المجال (عشرين سنة من تاريخ التقدم بطلب
البراءة فى مصر) وعممها على كافة الاختراعات (بما فيها تلك المتعلقة بالمنتجات الكيمائية
الصيدلية وطرق صناعتها).






ثانياً: استبعاد منح براءة اختراع فى
بعض المجالات الحيوية وتلك التى تمس الصحة العامة:






إذا
استبعـدت المـادة (2) مـن القانون طائفـة من الاختراعات من الحمايـة عن طريق
البراءة فنصت على أنه لا تمنح براءة اختراع لما يلى:



‌أ.
الاختراعات التى يكون من شأن استغلالها
المساس بالأمن القومى أو الإخلال بالنظام العام أو الآداب أو الإضرار الجسيم
بالبيئة أو الإضرار بحياة أو صحة الإنسان أو الحيوان أو النبات.



‌ب.
الاكتشافات والنظريات العلمية والطرق
الرياضية والبرامج والمخططات.



‌ج.
طرق تشخيصى وجراحة الإنسان والحيوان.


‌د.
النباتات والحيوانات أياً كانت درجة ندرتها
أو غرابتها وكذلك الطرق التى تكون فى أساسها بيولوجية لإنتاج الحيوانات عدا
الكائنات الدقيقة.



‌ه.
الأعضاء والأنسجة والخلايا الحية والحمض
النووى والجينوم.






وبناء
على تلك الأحكام تستبعد من الحماية طائفة هامة من المنتجات التى يتم استخلاصها من
المواد الطبيعية، كما يستبعد أيضاً من الحماية عن طريق البراءة أى دواء يعتمد فى
تصنيعـــه على الكائنات الحية أو أجــزاء منها (الأعضاء والأنسجة والخلايا الحية
والحمض النووى والجينوم).






ثالثاً: وضع تنظيم تفصيلى للترخيص الإجبارى فى مجال
الدواء:






إذا جازت المادة 23 (ثانياً) من القانون
(لمكتب براءات الاختراع أن يمنح تراخيصاً إجبارية باستغلال الاختراع إذا طلب وزير
الصحة فى أية حالة من حالات عجز كمية الأدوية المحمية بالبراءة عن سد احتياجات
البلاد أو لانخفاض جودتها أو للارتفاع غير العادى فى أسعارها أو إذا تعلق الاختراع
بأدوية الحالات الحرجة أو الأمراض المستعصية أو المتوطنة أو الوقاية من هذه
الأمراض، وسواء تعلق الاختراع بالأدوية أو بطريقة إنتاجها أو بالمواد الخام
الأساسية التى تدخل فى إنتاجها أو بطريقة تحضير هذه المواد).






رابعاً: وضع ضوابط للحد من ارتفاع
الأسعار أو عدم توفير المنتجات المشمولة بالحماية عن طريق البراءة فى السوق أو
طرحها بشروط مجحفة:






إذا اعتبرت المادة 23 (خامساً) من القانون هذه الأفعال من
قبيل الممارسات المضادة للتنافس، وأجازت لمكتب براءات الاختراع منح تراخيص إجبارية
فى الحالات المتقدمة، كما أجازت للمكتب إسقاط البراءة إذا تبين بعد مضى سنتين من
منح الترخيص الإجبارى إن ذلك الترخيص لم يكن كافياً لتدارك الآثار السلبية التى لحقت
بالاقتصاد القومى بسبب تعسف صاحب البراءة فى استعمال حقوقه.






خامساً: تقرير مبدأ الاستنفاد الدولى:





إذا نصت المادة (10/2) من القانون على أنه (يستنفد حق مالك
البراءة فى منع الغير من استيراد أو استخدام أو بيع أو توزيع السلعة إذا قام
بتسويقها فى أية دولة أو رخص للغير بذلك).



ويسمح ذلك بتوفير المنتجات المشمولة بالحماية عن طريق
البراءة فى السوق المصرى بأقل الأسعار السائدة عالمياً عن طريق الاستيراد الموازي.






