وقع
تحت نظري منشور سعادة النائب العمومي رقم (108) سنة 1929 الذي تضمن
تعليمات للنيابات بخصوص تنفيذ الغرامات التي يقضي بها في جرائم المخدرات
ذلك المنشور الذي صدر عقب مباحثة حكمدار العاصمة بصفته رئيسًا لمكتب
المخدرات مع سعادته وما لاحظه من أنه لم ينفذ من مجموع الغرامات التي قضى
بها من أول يناير حتى 31 أكتوبر سنة 1929 في قضايا المخدرات وقدرها
577.000 ألف جنيه إلا خمسة آلاف جنيه فقط (راجع تقرير مكتب المخدرات صـ 52
النسخة الفرنسية)، وقد تضمن المنشور ما يأتي:
يجب ألا يفوت النيابة أن الإكراه البدني الذي لا يمكن أن تزيد مدته في
مواد الجنح على التسعين يومًا لا يعفي المحكوم عليه من كل ما هو محكوم به
بل إن ما يتبقى من الغرامات محسوبًا على مقتضى المادة (270) من قانون
تحقيق الجنايات دين للخزانة يجوز تحصيله بكافة الطرق المدنية الممكنة، إذن
فالنيابة مكلفة باتخاذ كافة الوسائل المذكورة كالتنفيذ على أموال المدين
ثابتة كانت أو منقولة وكالحجز لدى الغير.
وهذا الرأي الذي تضمنه المنشور صريح في عدم إبراء ذمة المحكوم عليه بغرامة
والذي نفذت عليه بطريق الإكراه البدني لأقصى مدتها وهو ثلاثة شهور إلا من
القدر الذي يحسب له بمقتضى المادة (270 ت. ج)، وحث النيابات على ضرورة
التنفيذ على المحكوم عليه بما تبقى من الغرامة وهو ما نريد أن نعرض له في
هذا البحث وما لا نرى بدًا من افتتاحه بمقدمة تاريخية عن عقوبة الغرامة
راجعين إلى القانون الفرنسي الملهم لقانوننا الحالي.


مصدر الغرامة الجنائية في فرنسا

يرى
شوفو وهيلي في كتابهما (نظرية قانون العقوبات) جزء 1 صـ 216 أن عقوبة
الغرامة ترجع في الغالب إلى التقاليد الناشئة من العرف الفرنكي والجرماني
أكثر مما ترجع إلى القانون الروماني، وبمقتضى هذا العرف كانت الجرائم مهما
بلغت من خطورة قابلة للتصالح عليها في نظير مبلغ من المال يدفع جزء منه
إلى الملك أو إلى أمير الإقطاع الذي كانت العدالة تقام في أرضه والباقي
إلى المجني عليه، ولما ألغيت هذه المصالحات وقد بقيت آثارها حتى القرن
الرابع عشر استبقى ذلك الجزء الذي كان يدفع للملك وسمي
Amende
بقصد تعويض الملك وأمراء الإقطاع عن المصاريف التي يتكبدونها في مطاردة
المجرمين وقد روعي أن تكون متدرجة حسب الأغراض المطلوبة منها وأنها صالحة
جد صلاحية لبعض الجرائم وأنها قابلة للتجزئة وقد ينزل حدها الأدنى إلى
مبلغ ضئيل وأن تبرأ ذمة الحكومة عليه بها بمجرد دفعها، حتى أن بنتام ذكر
في كتابه عن نظرية العقوبات صـ 340 أنه لا يوجد عقوبة مثلها يمكن توقيعها
بأكبر قسط من المساواة وأكثر قابلية للاتفاق مع الحالة المالية لمن يحكم
عليه بها فإذا جرد شخصان مثلاً من عشر أملاكهما كان الحرمان الذي يشعر به
كلاهما واحدًا، وقد رغبت الشرائع القديمة في ملافاة نتائجها السيئة فقضت
باعتبار الغرامات المبالغ فيها باطلة بنص القانون (فارنياشيوس في كتابه
الجريمة والعقوبة).
وأعطيت للقاضي سلطة تخفيفها بل والإعفاء منها وكان الفقراء يعفون من دفعها بدون أن توقع عليهم عقوبة جسمانية في مقابل ذلك الإعفاء.
