نص الحكم
------------------
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 20 مارس سنة 1993 م.

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبدالرحيم غنيم وسامى فرج يوسف ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور. أعضاء

وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبدالمطلب رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / رأفت محمد عبدالواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 2 لسنة 14 قضائية "منازعة تنفيذ".

"الإجراءات"

بتاريخ 4 من مايو سنة 1992 أودع المدعى عن نفسه وبصفته وكيلا عن السيد/................... صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة بطلب الحكم باختصاص القضاء العادى ولائياً دون قضاء مجلس الدولة بنظر دعوى المخاصمة المقامة منه بصفتيه ضد المدعى عليه وإحالة الدعوى إلى محكمة استئناف القاهرة للفصل فى موضوعها.



قدم المدعى مذكرة أصر فيها على طلباته وأرفق بها صورة طبق الأصل من صحيفة الطعن بالنقض رقم 2214 لسنة 56 قضائية.



وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.



ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



"المحكمة"



بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة.

حيث إن الوقائع –على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى عن نفسه وبصفته وكيلا عن الفريق متقاعد سعد محمد الحسينى الشاذلى كان قد أقام الدعوى رقم 15 لسنة 8 قضائية "تنازع" أمام المحكمة الدستورية العليا ضد المدعى عليه طالباً الحكم بتعيين جهة القضاء المختصة بنظر دعوى المخاصمة التى أقامها عن نفسه وبصفته ضد المدعى عليه بعد أن قضت فيها محكمة استئناف القاهرة بعدم الاختصاص الولائى، ومحكمة القضاء الإدارى بعدم الاختصاص النوعى. وبجلسة الأول من فبراير سنة 1992 قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم قبول دعوى التنازع المشار إليها. ثم أعقبها المدعى –بصفتيه المتقدمتين- بالدعوى الماثلة طالبا إعادة عرض تلك الدعوى على هذه المحكمة للفصل فيما أغفلت فيه من طلباته تطبيقاً لأحكام المادة 193 مرافعات توصلاً من بعد إلى الحكم له بذات طلباته فى الدعوى السابقة، قولاً منه بأن الأسباب التى استندت إليها صحيفة تلك الدعوى تؤيد وتؤكد ادعاءه بأن محكمة استنئاف القاهرة التابعة لجهة القضاء العادى قد تخلت عن اختصاصها بنظر دعواه، حين تمسك قضاء مجلس الدولة بالفصل فيها عاقداً الاختصاص بنظرها لمحكمته الإدارية العليا، وأنه إذ لجأ إلى المحكمة الدستورية العليا صاحبة الاختصاص بالفصل فى التنازع الذى عرضه عليها بصورته هذه، فقد انصب قضاؤها على منازعة غير المنازعة التى احتكم إليها فى شأنها، مما يخوله حق العودة إليها تطبيقاً لأحكام المادتين 68، 167 من الدستور، والمادتين 25، 31 من قانون المحكمة الدستورية العليا، والمواد 193، 494، 495 من قانون المرافعات والمواد 10، 13، 14، 15، 23 من قانون مجلس الدولة فضلاً عن المادة الثالثة من قانون إصداره، ثم عاد المدعى فى مذكرة دفاعه فقرر أن دعوى المخاصمة رفعت عن موضوع واحد وبطلب واحد وترددت المنازعة فيها بين ذات الأخصام، وتخلت جهة القضاء العادى عن نظرها، كما تخلت عن نظرها أيضاً محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة مخالفة بذلك حكم المادتين 109، 110 من قانون المرافعات، وكذا المادة 101 من قانون الإثبات فيما قضت به من حجية الأحكام ونسبية أثرها وكل أولئك يمنحه الحق فى عرض دعوى التنازع على المحكمة الدستورية العليا طبقاً لنص المادة 25 (ثانيا) من قانونها الذى لم يربط تخلى المحكمتين عن نظر الدعوى الواحدة بأى رباط من جنس أو نوع أو سبب من اختصاص ولائى أو نوعى أو محلى.



