القانون السوري حدد حالات النقل
والغرس وألزم بتحمل نفقات علاج السوريين وفرض عقوبات على من يقوم بسرقة
الجثث أو أعضاء منها نتيجة التطور الكبير لعلم الطب الحديث وما نجم عنه من حماية
جسم الإنسان و التوصل إلى مرحلة نقل وغرس الأعضاء البشرية بغية الحفاظ على ملايين
البشر الذين يحتاجون إلى هذه العمليات للحفاظ على أرواحهم .


وبسبب غلاء
الاعضاء البشرية لجأت بعض
الأطراف إلى المتاجرة بها والتعدي على حرمات الجسم البشري الذي خلقه الله وحرم على أي أحد المساس
بقدسيته سواء كان في أثناء حياته أو بعد الممات لذلك تطلب من المشرع السوري وضع أسس
قانونية تحدد أصول وشروط إجراء تلك العمليات وإخضاعها لضوابط صارمة كما حدد الجهة المؤهلة
بإجرائها وحالات نقلها بين الأشخاص ووضع عقوبات كل من يخالف هذه الأسس القانونية .‏



مفهوم نقل وغرسالأعضاء البشرية من الناحية القانونية‏


مع التقدم الكبير في العلوم كافة وفي مجال الطب خاصة
وإنتشار مسألة نقل الأعضاء وزرعها ظهرت مسألة قاعدة الاستثناء من مبدأ حرمة الجسد
البشري والتي كرستها الضرورة الواقعية ومن المنطلق الأساسي نفسه وهو مبدأ حماية جسم
الأنسان من أجل الحفاظ على حقه في الحياة وبات من الممكن أن يقبل الفكر القانوني والأخلاق
مسألة المساس بالجسد إذا ما اقتضت حالة الشخص العلاجية ضرورة ذلك من أجل الحفاظ علي
شيء أهم وهو الحياة , وإن كثرة عمليات غرس الأعضاء فرض أيضاً حقيقة واقعية أخرى
وهي ضرورة التعاون بين فقهاء القانون وعلماء الطب من أجل ضمان حقوق الغايات النبيلة
وسعادة البشر وعلى أن تكون هذه الأعمال الطبية ضمن أطارها القانوني السليم .‏



وبناء على ذلك
بدأ المشرع السوري بأصدار
القانون 31 لعام 1972 م
والذي حدد بموجبه أصول وشروط إجراء تلك العمليات وأخضعها لضوابط صارمة كي يبتعد بها
عن المتاجرة بالأعضاء ولم يترك أي حالة إلا وعالجها سواء أكانت تتعلق بالمتبرع أو
بالمستفيد أو كانت متعلقة بمصدر العضو المغروس ومن ثم أدخل تعديلات عليه بموجب
القانون رقم 34 لعام 1986 م
عندما أملت الضرورات ذلك .‏


الجهة الموهلةبإجراء عملية النقل والغرس‏


إن المشرع السوري حدد الجهة التي تقوم بعملية الغرس
والنقل في المادة الأولى من القانون 31 فقال : » يجوز لرؤساء الأقسام في المشافي
والمؤسسات الطبية التي تحددها وزارة الصحة القيام بنقل أي عضو أو أحشاء أو جزء منها
كالعين والكلية .. وغرسه أو تصنيعه لمريض اخر يحتاج إليه « .‏


أن المشرع السوري أشترط أن تتولى عملية النقل والغرس في
مشفى أو مؤسسة طبية وأن يكون تحديدها من قبل وزارة الصحة وهذا يعني أن تكون المشفى
أو المؤسسة الطبية مجهزة بالأجهزة الطبية اللازمة للقيام بعملية الغرس .‏


القانون السوريوحالات النقل والغرس بين الأشخاص‏


لقد حدد القانون
السوري حالات النقل والغرس بين
الأشخاص في حالتين وهما :‏


1- من حي إلى حي 2- من ميت إلى حي‏


وهناك شروط لكل
حالة من هذه الحالات وسنشرح
بإختصار كل حالة على حدة


الحالة الأولى : حالة النقل والغرس
من حي إلى حي آخر :‏



وهذه يمكن تقسيمها إلى حالتين وفقاً للمادة 2 من
القانون حالة النقل والغرس من الشخص ذاته : في حالة كون النسيج أو العضو من وإلى الجسم
الذي يتلقاه ويتم وفقاً لتقدير الجراح المعالج وهنا تتم عملية النقل والغرس من وإلى
الشخص نفسه مثل ( عملية تطعيم العظم أو الجلد ) عندما يتعرض الشخص لحرق في جلده فيقوم الطبيب
المعالج بإقتطاع قسم من جلده من مكان آخر ويعالجه حالة النقل والغرس من حي إلى
حي آخر : نقول هذه الحالة مهمة جداً لأنها تثير مشكلات قانونية وطبية كبيرة إذ
إنها تتعلق بحياة شخصين المتبرع والمستفيد وقد نصت 16 مادة 2 الفقرة ب من
القانون 31 والذي وضع عدداً من :‏