وقد سارت أغلب الشرائع الحديثة على ترك حرية التقدير للقاضي في توقيعها،
وذكر القانون النمساوي في المواد (25) و(26) و(27) و(28) من قانون
العقوبات أن الغرامة تفرض على نسبة دخل المتهم، وذكر في العهد الأكبر
الإنجليزي أن العقوبة المالية يكون أساسها في التقدير وسائل الدخل ومركز
المتهم ويجب ألا تكون ثقيلة حتى تلجئ المزارع إلى هجر غيطه أو التاجر إلى
ترك حانوته أو العامل على بيع آلات الزراعة، وذكر القانون البلجيكي (م -
4) أنه في حالة عدم دفع الغرامة ينفذ بالحبس على المحكوم عليه، وليس هنا
محل بيان التطورات التي سار عليها التشريع الفرنسي ونكتفي بالقول بأن
قانون العقوبات ترك تحديد مقدار الغرامة إلى تقدير القاضي ونص على الحد
الأعلى الذي يجب ألا يتجاوزه ذلك الحد الذي يختلف حسب خطورة الجريمة بدون
الاهتمام بحالة المتهم المالية، ولكن في حالات كثيرة يحول عسر المحكوم
عليه عن تنفيذ الغرامة ومن هنا نشأ إحلال العقوبة الجسمانية محلها ومرجع
ذلك للقانون الروماني، وقد ظهر هذا المبدأ جليًا في القانون الفرنسي
القديم الذي نص على أنه إذا لم يدفع المحكوم عليه الغرامة في ظرف ستة شهور
من تاريخ الحكم تستبدل المحكمة العقوبات الجسمانية بعقوبة الغرامة وجاءت
القوانين الحديثة وحددت مقدار ما يستنزل يوميًا عن كل يوم من الأيام التي
تنفذ على المحكوم عليه بالحبس من أجل الغرامة.
في التنفيذ بالإكراه البدني لتحصيل الغرامة:
نص في المادة (52) من قانون العقوبات الفرنسي على جواز التنفيذ بالإكراه
البدني لتحصيل الغرامات المحكوم بها أو المصاريف أو التعويضات أو الرد
وهذا النص لم يكن إلا إقرارًا لنصوص القوانين القديمة كما أسلفنا القول،
ولكن هذه القاعدة لم تؤخذ على علاتها من القانون القديم بل حصل تغيير في
مدى تطبيقها فقد كان أجل الإكراه في القانون القديم غير محدد وتنتهي مدته
بالدفع ولكن قانون العقوبات عدل في ذلك فأخذ بهذه القاعدة في الغرامات
المحكوم بها في الجنايات وجعل أقصى مدة الإكراه شهرًا في الجنح، وذكر
المسيو تارجيه
Target في تعيين مبادئ قانون العقوبات ما يأتي:
في كل الحالات التي تصبح فيها الأمة دائنة يحسن أن يكون للإكراه البدني
أجل يبتدئ من انتهاء العقوبة الجسمانية التي توقع على المتهم وبعد هذا
الأجل أن قام دليل على استمرار حالة الإعسار يفرج عن المتهم مؤقتًا -
لوكريه جزء 29 صـ 27 وجعلت أخيرًا أقصى مدة الإكراه البدني سنة في
الجنايات وستة شهور في الجنح ونص على أن للحكومة الحق في إعادة التنفيذ
بالإكراه البدني إذا رجعت للمتهم وسائل يسار، وتعدلت هذه المادة بقانون 17
إبريل سنة 831 و13 ديسمبر 848 و22 يوليو سنة 867، ونكتفي هنا بالقول بأن
الغرض من القانون الأخير كان القضاء على مبدأ التنفيذ بالإكراه البدني
ولذلك فقد منع من أجل الديون التجارية والمدنية وأبقى في المسائل
الجنائية، ويهمنا أن نقتطف بعضًا مما ورد في المذكرة التفسيرية لهذا
القانون (شوفو وهيلي جزء 1 صـ 307).
