داعين الله عز وجل أن يبارك جهود جلالته المنصور بالله وإلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن ينعم الله عليهم بالخير واليمن والبركات.......

حفظ الله مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس
أيده الله ونصره، وأبقاه ذخرا وملاذا أمينا لهذه الأمة، ومنارا هاديا يضيء طريقها
ويوجه خطاها، وحصنا حصينا لسيادتها وعزتها، ورائدا قائدا لأمجادها ومفاخرها
وسدد خطاه، وعزز مسعاه، وأدام عليه الرفعة والسؤدد والنصر المكين
وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأبقاه منارة مضيئة لمسيرة المغرب
نحو مدارج الرقي والازدهار في كل ميادين التنمية الشاملة
التي تجسدها أوراش التشييد والبناء عبر ربوع المملكة
وأقر عين جلالته بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن
وشد أزره بصنوه السعيد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد
.وسائر أفراد أسرته الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب

تشهد كافة المبادرات القوية والشجاعة، التي اتخذها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، للنهوض بمختلف مجالات الحقل الديني، على عزم جلالته القوي على ترسيخ الثوابت الدينية، التي ارتضتها المملكة منذ قرون، والتي تقوم على العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني.
كما تؤكد مختلف هذه المبادرات والأوراش الإصلاحية، التي شهدها الحقل الديني بالمملكة، على مدى العشر سنوات الأخيرة، على أن هذا الحقل يشكل ركنا أساسيا ضمن المشروع المجتمعي لجلالة الملك، الذي أكد في الخطاب الملكي المنظم للمجلس العلمي الأعلى (أبريل 2004) أن التزام جلالته دينيا بالوحدة المذهبية للأمة، لا يوازيه إلا التزام جلالته دستوريا بالوحدة الترابية الوطنية.
فمنذ تقلد جلالة الملك إمارة المؤمنين، ملتزما بالبيعة المقدسة وما تقتضيه من حماية للملة والدين، حرص جلالته على إيلاء الشأن الديني الأهمية الفائقة، وعلى قيام مؤسساته بوظائفها على أكمل وجه، والعناية بأحوال الساهرين عليها، والسير على النهج القويم لأسلافه المنعمين حفاظا على الأمن الروحي للمغاربة داخل وخارج أرض الوطن.
كما جرى، في إطار هذا النهج العمل على تحديث القوانين المنظمة للحقل الديني، والتي حددت مهام واختصاصات كل مؤسسة من المؤسسات المعنية بهذا الشأن بدقة جعلت منها نسيجا تحكمه علاقة التنسيق والتكامل.
حفاظا على هويته المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح، وتحصينا له من نوازع التطرف والإرهاب، اعتمد المغرب، لتأهيل حقله الديني وتجديده، استراتيجية مندمجة وشمولية ومتعددة الأبعاد، تستند إلى ثلاثة أركان تتمثل في الركن المؤسسي، والركن التأطيري، وركن التربية الإسلامية السليمة.
ويقوم الركن المؤسسي على إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي جرت بظهير شريف، حيث جرى إحداث عدة مديريات للتعليم العتيق، والمساجد، والشؤون الإسلامية، فضلا عن تعيين مندوبين جهويين للوزارة مهمتهم السهر على التدبير الميداني الحديث للشؤون الإسلامية، والعمل على إحياء مؤسسة الوقف، وعقلنة تسييرها لتظل وفية لمقاصدها الشرعية والتضامنية الاجتماعية.
ولأن الركن المؤسسي لا بد له من ركن للتأطير الفعال، فقد جرى تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك، تعيين أعضاء المجالس العلمية، في تركيبتها الجديدة، لتقوم عبر مختلف ربوع المملكة بتدبير الشأن الديني عن قرب، من خلال إرشاد المواطنين، ومدهم بما يحتاجون له من معلومات ونصائح وإرشادات تيسر عليهم أمور دينهم ودنياهم.
وشمل ورش تأهيل هذا الحقل إصلاح "الرابطة المحمدية لعلماء المغرب" التي أصبحت تشكل جهازا متفاعلا مع المجالس العلمية، في ما يرتبط بتدبير الشأن الديني، ودار الحديث الحسنية، التي أدرجت منذ سنة 1973 ضمن قائمة مؤسسات تكوين الاطر العليا في المجال الديني، والتي تتخرج منها سنويا نخب من العلماء المتمرسين في علوم الدين.
