حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 وذلك فيما قررته من جواز نزول المحامي
أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة
حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة وما يرتبه هذا النص من آثار قانونية
علي التنازل المشار إليه.
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ولى الدين جلال
وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف
وعبد المجيد فياض أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض ورأفت محمد عبد
الواحد أمين السر .
--- 1 ---
--- 2 ---
إذ ينعي المدعي على الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وهى الفقرة المطعون عليها - إيثارها
المحامي أو ورثته بميزة النزول عن حق إيجار مكتب المحاماة لمن حددتهم من
الغير دون أن تكفل لمالك العين الحق فى أن يتقاسم مع المتنازل المقابل
المعروض للتنازل عنها، وهو ما يخرج بالفقرة المطعون عليها على عمومية
القاعدة القانونية وتجردها باعتبارها استثناء غير مبرر من حكم المادة 20
من القانون رقم 136 لسنة 1981، هذا بالإضافة إلى انطوائها على مخالفة
لمبدأ تكافؤ الفرص، وإخلالها بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون،
والمنصوص عليهما في المادتين 8 و40 من الدستور. وكان من المقرر - أن
مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية وهى شرط لقبولها - أن
يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون
الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها
المطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق
بنزول المدعى عليه الأول عن إجارة العين التي اتخذها مكتباً للمحاماة إلى
المدعى عليه الثاني بوصفه طبيباً لتمكينه من الانتفاع بها كعيادة طبية،
وكان الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه المدعي أمام محكمة الموضوع منحصراً
فى هذا النطاق وحده، فإن مصلحته الشخصية المباشرة إنما تتحدد في المسألة
الدستورية المتصلة بالنزاع الموضوعي، وهى تلك المتعلقة بنزول المحامي أو
ورثته عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة غيرها من المهن الحرة أو لممارسة
حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، ومن البدهي أن انحصار الطعن
الماثل فى النطاق المتقدم لا يعني أن ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة
55 من قانون المحاماة من أحكام تجاوز هذا النطاق وتتعداه، قد أضحى مطهراً
مما قد يكون عالقاً بها من مثالب موضوعية، إذ لا يزال مجال الطعن فيها
مفتوحاً لكل ذي مصلحة.
--- 3 ---
حق المالك في الحصول على 50% من مقابل تنازل المستأجر عن العين المؤجرة،
لا يعدو أن يكون أثراً مترتباً بقوة القانون على النزول عن الحق في
الإجارة، وكان ما قررته الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
من حرمان المالك من هذا الحق، يثير بالضرورة مسألة سابقة على نشوئه
قانوناً، هي ما إذا كان النزول عن الإجارة في ذاته لمزاولة غير مهنة
المحاماة من المهن الحرة أو لممارسة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضره
بالصحة، يعتبر جائزاً من الناحية الدستورية. متى كان ذلك، وكان مناط جريان
الآثار التي يرتبها المشرع على الأعمال القانونية أن تتوافر لهذه الأعمال
ذاتها مقوماتها من الناحية الدستورية والقانونية على حد سواء، فإن مدى
إتفاق التنازل في ذاته وأحكام الدستور يكون مطروحاً بقوة النصوص
الدستورية على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه.
--- 4 ---
إن مؤدى نص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام
الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، أنه في
الأحوال التي يجوز فيها للمستأجر التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية
أو المؤجرة لغير أغراض السكنى، قرر المشرع قاعدة عامة مجردة يستحق المالك
بموجبها 50% من مقابل التنازل بعد خصم قيمة ما يكون في هذه الوحدة من
منقولات، وهي قاعدة عدل بها المشرع عما كان معمولاً به قبلها من تخويل
المستأجر الأصلي المرخص له بالنزول عن الإجارة - سواء في عقد الإيجار أو
في ترخيص لاحق - حق التنازل عنها إلى الغير بمقابل لا ينال منه المالك
شيئاً أياً كان قدره، وقد توخى المشرع بالعدول عن انفراد المستأجر بمقابل
التنازل أن يعيد إلى العلاقة الإيجارية توازنها الذي كان قد اختل، وأن
يكفل ذلك من خلال أمرين: أولهما: إلزامه المستأجر بأن يتقاسم مع المالك
مقابل التنازل المعروض عليه لمواجهة نزول الأول عن المكان المؤجر نزولاً
نافذاً فورياً في حق المالك وبغير رضاه. ثانيهما: تقرير أولوية لمالك
العين المؤجرة في الانتفاع بها دون المتنازل إليه وذلك إذا أفصح المالك
عن رغبته في ذلك عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها
العقار 50% من مقابل التنازل المعروض بعد خصم قيمة المنقولات التي
بالعين، وعلى أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها
وتسليمها، غير أن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 انتظم
بأحكامه موضوع النزول عن الإجارة إذا كان محل التنازل حق إيجار مكتب
المحاماة، وكان المتنازل محامياً أو أحد ورثته فأجاز - بنص الفقرة
الثانية من المادة 55 منه - هذا التنازل لمن كان مزاولاً لمهنة حرة أو
لحرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وأورد بمقتضاها - واستثناء من نص
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - حكماً مؤداه حرمان
المالك من حقين كانت المادة 20 سالفة البيان قد كفلتهما له بغية أن تعيد
إلى العلاقة الايجارية - بإقرارها لهذين الحقين - توازناً مفقوداً هما حق
المالك في الحصول على 50% من مقابل التنازل عن العين المؤجرة إذا اتجهت
إرادته إلى انفاذه، وحقه - إذا عمد إلى إهدار التنازل - في أن يستعيد
العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة، ومن ثم يكون المشرع قد فرض
بالأحكام التي قررتها الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وفي حدود نطاق الطعن الماثل -
التنازل على من يملكون هذه الأماكن بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم عليها،
عن طريق حرمانهم من الاستئثار بمنافعها.
--- 5 ---
إن مؤدى نص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام
الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، أنه في
الأحوال التي يجوز فيها للمستأجر التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية
أو المؤجرة لغير أغراض السكنى، قرر المشرع قاعدة عامة مجردة يستحق المالك
بموجبها 50% من مقابل التنازل بعد خصم قيمة ما يكون في هذه الوحدة من
منقولات، وهي قاعدة عدل بها المشرع عما كان معمولاً به قبلها من تخويل
المستأجر الأصلي المرخص له بالنزول عن الإجارة - سواء في عقد الإيجار أو
في ترخيص لاحق - حق التنازل عنها إلى الغير بمقابل لا ينال منه المالك
شيئاً أياً كان قدره، وقد توخى المشرع بالعدول عن انفراد المستأجر بمقابل
التنازل أن يعيد إلى العلاقة الإيجارية توازنها الذي كان قد اختل، وأن
يكفل ذلك من خلال أمرين: أولهما: إلزامه المستأجر بأن يتقاسم مع المالك
مقابل التنازل المعروض عليه لمواجهة نزول الأول عن المكان المؤجر نزولاً
نافذاً فورياً في حق المالك وبغير رضاه. ثانيهما: تقرير أولوية لمالك
العين المؤجرة في الانتفاع بها دون المتنازل إليه وذلك إذا أفصح المالك
عن رغبته في ذلك عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها
العقار 50% من مقابل التنازل المعروض بعد خصم قيمة المنقولات التي
بالعين، وعلى أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها
وتسليمها، غير أن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 انتظم
بأحكامه موضوع النزول عن الإجارة إذا كان محل التنازل حق إيجار مكتب
المحاماة، وكان المتنازل محامياً أو أحد ورثته فأجاز - بنص الفقرة
الثانية من المادة 55 منه - هذا التنازل لمن كان مزاولاً لمهنة حرة أو
لحرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وأورد بمقتضاها - واستثناء من نص
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - حكماً مؤداه حرمان
المالك من حقين كانت المادة 20 سالفة البيان قد كفلتهما له بغية أن تعيد
إلى العلاقة الايجارية - بإقرارها لهذين الحقين - توازناً مفقوداً هما حق
المالك في الحصول على 50% من مقابل التنازل عن العين المؤجرة إذا اتجهت
إرادته إلى انفاذه، وحقه - إذا عمد إلى إهدار التنازل - في أن يستعيد
العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة، ومن ثم يكون المشرع قد فرض
بالأحكام التي قررتها الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وفي حدود نطاق الطعن الماثل -
التنازل على من يملكون هذه الأماكن بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم عليها،
عن طريق حرمانهم من الاستئثار بمنافعها.
--- 6 ---
إن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها
إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود وبالقيود التي أوردها، باعتبار أنها
في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذي بذله الفرد بكده وعرقه،
وبوصفها حافز كل شخص إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال
التي يملكها، وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها، وكانت
الأموال التي يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية
التي لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل
مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين
الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم
التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية،
وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية،
والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها
المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية
على ضوء أحكام الدستور. متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه
الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة
معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي تفرضها الوظيفة
الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل
غايتها خير الفرد والجماعة. ولقد كفل الدستور في مادته الثانية والثلاثين
حماية الملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، وهو يرد
انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها
بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها
مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي، وفي إطار خطة التنمية.
--- 7 ---
إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز - على الأخص - في مجال الانتفاع
بالأعيان المؤجرة، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم في نطاق مباشرة المالك
لسلطته المتعلقة باستغلاله لملكه، وهى قيود قصد بها في الأصل مواجهة
الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى
وغيرها من الأماكن لمقابلة الزيادة المطردة في الطلب عليها، تلك الأزمة
التي ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية وما ترتب
عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد
الأولية للبناء ونضوبها وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى
الزيادة الطبيعية في سكانها، وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة
بتشريعات استثنائية مؤقتة - لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها -
خرج فيها على القواعد العامة في عقد الإيجار مستهدفاً بها - على الأخص -
الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون
بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة. غير أن ضراوة الأزمة وحدتها جعلت
التشريعات الاستثنائية متصلة حلقاتها، مترامية في زمن تطبيقها، محتفظة
بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدني، متعلقة أحكامها بالنظام العام
لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التي
رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها،
وزايلتها بالتالي صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل
التنظيم الخاص لموضوعها مكملاً بقواعد القانون المدني باعتباره القانون
العام، إذ كان ذلك، وكانت الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص تقدر
بقدرها، ومعها تدور القيود النابعة منها وجوداً وعدماً باعتبارها علة
تقريرها، وكان حق المستأجر في العين المؤجرة - حتى مع قيام هذا التنظيم
الخاص - لا زال حقاً شخصياً تؤول إليه بمقتضاه منفعة العين المؤجرة، وليس
حقاً عينياً يرد على هذه العين في ذاتها، تعين أن يكون البقاء في العين
المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة مرتبطاً بحاجة المستأجر إليها بوصفها
مكاناً يأويه هو وأسرته أو يباشر مهنته أو حرفته فيها، فإذا انفكت ضرورة
شغل العين عن مستأجرها، زايلته الأحكام الاستثنائية التي بسطها المشرع
عليه لحمايته، ولم يعد له من بعد حق في البقاء في العين المؤجرة، ولا
النزول عنها للغير بالمخالفة لإرادة مالكها، وهو ما رددته هذه التشريعات
ذاتها بإلقائها على المستأجر واجبات ثقيلة غايتها ضمان أن يكون شغله
العين المؤجرة ناشئا عن ضرورة حقيقية يقوم الدليل عليها، لا أن يتخذها
وسيلة إلى الانتهاز والاستغلال، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع على حق
الملكية لضمان أدائها لوظيفتها الاجتماعية يتعين أن تظل مرتبطة بالأغراض
التي تتوخاها، دائرة في فلكها، باعتبار أن ذلك وحده هو علة مشروعيتها
ومناط استمرارها.