وحيث إنه من المقرر إن المحكمة بمالها من هيمنة على الدعوى هى التى تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانونى الصحيح متقصية فى سبيل ذلك طلبات المدعى فيها مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها، وكان المدعى –على ما جاء بصحيفة دعواه ومذكرة دفاعه- قد توخى من منازعته محل الدعوى رقم 15 لسنة 8 قضائية "تنازع"، استباق قضاء محكمة النقض فى الطعن رقم 2214 لسنة 56 قضائية الذى خاصم بموجبه الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة القاضى بعدم الاختصاص الولائى بنظر دعوى المخاصمة المقامة منه بصفتيه ضد المدعى عليه وإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى، وكذا النعى على قضاء المحكمة المحال إليها عدم إقرانها الإحالة إلى المحكمة الإدارية العليا بحكمها بعدم الاختصاص النوعى بنظر دعوى المخاصمة ذاتها بالمخالفة لنص المادة 110 من قانون المرافعات. وكلا الأمرين لايستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا المنصوص عليها فى المادة 25 (ثانياً) من قانونها، لما هو مقرر من أن هذه المحكمة لاتعتبر جهة طعن فى الأحكام الصادرة من أية جهة قضائية أو هيئة ذات اختصاص قضائى.



وحيث إن المدعى بصفتيه يتوسل إلى غايته تلك بقالة إغفال هذه المحكمة الفصل فى منازعته، ويدعوها إلى نظرها والحكم فيها من جديد ارتكاناً إلى نص المادة 193 من قانون المرافعات الذى يجرى على أنه "إذا أغفلت المحكمة الحكم فى بعض الطلبات الموضوعية جاز لصاحب الشأن أن يعلن خصمه بصحيفة للحضور أمامها لنظر هذا الطلب والحكم فيه"، وبسطا لذلك يقرر أن محكمة الاستئناف قد فاتها أن نصوص قانون مجلس الدولة قد خلت مما يعقد لمحاكم ذلك المجلس ولاية نظر دعاوى مخاصمة أعضائه، وبما يوجب إعمال أحكام قانون المرافعات التى تنيط الاختصاص بنظر تلك الدعاوى لمحاكم الاستئناف كل بحسب اختصاصها المكانى، وأن محكمة القضاء الإدارى لم تتربص الفصل فى الطعن بالنقض المقام منه على حكم عدم الاختصاص الولائى الصادر من محكمة الاستئناف فضلاً عن مخالفة الحكم الإدارى لنص المادة 110 من قانون المرافعات الذى يوجب الإحالة إلى المحكمة الإدارية العليا بوصفها محكمة الموضوع المختصة نوعيا بنظر دعوى مخاصمة أحد أعضائها، وأنه إذ ستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل فيما يدعيه من تنازع بين جهتى القضاء العادى والإدارى، فإن قضاءها بعدم قبول الدعوى لايعبتر فصلاً فى موضوع منازعته.