(وقد لوحظ أن يكون الإكراه البدني وسيلة من وسائل التنفيذ ضد المحكوم
عليهم الذين يستطيعون دفع الغرامة أما ضد المعسرين فقد اعتبر بمثابة عقوبة
جديدة تحل محل الأولى) وحددت مدة الإكراه البدني طبقًا لمبلغ الغرامة التي
يحكم بها بحيث لا تتجاوز سنتين عن الغرامة التي تبلغ 2000 فرنك، وتنتهي
مدة الإكراه البدني:
1 - إذا قدم المحكوم عليه كفيلاً.
2 - إذا قدم ما يثبت إعساره وفي الحالة الأخيرة يفرج عنه بعد تمضية نصف المدة المقدرة بالحكم.
طبيعة الإكراه البدني - هل هو عقوبة جديدة أم طريق من طرق التنفيذ:
سكت القانون الفرنسي عن تبديد اللبس الذي يحوط هذا الموضوع فذهب بعض
الشراح إلى أن الإكراه البدني هو في الواقع عقوبة جسمانية تحل محل عقوبة
الغرامة وذهب البعض الآخر إلى أن الإكراه البدني ليس إلا وسيلة من وسائل
التنفيذ، وحجة الأولين أنه ينفذ على المحكوم عليه بالغرامة مهما برر أسباب
إعساره وأنه ينفذ عليه بالإكراه البدني لمدد تختلف حسب خطورة الغرامة
المقضي بها وأنه متى نفذ عليه مرة من أجل غرامة فلا يصح التنفيذ عليه مرة
أخرى لتحصيل تلك الغرامة، الأمر الذي يدل على أن التنفيذ بالإكراه البدني
قد حل محل الغرامة ومظهر ذلك تداخل النيابة العمومية في هذا التنفيذ
(ورغبة الشارع في معاقبة المجرمين الذين يفرون من العقوبة بالاختباء وراء
الإعسار حتى يمضوا بذلك مدة في الحبس).
هذه هي الحجج القوية التي يستعين بها أنصار هذا الرأي على التدليل على
مذهبهم، أما أنصار الرأي الآخر الذي يعتبر التنفيذ بالإكراه البدني وسيلة
من وسائل التنفيذ فقط فيلجأون إلى النصوص ويقولون إنها صامتة لم تصرح بأن
التنفيذ بالإكراه البدني يحل محل الغرامة كما نص عليه في القانون الزراعي
مثلاً
Code Rural الصادر سنة 1791 وإذن فلا يمكن الوصول إليه استنتاجًا مهما كانت قوة الحجج التي تقدم.
في القانون المصري قبل سنة 1904:
يظهر أن الشارع المصري سنة 1882 كان يأخذ بالنظرية الثانية فضمن المواد
(48)، (51) من قانون العقوبات مبادئه بهذا الخصوص والذي يهمنا منها المادة
الأخيرة التي نص فيها على أن التنفيذ بالإكراه البدني لا يبرئ ذمة المحكوم
عليه من الغرامة المقضي عليه بها كما لا تبرأ ذمته أيضًا من المصاريف ولا
من الرد ويمكن التنفيذ على أملاكه من أجل تلك المبالغ إذا زالت حالة
إعساره بعد التنفيذ عليه أو إذا كان لديه أملاك - واضح إذن من تلك المادة
أن الشارع المصري كان من رأيه أن التنفيذ بالإكراه البدني ليس إلا وسيلة
من وسائل التنفيذ لا تمنع من الالتجاء إلى الوسائل الأخرى لتحصيل الغرامات
المقضي بها وأنه سوى في الحكم بين الغرامة والمصاريف القضائية والرد.
بعد سنة 1904:
في سنة 1904 نجد الشارع المصري عرف الغرامة في المادة (22 ع) المقابلة
للمادة (48) قديمة ثم نجده ترك عمدًا المواد (49) و(50) و(51 ع) ويظهر أن
سبب ذلك اعتباره أصوبية بحثها في قانون تحقيق الجنايات وفعلاً نراه في
المادة (267 ت - ج) نص على جواز الإكراه البدني لتحصيل قيمة العقوبات
المالية المقضي بها للحكومة وفصل كيفية احتسابه وأقصى مدته ونص في المادة
(270 ت. ج) على أن ذمة المحكوم عليه لا تبرأ من المصاريف وما يجب رده
والتعويضات بتنفيذ الإكراه البدني، ولكنها تبرأ من الغرامة وحدد كيفية
احتساب تلك البراءة.