--- 9 ---
من المقرر أن سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا تعني ترخصه في التحرر
من القيود والضوابط التي فرضها الدستور كحدود نهائية لهذا التنظيم لا
يجوز تخطيها أو الدوران من حولها، وكان كل نص تشريعي لا يقيم وزناً
للتوازن في العلاقة الإيجارية عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها -
وهو المؤجر في تطبيق النص المطعون عليه - يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة
لحق الملكية، ومنطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها، وكان
الأصل في مهنة المحاماة التي نظمها القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار
قانون المحاماة المعدل بالقانون رقم 227 لسنة 1984 أنها مهنة حرة قوامها
مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي توكيد سيادة القانون وفي
كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويمارسها المحامون وحدهم في
إستقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون، ولتحقيق
هذا الغرض حظر المشرع - وعلى ما قررته المادة 14 من هذا القانون - الجمع
بينها وبين الأعمال التي عددتها والتي قدر المشرع منافاتها لها، كما كفل
بالمادة 51 من ذلك القانون عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا
بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة، ولم يجز كذلك بنص الفقرة الأولى من
المادة 55 منه الحجز على مكتبه وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة
المهنة. متى كان ذلك، وكانت النصوص التي أوردها قانون المحاماة على النحو
السالف بيانه، تتضافر مع غيرها من النصوص التي بسطها في مجال توجهها نحو
دعم مهنة المحاماة والتمكين من أداء رسالتها على الوجه الذي يكفل إرساء
سيادة القانون، وبمراعاة ما يقتضيه تنظيم أصول المهنة سعياً للنهوض بها،
فإن الفقرة الثانية من المادة 55 منه - وهى النص التشريعي المطعون فيه -
تبدو غريبة في بابها منفصلة عن مجموع الأحكام التي إشتمل عليها هذا
القانون، منافية للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة، وهو تنظيم خاص توخى
تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة بما لا يخرج على أصول المهنة
أو يخل بمتطلباتها محددة على ضوء الأغراض التي ترمي هذه المهنة إلى
بلوغها، بما مؤداه إنفصال الفقرة الثانية من المادة 55 - في جوانبها
المطعون عليها - عن الأحكام التي تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام
على رسالتها، ذلك أنها تقرر لكل محام - ولو بعد تخليه حال حياته عن
مزاولة المهنة - ولورثته من بعده - ولو كانوا من غير المحامين - مزية
إستثنائية تنطوي على إسقاط كامل لحقوق المالك المرتبطة بها، وتقدم
المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة بالمخالفة لمبادئ الشريعة
الإسلامية، ويظهر ذلك على الأخص من وجهين: أولهما: أن الفقرة المطعون
عليها تتجاهل كلية موجبات التوازن في العلاقة الإيجارية التي إستهدفتها
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981، وذلك بحرمانها من قام بتأجير
عين يملكها لآخر لإستخدامها مكتباً للمحاماة - دون غيره من المؤجرين - من
الحصول على 50% من مقابل التنازل إذا أراد إنفاذه، ومن الإنتفاع بالعين
إذا أراد إهداره مقابل أداء هذه القيمة. ثانياً: أن مؤدى الفقرة المطعون
عليها أن تنازل المحامي أو ورثته عن حق إيجار مكتبه يعتبر نافذاً في حق
المالك بغير رضاه، إذ يظل عقد الإيجار قائماً ومستمراً لمصلحة المتنازل
إليه، ودون مقابل يؤديه المتنازل إلى المالك، ولو كان المتنازل إليه لا
يزاول مهنة المحاماة، بل مهنة أخرى، أو يمارس حرفة - أياً كان نوعها -
شريطة أن تكون غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وكلا الوجهين ينطوي على
مخالفة للدستور، ذلك أن النص التشريعي المطعون فيه ليس له من صلة
بالأغراض التي يتوخاها تنظيم مهنة المحاماة أو التمكين من أداء رسالتها،
هذا بالإضافة إلى إسقاطه الكامل لحقوق المالك وتجاهلها بتمامها تغليباً
لمصلحة مالية بحتة لمن يمارسون مهنة بذاتها هي مهنة المحاماة، ولا يدخل
ذلك في نطاق التنظيم التشريعي لحق الملكية، بل هو عدوان عليها لا يختار
أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده، الضرر البين الفاحش
منافياً بذلك المقاصد الشرعية التي ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها،
ومجاوزاً الحدود المنطقية لعلاقة ايجارية كان ينبغي أن تتوازن فيها
المصالح توازناً دقيقاً، لا أن ينحدر الميزان كلية في اتجاه مناقض
للمصالح المشروعة لأحد طرفيها، وهى حدود لا يجوز تخطيها بالنزول عن العين
إلى الغير بعد انتفاء حاجة المتنازل إليها، ورغماً عن مالكها، وبمقابل
يختص به مستأجرها من دونه وأياً كان مقداره.
--- 10 ---
من المقرر أن سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا تعني ترخصه في التحرر
من القيود والضوابط التي فرضها الدستور كحدود نهائية لهذا التنظيم لا
يجوز تخطيها أو الدوران من حولها، وكان كل نص تشريعي لا يقيم وزناً
للتوازن في العلاقة الايجارية عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها -
وهو المؤجر في تطبيق النص المطعون عليه - يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة
لحق الملكية، ومنطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها، وكان
الأصل في مهنة المحاماة التي نظمها القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار
قانون المحاماة المعدل بالقانون رقم 227 لسنة 1984 أنها مهنة حرة قوامها
مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي توكيد سيادة القانون وفي
كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويمارسها المحامون وحدهم في
استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون، ولتحقيق
هذا الغرض حظر المشرع - وعلى ما قررته المادة 14 من هذا القانون - الجمع
بينها وبين الأعمال التي عددتها والتي قدر المشرع منافاتها لها، كما كفل
بالمادة 51 من ذلك القانون عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا
بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة، ولم يجز كذلك بنص الفقرة الأولى من
المادة 55 منه الحجز على مكتبه وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة
المهنة. متى كان ذلك، وكانت النصوص التي أوردها قانون المحاماة على النحو
السالف بيانه، تتضافر مع غيرها من النصوص التي بسطها في مجال توجهها نحو
دعم مهنة المحاماة والتمكين من أداء رسالتها على الوجه الذي يكفل إرساء
سيادة القانون، وبمراعاة ما يقتضيه تنظيم أصول المهنة سعياً للنهوض بها،
فإن الفقرة الثانية من المادة 55 منه - وهى النص التشريعي المطعون فيه -
تبدو غريبة في بابها منفصلة عن مجموع الأحكام التي أشتمل عليها هذا
القانون، منافية للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة، وهو تنظيم خاص توخى
تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة بما لا يخرج على أصول المهنة
أو يخل بمتطلباتها محددة على ضوء الأغراض التي ترمي هذه المهنة إلى
بلوغها، بما مؤداه انفصال الفقرة الثانية من المادة 55 - في جوانبها
المطعون عليها - عن الأحكام التي تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام
على رسالتها، ذلك أنها تقرر لكل محام - ولو بعد تخليه حال حياته عن
مزاولة المهنة - ولورثته من بعده - ولو كانوا من غير المحامين - مزية
استثنائية تنطوي على إسقاط كامل لحقوق المالك المرتبطة بها، وتقدم
المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة بالمخالفة لمبادئ الشريعة
الإسلامية، ويظهر ذلك على الأخص من وجهين: أولهما: أن الفقرة المطعون
عليها تتجاهل كلية موجبات التوازن في العلاقة الايجارية التي استهدفتها
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981، وذلك بحرمانها من قام بتأجير
عين يملكها لآخر لاستخدامها مكتباً للمحاماة - دون غيره من المؤجرين - من
الحصول على 50% من مقابل التنازل إذا أراد إنفاذه، ومن الانتفاع بالعين
إذا أراد إهداره مقابل أداء هذه القيمة. ثانياً: أن مؤدى الفقرة المطعون
عليها أن تنازل المحامي أو ورثته عن حق إيجار مكتبه يعتبر نافذاً في حق
المالك بغير رضاه، إذ يظل عقد الإيجار قائماً ومستمراً لمصلحة المتنازل
إليه، ودون مقابل يؤديه المتنازل إلى المالك، ولو كان المتنازل إليه لا
يزاول مهنة المحاماة، بل مهنة أخرى، أو يمارس حرفة - أياً كان نوعها -
شريطة أن تكون غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وكلا الوجهين ينطوي على
مخالفة للدستور، ذلك أن النص التشريعي المطعون فيه ليس له من صلة
بالأغراض التي يتوخاها تنظيم مهنة المحاماة أو التمكين من أداء رسالتها،
هذا بالإضافة إلى إسقاطه الكامل لحقوق المالك وتجاهلها بتمامها تغليباً
لمصلحة مالية بحتة لمن يمارسون مهنة بذاتها هي مهنة المحاماة، ولا يدخل
ذلك في نطاق التنظيم التشريعي لحق الملكية، بل هو عدوان عليها لا يختار
أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده، الضرر البين الفاحش
منافياً بذلك المقاصد الشرعية التي ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها،
ومجاوزاً الحدود المنطقية لعلاقة ايجارية كان ينبغي أن تتوازن فيها
المصالح توازناً دقيقاً، لا أن ينحدر الميزان كلية في اتجاه مناقض
للمصالح المشروعة لأحد طرفيها، وهى حدود لا يجوز تخطيها بالنزول عن العين
إلى الغير بعد انتفاء حاجة المتنازل إليها، ورغماً عن مالكها، وبمقابل
يختص به مستأجرها من دونه وآياً كان مقداره.
--- 11 ---
ولا محاجة في القول بأن النص التشريعي المطعون عليه يوفر مزيداً من
الرعاية للمحامين عند اعتزالهم المهنة ولورثتهم من بعدهم تقديراً لدور
المحامين في الدفاع عن حقوق المواطنين. ذلك أن قيام المحامين على
واجباتهم الأصلية ونهوضهم بتبعاتها، لا يصلح سنداً لإهدار الحماية التي
كفلها الدستور لحق الملكية في المادتين 32، 34 منه، وهما تكفلان دعم
الملكية الخاصة ممثلة في رأس المال غير المستغل، وتقرران صونها في إطار
وظيفتها الاجتماعية، وباعتبار أن الحماية الدستورية لحق الملكية تمتد إلى
عناصره المختلفة ويندرج تحتها استعمال المالك للشيء في كل ما أعد له
واستغلاله استغلالاً مباشراً أو غير مباشر جنياً لثماره.