سادساً: جواز استخدام المنتج المشمول بالحماية عن طريق
البراءة فى كافة الأعمال المتصلة بأغراض البحث العلمى دون أن يعد ذلك اعتداء على
حقوق مالك البراءة:






إذ يسمح ذلك لشركات الأدوية بدراسة المنتجات المشمولة
بالحماية عن طريق البراءة وتحليلها لاكتشاف النظريات العلمية التى تقوم عليهـا
ومكوناتهـا الكيمائيـة واستغلال نتائج ذلك فى البحث والتطوير (الهندسة العكسية)
(مادة 10 بند (1) من القانون).






سابعاً: جواز قيام الشركات المنافسة للشركة التى تستغل
البراءة بتصنيع الأدوية المشمولة بالحماية خلال فترة الحماية أو تركيبها أو
استخدام أو بيع المنتج طالما أن هذه الأعمال لازمة للحصول على ترخيص بتسويقه:






إذ تنص المادة 10 بند (5) على (قيام
الغير بصنع أو تركيب أو بيع المنتج أثناء فترة حمايته بهدف استخراج ترخيص لتسويقه
على ألا يتم التسويق إلا بعد إنهاء تلك الفترة).






ثامناً: وضع ضوابط للحد من استفادة الدول المتقدمة
بمفردها بالثروات البيولوجية للدول النامية:






إذا لزم القانون مقدم طلب البراءة ـ إذا تعلق الطلب باختراع
ينصب على مواد بيولوجية نباتية أو حيوانية أو معارف تقليدية طبية أو زراعية أو
صناعية أو حرفية أو تراثاً حضارياً أو دينياً ـ بإثبات أن الحصول على هـذه المـواد
تم بطريقـة مشروعة وفقاً للأحكام القانونية النافذة فى مصر (مادة 13/3 من القانون).






تاسعاً: إلزام مقدم طلب الحصول على البراءة ـ إذا تعلق
طلبه بكائنات دقيقة ـ بالإفصاح عن هذه الكائنات وإيداع مزرعة حية منها لدى الجهة
التى تحددها اللائحة التنفيذية:






إذا لزمت (المادة 13/4 من القانون) مقدم هذا الطلب بذلك على
تقدير من أنه من المعلوم أن الكائنات الدقيقة تستخدم على نطاق واسع فى مجال
الصناعات الدوائية.






عاشراً: الاستفادة من فترة السماح
الإضافية:






إذا جازت المادة (65/4) من اتفاقية ( TRIPS ) للبلدان
النامية الاستفادة منها عن طريق تأجيل تطبيق الأحكام المتعلقة بحماية المنتجات
التى لم تكن مشمولة بالحماية عن طريق البراءة فى تشريعاتها (ومن بينها المنتجات
الكيمائية الغذائية والصيدلية) لفترة خمس سنوات إضافيـة تنتهـى فى 31 ديسمبر سنة
2004 وهو ما أخـذ به القانون (المادة الرابعة من مواد إصداره).






إعلان
الدوحة فى شأن اتفاقية
( TRIPS ) والصحة العامة


تأكيــد
علـى صـدق توجـه القانـون المصــــرى:






تقضى اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية ( WTO ) بعقد مؤتمر
وزارى للوزراء المعنيين بالتجارة فى الدول الأعضاء مرة على الأقل كل سنتين وذلك
بهدف اتخاذ أية قرارات ضرورية تستهدف تحقيق مزيـد من التحرير للتجارة وضمان قيام المنظمة
بدورها على الوجه الأكمل، وتعتبر المؤتمرات الوزارية أعلى سلطة فى أجهزة المنظمة.






وقد عقدت حتى كتابة هذه السطور عدة مؤتمرات كان أولها فى
سنغافورة ديسمبر سنة 1996 والثانى فى جنييف ـ مايو سنة 1998، أمـا المؤتمـر
الثالـث فقـد عقـد فى سياتل فى نوفمبر سنة 1999، وأمـا المؤتمـر الرابـع،
"وهو أهمها جميعا"، فقد عقد فى الدوحة بدولة قطر الفترة من 9 : 14
نوفمبر سنة 2001 حيث اجتمع ممثلو 142 عضو فى المنظمة لدراسة عديد من الموضوعات كان
من أهمها مشكلة إتاحة الدواء دون إخلال بحقوق الملكية الفكرية، المؤتمر الخامس فى
كانكون، والسادس فى هونج كونج.