من تلك المقارنة يتبين ما يأتي:
أولاً: وقبل كل شيء أن الشارع المصري أراد على خلاف ما ورد في المادة (51)
عقوبات قديمة أن يفرق بين الغرامة وبين المبالغ الأخرى من تعويضات ورد
ومصاريف فقرر إبراء ذمة المحكوم عليه في الغرامة وعدم إبرائها من المصاريف
والتعويضات وما يجب رده وهذا يخالف تمامًا نص المادة القديمة التي كانت
تساوي في الحكم بين جميع تلك الأحوال معتبرة التنفيذ بالإكراه البدني
وسيلة من طرق التنفيذ، فهل نفهم من ذلك ومن تلك المخالفة أن الشارع كان
بصدد تقدم جديد أراد أن يأخذ به مبتعدًا عن المبادئ العتيقة ؟
الجواب على ذلك بالإيجاب فما عليك إلا الرجوع إلى التعليقات على المادة (270 ت. ج) جديدة ترى ما يأتي:


La
Contrainte par corps libère de l’obligation de payer l’amende. La peine
de l’amende est effectivement remplacée par la peine de
l’emprisonnement. Pour les autres condemnations pécuniaires la
contrainte continue à être considerée comme un simble moyen d’obtenir
le paiement.


وبعبارة
أخرى فقد أراد الشارع المصري الرجوع إلى النظرية التي ابتعد عنها سنة 1882
تلك النظرية القديمة التي ترى في التنفيذ بالإكراه البدني عقوبة جديدة تحل
محل عقوبة الغرامة، والنص صريح جدًا في عبارة التعليقات الآنفة على أن
التنفيذ بالإكراه البدني يحل محل الغرامة، ونص المادة (270 ت. ج) نفسه
يؤدي إلى هذه النتيجة فقد ذكر أن ذمة المحكوم عليه تبرأ على اعتبار عشرين
قرشًا عن الثلاثة الأيام الأولى وعشرة قروش عن كل يوم آخر، وذكر في المادة
(267) عدم تجاوز مدة الإكراه تسعين يومًا، فبديهي من مقارنة النصين ومتى
وضعت القاعدة العامة وهي قاعدة الإبراء في الغرامة وجب أن يترتب عليها كل
نتائجها فإذا حصل إكراه لتسعين يومًا أبرئت ذمة المحكوم عليه من كل
الغرامة التي حكم عليه بها ولا يصح في هذه الحالة التفرقة بينها وبين ما
إذا كان الإكراه لأقل من تسعين يومًا لعمومية النص، على أن الاجتهاد هنا
قد قفل بابه فما دامت المذكرة التفسيرية قد نص فيها بصريح العبارة على أن
التنفيذ بالإكراه البدني يحل محل عقوبة الغرامة وجب علينا الوقوف حيث أراد
الشارع احترامًا لنصوصه وعملاً بتلك القاعدة الإنسانية التي أريد تطبيقها
في التشريع المصري أخذًا بخلاصة الفقه الفرنسي المتنور فمتى نفذ على
المحكوم عليه بأقصى مدة الإكراه البدني وجب ألا نعتبر هناك حكم غرامة ما
قائمًا فقد اندثر هذا الحكم من وقت أن ابتدأ التنفيذ بالإكراه البدني
لأقصى مدة وحلت محله العقوبة الجديدة.
هذا هو الرأي القانوني المحترم وهو يمثل تطورًا في الرأي لم يسعَ شارعنا
إلا الأخذ به سنة 1904 وهو مبني على اعتبارات إنسانية ترجع إلى أصل
الغرامة وهي ظاهرة من مقدمتنا التاريخية.