[الطعن رقم 25 - لسنــة 11 ق - تاريخ الجلسة 27 / 05 / 1992 - مكتب فني 5
- رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 364 - تم قبول هذا الطعن]
=========================
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ولى الدين جلال
وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد
الواحد وعبد المجيد فياض أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض ورأفت
محمد عبد الواحد أمين السر .
--- 1 ---
إن الدستور نظم حق الدفاع محددا بعض جوانبه مقرراً كفالته كضمانة مبدئية
أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية و لصون الحقوق و الحريات جمعيها سواء
فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها،
فأورد فى شأن هذا الحق حكماً قاطعاً حين نص فى الفقرة الأولى من المادة 69
من الدستور على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، ثم خطا الدستور
خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية منها التى تنص على أن تكفل الدولة لغير
القادرين ماليا وسائل الإلتجاء إلى القضاء و الدفاع عن حقوقهم مخولاً
المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون
حقوقهم و حرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، و هى يعد ضمانة لازمة
كلما كان حضور المحامى فى ذاته ضرورياً كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما
عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى إنتفاء الرقابة على أعمالهم أو
غفوتها، بما مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة
المحاكمة وحدها، بل تمتد كذلك مظلتها و ما يتصل بها من أوجه الحماية إلى
المرحلة السابقة عليها التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن قبض
عليه أو أعتقل و تجعل بعدئذ من محاكمته اطاراً شكلياً لا يرد عنه ضرراً، و
بوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الأغواء بما يدينه، أو تعرض لوسائل قسرية
لحمله على الإدلاء بأقوال تناقض مصلحته، بعد إنتزاعه من محيطه و تقييد
حريته على وجه أو آخر. و توكيداً لهذا الإتجاره و فى اطاره، خول الدستور
فى المادة 71 منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الإتصال بغيره لابلاغه بما
وقع أو الإستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون.
.
--- 6 ---
إن دور ضمانة الدفاع فى تأمين حقوق الفرد و حرياته يبدو أكثر لزوماً فى
مجال الإتهام الجنائى ، بإعتبار أن الإدانة التى قد يؤول إليها قد تفصل
من الناحية الواقعية بينه و بين الجماعة التى ينتمى إليها، منهية -
أحياناً - آماله المشروعة فى الحياة، و يتعين بالتالى أن يكون حق النيابة
العامة فى تقديم أدلة الإتهام موازناً بضمانة الدفاع التى يتكافأ بها
مركز المتهم معها - فى إطار النظام الاختصامى للعدالة الجنائية - كى
يتمكن بوساطتها من مقارعة حججها ، و دحض الأدلة المقدمة منها. و لقد غدا
أمراً مقضياً أنه إذا كان حق الدفاع - فى هذا المجال - يعنى فى المقام
الأول حق المتهم فى سماع أقواله، فإن حق الدفاع يغدو سراباً بغير اشتماله
على الحق فى سماعه عن طريق محاميه، ذلك أن ما قد يبدو واضحاً فى الأذهان
لرجال القانون، يكون شائكاً محاطاً بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى
غيرهم أياً كان حظهم من الثقافة، و بوجه خاص إزاء الطبيعة المعقدة لبعض
صور الإتهام، و خفاء جوانبها المتعلقة بالقواعد التى تحكم الأدلة، بما
يعزز الاقتناع بأنه بغير معونة المحامى الذى يقيمه الشخص بإختياره،
وكيلاً عنه إذا كان قادراً على الوفاء بأتعابه، أو معونة من تندبه
المحكمة له إذا كان معسراً، فإنه قد يدان بناء على أدلة غير متعلقة بواقعة
الاتهام أو غير جائز قبولها.
--- 7 ---
حق الدفاع ضمانة أساسية يوفر الدستور من خلالها الفاعلية لأحكامه التى
تحول دون الإخلال بحقوق الفرد و حرياته بغيرالوسائل القانونية التى يقرها
الدستور سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية، و هى بعد تؤمن لكل
مواطن حماية متكافئة أمام القانون، و تعززها الأبعاد القانونية لحق
التقاضى الذى قرر الدستور فى المادة 68 انصرافه إلى الناس كافة، مسقطاً
عوائقه و حواجزه على اختلافها، و ملقياً على الدولة بمقتضاه إلتزاماً
أصيلاً بأن تكفل لكل متقاض نفاذا ميسرا إلى محاكمها للحصول على الترضية
القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق التى يدعيها أو الإخلال
بالحرية التى يمارسها، و كان حق الدفاع - بالنظر إلى أبعاده و على ضوء
الأهمية التى يمثلها فى بلورة الدور الإجتماعى للقضاء كحارس للحرية و
الحقوق على اختلافها انتقالاً بمبدأ الخضوع للقانون من مجالاته النظرية
إلى تطبيقاته العملية - قد أضحى - مستقراً كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط
فيها، مندرجاً فى اطار المبادئ الأساسية للحرية المنظمة، واقعاً فى نطاق
القيم التى غدا الإيمان بها راسخاً فى وجدان البشرية، و كانت ضمانة الدفاع
بالتالى لم تعد ترفا يمكن التجاوز عنه، فإن التعلق بأهدابها الشكلية دون
تعمق لحقائقها الموضوعية يعتبر انكاراً لمضمونها الحق مصادماً لمعنى
العدالة، منافياً لمتطلباتها، و من ثم لم يجز الدستور للسلطة التشريعية
اهدار هذا الحق أو الإنتقاص منه بما يعطل فعاليته أو يحد منها، كاشفاً
بذلك عن أن انكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض
المقصودة منها، انما يؤول فى أغلب صوره إلى اسقاط الضمانة التى كفلها
الدستور لكل مواطن فى مجال الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى، و يعرض حق
الإنسان فى الحياة و الحرية الشخصية و الكرامة الواجبة لصون آدميته
لمخاطر مترامية فى أبعادها عميقة فى آثارها، و هو ما يعتبر هدما للعدالة
ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان الإنكار أو التقييد
منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة - بما يقوم عليه من ضمان الحرية الكاملة
لكل فرد فى أن يعرض وجهة نظره فى شأن الوقائع المنسوبة إليه و أن يبين
حكم القانون بصددها - أم كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة - حين يقيم الشخص
بإختياره محامياً يراه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها، و
على أساس من الخبرة و المعرفة القانونية و الثقة.
--- 8 ---
إن ضمانة الدفاع و ان كانت لا ترتبط لزوماً بمرحلة المحاكمة وحدها كما
سلف القول، إلا ان الخصومة القضائية تمثل مجالها الأكثر أهمية من الناحية
العملية، و هو ما يحتم انسحابها إلى كل دعوى سواء كانت الحقوق المثارة
فيها من طبيعة مدنية أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. و لقد كان تقدير
المحكمة لحق الدفاع و إقرارها لأهميته واضحاً فى مجال تحديدها للشروط
التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائياً، و ذلك بما جرى قضاؤها من أن
القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لا يكون
قراراً قضائياً إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى
تنظم هذه الولاية و تبين حدودها.
--- 9 ---
إستبعاد المادة 15 من قانون المحاماة - و هى النص المطعون عليه - من ولى
الوزارة أو من شغل منصب مستشار فى إحدى الهيئات القضائية، و كذلك أساتذة
القانون بالجامعات المصرية من ممارسة مهنة المحاماة أمام المحاكم
الإبتدائية و الجزئية، ينطوى على اخلال بحق الدفاع، ذلك أنه و إن صح القول
بأن المعسرين لا حق لهم فى إختيار محاميهم، و أن حقوقهم فى مجال ضمانة
الدفاع لا تجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم، و يرد غائلة العدوان
عنها عن طريق من يندبون من المحامين لهذا الغرض، فإن من الصحيح كذلك أن
اختيار الشخص لمحام يكون قادراً على تحمل أتعابه، إنما يتم فى إطار علاقة
قانونية الثقة المتبادلة بين طرفيها، و يتعين بالتالى أن يظل الحق فى هذا
الاختيار محاطاً بالحماية التى كفلها الدستور لحق الدفاع، كى يحصل من
يلوذ بهذا الحق على المعونة التى يطلبها معتصماً فى بلوغها بمن يختاره من
المحامين، متوسماً فيه أنه الأقدر - لعلمه و خبرته - على ترجيح كفته، ذلك
أنه فى نطاق علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين الشخص و محاميه، فإنه
يكون مهيأ أكثر للقبول بالنتائج التى يسفر عنها الحكم فى دعواه، فضلاً عن
أن حدود هذه العلاقة توفر لمن كان طرفاً فيها من المحامين حرية إدارة
الدفاع و توجيهه الوجهة التى يقدر أنها الأفضل لخدمة مصالح موكله فى اطار
أصول المهنة و مقتضياتها. و على ضوء هذه الوكالة القائمة على الاختيار
الحر، و التى يودع من خلالها الموكل بيد محاميه أدق أسراره ، و أعمق
دخائله اطمئناناً منه لجانبه، يتخذ المحامى قراراته حتى ما كان منها
مؤثراً فى مصير موكله، بل أن حدود هذه العلاقة تحمله على أن يكون أكثر
يقظة و تحفزاً فى متابعته للخصومة القضائية، و تعقبه لمسارها و مواجهته
بالمثابرة لما يطرح أثناء نظرها مما يضر بمركز موكله فيها أو يهدده، و
بوجه خاص كلما كان الحكم بالإدانة أكثر إحتمالاً أو كانت النتائج
المحتملة للحكم فى النزاع بعيدة فى آثارها العملية او القانونية .
--- 10 ---
إن ضمانة الدفاع قوامها تلك المعاونة التى يقدمها المحامى لمن يقوم
بتمثيله، و هى ترتد على عقبيها إذا ما حمل الشخص على ان يختار محامياً
أقل خبرة منحياً بذلك - و اعمالاً للنص التشريعى المطعون عليه - من يقدر
انه أكثر موهبة و أنفذ بصراً، متى كان ذلك، فإن حق الشخص فى اختيار من
يوليه ثقته من المحامين يغدو لازماً لفعالية ضمانة الدفاع، و الانتقال
بها إلى آفاق تعزز معاونة القضاء فى مجال النهوض بالرسالة التى يقوم
عليها، و تحقق لمهنة المحاماة ذاتها تقدماً لا ينتكس بأهدافها، بل يثريها
بدماء الخبرة و المعرفة. و بغيرها قد يؤول أمر الدفاع - فى عديد من صوره
- إلى النمطية العقيمة التى لا ابداع فيها، و إلى افراغ متطلباته من
محتواها.
--- 11 ---
الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور أنها لا تتمايز فيما بينها، و لا
ينتظمها تدرج هرمى يجعل بعضها أقل شاناً من غيرها أو فى مرتبة أدنى منها،
بل تتكافأ فى أن لكل منها مجالاً حيوياً لا يجوز اقتحامه بالقيود التى
تفرضها النصوص التشريعية. و يتحدد هذا المجال بالنسبة إلى الحقوق التى نص
عليها الدستور فى صلبه، على ضوء طبيعة كل حق منها، و بمراعاة الأغراض
النهائية التى قصد الدستور إلى تحقيقها من وراء إقراره، و فى اطار
الرابطة الحتمية التى تقوم بين هذا الحق و غيره من الحقوق التى كفلها
الدستور ، بإعتباره مدخلاً إليها أو معززاً لها، أو لازماً لصونها.