شروط صحة
النقل‏



1- أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة حتى لو كان ذلك بموافقة
المتبرع مثال : » كعملية نقل قلب أو دماغ أو رئتين لأن هذه العملية تؤدي إلى وفاة شخص
مقابل أن يعيش شخص آخر «‏


2- أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء إختصاصين بفحص المتبرع
والمستفيد لتقرير ما إذا نقل عضو من جسم المتبرع لا يشكل خطراً على حياته ومدى حاجة المستفيد
من عملية النقل .‏


3- الحصول على موافقة خطية صريحة غير مشروطة من المتبرع
ويشترط أيضاً أن يكون كامل الأهلية .‏


4- أن يكون المتبرع قد بلغ السن القانونية وهي الثامنة عشرة من
العمر والتي نص عليها القانون وبمعنى أنه لا يجوز إجراء عملية النقل من القاصر إلا في
حالة واحدة وهي أن يكون المتبرع والمستفيد توأمين ويشترط في هذه الحالة موافقة
الأبوين .‏


5- أن لا يتم التنازل عن أحد الأعضاء من قبل المتبرع لقاء مبلغ مالي
أو بغاية الربح , ولكي لا يتحول جسم الإنسان الذي كرمه الله إلى ( قطع غيار )
وتتحول إلى تجارة فيكون التبرع دون مقابل مادي مطلقاً للمعطى صاحب العضو إن كان حياً أو
لورثته إن كان ميتاً .‏


هناك تطابق بينالقانون السوري والشريعة‏


ومن الناحية
الشرعية نجد أن هناك تطابقاً مع
ما جاء به القانون السوري بالإضافة إلى إضافة اشتراط ألا يكون العضو المنقول مؤدياً إلى
الأنسان بأي حال من الأحوال , وأن يكون هذا النقل محققاً لمصلحة مؤكدة للمنقول إليه
من الوجهة الطبية ويمنع عنه ضرراً مؤكداً يحل باستمرار بالعضو المصاب ولا توجد وسيلة أخرى
لإنقاذه من الموت والهلاك الحال المحقق إلا بهذا الفعل .‏


الحالة الثانية
:
حالة النقل والغرس
من ميت إلى حي :‏



وقد خصها المشرع
السوري بعدد من الشروط وهي :‏


1- أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته وذلك بالمفارقة التامة
للحياة , أي موتاً كلياً وهو الذي تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفاً تاماً
تستحيل مع العودة للحياة مرة أخرى وبشهادة ثلاثة من أهل الخبرة العدول الذين
يدخلون إليه للتعرف على حدوث الموت بحيث يسمح بدفنه وتكون مكتوبة وموقعة منهم وعلى
ذلك نصت المادة 31 من القانون .‏


- عدم احداث تشويه في ملامح الجثة وذلك لأن التشويه هو تعديلاً على
انسانية وكرامة الميت وايذاء ذويه ويقصد بالتشويه هو مثل قطع الرأس أو الاطراف .‏


- الجهة التي تقوم بعملية الغرس والنقل هي جهة طبية ويجب
أن يكون الفريق الطبي الذي يقرر الوفاة هو غير الفريق الطبي الذي يقوم بعملية النقل
والغرس .‏


- الحصول على موافقة من المستفيد وقد أضاف العلماء من
الناحية الشرعية عدداً من الظروف التي ذكرها المشرع السوري وهي :‏


- ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديا إلى اختلاط
الانساب بأي حال من الاحوال كالاعضاء التناسلية وغيرها .‏


- أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في
حياته وهو بكامل قواه العقلية ودون إكراه مادي أو معنوي .‏


- الضرورة القصوى للنقل بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في
تدهور مستمر ولاينفذه من وجهة النظر الطبية إلا نقل عضو سليم من انسان آخر حي أو ميت
ويكون محققا للمنقول إليه مصلحة ضرورية لابديل عنها .‏