مؤتمر
الدوحة ومشكلات الصحة العامة:






وقد
صدر عن المؤتمر إعلانان:






‌أ.
إعلان عام تحت مسمى (الإعلان الوزاري)
يتعلق برؤية المؤتمرون للموضوعات التى طرحت فى المؤتمر من زاوية التطبيق وما يثيره
من قضايا ومشاكل سواء فى مجال الزراعة أو الخدمات أو النفاذ للأسواق أو العلاقة
بين التجارة وسياسات المنافسة، أو الشفافية فى المشتريات الحكومية أو تسهيل
التجارة أو قواعد منظمة التجارة العالمية أو تسوية المنازعات، أو التجارة والبيئة
أو التجارة الإلكترونية أو الاقتصاديات الصغيرة أو التجارة والديون والتمويل، أو
التجارة ونقل التكنولوجيا، أو التعـاون الفنـى وبنـاء القدرات، أو الدول الأقل
نمواً، والمعاملة الخاصة وغير التفصيلية، أو الملكية الفكرية كما وردت فى
( TRIPS ).


وبشأن ما ورد عن الملكية الفكرية فى هذا الإعلان الوزاري
العام ـ وفى حدود ما يتناوله هذا البحث ـ فقد أكد المؤتمرون فى البند (17) من
هذا الإعلان على
"الأهمية
التى يولونها لتطبيق وتفسير اتفاقية
( TRIPS ) على نحو يدعم الصحة العامة بتطوير وإتاحة
الوصول إلى الأدوية القائمة بالفعل ومن أجل البحث والتطوير وصولاً لأدوية جديدة،
وفى هذا الخصوص فإنهم ـ أى المؤتمرون ـ يتبنون إعلاناً منفصلاً.






‌ب.
وقد اصدر المؤتمر هذا الإعلان المنفصل
تحت مسمى إعلان فى شأن اتفاقية
( TRIPS ) والصحة العامة عالج فيه المؤتمرون رؤيتهم
المشتركة لهذا الموضوع فى سبعة بنود أكدوا فيها على عدة نقاط أساسية نستخلصها على
النحو التالى:






(1) أقر
المؤتمرون بخطورة مشكلات الصحة العامة
التى تتعرض لها العديد من الدول النامية والأقل نمواً لاسيما
ما يتعلق منها
بأمراض نقص المناعة والسل والملاريا والأوبئة الأخرى (البند الأول) ومفاد هذا
البند أن الأمراض المذكورة وردت على سبيل التمثيل وليس الحصر بما يفتح معه
الباب أمام الدول النامية والأقل نمواً لإضافة أمراض أخرى
(وقد أخذ القانون
المصرى بهذا النظـر عنـد تنظيمـه للتراخيص الإجبارية فى المادة 23 (ثانياً) على
نحو ما أوضحنا).






(2) أكد
المؤتمرون على الحاجة لأن تكون اتفاقية
( TRIPS ) جزءً من عمل وطنى ودولى يستهدف مواجهة هذه
المشكلات (البند الثانى)، وفى رأينا أن هذا البند يتيح للدول النامية والأقل
نمواً مكنات كبيرة عند مراجعة الاتفاقية فى مناسبة تفاوضية لإدراج ما تراه من
تعديلات لحمـاية الصحة العامة.






(3) أقر
المؤتمرون بأهمية حماية حقوق الملكية الفكرية لتطوير الأدوية الجديدة إلا أنهم
ابرزوا مخاوفهم من تأثير ذلك على أسعار هذه الأدوية (البند الثالث).






وفى هذا ولا شك إشارة ضمنية إلى الأثر الذى يمكن أن ينتج عن
حماية هذه الأدوية الجديدة ببراءات اختراع بحسبانها احتكاراً قانونياً مؤقتاً
للتكنولوجيا على أسعارها الأمر الذى يعزز حق الدول النامية والأقل نمواً فى اتخاذ
التدابير اللازمة لمجابهة الزيادة فى هذه الأسعار .