--- 12 ---
إنكار حق الشخص فى أن يختار من المحامين من يقدر تميزه فى الدفاع عن
المصالح التى يتوخى تأمينها و الذود عنها، لا يتمحض عن مصلحة مشروعة بل
هو سعى إلى نقيضها.
--- 13 ---
إن فعالية ضمانة الدفاع ينافيها ما قرره النص المطعون فيه من حرمان فئة
بذاتها من المحامين - تفترض خبرتها العريضة بفروع القانون المختلفة مع
تعمقها لأغوارها - من مباشرة مهنة المحاماة أمام المحاكم الجزئية و
الإبتدائية و ما فى حكمها، لمجرد كون أفرادها يشغلون وظيفة بعينها أو
كانوا قائمين بأعبائها، و ذلك لما ينطوى عليه هذا النص من انكار حق كل
متقاض فى اختيار محام من بينهم يكون محل ثقته - سواء فى مجال قدراته
القانونية، أو القيم التى يتحلى بها فى أداء عمله، أو الكيفية التى يباشر
بها مسئولياته المهنية من الناحية العملية - و ليس ذلك كله إلا عدواناً
على حق الدفاع ينال من القيمة العملية لحق التقاضى مهدراً كذلك مبدأ
الخضوع للقانون، و مجرداً الحقوق و الحريات التى نص عليها الدستور من
أبرز ضماناتها. و من ثم يكون النص المطعون فيه قد اقتحم الحدود التى
رسمها الدستور مجالاً حيوياً لحق الدفاع، و أخل بالحقوق الأخرى المرتبطة
به برابطة وثيقة، و وقع من ثم باطلاً.
--- 14 ---
إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور 1923 و إنتهاء بالدستور
القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون ، كافلة تطبيقه على
المواطنين كافة ، بإعتباره أساس العدل و الحرية و السلام الإجتماعى ، و
على تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين و
حرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، و أضحى
هذا المبدأ - فى جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى
لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق و الحريات المنصوص عليها فى الدستور ،
بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى تلك الحقوق التى يضمنها المشرع للمواطنين
فى حدود سلطته التقديرية و على ضوء ما يرتثبه محققاً للمصلحة العامة . و
لئن نص الدستور فى المادة 40 على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال
بينتها ، هى تلك التى تقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو
اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون
التمييز محظوراً فيها ، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ، و
لا يدل البتة على إنحصاره فيها دون غيرها ، إذ لو صح ذلك ، لكان التمييز
بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً ، و هو ما يناقض المساواة التى
كفلها الدستور و يحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها . و
أية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل
فى أهميتها من ناحية محتواها و خطورة الآثار المترتبة عليها - عن تلك التى
عينتها بصريح نصها ، كالتمييز بين المواطنين - فى مجال الحقوق التى
يتمتعون بها وفقاً لأحكام الدستور ، أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها
بمراعاة قواعده - لإعتبار مرده إلى الملكية أو المولد إو الإنتماء إلى
أقلية عرقية ، أو عصبية قبلية، أمر مركز إجتماعى معين ، أو الإنحياز إلى
آراء بذاتها أو الإنضمام إلى جمعية أو مساندة أهدافها أو الأعراض عن
تنظيم تدعمه الدولة ، و غير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة ، مما يؤكد
أن صورة المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة و تفرعه من محتواه ، يتعين
أخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية .
--- 16 ---
إذ كان الدستور قد كفل حق الدفاع بالوكالة بما يعنيه ذلك أصلاً من ضمان
حق الموكل فى فرصة مواتية يؤمن من خلالها إختيار محام يطمئن إليه و يثق
فيه - ما دام قادراً على آداء أتعابه - و كان الحق فى هذا الإختيار يلعب
دوراً متميزاً - سواء فى مجال فعالية المعونة التى يقدمها الوكيل إلى
موكله ، أو بإعتباره مكوناً أساسياً لحق الدفاع بالوكالة فى مجالاته
العملية الأكثر أهمية - و كانت المعاونة الفعالة التى يقدمها المحامى فى
علاقته بموكله أمام المحاكم لا تقتصر على درجاتها العليا ، و إنما تمتد
كذلك إلى الخصومة القضائية فى مراحلها الأولى أمام المحاكم الجزئية أو
الإبتدائية - و ما فى حكمها - و ذلك لإرساء أسسها من البداية على دعائم
قوية تؤمن مسارها ، و ترجح كفتها ، سواء من ناحية عناصرها الواقعية أو
دعاماتها القانونية ، بما قد يضع نهاية مبكرة لها ، و يوفر لموكله جهداً
يهدر ، و ما لا يتبدد ، إذا إستطال أمرها ، و كان المحامون الذين منعهم
النص التشريعى المطعون فيه من مباشرة المهنة أمام المحاكم الجزئية و
الإبتدائية و ما فى حكمها - هم هؤلاء الذين يشغلون وظيفة معينة أو كانوا
يقومون بأعبائها - و لا يعتبرون بسببها أقل خبرة أو علماً بالقانون ممن
خولهم ذلك النص حرية ممارستها أمام هذه المحاكم ذاتها، بل هم مهيأون
للأضطلاع بمسئولياتهم المهنية أمامها بالنظر إلى خبراتهم المتميزة و
إحاطتهم المتعمقة بعلم القانون ، و لكونهم ، من المقبولين للمرافعة أمام
المحاكم الأعلى درجة، و كان من المقرر أن المحامين و رجال القضاء يلعبون
معاً دوراً متكاملاً فى مجال ضمان إدارة أفضل للعدالة ، و أنه فى مجال
مهنة المحاماة ، فإن الحماية الملائمة لحقوق الأفراد و حرياتهم مناطها أن
تزيل الدولة من خلال تنظيماتها التشريعية القيود غير المبررة التى تحول
دون النفاذ الفعال إلى الخدمات القانونية التى يقدمها المحامون لمن
يطلبونها ، و كان مبدأ المساواة أما القانون مؤداه ألا يخل المشرع
بالحماية القانونية المتكافئة فيما بين الأشخاص المتماثلة مراكزهم
القانونية ، فى حين حرم النص التشريعى المطعون فيه الفئة التى شملها الحظر
من الحق الذى كفله لغيرهم من المحامين ، دون أن يستند فى التمييز بين
هاتين الفئتين إلى مصلحة مشروعة ، بل عمد إلى نقيضها ، فإن هذا التمييز
يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية التى تسوغه ، و يكون بالتالى تحكمياً و
منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور .
--- 17 ---
متى كان حكم الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون المحاماة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1983 مخالفاً للمواد 40،67،68،69،71 من الدستور ، و
كانت الفقرتان الثانية و الثالثة من المادة 15 من قانون المحاماة - فيما
تنصان عليه من عدم سريان الحظر المشار إليه فى الفقرة الأولى على المحامين
المقيدين لدى غير المحاكم المنصوص عليها فى هذه الفقرة وقت صدور ذلك
القانون ، و وقوع كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة باطلاً -
مرتبطتين بفقرتها الأولى إرتباطاً لا يقبل التجزئة ، إذ لا قوام لهما
بدونها و لا يتصور إعمالهما إستقلالاً عنها ، و من ثم فإنهما يسقطان
تبعاً لها .
[الطعن رقم 6 - لسنــة 13 ق - تاريخ الجلسة 16 / 05 / 1992 - مكتب فني 5
- رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 344 - تم قبول هذا الطعن]
==============================
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 82 من
قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من الإعتداد بملاءة
الموكل كأحد العناصر التي تدخل في تقدير أتعاب محاميه، وكذلك ما قررته من
ألا تقل الأتعاب المستحقة عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله في العمل
موضوع طلب التقدير.
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين
ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج
يوسف وعبد المجيد فياض أعضاء ونجيب جمال الدين علما المفوض ورأفت محمد
عبد الواحد أمين السر .
--- 1 ---
جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن الشرعية الدستورية التى تقوم
بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية المطعون عليها
أمامها مطابقة لأحكام الدستور . ذلك أن لهذه الشرعية - فى موقعها من
البنيان القانونى فى الدولة _ مقام الصدارة وانفاذها وبلوغ مقاصدها فرع من
خضوع الدولة _ بكافة تنظيمهاتها - للقانون والتزامها بمضمونه وفحواه ولا
يجوز بالتالى لأية محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى، إعمال نص تشريعى لازم
للفصل فى النزاع المعروض عليها إذا بدالها مصادمته للدستور من وجهة
مبدئية قوامها ظاهر الأمر فى المطاعن الدستورية الموجهة إليه دون انزلاق
إلى أغوارها، وذلك أن قيام هذه الشبهة لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها
عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا وفقا لنص المادة 29 من
قانونها، لتتولى دون غيرها الفصل فى المسائل الدستورية المطروحة عليها،
متقصية أبعادها، محيطة بجوانبها ، متعمقة دخائلها، بالغة ببحثها منتهاه،
بما مؤداه أنه لا يجوز لأية جهة تتولى الفصل فى الخصومة القضائية
المطروحة عليها، أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستورية، ولا أن
تنحيها جانبا، بل يتعين عليها أن تنزل القواعد الدستورية المنزلة الأعلى
التى تتبوؤها، وإلا آل أمر الإعراض عنها إلى إعمالها لنصوص تشريعية لأزمة
للفصل فى النزاع الموضوعى المعروض عليها، ولو داخلتها شبهة ترجح مخالفتها
للدستور بخروجها على زواجره ونواهية وهو ما يناقض سيادة القانون -
والدستور على القمة من مدارجه - ويخل كذلك بضرورة أن تكون الشرعية
الدستورية راسية أساسها ، تتكامل عناصرها، وتتواصل حلقاتها دون حلقاتها
دون انقطاع، وينقض من جهة أخرى دور المحكمة الدستورية العليا فى مباشرة
رقابتها على هذه الشرعية، بوصفها أمينة عليها حافظة لها، غير مجاوزة
لتخومها، لتفرض بأحكامها كلمة الدستور على المخاطبين بها، فلا ينسلخون
منها أو يحيدون عنها . متى كان ذلك ، وكان الدفع بعدم دستورية نص تشريعى
يطرح بالضرورة - ومن أجل الفصل فى هذا الأدعاء - ما بين القانونية من
تدرج ، يفرض عند تعارضها، وإهدار القاعدة الأدنى تغليبا للقاعدة التى
تعلوها، وكان من المقرر - وعلى ما سلف البيان _ أن القواعد الدستورية
تحتل من القواعد القانونية مكانا عليا، لأنها تتوسد بعدم المقام السمى
كقواعد آمرة لا تبديل فيها إلا بتعديل الدستورية ذاته، فإن مضمونه ومرماه،
مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور ترجيحا لها على ما
عداها وتوكيدا لصلتها الوثقى بالنظام العام، وهى أجدر قواع
عدل سابقا من قبل Admin في الجمعة فبراير 05, 2010 3:15 pm عدل 1 مرات
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 وذلك فيما قررته من جواز نزول المحامي
أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة
حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة وما يرتبه هذا النص من آثار قانونية
علي التنازل المشار إليه.