وحيث إن هذا النعى مردود بأن مناط تطبيق المادة 193 من قانون المرافعات هو أن تكون المحكة قد أغفلت عن سهو أو غلط الفصل فى طلب موضوعى بما يجعل الطلب باقياً معلقاً أمامها. متى كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً أن مرد إغفال الفصل فى طلب موضوعى مقدم إلى المحكمة هو ألا يصدر عنها قضاء فى شأنه ولو كان ضمنياً، وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 15 لسنة 8 قضائية تنازع قد خلص إلى أن: "مناط قبول طلب الفصل فى تنازع الاختصاص السلبى وفقاً للبند "ثانيا" من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى، وأن تتخلى كلتاهما عن نظرها. لما كان ذلك، وكانت قواعد الاختصاص الولائى أو المتعلقة بالوظيفة هى التى تحدد جهة القضاء الواجب رفع النزاع أمامها، بينما تحدد قواعد الاختصاص النوعى كيفية توزيع الاختصاص الوظيفى بين محاكم الجهة القضائية الواحدة، وذلك بتحديد نصيب كل نوع منها فى الاختصاص المنوط بالجهة التى تتبعها، فإن مقتضى ذلك ولازمة أن يكون تطبيق قواعد الاختصاص الولائى سابقاً على تطبيق قواعد الاختصاص النوعى، إذ لامحل لأن تخوض المحكمة فى بحث اختصاصها النوعى بنظر الدعوى ما لم يكن الفصل فيها داخلاً أصلاً فى ولاية الجهة التى تتبعها. لما كان ذلك، وكان التخلى عن نظر دعوى الموضوع الواحد وفقاً لأحكام البند "ثانيا" من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا يفترض أن ترفع هذه الدعوى أمام محكمتين تابعتين لجهتين قضائيتين مختلفتين، وأن يكون قضاء كل منهما بعدم اختصاصها بنظرها قائماً على أساس انتفاء ولاية الجهة التى تتبعها، وكان عدم الاختصاص النوعى لايعد إنكارا لهذه الولاية باعتبار أن قواعد هذا الاختصاص هى التى تقوم بتوزيعه بين مختلف أنواع المحاكم داخل الجهة القضائية الواحدة، وكانت محكمة القضاء الإدارى قد أقامت قضاءها بعدم اختصاصها نوعياً بنظر دعوى المخاصمة المرفوعة ضد المدعى عليه –وهى الدعوى رقم 5171 لسنة 40 قضائية– على أساس أن المحكمة الإدارية العليا هى التى تختص دون غيرها بالفصل فى دعوى المخاصمة المقامة ضد أحد مستشاريها، وهو ما يتفق وصحيح حكم القانون، فإن التنازع المدعى به فى الدعوى الماثلة لايكون قائماً بين جهتين قضائيتين فى تطبيق أحكام البند "ثانيا" من المادة 25 المشار إليها. ولايستنهض بالتالى ولاية هذه المحكمة للفصل فيه، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى"، متى كان ذلك فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا سالف البيان يكون قد فصل فصلاً قاطعاً فى الأساس الذى بنيت عليه دعوى التنازع رقم 15 لسنة 8 قضائية، وتضمن ردا على الدعوى برمتها مفصحاً بذلك عن تخلف شروط قبول دعوى التنازع فى شأن الموضوع محل الخصومة القضائية المرددة بين حهتى القضاء العادى والإدارى بعد أن اتفقت كلمتهما معا على اختصاص المحكمة الإدارية العليا وظيفياً بنظر تلك الدعوى والحكم فيها، بما ينتفى معه حتماً ولزوماً مناط التنازع الذى يقيم ولاية هذه المحكمة، ودون أن يعتبر ذلك إنكاراً لحق كل مواطن فى اللجوء إلى قاضية الطبيعى على ما تقضى به المادة 68 من الدستور أو إهدارا لقواعد توزيع الاختصاص بين الهيئات المختلفة، وهى قواعد فوض الدستور المشرع فى أمر تحديدها وفقا لنص المادة 167 منه.



وحيث إنه متى كانت هذه المحكمة قد استنفدت ولايتها فى نظر الدعوى رقم 15 لسنة 8 قضائية تنازع بحالتها التى عرضت بها عليها، فإن ما توخاه المدعى بصفتيه من إعادة طرح ذات المنازعة عليها وبين الأخصام أنفسهم وللسبب عينه، لايعدو أن يكون منازعة من جانبه فى الدعامة القانونية التى قام عليها قضاء هذه المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى السابقة، وينحل بالتالى إلى طعن فيه بالمخالفة للمادة 48 من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 التى تنص على أن أحكامه وقرارتها نهائية وغير قابلة للطعن. ومن ثم فقد أضحى متعينا الحكم بعدم قبول الدعوى.

"لهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى. وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.