(4) وبخصوص هذه
التدابير وافق المؤتمرون أيضاً على أن اتفاقية
( TRIPS ) لا تحول ولا يجب أن تحول بين الأعضاء واتخاذهم
تدابير لحماية الصحة العامة، ولهذا فإنهم ـ أى المؤتمرون ـ لدى مراجعتهم
لالتزاماتهم بأحكام الاتفاقية يؤكدون أن هذه الاتفاقية يمكن بل يجب أن تفسر وتطبق
بأسلوب مؤيد لحق الأعضاء فى حماية الصحة العامة وبوجه خاص لدعم إتاحة الأدوية
للجميع، ولهذا الخصوص فإنهم يؤكدون حق الأعضاء فى استخدام أحكام الاتفاقية لاقصى
مدى لما توفره من مرونه فى هذا الشـــأن (البند الرابع).



وجدير بالإشارة أن المادة (8 من اتفاقية TRIPS) تنص على حق
الأعضاء فى اتخاذ هذه التدابير لحماية غذائها وصحتها العامة، وهو ما فعله القانون
المصرى إلى آخر مدى متاح على نحو ما أوردنا، وقد جاء الإعـلان مؤكداً لهذا المنهج
الذى أتبعه المشروع المصرى (يراجع على سبيل المثال لا الحصر المادة 23 (خامساً) من
القانون المصرى على نحو ما سلف بيانه).






(5) وفى مجال
بيان حدود المرونه المشار إليها فى البند السابق ومداها وما تسمح به أكد المؤتمرون
فى البند الخامس أنه "طبقاً لما ورد فى البند الرابع وفى ضوء أحكامه فإنهم
يقرون ـ مع التزامهم بأحكام الاتفاقية ـ أن هذه المرونة تسمح بما يلـــى:






‌أ.
فى مجال
إعمال القواعد الدارجة فى التفسير الخاصة بالقانـون الدولـى العام فإن كل بند من
بنود اتفاقية
(TRIPS) يجب أن تقرأ فى ضوء الهدف والغـرض مـن الاتفاقيـة حسبمـا هو
موضح بوجـه خاص فى الجزء الخاص بالأهداف والمبادئ
(مادة 7
( TRIPS.





‌ب.
يحق لكل عضو أن يصدر تراخيصاً إجبارية،
وله حرية تحديد الأسس
( grounds ) التى تمنح هذه التراخيص استناداً إليها.





‌ج. كما يحق
لكل عضو أن يحدد ما يعتبر طوارئ قومية أو الظروف الأخرى للضرورة القصوى، وأنه من
المفهوم أن أزمات الصحة العامة ـ بما فى ذلك أمراض نقص المناعة والسل والملاريا
والأوبئة الأخرى ـ يمكن أن تمثل مصلحة قومية أو ظروف تستدعى الضرورة القصوى.






ومما لا شك فيه أن القانون المصرى قد
أخذ بهذا التفسير على نحو ما أوضحنا عند معالجته لباب التراخيص الإجبارية، وقد ورد
الإعلان مؤكداً صحة هذا المنهج.






‌د. فيما
يتعلق باستنفاد حقوق الملكية الفكرية أكد المؤتمرون أن أحكام اتفاقية (
TRIPS) تترك الحرية
لكل عضو فى إقامة نظامه الخاص بالاستنفاد دون إخلال بمبدأى الدولة الأولى بالرعاية
والمعاملة الوطنية الواردين فى المــادتين (3)، (4) (البند الخامس من الإعلان).






ومفاد ما تقدم أن الاتفاقية لا تنكر فكرة الاستنفاد الدولى
لحقوق الملكية الفكرية وأنه من حق الدول أن تأخـذ بهذه الفكرة وتحولها إلى نصوص
تشريعية، وهو ما أخذ به القانون المصرى على نحو ما أسلفنا.






(6) وفى مجال
تفعيل استخدام التراخيص الإجبارية اقر المؤتمرون بأن الأعضاء الذين ليست لديهم
طاقات تصنيعية كافية أو ليست لديهم طاقات تصنيعية إطلاقاً فى المجال الصيدلى
والدوائى يواجهون صعوبات فى الاستخدام الفعال للترخيص الإجبارى طبقاً لاتفاقية (
TRIPS)، وعلى ذلك فإن
المؤتمرون يكلفون مجلس (
TRIPS) بإيجاد حل عاجل لهذه المشكلة وأن يقدم تقريراً بذلك إلى المجلس
العام قبل نهاية عام 2002. (البند السادس).