ولئن شكا رئيس مكتب المخدرات فلن يكون لشكواه إلا أثرها الصحيح وهو التوجه
بها نحو السلطة التشريعية لإصدار ما يتفق من القوانين مع ما يراد معالجته،
أما أن يكون لشكواه أثر المخالفة الصريحة لنصوص قوانيننا وإحلال التفسير
محل التشريع وإهمال الأغراض الصريحة للشارع فهذا مما لا يرضاه الساهرون
على تطبيق القانون وكفالة احترامه.
ومن الأسف أنني لم أعثر على أحكام صادرة بهذا الخصوص في محاكمنا المصرية
سوى حكم غير منشور صادر من محكمة قنا الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية
في 4 يونيه سنة 929 في القضية نمرة 63 سنة 929 يؤخذ منه ضمنًا وبطريق
الاستنتاج العكسي الرأي الذي نقول به وإن كان النزاع الذي طرح للفصل فيه
خاصًا بالغرامات الجمركية وطبيعتها.


الغرامة الجنائية وسبيل تنفيذها

نشرت
المحاماة في مجلد العددين الثامن والتاسع من السنة العاشرة بحثًا مسهبًا
عن الغرامة الجنائية وسبيل تنفيذها في القانون الأهلي الحاضر، وقد
استعرضنا فيها الحالة تحت سلطان النصوص القديمة وبينا أن الشارع سنة 1904
عرف الغرامة بالمادة (22 ع) جديدة ثم ترك عمدًا المواد (49) و(50) و(51 ع)
قديمة ورأى أصوبية بحثها في قانون تحقيق الجنايات، فذكر في المادة (267 ت.
ج)، بجواز الإكراه البدني لتحصيل قيمة العقوبات المالية المقضي بها
للحكومة وفصل كيفية احتسابه وأقصى مدته، ثم نص في المادة (270) على عدم
إبراء ذمة المحكوم عليه من المصاريف وما يجب رده والتعويضات بتنفيذ
الإكراه البدني عليه مع إبرائه من الغرامة، وعدد كيفية احتساب تلك البراءة.
وقد أظهرنا بجلاء من مقارنة النصوص القديمة بالجديدة أن الشارع كان إزاء
تقدم جديد أريد به العودة إلى المبادئ الصحيحة فيما يختص بالغرامة إذ بعد
أن كان شأنها شأن المصاريف وما يجب رده فصلت عنها وحدد أقصى مدة للإكراه
البدني الذي يحصل تنفيذًا لها وبينت كيفية احتساب ذلك الإبراء وحمدنا
للشارع هذه الطفرة وتقدمه على تشريع سنة 1883 الذي أخذ بالنظرية القاسية،
ولا نكتفِ بذلك بل أظهرنا رغبة الشارع الصريحة متجلية في أعماله التحضيرية
حيث ذكر في التعليقات على المادة (270 ت. ج) جديدة ما يأتي:


(La
contrainte par corps libère de l’obligation de payer l’amende. La peine
de l’amende est effectivement remplacée par la peine de
l’emprisonnement.
Pour les autres condamnations pécuniaires la contrainte continue a être considerée comme un simple moyen d’obtenir le paiement).

وإذن
فقد قرر الشارع بجلاء ولا غموض أن التنفيذ بالإكراه البدني ما هو إلا
عقوبة جديدة تحل محل الغرامة وأنه لا يعتبر وسيلة من الوسائل التي يقصد
بها الحصول على تسديد الغرامة، وبديهي أنه متى تقرر ذلك وكنا أمام حالة
شخص نُفذ عليه الإكراه البدني لمدة ثلاثة شهور وجب علينا عدم المساس
بأمواله، لأنه لا يمكن أن توقع عقوبتان من أجل جريمة بلا نص، ولأن التنفيذ
بالإكراه البدني عقوبة جديدة حلت محل القديمة وليست سبيلاً من سبل السداد.
طلع علينا بعد ذلك حكمان الأول من محكمة قنا الكلية بتاريخ 5 نوفمبر سنة
1930، والثاني من محكمة الموسكي الجزئية بتاريخ 26 أكتوبر سنة 1930 [(1)]
نشرا في العدد الرابع من السنة الحادية عشرة من مجلة المحاماة صـ 408 و423
وما بعدها قررا المبدأ المخالف، ونريد بكلمة موجزة أن نلخص ما جاء بهما من
الحجج لنرى إن كانت تؤثر في شيء على سلامة الرأي الذي ذهبنا إليه.