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ولى الدين جلال
وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف
وعبد المجيد فياض أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض ورأفت محمد عبد
الواحد أمين السر .
--- 1 ---
--- 2 ---
إذ ينعي المدعي على الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وهى الفقرة المطعون عليها - إيثارها
المحامي أو ورثته بميزة النزول عن حق إيجار مكتب المحاماة لمن حددتهم من
الغير دون أن تكفل لمالك العين الحق فى أن يتقاسم مع المتنازل المقابل
المعروض للتنازل عنها، وهو ما يخرج بالفقرة المطعون عليها على عمومية
القاعدة القانونية وتجردها باعتبارها استثناء غير مبرر من حكم المادة 20
من القانون رقم 136 لسنة 1981، هذا بالإضافة إلى انطوائها على مخالفة
لمبدأ تكافؤ الفرص، وإخلالها بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون،
والمنصوص عليهما في المادتين 8 و40 من الدستور. وكان من المقرر - أن
مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية وهى شرط لقبولها - أن
يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون
الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها
المطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق
بنزول المدعى عليه الأول عن إجارة العين التي اتخذها مكتباً للمحاماة إلى
المدعى عليه الثاني بوصفه طبيباً لتمكينه من الانتفاع بها كعيادة طبية،
وكان الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه المدعي أمام محكمة الموضوع منحصراً
فى هذا النطاق وحده، فإن مصلحته الشخصية المباشرة إنما تتحدد في المسألة
الدستورية المتصلة بالنزاع الموضوعي، وهى تلك المتعلقة بنزول المحامي أو
ورثته عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة غيرها من المهن الحرة أو لممارسة
حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، ومن البدهي أن انحصار الطعن
الماثل فى النطاق المتقدم لا يعني أن ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة
55 من قانون المحاماة من أحكام تجاوز هذا النطاق وتتعداه، قد أضحى مطهراً
مما قد يكون عالقاً بها من مثالب موضوعية، إذ لا يزال مجال الطعن فيها
مفتوحاً لكل ذي مصلحة.
--- 3 ---
حق المالك في الحصول على 50% من مقابل تنازل المستأجر عن العين المؤجرة،
لا يعدو أن يكون أثراً مترتباً بقوة القانون على النزول عن الحق في
الإجارة، وكان ما قررته الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
من حرمان المالك من هذا الحق، يثير بالضرورة مسألة سابقة على نشوئه
قانوناً، هي ما إذا كان النزول عن الإجارة في ذاته لمزاولة غير مهنة
المحاماة من المهن الحرة أو لممارسة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضره
بالصحة، يعتبر جائزاً من الناحية الدستورية. متى كان ذلك، وكان مناط جريان
الآثار التي يرتبها المشرع على الأعمال القانونية أن تتوافر لهذه الأعمال
ذاتها مقوماتها من الناحية الدستورية والقانونية على حد سواء، فإن مدى
إتفاق التنازل في ذاته وأحكام الدستور يكون مطروحاً بقوة النصوص
الدستورية على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه.
--- 4 ---
إن مؤدى نص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام
الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، أنه في
الأحوال التي يجوز فيها للمستأجر التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية
أو المؤجرة لغير أغراض السكنى، قرر المشرع قاعدة عامة مجردة يستحق المالك
بموجبها 50% من مقابل التنازل بعد خصم قيمة ما يكون في هذه الوحدة من
منقولات، وهي قاعدة عدل بها المشرع عما كان معمولاً به قبلها من تخويل
المستأجر الأصلي المرخص له بالنزول عن الإجارة - سواء في عقد الإيجار أو
في ترخيص لاحق - حق التنازل عنها إلى الغير بمقابل لا ينال منه المالك
شيئاً أياً كان قدره، وقد توخى المشرع بالعدول عن انفراد المستأجر بمقابل
التنازل أن يعيد إلى العلاقة الإيجارية توازنها الذي كان قد اختل، وأن
يكفل ذلك من خلال أمرين: أولهما: إلزامه المستأجر بأن يتقاسم مع المالك
مقابل التنازل المعروض عليه لمواجهة نزول الأول عن المكان المؤجر نزولاً
نافذاً فورياً في حق المالك وبغير رضاه. ثانيهما: تقرير أولوية لمالك
العين المؤجرة في الانتفاع بها دون المتنازل إليه وذلك إذا أفصح المالك
عن رغبته في ذلك عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها
العقار 50% من مقابل التنازل المعروض بعد خصم قيمة المنقولات التي
بالعين، وعلى أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها
وتسليمها، غير أن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 انتظم
بأحكامه موضوع النزول عن الإجارة إذا كان محل التنازل حق إيجار مكتب
المحاماة، وكان المتنازل محامياً أو أحد ورثته فأجاز - بنص الفقرة
الثانية من المادة 55 منه - هذا التنازل لمن كان مزاولاً لمهنة حرة أو
لحرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وأورد بمقتضاها - واستثناء من نص
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - حكماً مؤداه حرمان
المالك من حقين كانت المادة 20 سالفة البيان قد كفلتهما له بغية أن تعيد
إلى العلاقة الايجارية - بإقرارها لهذين الحقين - توازناً مفقوداً هما حق
المالك في الحصول على 50% من مقابل التنازل عن العين المؤجرة إذا اتجهت
إرادته إلى انفاذه، وحقه - إذا عمد إلى إهدار التنازل - في أن يستعيد
العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة، ومن ثم يكون المشرع قد فرض
بالأحكام التي قررتها الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وفي حدود نطاق الطعن الماثل -
التنازل على من يملكون هذه الأماكن بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم عليها،
عن طريق حرمانهم من الاستئثار بمنافعها.
--- 5 ---
إن مؤدى نص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام
الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، أنه في
الأحوال التي يجوز فيها للمستأجر التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية
أو المؤجرة لغير أغراض السكنى، قرر المشرع قاعدة عامة مجردة يستحق المالك
بموجبها 50% من مقابل التنازل بعد خصم قيمة ما يكون في هذه الوحدة من
منقولات، وهي قاعدة عدل بها المشرع عما كان معمولاً به قبلها من تخويل
المستأجر الأصلي المرخص له بالنزول عن الإجارة - سواء في عقد الإيجار أو
في ترخيص لاحق - حق التنازل عنها إلى الغير بمقابل لا ينال منه المالك
شيئاً أياً كان قدره، وقد توخى المشرع بالعدول عن انفراد المستأجر بمقابل
التنازل أن يعيد إلى العلاقة الإيجارية توازنها الذي كان قد اختل، وأن
يكفل ذلك من خلال أمرين: أولهما: إلزامه المستأجر بأن يتقاسم مع المالك
مقابل التنازل المعروض عليه لمواجهة نزول الأول عن المكان المؤجر نزولاً
نافذاً فورياً في حق المالك وبغير رضاه. ثانيهما: تقرير أولوية لمالك
العين المؤجرة في الانتفاع بها دون المتنازل إليه وذلك إذا أفصح المالك
عن رغبته في ذلك عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها
العقار 50% من مقابل التنازل المعروض بعد خصم قيمة المنقولات التي
بالعين، وعلى أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها
وتسليمها، غير أن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 انتظم
بأحكامه موضوع النزول عن الإجارة إذا كان محل التنازل حق إيجار مكتب
المحاماة، وكان المتنازل محامياً أو أحد ورثته فأجاز - بنص الفقرة
الثانية من المادة 55 منه - هذا التنازل لمن كان مزاولاً لمهنة حرة أو
لحرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وأورد بمقتضاها - واستثناء من نص
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه - حكماً مؤداه حرمان
المالك من حقين كانت المادة 20 سالفة البيان قد كفلتهما له بغية أن تعيد
إلى العلاقة الايجارية - بإقرارها لهذين الحقين - توازناً مفقوداً هما حق
المالك في الحصول على 50% من مقابل التنازل عن العين المؤجرة إذا اتجهت
إرادته إلى انفاذه، وحقه - إذا عمد إلى إهدار التنازل - في أن يستعيد
العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة، ومن ثم يكون المشرع قد فرض
بالأحكام التي قررتها الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 - وفي حدود نطاق الطعن الماثل -
التنازل على من يملكون هذه الأماكن بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم عليها،
عن طريق حرمانهم من الاستئثار بمنافعها.
--- 6 ---
إن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها
إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود وبالقيود التي أوردها، باعتبار أنها
في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذي بذله الفرد بكده وعرقه،
وبوصفها حافز كل شخص إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال
التي يملكها، وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها، وكانت
الأموال التي يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية
التي لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل
مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين
الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم
التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية،
وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية،
والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها
المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية
على ضوء أحكام الدستور. متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه
الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة
معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التي تفرضها الوظيفة
الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل
غايتها خير الفرد والجماعة. ولقد كفل الدستور في مادته الثانية والثلاثين
حماية الملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، وهو يرد
انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها
بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها
مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي، وفي إطار خطة التنمية.
--- 7 ---
إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز - على الأخص - في مجال الانتفاع
بالأعيان المؤجرة، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم في نطاق مباشرة المالك
لسلطته المتعلقة باستغلاله لملكه، وهى قيود قصد بها في الأصل مواجهة
الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى
وغيرها من الأماكن لمقابلة الزيادة المطردة في الطلب عليها، تلك الأزمة
التي ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية وما ترتب
عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد
الأولية للبناء ونضوبها وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى
الزيادة الطبيعية في سكانها، وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة
بتشريعات استثنائية مؤقتة - لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها -
خرج فيها على القواعد العامة في عقد الإيجار مستهدفاً بها - على الأخص -
الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون
بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة. غير أن ضراوة الأزمة وحدتها جعلت
التشريعات الاستثنائية متصلة حلقاتها، مترامية في زمن تطبيقها، محتفظة
بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدني، متعلقة أحكامها بالنظام العام
لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التي
رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها،
وزايلتها بالتالي صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل
التنظيم الخاص لموضوعها مكملاً بقواعد القانون المدني باعتباره القانون
العام، إذ كان ذلك، وكانت الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص تقدر
بقدرها، ومعها تدور القيود النابعة منها وجوداً وعدماً باعتبارها علة
تقريرها، وكان حق المستأجر في العين المؤجرة - حتى مع قيام هذا التنظيم
الخاص - لا زال حقاً شخصياً تؤول إليه بمقتضاه منفعة العين المؤجرة، وليس
حقاً عينياً يرد على هذه العين في ذاتها، تعين أن يكون البقاء في العين
المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة مرتبطاً بحاجة المستأجر إليها بوصفها
مكاناً يأويه هو وأسرته أو يباشر مهنته أو حرفته فيها، فإذا انفكت ضرورة
شغل العين عن مستأجرها، زايلته الأحكام الاستثنائية التي بسطها المشرع
عليه لحمايته، ولم يعد له من بعد حق في البقاء في العين المؤجرة، ولا
النزول عنها للغير بالمخالفة لإرادة مالكها، وهو ما رددته هذه التشريعات
ذاتها بإلقائها على المستأجر واجبات ثقيلة غايتها ضمان أن يكون شغله
العين المؤجرة ناشئا عن ضرورة حقيقية يقوم الدليل عليها، لا أن يتخذها
وسيلة إلى الانتهاز والاستغلال، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع على حق
الملكية لضمان أدائها لوظيفتها الاجتماعية يتعين أن تظل مرتبطة بالأغراض
التي تتوخاها، دائرة في فلكها، باعتبار أن ذلك وحده هو علة مشروعيتها
ومناط استمرارها.