وفى تقديرنا أن المجلس الوزارى بإصداره هذا التكليف لمجلس (TRIPS) يكون قد أدرك
المشكلة تماماً، وإلى أن يصل المجلس الأخير إلى الحل المطلوب فإن مسلك الدول فى
شراء الدواء من دولة ثالثة تصنعه بأسعار أرخص من صاحب البراءة التى صدر بشأنها
ترخيصاً إجبارياً يكون مسلكاُ عملياً لا سبيل إلى مراجعتها فيه.






وقد نفذ المجلس العام للمنظمة هذا التكليف ، فنص فى البداية
على إيقاف العمل بالمادة 31 والمتعلقة بالتراخيص الإجبارية فى صورة
waver (قرار 30 أغسطس 2003) مع وضع الشروط التي تكفل
حسن التطبيق وقد اعتمد مؤتمر كانكون هذا التوجه، ثم خلص الأمر فى مؤتمر هونج كونج
إلى إقرار تعديل المادة 31 (و،ح) وصدر به بروتوكول أتيح بمقتضاه للدول التى تمتلك
قدرات تصنيعية فى مجال الدواء من أن تصدر ترخيصاً إجبارياً تقوم بمقتضاه بتصدير
الدواء محل هذا الترخيص إلى دولة عضو لا تمتلك قدرات تصنيعية دوائية تمكنها من
إنتاجه، شريطة أن تصدر الدولة الأخيرة بدورها ترخيصاً إجبارياً بالاستيراد وهذا
القرار مفتوح أمام الدول الأعضاء لاتخاذ إجراءات التصديق عليه حتي أول ديسمبر 2007
والمطلوب تصديق 2 الدول الأعضاء حتي يدخل حيز النفاذ.






وجدير بالإشارة أنه قد صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية
رقم {263} سنة 2007 بشأن الموافقة على بروتوكول التعديل المشار إليه وقد وافق عليه
مجلسي الشعب والشورى ومن ثم دخل حير النفاذ.






(7)
أما البند السابع والأخير فيتعلق بالدول الأقل نمواً (ومصر
ليست من بينها) ويتضمن هذا البند ما يلى:






‌أ. التأكيد
على التزام الدول الأعضاء المتقدمة بتوفير حوافز لمنشآتها ومؤسساتها لدعم وتشجيع
نقل التكنولوجيا إلى الدول الأعضاء والأقل نمواً إعمالاً لحكم المادة 66/2.






‌ب. الموافقة
على مد الفترة الانتقالية للدول الأقل نمواً فيما يتعلق ببراءات الاختراعات الخاصة
بالمنتجات الصيدلية إلى أول يناير سنة 2016 مع حقها فى أن تسعى للحصول على تمديدات
أخرى لهذه الفترات الانتقالية طبقاً للمادة 66/1 من اتفاقية (
TRIPS) مع تكليف
المجلس باتخاذ ما هو ضرورى للإعمال الفعال لكل ما تقدم طبقاً للمادة المتقدمة.






وليس ثمة شك فى أن صدور هذا البند على هذا النحو يعكس
إدراكاً واعياً لحجم المشكلة لدى الدول الأقل نمواً ، والتى قد لا يتوافر لديها
قدرات حقيقية لتصنيع الدواء فضلاً عن عدم توافرها ـ من باب أولى ـ على إمكانيات
أساسية فى مجال البحث العلمى بوجه عام.






.. وبعد ..، يتضح من العرض المتقدم ما انتهى إليه
الحال فى المؤتمر الوزارى الرابع من توافق أعضاء منظمة التجارة العالمية (
WTO) على تفسير
وفهم متوازن للأحكام المتعلقة بقضية الصحة العامة فى اتفاقية (
TRIPS) وهو فهم
وتفسير لم يكن غائباً عن ذهن اللجنة التى وضعت مشروع القانون المصرى لحماية حقوق
الملكية الفكرية بل يمكن القول ـ وبحق ـ أن اللجنة توصلت إلى هذا الفهم وذلك
التفسير قبل أن يصدر الإعلان الوزارى عن مؤتمر الدوحة بأكثر من عامين، فهل لنا ـ
بعد ذلك ـ أن نقول دون أن نكون قد تجاوزنا الحقائق أن القانون المصرى يعد مثلاً
يحتذى فى هذا الخصوص.












* *
*