فأما حجج الحكم الأول فهي ما يأتي:
1 - حيث إن المحكمة ترى أن الإكراه البدني طريقة من طرق التنفيذ يقصد بها إكراه المحكوم عليه بالغرامة على أدائها.
2 - حيث إن المادتين (267) و(270) جنايات اللتين يستند إليهما الدفاع لم
ينص فيهما على أن التنفيذ بالإكراه البدني لأقصى مدته يبرئ المحكوم عليه
من الغرامة كلها بالغة ما بلغت كما أن التعليقات على المادة (270) التي
أشار إليها الدفاع في مذكرته لم تذكر ولا يستفاد منها ذلك.
3 - حيث إن المادة (269 ت. ج) تشير إلى جواز الجمع بين التنفيذ بالإكراه
البدني والتنفيذ على الممتلكات وليس فيها ما يمنع من التنفيذ على
الممتلكات بعد الالتجاء إلى التنفيذ بالإكراه البدني لأقصى مدته.
والرد على الحجة الأولى ميسور فليس هناك ما يمنع المحكمة من أن ترى ما
تريد سوى الشارع، فإذا أقر رأيًا فليس لها أن تقر خلافه، وأما ما ورد
بالحجتين الثانية والثالثة فيرد عليهما بما نقوله، الآن أيضًا وهو بنفسه
الذي ذكرناه في بدء المقال، فمتى قرر الشارع حلاً مخصوصًا كان على المحاكم
أن تطبق هذا الحل، صحيح أن الشارع لم يذكر ذلك الحل بصريح العبارة وفي مثل
هذه الأحوال يستعين القاضي للوصول إلى رغبته بالأعمال التحضيرية ثم
بالطريقة التاريخية لتفسير تلك الطريقة التي قال بها سافيني والمدرسة
الألمانية والتي يرجع إليها الفضل في بقاء القانون على مرونته ومطابقته
لمقتضيات العصر، ولو كلفت المحكمة نفسها عناء البحث التاريخي لوجدت الخلاف
مستعرًا بين علماء القانون قبل سنة 1883 ولوجدت الشارع المصري إذ ذاك قد
أخذ بنظرية قاسية عدل عنها في سنة 1904 وبرر عدوله بما جاء في التعليقات
من أن عقوبة الإكراه البدني عقوبة جديدة تحل محل عقوبة الغرامة.
كل ذلك تغفله المحكمة لتقرر (إن الإكراه البدني طريقة من طرق التنفيذ) هذا
في الوقت الذي يقرر الشارع بجلاء في التعليقات أنه قصد غير ذلك (وأراد
بالإكراه البدني إحلاله محل الغرامة، أما في حالة الرد والتعويضات
والمصاريف فقرر أنه يبقى كما كان وسيلة من وسائل الحصول على السداد)، ذلك
كله تحقيقًا لأغراض إنسانية وتخفيفًا على المحكوم عليهم وتفريقًا بين
طبيعة الغرامة وطبيعة العقوبات المالية الأخرى، والمادة (269) لا تنفع
المحكمة في شيء فهي تقول بانتهاء الإكراه البدني من نفسه متى صار المبلغ
الموازي للمدة التي قضاها المحكوم عليه في الإكراه محتسبًا حسب ما هو مقرر
في المادة (267) مساويًا للمبلغ المطلوب أصلاً بعد استنزال ما يكون
المحكوم عليه قد دفعه أو تحصيل منه بالتنفيذ على ممتلكاته، وهي قاعدة
بديهية تطبق في الحالات القانونية التي يجوز الجمع فيها بين التنفيذ
بالإكراه البدني وبين التنفيذ على الممتلكات، وهذا لا يكون إلا في حالات
العقوبات المالية غير الغرامة كالرد والتعويضات والمصاريف وهي الحالات
التي نص الشارع بصريح العبارة بالمادة (270 ت. ج) على أن التنفيذ بالإكراه