--- 9 ---
من المقرر أن سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا تعني ترخصه في التحرر
من القيود والضوابط التي فرضها الدستور كحدود نهائية لهذا التنظيم لا
يجوز تخطيها أو الدوران من حولها، وكان كل نص تشريعي لا يقيم وزناً
للتوازن في العلاقة الإيجارية عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها -
وهو المؤجر في تطبيق النص المطعون عليه - يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة
لحق الملكية، ومنطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها، وكان
الأصل في مهنة المحاماة التي نظمها القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار
قانون المحاماة المعدل بالقانون رقم 227 لسنة 1984 أنها مهنة حرة قوامها
مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي توكيد سيادة القانون وفي
كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويمارسها المحامون وحدهم في
إستقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون، ولتحقيق
هذا الغرض حظر المشرع - وعلى ما قررته المادة 14 من هذا القانون - الجمع
بينها وبين الأعمال التي عددتها والتي قدر المشرع منافاتها لها، كما كفل
بالمادة 51 من ذلك القانون عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا
بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة، ولم يجز كذلك بنص الفقرة الأولى من
المادة 55 منه الحجز على مكتبه وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة
المهنة. متى كان ذلك، وكانت النصوص التي أوردها قانون المحاماة على النحو
السالف بيانه، تتضافر مع غيرها من النصوص التي بسطها في مجال توجهها نحو
دعم مهنة المحاماة والتمكين من أداء رسالتها على الوجه الذي يكفل إرساء
سيادة القانون، وبمراعاة ما يقتضيه تنظيم أصول المهنة سعياً للنهوض بها،
فإن الفقرة الثانية من المادة 55 منه - وهى النص التشريعي المطعون فيه -
تبدو غريبة في بابها منفصلة عن مجموع الأحكام التي إشتمل عليها هذا
القانون، منافية للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة، وهو تنظيم خاص توخى
تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة بما لا يخرج على أصول المهنة
أو يخل بمتطلباتها محددة على ضوء الأغراض التي ترمي هذه المهنة إلى
بلوغها، بما مؤداه إنفصال الفقرة الثانية من المادة 55 - في جوانبها
المطعون عليها - عن الأحكام التي تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام
على رسالتها، ذلك أنها تقرر لكل محام - ولو بعد تخليه حال حياته عن
مزاولة المهنة - ولورثته من بعده - ولو كانوا من غير المحامين - مزية
إستثنائية تنطوي على إسقاط كامل لحقوق المالك المرتبطة بها، وتقدم
المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة بالمخالفة لمبادئ الشريعة
الإسلامية، ويظهر ذلك على الأخص من وجهين: أولهما: أن الفقرة المطعون
عليها تتجاهل كلية موجبات التوازن في العلاقة الإيجارية التي إستهدفتها
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981، وذلك بحرمانها من قام بتأجير
عين يملكها لآخر لإستخدامها مكتباً للمحاماة - دون غيره من المؤجرين - من
الحصول على 50% من مقابل التنازل إذا أراد إنفاذه، ومن الإنتفاع بالعين
إذا أراد إهداره مقابل أداء هذه القيمة. ثانياً: أن مؤدى الفقرة المطعون
عليها أن تنازل المحامي أو ورثته عن حق إيجار مكتبه يعتبر نافذاً في حق
المالك بغير رضاه، إذ يظل عقد الإيجار قائماً ومستمراً لمصلحة المتنازل
إليه، ودون مقابل يؤديه المتنازل إلى المالك، ولو كان المتنازل إليه لا
يزاول مهنة المحاماة، بل مهنة أخرى، أو يمارس حرفة - أياً كان نوعها -
شريطة أن تكون غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وكلا الوجهين ينطوي على
مخالفة للدستور، ذلك أن النص التشريعي المطعون فيه ليس له من صلة
بالأغراض التي يتوخاها تنظيم مهنة المحاماة أو التمكين من أداء رسالتها،
هذا بالإضافة إلى إسقاطه الكامل لحقوق المالك وتجاهلها بتمامها تغليباً
لمصلحة مالية بحتة لمن يمارسون مهنة بذاتها هي مهنة المحاماة، ولا يدخل
ذلك في نطاق التنظيم التشريعي لحق الملكية، بل هو عدوان عليها لا يختار
أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده، الضرر البين الفاحش
منافياً بذلك المقاصد الشرعية التي ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها،
ومجاوزاً الحدود المنطقية لعلاقة ايجارية كان ينبغي أن تتوازن فيها
المصالح توازناً دقيقاً، لا أن ينحدر الميزان كلية في اتجاه مناقض
للمصالح المشروعة لأحد طرفيها، وهى حدود لا يجوز تخطيها بالنزول عن العين
إلى الغير بعد انتفاء حاجة المتنازل إليها، ورغماً عن مالكها، وبمقابل
يختص به مستأجرها من دونه وأياً كان مقداره.
--- 10 ---
من المقرر أن سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا تعني ترخصه في التحرر
من القيود والضوابط التي فرضها الدستور كحدود نهائية لهذا التنظيم لا
يجوز تخطيها أو الدوران من حولها، وكان كل نص تشريعي لا يقيم وزناً
للتوازن في العلاقة الايجارية عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها -
وهو المؤجر في تطبيق النص المطعون عليه - يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة
لحق الملكية، ومنطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها، وكان
الأصل في مهنة المحاماة التي نظمها القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار
قانون المحاماة المعدل بالقانون رقم 227 لسنة 1984 أنها مهنة حرة قوامها
مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي توكيد سيادة القانون وفي
كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويمارسها المحامون وحدهم في
استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون، ولتحقيق
هذا الغرض حظر المشرع - وعلى ما قررته المادة 14 من هذا القانون - الجمع
بينها وبين الأعمال التي عددتها والتي قدر المشرع منافاتها لها، كما كفل
بالمادة 51 من ذلك القانون عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا
بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة، ولم يجز كذلك بنص الفقرة الأولى من
المادة 55 منه الحجز على مكتبه وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة
المهنة. متى كان ذلك، وكانت النصوص التي أوردها قانون المحاماة على النحو
السالف بيانه، تتضافر مع غيرها من النصوص التي بسطها في مجال توجهها نحو
دعم مهنة المحاماة والتمكين من أداء رسالتها على الوجه الذي يكفل إرساء
سيادة القانون، وبمراعاة ما يقتضيه تنظيم أصول المهنة سعياً للنهوض بها،
فإن الفقرة الثانية من المادة 55 منه - وهى النص التشريعي المطعون فيه -
تبدو غريبة في بابها منفصلة عن مجموع الأحكام التي أشتمل عليها هذا
القانون، منافية للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة، وهو تنظيم خاص توخى
تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة بما لا يخرج على أصول المهنة
أو يخل بمتطلباتها محددة على ضوء الأغراض التي ترمي هذه المهنة إلى
بلوغها، بما مؤداه انفصال الفقرة الثانية من المادة 55 - في جوانبها
المطعون عليها - عن الأحكام التي تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام
على رسالتها، ذلك أنها تقرر لكل محام - ولو بعد تخليه حال حياته عن
مزاولة المهنة - ولورثته من بعده - ولو كانوا من غير المحامين - مزية
استثنائية تنطوي على إسقاط كامل لحقوق المالك المرتبطة بها، وتقدم
المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة بالمخالفة لمبادئ الشريعة
الإسلامية، ويظهر ذلك على الأخص من وجهين: أولهما: أن الفقرة المطعون
عليها تتجاهل كلية موجبات التوازن في العلاقة الايجارية التي استهدفتها
المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981، وذلك بحرمانها من قام بتأجير
عين يملكها لآخر لاستخدامها مكتباً للمحاماة - دون غيره من المؤجرين - من
الحصول على 50% من مقابل التنازل إذا أراد إنفاذه، ومن الانتفاع بالعين
إذا أراد إهداره مقابل أداء هذه القيمة. ثانياً: أن مؤدى الفقرة المطعون
عليها أن تنازل المحامي أو ورثته عن حق إيجار مكتبه يعتبر نافذاً في حق
المالك بغير رضاه، إذ يظل عقد الإيجار قائماً ومستمراً لمصلحة المتنازل
إليه، ودون مقابل يؤديه المتنازل إلى المالك، ولو كان المتنازل إليه لا
يزاول مهنة المحاماة، بل مهنة أخرى، أو يمارس حرفة - أياً كان نوعها -
شريطة أن تكون غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وكلا الوجهين ينطوي على
مخالفة للدستور، ذلك أن النص التشريعي المطعون فيه ليس له من صلة
بالأغراض التي يتوخاها تنظيم مهنة المحاماة أو التمكين من أداء رسالتها،
هذا بالإضافة إلى إسقاطه الكامل لحقوق المالك وتجاهلها بتمامها تغليباً
لمصلحة مالية بحتة لمن يمارسون مهنة بذاتها هي مهنة المحاماة، ولا يدخل
ذلك في نطاق التنظيم التشريعي لحق الملكية، بل هو عدوان عليها لا يختار
أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده، الضرر البين الفاحش
منافياً بذلك المقاصد الشرعية التي ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها،
ومجاوزاً الحدود المنطقية لعلاقة ايجارية كان ينبغي أن تتوازن فيها
المصالح توازناً دقيقاً، لا أن ينحدر الميزان كلية في اتجاه مناقض
للمصالح المشروعة لأحد طرفيها، وهى حدود لا يجوز تخطيها بالنزول عن العين
إلى الغير بعد انتفاء حاجة المتنازل إليها، ورغماً عن مالكها، وبمقابل
يختص به مستأجرها من دونه وآياً كان مقداره.
--- 11 ---
ولا محاجة في القول بأن النص التشريعي المطعون عليه يوفر مزيداً من
الرعاية للمحامين عند اعتزالهم المهنة ولورثتهم من بعدهم تقديراً لدور
المحامين في الدفاع عن حقوق المواطنين. ذلك أن قيام المحامين على
واجباتهم الأصلية ونهوضهم بتبعاتها، لا يصلح سنداً لإهدار الحماية التي
كفلها الدستور لحق الملكية في المادتين 32، 34 منه، وهما تكفلان دعم
الملكية الخاصة ممثلة في رأس المال غير المستغل، وتقرران صونها في إطار
وظيفتها الاجتماعية، وباعتبار أن الحماية الدستورية لحق الملكية تمتد إلى
عناصره المختلفة ويندرج تحتها استعمال المالك للشيء في كل ما أعد له
واستغلاله استغلالاً مباشراً أو غير مباشر جنياً لثماره.