أما الركن الثالث، فيتمثل في ركن التربية الإسلامية السليمة والتكوين العلمي العصري، حيث أكد جلالة الملك في عدة مناسبات على ضرورة اتخاذ كافة التدابير لعصرنة وتحديث مناهج التربية الإسلامية وتوحيدها وانفتاحها على مختلف الثقافات، وتوفير سبل التكوين المتين في العلوم الإسلامية، وتوفير مسالك وبرامج للتكوين المنظومة التربوية الوطنية.
وفي هذا الصدد، أولى جلالة الملك، سيرا على نهج أسلافه، اهتماما خاصا لتأهيل المدارس العتيقة، وكتاتيب حفظ القرآن الكريم، ضمانا لتحصينها من كل استغلال أو انحراف يمس بالهوية المغربية.
لم تستثن الإرادة الملكية في إصلاح الشأن الديني، المساجد، بالنظر إلى رسالة المسجد ومكانته في المنظومة الدينية، حيث تم في إطار "ميثاق العلماء" العمل على تجديد خطاب بيوت الله، والارتقاء بأدائها، لتواكب الحركية المستمرة للمجتمع، وما يشهده من تطور على كافة المستويات، ولا سيما الفكري والثقافي، وما يعيشه العالم من تحولات متسارعة.
وفي هذا الإطار، جرى، تفعيلا لما ينص عليه هذا الميثاق، النهوض بأوضاع القائمين على المساجد، وتحسين ظروفهم الاجتماعي، وتمكينهم من التكوين المستمر علميا وفقهيا.
وأسند أمير المؤمنين إلى المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه جلالته، بمناسبة ليلة القدر المباركة، من شهر رمضان الماضي بمدينة تطوان، مهمة الإشراف على إعادة تأهيل الأئمة، وتكوينهم بما يرقى بمستواهم العلمي، وأدائهم التربوي والإرشادي، إلى المكانة اللائقة بهم.
ويقول جلالته في هذا الصدد إن "هذا البرنامج الطموح، الذي نتوخى منه تأطير وتأهيل الأئمة، من قبل أماثل علمائنا وعالماتنا، سيكون له أثره العميق وثماره الطيبة، في تجديد رسالة المسجد، والنهوض بدوره التربوي والتنويري".
وهو السياق الذي يندرج فيه برنامج تأهيل 45 ألف إمام من جميع مساجد المملكة، الذي انطلق خلال شهر يونيو الماضي، بكلفة 200 مليون درهم، إذ سيشرف 1500 مؤطرا في كل الجماعات القروية والحضرية على هذه العملية الكبرى وغير المسبوقة التي تتوخى إيجاد تأطير ديني مناسب لمجتمع حريص على ثوابته ومقوماته وهويته.
وحققت إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، اللتان أحدثتا بمبادرة من أمير المؤمنين، نجاحا وإشعاعا متميزين، قياسا على الإقبال الكبير ونسبة الاستماع والمشاهدة التي تعرفانها والتي تجاوزت حدود الوطن.
ويرجع هذا النجاح إلى رسالة التسامح والانفتاح، التي اعتمدتها برامج الوعظ والإرشاد والتكوين التي تبثها هاتان الوسيلتان الإعلاميتان، والمستوحاة بالدرجة الأولى من القرآن الكريم والحديث الشريف.
وتتميز هذه البرامج، التي تذاع وتبث بالإضافة إلى العامية والعربية والأمازيغية، باللغتين الفرنسية والإنجليزية، بتخصيص حيز كبير منها لتلاوة القرآن الكريم وتفسيره، وفتح فضاءات النقاش بين الشباب والعلماء حول عدد من القضايا.
وتعتبر مجالس الدروس الحسنية، التي تشهدها رحاب القصر الملكي خلال شهر رمضان من كل سنة، منبرا علميا يتفرد المغرب بإقامته، يحضره صفوة من العلماء الأجلاء من جميع بلدان العالم تحت الرئاسة الفعلية لأمير المؤمنين.
ويتناول هؤلاء العلماء، في هذه المحفل الديني، بالدرس والتحليل آيات بينات من كتاب الله وأحاديث من سنة الرسول، لإبراز مزايا الإسلام ومقاصده وحكمه وأحكامه.
وتميزت الدروس الحسنية في عهد أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس بفتح صفحة جديدة غير مسبوقة في العالم الإسلامي، وذلك بأن أذن جلالته بإشراك المرأة المغربية في هذه الدروس الحسنية. وبالإضافة إلى تطوير موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على شبكة الإنترنيت، وفق آخر المستجدات في هذا الميدان، تشمل مبادات أمير المؤمنين جوائز يتوج بها، كل سنة، حفظة القرآن الكريم والمتفوقون في مجالات التفسير والحديث والخط المغربي.
ذلكم إذا جزء من سلسلة المبادارت الملكية التي جعلت الشأن الديني يشهد، على غرار العديد من الميادين الأخرى، تحولات عميقة تصب جميعها في اتجاه صيانة العقيدة والمذهب، مع الانفتاح الهادئ على الاجتهاد الرصين، بقيادة حامل لواء المشروع أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأيده.