البدني فيها غير مبرئ لذمته، وعلل في التعليقات ذلك بأنه قصد في الواقع أن
يكون الإكراه البدني فيها وسيلة من وسائل الدفع، يمكن أيضًا أن نتصور
تطبيق المادة (269) في حالة الغرامة وذلك إذا ما تبقى بعد التنفيذ على
ممتلكات المدين مبلغ من الغرامة المحكوم بها، فإذا فرضنا أن شخصًا حكم
عليه بغرامة 200 قرش وأمكن أن يحصل منه 170 قرشًا ففي هذه الحالة يصح أن
ينفذ عليه بالإكراه البدني مدة أربعة أيام ويعتبر التنفيذ بالإكراه البدني
لهذه المدة أنه عقوبة جديدة حلت محل عقوبة الغرامة لمبلغ 30 قرشًا التي لم
تستوفَ، لا أنه وسيلة من وسائل التحصيل، ولكن ذلك لا يبرر بحال ما الرأي
الذي ذهبت إليه المحكمة، قد يقال إنه لا فرق بين الحالتين إذا كانت
الغرامة باهظة مثل غرامات المواد المخدرة وذلك في حالة ما إذا كانت أموال
المدين غير كافية، فما الفرق بين أن ينفذ على ممتلكات المدين قبل الإكراه
البدني أو بعده، وجوابنا أن الافتراضات الاحتمالية لحالات كهذه غير مؤثرة
على قاعدة قانونية تستفاد من النصوص ومن الأعمال التشريعية، والواقع أن
هناك فرق بين الحالتين، وقد قصد الشارع ألا يكون الإكراه البدني سيفًا
مسلولاً على رقاب المحكوم عليهم توقعه الحكومة ثم بعد ذلك تلجأ إلى أمواله
بل العدل والمنطق يقضيان عليها بأن تتحرى عن أموال المدين بداءةً ثم بعد
ذلك ومتى استوفت ما أمكنها استيفاؤه فبوسعها أن تنفذ بالإكراه البدني عن
المبلغ الباقي معتبرة أنه عقوبة جديدة تحل محل باقي الغرامة لا وسيلة من
وسائل التنفيذ، وأما إذا بدأت بالتنفيذ بالإكراه البدني لأقصى مدته فقد
سقطت عقوبة الغرامة نهائيًا، وهذا الرأي يحقق ما يبغيه أصحاب الرأي
المخالف فقد عز عليهم أن تفلت ممتلكات المتجرين في المواد المخدرة، وإذن
فما المانع من تجريدهم بداءةً من أملاكهم ثم التنفيذ بالإكراه البدني عن
الباقي حتى ولو كان الباقي مبلغًا باهظًا ينفذ به لمدة ثلاثة شهور، وليس
صحيحًا القول بأن النتيجة واحدة إذا نفذنا بداءةً بالإكراه البدني ثم بعد
ذلك نفذنا على الممتلكات أو إذ نفذنا على الممتلكات أولاً ثم بعد ذلك
بالإكراه البدني، فقد تكون النتيجة واحدة في حالة خاصة ولكن الوصول إليها
يختلف تمام الاختلاف إذ في إحدى الحالتين طريقة الوصول متفقة مع نصوص
القانون ورغبة الشارع وفي الأخرى مخالفة تمام الاختلاف، ولا ضير في ذلك
على رأينا بل وليس هذا مضعفًا له إذ الفرق الجوهري بينه وبين الرأي
المخالف لا زال كما هو حتى في هذه الحالة التي تتحد فيها النتيجة، إذ على
حسب الرأي المخالف تكون أموال المحكوم عليه التي يجمعها مستقبلاً ولو من
طريق شريف عرضة للتنفيذ عليها ما دام حكم الغرامة لم يسقط بالتقادم بخلاف
رأينا فإنه يؤمنه عليها ولا شك أن ذلك تشجيعًا له على سلوك طريق مستقيم
غير طريق الإجرام، ولا يقال إن بقاء الغرامة سيفًا معلقًا رادعًا له فهناك
طرق كثيرة لا تعجزه يستطيع أن يتفادى بها هذا السيف.