[الطعن رقم 25 - لسنــة 11 ق - تاريخ الجلسة 27 / 05 / 1992 - مكتب فني 5
- رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 364 - تم قبول هذا الطعن]
=========================
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ولى الدين جلال
وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد
الواحد وعبد المجيد فياض أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض ورأفت
محمد عبد الواحد أمين السر .
--- 1 ---
إن الدستور نظم حق الدفاع محددا بعض جوانبه مقرراً كفالته كضمانة مبدئية
أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية و لصون الحقوق و الحريات جمعيها سواء
فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها،
فأورد فى شأن هذا الحق حكماً قاطعاً حين نص فى الفقرة الأولى من المادة 69
من الدستور على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، ثم خطا الدستور
خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية منها التى تنص على أن تكفل الدولة لغير
القادرين ماليا وسائل الإلتجاء إلى القضاء و الدفاع عن حقوقهم مخولاً
المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون
حقوقهم و حرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، و هى يعد ضمانة لازمة
كلما كان حضور المحامى فى ذاته ضرورياً كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما
عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى إنتفاء الرقابة على أعمالهم أو
غفوتها، بما مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة
المحاكمة وحدها، بل تمتد كذلك مظلتها و ما يتصل بها من أوجه الحماية إلى
المرحلة السابقة عليها التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن قبض
عليه أو أعتقل و تجعل بعدئذ من محاكمته اطاراً شكلياً لا يرد عنه ضرراً، و
بوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الأغواء بما يدينه، أو تعرض لوسائل قسرية
لحمله على الإدلاء بأقوال تناقض مصلحته، بعد إنتزاعه من محيطه و تقييد
حريته على وجه أو آخر. و توكيداً لهذا الإتجاره و فى اطاره، خول الدستور
فى المادة 71 منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الإتصال بغيره لابلاغه بما
وقع أو الإستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون.
.
--- 6 ---
إن دور ضمانة الدفاع فى تأمين حقوق الفرد و حرياته يبدو أكثر لزوماً فى
مجال الإتهام الجنائى ، بإعتبار أن الإدانة التى قد يؤول إليها قد تفصل
من الناحية الواقعية بينه و بين الجماعة التى ينتمى إليها، منهية -
أحياناً - آماله المشروعة فى الحياة، و يتعين بالتالى أن يكون حق النيابة
العامة فى تقديم أدلة الإتهام موازناً بضمانة الدفاع التى يتكافأ بها
مركز المتهم معها - فى إطار النظام الاختصامى للعدالة الجنائية - كى
يتمكن بوساطتها من مقارعة حججها ، و دحض الأدلة المقدمة منها. و لقد غدا
أمراً مقضياً أنه إذا كان حق الدفاع - فى هذا المجال - يعنى فى المقام
الأول حق المتهم فى سماع أقواله، فإن حق الدفاع يغدو سراباً بغير اشتماله
على الحق فى سماعه عن طريق محاميه، ذلك أن ما قد يبدو واضحاً فى الأذهان
لرجال القانون، يكون شائكاً محاطاً بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى
غيرهم أياً كان حظهم من الثقافة، و بوجه خاص إزاء الطبيعة المعقدة لبعض
صور الإتهام، و خفاء جوانبها المتعلقة بالقواعد التى تحكم الأدلة، بما
يعزز الاقتناع بأنه بغير معونة المحامى الذى يقيمه الشخص بإختياره،
وكيلاً عنه إذا كان قادراً على الوفاء بأتعابه، أو معونة من تندبه
المحكمة له إذا كان معسراً، فإنه قد يدان بناء على أدلة غير متعلقة بواقعة
الاتهام أو غير جائز قبولها.
--- 7 ---
حق الدفاع ضمانة أساسية يوفر الدستور من خلالها الفاعلية لأحكامه التى
تحول دون الإخلال بحقوق الفرد و حرياته بغيرالوسائل القانونية التى يقرها
الدستور سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية، و هى بعد تؤمن لكل
مواطن حماية متكافئة أمام القانون، و تعززها الأبعاد القانونية لحق
التقاضى الذى قرر الدستور فى المادة 68 انصرافه إلى الناس كافة، مسقطاً
عوائقه و حواجزه على اختلافها، و ملقياً على الدولة بمقتضاه إلتزاماً
أصيلاً بأن تكفل لكل متقاض نفاذا ميسرا إلى محاكمها للحصول على الترضية
القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق التى يدعيها أو الإخلال
بالحرية التى يمارسها، و كان حق الدفاع - بالنظر إلى أبعاده و على ضوء
الأهمية التى يمثلها فى بلورة الدور الإجتماعى للقضاء كحارس للحرية و
الحقوق على اختلافها انتقالاً بمبدأ الخضوع للقانون من مجالاته النظرية
إلى تطبيقاته العملية - قد أضحى - مستقراً كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط
فيها، مندرجاً فى اطار المبادئ الأساسية للحرية المنظمة، واقعاً فى نطاق
القيم التى غدا الإيمان بها راسخاً فى وجدان البشرية، و كانت ضمانة الدفاع
بالتالى لم تعد ترفا يمكن التجاوز عنه، فإن التعلق بأهدابها الشكلية دون
تعمق لحقائقها الموضوعية يعتبر انكاراً لمضمونها الحق مصادماً لمعنى
العدالة، منافياً لمتطلباتها، و من ثم لم يجز الدستور للسلطة التشريعية
اهدار هذا الحق أو الإنتقاص منه بما يعطل فعاليته أو يحد منها، كاشفاً
بذلك عن أن انكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض
المقصودة منها، انما يؤول فى أغلب صوره إلى اسقاط الضمانة التى كفلها
الدستور لكل مواطن فى مجال الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى، و يعرض حق
الإنسان فى الحياة و الحرية الشخصية و الكرامة الواجبة لصون آدميته
لمخاطر مترامية فى أبعادها عميقة فى آثارها، و هو ما يعتبر هدما للعدالة
ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان الإنكار أو التقييد
منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة - بما يقوم عليه من ضمان الحرية الكاملة
لكل فرد فى أن يعرض وجهة نظره فى شأن الوقائع المنسوبة إليه و أن يبين
حكم القانون بصددها - أم كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة - حين يقيم الشخص
بإختياره محامياً يراه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها، و
على أساس من الخبرة و المعرفة القانونية و الثقة.
--- 8 ---
إن ضمانة الدفاع و ان كانت لا ترتبط لزوماً بمرحلة المحاكمة وحدها كما
سلف القول، إلا ان الخصومة القضائية تمثل مجالها الأكثر أهمية من الناحية
العملية، و هو ما يحتم انسحابها إلى كل دعوى سواء كانت الحقوق المثارة
فيها من طبيعة مدنية أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. و لقد كان تقدير
المحكمة لحق الدفاع و إقرارها لأهميته واضحاً فى مجال تحديدها للشروط
التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائياً، و ذلك بما جرى قضاؤها من أن
القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لا يكون
قراراً قضائياً إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى
تنظم هذه الولاية و تبين حدودها.
--- 9 ---
إستبعاد المادة 15 من قانون المحاماة - و هى النص المطعون عليه - من ولى
الوزارة أو من شغل منصب مستشار فى إحدى الهيئات القضائية، و كذلك أساتذة
القانون بالجامعات المصرية من ممارسة مهنة المحاماة أمام المحاكم
الإبتدائية و الجزئية، ينطوى على اخلال بحق الدفاع، ذلك أنه و إن صح القول
بأن المعسرين لا حق لهم فى إختيار محاميهم، و أن حقوقهم فى مجال ضمانة
الدفاع لا تجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم، و يرد غائلة العدوان
عنها عن طريق من يندبون من المحامين لهذا الغرض، فإن من الصحيح كذلك أن
اختيار الشخص لمحام يكون قادراً على تحمل أتعابه، إنما يتم فى إطار علاقة
قانونية الثقة المتبادلة بين طرفيها، و يتعين بالتالى أن يظل الحق فى هذا
الاختيار محاطاً بالحماية التى كفلها الدستور لحق الدفاع، كى يحصل من
يلوذ بهذا الحق على المعونة التى يطلبها معتصماً فى بلوغها بمن يختاره من
المحامين، متوسماً فيه أنه الأقدر - لعلمه و خبرته - على ترجيح كفته، ذلك
أنه فى نطاق علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين الشخص و محاميه، فإنه
يكون مهيأ أكثر للقبول بالنتائج التى يسفر عنها الحكم فى دعواه، فضلاً عن
أن حدود هذه العلاقة توفر لمن كان طرفاً فيها من المحامين حرية إدارة
الدفاع و توجيهه الوجهة التى يقدر أنها الأفضل لخدمة مصالح موكله فى اطار
أصول المهنة و مقتضياتها. و على ضوء هذه الوكالة القائمة على الاختيار
الحر، و التى يودع من خلالها الموكل بيد محاميه أدق أسراره ، و أعمق
دخائله اطمئناناً منه لجانبه، يتخذ المحامى قراراته حتى ما كان منها
مؤثراً فى مصير موكله، بل أن حدود هذه العلاقة تحمله على أن يكون أكثر
يقظة و تحفزاً فى متابعته للخصومة القضائية، و تعقبه لمسارها و مواجهته
بالمثابرة لما يطرح أثناء نظرها مما يضر بمركز موكله فيها أو يهدده، و
بوجه خاص كلما كان الحكم بالإدانة أكثر إحتمالاً أو كانت النتائج
المحتملة للحكم فى النزاع بعيدة فى آثارها العملية او القانونية .
--- 10 ---
إن ضمانة الدفاع قوامها تلك المعاونة التى يقدمها المحامى لمن يقوم
بتمثيله، و هى ترتد على عقبيها إذا ما حمل الشخص على ان يختار محامياً
أقل خبرة منحياً بذلك - و اعمالاً للنص التشريعى المطعون عليه - من يقدر
انه أكثر موهبة و أنفذ بصراً، متى كان ذلك، فإن حق الشخص فى اختيار من
يوليه ثقته من المحامين يغدو لازماً لفعالية ضمانة الدفاع، و الانتقال
بها إلى آفاق تعزز معاونة القضاء فى مجال النهوض بالرسالة التى يقوم
عليها، و تحقق لمهنة المحاماة ذاتها تقدماً لا ينتكس بأهدافها، بل يثريها
بدماء الخبرة و المعرفة. و بغيرها قد يؤول أمر الدفاع - فى عديد من صوره
- إلى النمطية العقيمة التى لا ابداع فيها، و إلى افراغ متطلباته من
محتواها.
--- 11 ---
الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور أنها لا تتمايز فيما بينها، و لا
ينتظمها تدرج هرمى يجعل بعضها أقل شاناً من غيرها أو فى مرتبة أدنى منها،
بل تتكافأ فى أن لكل منها مجالاً حيوياً لا يجوز اقتحامه بالقيود التى
تفرضها النصوص التشريعية. و يتحدد هذا المجال بالنسبة إلى الحقوق التى نص
عليها الدستور فى صلبه، على ضوء طبيعة كل حق منها، و بمراعاة الأغراض
النهائية التى قصد الدستور إلى تحقيقها من وراء إقراره، و فى اطار
الرابطة الحتمية التى تقوم بين هذا الحق و غيره من الحقوق التى كفلها
الدستور ، بإعتباره مدخلاً إليها أو معززاً لها، أو لازماً لصونها.