وذكر الخطيب، في مستهل خطبتي الجمعة، بأن من أفضل الأعمال الصالحة وأكثرها أجرا عند الله تعالى بناء المساجد إيمانا واحتسابا وذلك باعتبارها بيوت الله، أمر سبحانه وتعالى وأوصى بأن تبنى وأن تطهر وأن تعظم ونوه بشأنها وشأن عمارها سواء كانت العمارة حسية أو معنوية.

كما ذكر الخطيب بأن أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قدم مهاجرا من مكة إلى المدينة، كان هو تأسيس المسجد، مما يدل على مكانة المسجد العظمى فى الإسلام باعتباره أحب البقاع إلى الله عز وجل، كما قال الرسول الكريم "أحب البلاد إلى الله مساجدها".

وبين الخطيب بأن المساجد محل لذكر الله وعبادته وتعظيمه وتلاوة كتابه ونشر شريعته ومأوى عباده الصالحين بحيث يتواجد فيها المصلي القائم والراكع الساجد وفيها القارئ لكتاب الله وفيها المتعلم والمعلم لشريعة الله.

لذلك، يضيف الخطيب، فقد استحقت المساجد أن يضيفها الله إليه إضافة تشريف ويجعلها خاصة بتوحيده سبحانه وتعظيمه بعيدا عن الأهواء والاستغلال لأغراض شخصية وفئوية، مشيرا إلى أنه، وحتى يكون المسجد حاضرا في التجمعات الإسلامية، فإن الرسول الكريم حث على بنائها وأبرز ما أعده الله لمن يشيدها ويجود بماله وجهده من أجل بنائها.

وقال إن عمارة المساجد تتمثل في العناية بها وتنظيفها وتطييبها والمحافظة على كل مرافقها موضحا أن عمارة المسجد المطلوبة شرعا لا تقتصر على البناء بل تشمل التعمير بالصلاة والتلاوة والذكر والوعظ والتعليم، كما تشمل التفريش والتجهيز والحرص على الصيانة، داعيا كل من يجب عليه، بحكم وظيفته أو مسؤوليته، إلى أن يساهم في ذلك اقتداء بالأجداد الصالحين ومن ورثهم من المحسنين، وعلى رأسهم أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس الذي يعلم الجميع أن قلبه معلق بالمساجد، قياما وبناء وترميما ورعاية كاملة.

وأكد الخطيب أن المساجد بالمغرب كانت على الدوام في مركز اهتمام الملوك وعموم المؤمنين حتى تحقق، بفضل حركة بناء المساجد وترميمها وإصلاحها، ما لم يتحقق مثله في غيره من البلدان.

وأوضح أن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وسيرا على نهج أسلافه المنعمين، ما فتئ يولي المساجد كامل رعايته وموصول عنايته في شتى ربوع المملكة، بناء وترميما وتجهيزا وتأطيرا، فضلا عن حرص جلالته الدؤوب على النهوض بأوضاع الفئة الساهرة على بيوت الله من القيمين الدينيين وتحسين أحوالهم المادية والمعنوية.

وخلص الخطيب إلى التأكيد على أن التوازن والاعتدال المنصوص عليهما شرعا في الإسلام يتطلبان الجمع بين الحذر والحيطة وعدم إلقاء النفوس إلى التهلكة وعدم التفريط في الواجب، وبين الإيمان بقضاء الله وقدره.

وابتهل الخطيب، في الختام، إلى العلي القدير بأن ينصر أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصرا عزيزا يعز به الدين ويجمع به كلمة المسلمين، وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد ويحفظه في كافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد بواسع رحمته ومغفرته جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويكرم مثواهما ويسكنهما فسيح جناته.