بقيت حجج محكمة الموسكي الجزئية وقد قالت:
(وحيث إنه مع التمشي مع المعارض في دفاعه واعتبار أن الإكراه البدني لأقصى
حدوده مبرئ لذمة المحكوم عليه فإن قانون المخدرات الصادر في 14 إبريل سنة
928 قد جاء معدلاً لقانون 21 يناير سنة 925، وقد نص في ديباجة القانون
الأخير على أنه نظرًا لأن سوء استعمال الجواهر المخدرة يستلزم تعديل
التشريع المعمول به الآن وأنه يستحسن من جهة أخرى جعل هذا التشريع
متناسبًا مع التشريع الأجنبي والدولي.
(وحيث إنه يؤخذ مما تقدم أن قانون المخدرات الجديد الذي عدل قانون سنة
1925 إنما هو تشريع جديد أريد به تعديل التشريع السابق ولو أدى ذلك إلى
مخالفة الأحكام المنصوص عنها في القوانين السابقة كما نص بذلك بصريح
العبارة في ديباجة القانون الصادر سنة 1925 المعدل لقانون سنة 1928).
وكان بودنا أن نتابع المحكمة في حجتها هذه لولا أن المادة (49) من القانون
الجديد نصت على إلغاء قانون سنة 925 بمجرد العمل بهذا القانون فكل ما ورد
في قانون سنة 925 ملغى لا أثر له، ومن الغريب أن المحكمة تصر على أن تأخذ
من هذا القانون الملغى قاعدة تهدم بها ما ورد في قانون تحقيق الجنايات
المعمول بها، وعلى أي أساس، ولماذا، لأن الشارع ذكر في ديباجة القانون
الملغى أن سوء استعمال المواد المخدرة يستدعي تعديل التشريع، فهل تعديل
التشريع يترتب عليه مخالفة كل نص سابق ولو كان غير مرتبط به، أم أن تعديل
التشريع وجعله مطابقًا للتشريع الأجنبي والدولي قصد به تعديل العقوبة
والتشديد فيها فقط ولا تأثير بذلك على قواعد الإجراءات المنصوص عنها في
قانون تحقيق الجنايات والتي لا يمكن أن تلغى إلا بنص صريح يلغيها.
الواقع أن قواعد الإجراءات كجميع القواعد المنصوص عنها في القوانين لا
تلغى إلا بنص صريح ومن التعسف في التفسير أن يقال بأن تعديل العقوبة في
قانون ملغى يعتبر إلغاءً لقاعدة أساسية نص عنها في قانون تحقيق الجنايات.
أما الحجج الأخرى التي وردت بالحكم المذكور من أنه لا يتفق مع العدالة
والمنطق أن يستوي في العقاب من حكم عليه بمائة جنيه غرامة ومن حكم عليه
بألف وبأن قانون المخدرات الجديد قانون صارم أراد الشارع به الزجر، فكل
ذلك جميل ومعقول، ولكنه لن يكون بحال ما مبررًا للقاضي بأن يتجاوز سلطانه
وهو التطبيق للقانون الحالي والإتيان بقاعدة جديدة مخالفة للواردة في
التشريع المعمول به لأنه من عمل الشارع وليس من عمل القاضي، ولن يكون
للمقت والكراهية التي نضمرها للمخدرات والمتجرين بها ولا للرغبة النبيلة
في المحافظة على سلامة الهيئة الاجتماعية أي أثر في نفوسنا يجعلنا نغتصب
سلطانًا ليس لنا، وأجدى على الهيئة الاجتماعية المحافظة على كيانها ببقاء
كل سلطة في الحيز الذي أعطى إليها بمقتضى القواعد الأساسية لكل قانون
أساسي في أن تلجأ سلطة إلى اغتصاب اختصاص الأخرى مهما كان الغرض نبيلاً،
على أن تدخل الشارع ليس بالأمر المستبعد، وقد طالبنا به في مقالنا السابق
ونلح الآن بالمطالبة به صونًا للنصوص القانونية من العبث بها.






محمد مختار عبد الله
القاضي بالمحاكم الأهلية











[(1)] الخطأ الخاص بهذا الحكم كما نشر بالعدد الرابع جاء في العدد الخامس على حقيقته كما هو منشور الآن بهذا البحث.