--- 12 ---
إنكار حق الشخص فى أن يختار من المحامين من يقدر تميزه فى الدفاع عن
المصالح التى يتوخى تأمينها و الذود عنها، لا يتمحض عن مصلحة مشروعة بل
هو سعى إلى نقيضها.
--- 13 ---
إن فعالية ضمانة الدفاع ينافيها ما قرره النص المطعون فيه من حرمان فئة
بذاتها من المحامين - تفترض خبرتها العريضة بفروع القانون المختلفة مع
تعمقها لأغوارها - من مباشرة مهنة المحاماة أمام المحاكم الجزئية و
الإبتدائية و ما فى حكمها، لمجرد كون أفرادها يشغلون وظيفة بعينها أو
كانوا قائمين بأعبائها، و ذلك لما ينطوى عليه هذا النص من انكار حق كل
متقاض فى اختيار محام من بينهم يكون محل ثقته - سواء فى مجال قدراته
القانونية، أو القيم التى يتحلى بها فى أداء عمله، أو الكيفية التى يباشر
بها مسئولياته المهنية من الناحية العملية - و ليس ذلك كله إلا عدواناً
على حق الدفاع ينال من القيمة العملية لحق التقاضى مهدراً كذلك مبدأ
الخضوع للقانون، و مجرداً الحقوق و الحريات التى نص عليها الدستور من
أبرز ضماناتها. و من ثم يكون النص المطعون فيه قد اقتحم الحدود التى
رسمها الدستور مجالاً حيوياً لحق الدفاع، و أخل بالحقوق الأخرى المرتبطة
به برابطة وثيقة، و وقع من ثم باطلاً.
--- 14 ---
إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور 1923 و إنتهاء بالدستور
القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون ، كافلة تطبيقه على
المواطنين كافة ، بإعتباره أساس العدل و الحرية و السلام الإجتماعى ، و
على تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين و
حرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، و أضحى
هذا المبدأ - فى جوهره - وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى
لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق و الحريات المنصوص عليها فى الدستور ،
بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى تلك الحقوق التى يضمنها المشرع للمواطنين
فى حدود سلطته التقديرية و على ضوء ما يرتثبه محققاً للمصلحة العامة . و
لئن نص الدستور فى المادة 40 على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال
بينتها ، هى تلك التى تقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو
اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون
التمييز محظوراً فيها ، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية ، و
لا يدل البتة على إنحصاره فيها دون غيرها ، إذ لو صح ذلك ، لكان التمييز
بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً ، و هو ما يناقض المساواة التى
كفلها الدستور و يحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها . و
أية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل
فى أهميتها من ناحية محتواها و خطورة الآثار المترتبة عليها - عن تلك التى
عينتها بصريح نصها ، كالتمييز بين المواطنين - فى مجال الحقوق التى
يتمتعون بها وفقاً لأحكام الدستور ، أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها
بمراعاة قواعده - لإعتبار مرده إلى الملكية أو المولد إو الإنتماء إلى
أقلية عرقية ، أو عصبية قبلية، أمر مركز إجتماعى معين ، أو الإنحياز إلى
آراء بذاتها أو الإنضمام إلى جمعية أو مساندة أهدافها أو الأعراض عن
تنظيم تدعمه الدولة ، و غير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة ، مما يؤكد
أن صورة المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة و تفرعه من محتواه ، يتعين
أخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية .
--- 16 ---
إذ كان الدستور قد كفل حق الدفاع بالوكالة بما يعنيه ذلك أصلاً من ضمان
حق الموكل فى فرصة مواتية يؤمن من خلالها إختيار محام يطمئن إليه و يثق
فيه - ما دام قادراً على آداء أتعابه - و كان الحق فى هذا الإختيار يلعب
دوراً متميزاً - سواء فى مجال فعالية المعونة التى يقدمها الوكيل إلى
موكله ، أو بإعتباره مكوناً أساسياً لحق الدفاع بالوكالة فى مجالاته
العملية الأكثر أهمية - و كانت المعاونة الفعالة التى يقدمها المحامى فى
علاقته بموكله أمام المحاكم لا تقتصر على درجاتها العليا ، و إنما تمتد
كذلك إلى الخصومة القضائية فى مراحلها الأولى أمام المحاكم الجزئية أو
الإبتدائية - و ما فى حكمها - و ذلك لإرساء أسسها من البداية على دعائم
قوية تؤمن مسارها ، و ترجح كفتها ، سواء من ناحية عناصرها الواقعية أو
دعاماتها القانونية ، بما قد يضع نهاية مبكرة لها ، و يوفر لموكله جهداً
يهدر ، و ما لا يتبدد ، إذا إستطال أمرها ، و كان المحامون الذين منعهم
النص التشريعى المطعون فيه من مباشرة المهنة أمام المحاكم الجزئية و
الإبتدائية و ما فى حكمها - هم هؤلاء الذين يشغلون وظيفة معينة أو كانوا
يقومون بأعبائها - و لا يعتبرون بسببها أقل خبرة أو علماً بالقانون ممن
خولهم ذلك النص حرية ممارستها أمام هذه المحاكم ذاتها، بل هم مهيأون
للأضطلاع بمسئولياتهم المهنية أمامها بالنظر إلى خبراتهم المتميزة و
إحاطتهم المتعمقة بعلم القانون ، و لكونهم ، من المقبولين للمرافعة أمام
المحاكم الأعلى درجة، و كان من المقرر أن المحامين و رجال القضاء يلعبون
معاً دوراً متكاملاً فى مجال ضمان إدارة أفضل للعدالة ، و أنه فى مجال
مهنة المحاماة ، فإن الحماية الملائمة لحقوق الأفراد و حرياتهم مناطها أن
تزيل الدولة من خلال تنظيماتها التشريعية القيود غير المبررة التى تحول
دون النفاذ الفعال إلى الخدمات القانونية التى يقدمها المحامون لمن
يطلبونها ، و كان مبدأ المساواة أما القانون مؤداه ألا يخل المشرع
بالحماية القانونية المتكافئة فيما بين الأشخاص المتماثلة مراكزهم
القانونية ، فى حين حرم النص التشريعى المطعون فيه الفئة التى شملها الحظر
من الحق الذى كفله لغيرهم من المحامين ، دون أن يستند فى التمييز بين
هاتين الفئتين إلى مصلحة مشروعة ، بل عمد إلى نقيضها ، فإن هذا التمييز
يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية التى تسوغه ، و يكون بالتالى تحكمياً و
منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور .
--- 17 ---
متى كان حكم الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون المحاماة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1983 مخالفاً للمواد 40،67،68،69،71 من الدستور ، و
كانت الفقرتان الثانية و الثالثة من المادة 15 من قانون المحاماة - فيما
تنصان عليه من عدم سريان الحظر المشار إليه فى الفقرة الأولى على المحامين
المقيدين لدى غير المحاكم المنصوص عليها فى هذه الفقرة وقت صدور ذلك
القانون ، و وقوع كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة باطلاً -
مرتبطتين بفقرتها الأولى إرتباطاً لا يقبل التجزئة ، إذ لا قوام لهما
بدونها و لا يتصور إعمالهما إستقلالاً عنها ، و من ثم فإنهما يسقطان
تبعاً لها .
[الطعن رقم 6 - لسنــة 13 ق - تاريخ الجلسة 16 / 05 / 1992 - مكتب فني 5
- رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 344 - تم قبول هذا الطعن]
==============================
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 82 من
قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من الإعتداد بملاءة
الموكل كأحد العناصر التي تدخل في تقدير أتعاب محاميه، وكذلك ما قررته من
ألا تقل الأتعاب المستحقة عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله في العمل
موضوع طلب التقدير.
برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم أبو العينين
ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج
يوسف وعبد المجيد فياض أعضاء ونجيب جمال الدين علما المفوض ورأفت محمد
عبد الواحد أمين السر .
--- 1 ---
جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن الشرعية الدستورية التى تقوم
بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية المطعون عليها
أمامها مطابقة لأحكام الدستور . ذلك أن لهذه الشرعية - فى موقعها من
البنيان القانونى فى الدولة _ مقام الصدارة وانفاذها وبلوغ مقاصدها فرع من
خضوع الدولة _ بكافة تنظيمهاتها - للقانون والتزامها بمضمونه وفحواه ولا
يجوز بالتالى لأية محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى، إعمال نص تشريعى لازم
للفصل فى النزاع المعروض عليها إذا بدالها مصادمته للدستور من وجهة
مبدئية قوامها ظاهر الأمر فى المطاعن الدستورية الموجهة إليه دون انزلاق
إلى أغوارها، وذلك أن قيام هذه الشبهة لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها
عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا وفقا لنص المادة 29 من
قانونها، لتتولى دون غيرها الفصل فى المسائل الدستورية المطروحة عليها،
متقصية أبعادها، محيطة بجوانبها ، متعمقة دخائلها، بالغة ببحثها منتهاه،
بما مؤداه أنه لا يجوز لأية جهة تتولى الفصل فى الخصومة القضائية
المطروحة عليها، أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستورية، ولا أن
تنحيها جانبا، بل يتعين عليها أن تنزل القواعد الدستورية المنزلة الأعلى
التى تتبوؤها، وإلا آل أمر الإعراض عنها إلى إعمالها لنصوص تشريعية لأزمة
للفصل فى النزاع الموضوعى المعروض عليها، ولو داخلتها شبهة ترجح مخالفتها
للدستور بخروجها على زواجره ونواهية وهو ما يناقض سيادة القانون -
والدستور على القمة من مدارجه - ويخل كذلك بضرورة أن تكون الشرعية
الدستورية راسية أساسها ، تتكامل عناصرها، وتتواصل حلقاتها دون حلقاتها
دون انقطاع، وينقض من جهة أخرى دور المحكمة الدستورية العليا فى مباشرة
رقابتها على هذه الشرعية، بوصفها أمينة عليها حافظة لها، غير مجاوزة
لتخومها، لتفرض بأحكامها كلمة الدستور على المخاطبين بها، فلا ينسلخون
منها أو يحيدون عنها . متى كان ذلك ، وكان الدفع بعدم دستورية نص تشريعى
يطرح بالضرورة - ومن أجل الفصل فى هذا الأدعاء - ما بين القانونية من
تدرج ، يفرض عند تعارضها، وإهدار القاعدة الأدنى تغليبا للقاعدة التى
تعلوها، وكان من المقرر - وعلى ما سلف البيان _ أن القواعد الدستورية
تحتل من القواعد القانونية مكانا عليا، لأنها تتوسد بعدم المقام السمى
كقواعد آمرة لا تبديل فيها إلا بتعديل الدستورية ذاته، فإن مضمونه ومرماه،
مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور ترجيحا لها على ما
عداها وتوكيدا لصلتها الوثقى بالنظام العام، وهى أجدر قواع
عدل سابقا من قبل Admin في الجمعة فبراير 05, 2010 3:15 pm عدل 1 مرات