هل يجوز نقل أعضاء
شخص ماحكم عليه بالإعدام إلى شخص بحاجة إليها ?‏



إن هذه الحالة
لإجراء عملية الغرس هو من شخص
تم تنفيذ حكم الإعدام فيه بموجب حكم جزائي صدر عليه .‏


حيث ينقل الشخص
بعد تنفيذ الحكم فيه وتتحقق
وفاته بموجب تقرير طبي أصولي إلى غرفة العمليات ليتم استئصال العضو المطلوب منه وغرسه لإنسان آخر
محتاج له بدون موافقة الشخص الذي نفذ فيه حكم الإعدام وبدون موافقة أهله أيضا
وإنني اعتقد أن المشرع السوري قد تشدد في هذه الحالة وفيها من القسوة على هذا الشخص إذ
تعتبر هذه العقوبة إضافية تلحق به بعد مماته وتعتبر منافية لروح العدالة .‏


هل تعتبر الوصية جائزة
من المتوفي بإجراء عملية النقل والغرس لأي عضو من أعضائه ?‏



بشرط أن تكون
هناك وثيقة تبرع بذلك العضو
وصادرة عن المتوفى حصرا وقبل وفاته .‏


هذا السؤال
يقودنا إلى سؤال آخر وهو ( هل
الوصية بالأعضاء البشرية تنطبق مع مفهوم الوصية بشكل عام نقول أن الوصية التي استخدمها المشرع
السوري عبارة عن مصطلح شائع وليس مصطلحا قانونيا يدل على حقيقة التصرف ونستطيع القول
بأنها وصية من نوع خاص ووصية استثنائية على بقية الوصايا وهي لاتنطبق بشروطها مع
شروط الوصية العامة .‏


- هل تدخل جثة الإنسان في مفهوم التركة لتصح
الوصية بها ?‏



إن أعضاء الإنسان لايمكن تقويها بالمال وبالتالي فهي
لاتدخل في مفهوم التركة ولاتعد من مفرداتها ولاتنقل بالارث ولاتقبل التنازل .‏


- في حال موت إنسان بحادث ما ونقله للمشفى ولم يمكن التعرف
على هويته وكان مجهول الهوية أو شخص غريب يموت في ديار الغربة وليس له معارف أو أقرباء
ولايوجد من يطالب بجثته فهنا هل يجوز أخذ عضو منه لشخص آخر محتاج إليه ?‏


و إن المشرع
السوري في هذه الحالة قد سمح
بتشريح الجثة ونقل عضو من جسمه وغرسه لشخص آخر بحاجة إليه .‏


وهنا أريد أن
أبين رأيي الشخصي في هذه الحالة
التي سمح فيها القانون بتشريح الجثة ونقل العضو لشخص آخر فأقول إن المشرع السوري قد وقع في
إشكالية كبيرة ألا وهي أنه لم يضع معايير دقيقة ومحددة يبين فيه متى يعتبر الشخص مجهول
الهوية ومتى يمكن أن تتم المطالبة بالجثة ومنى يسمح لرؤساء الأقسام أن يباشروا
عملهم في قطع الأعضاء من هذه الجثة وفي هذا نقص تشريعي واضح يقتضي من المشرع وضع
ضوابط دقيقة ومحددة لمباشرة التشريح أو الاستقطاع على ضوئها وخاصة في الوقت الحاضر
حيث يزداد الطلب على الأعضاء البشرية مع ازدياد اسعارها .‏


هل صحيح أن عملية
نقل أحد أعضاء لشخص آخر محتاج لها يحتاج إلى مبالغ مالية طائلة ?‏




الدولة هي التي
تتحمل كافة نفقات العملية
والعلاج والاقامة بالنسبة للمواطنين السوريين وعلى ذلك نصت المادة السابعة من القانون 31 بقولها :
تكون عملية النقل والغرس والاقامة في المشافي والعلاج مجانية لمواطني الجمهورية
العربية السورية .‏


هل تشمل هذه المادة
مواطني الدول العربية ?‏



أما بالنسبة
لغير العرب السورين إذا رغبوا
بإجراء عمليات النقل والغرس في المشافي السورية فإنه تستوف» منهم أجور محددة ووفق تعرفة خاصة تصدر
عن و وزارة الصحة وعلى ذلك نصت المادة التاسعة من نفس القانون على أنه Surprised تصدر
وزارة الصحة تعرفة أجور العمليات بالنسبة لغير العرب السوريين كما تصدر القرارات
والتعليمات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون ) .‏


عقوبة من يقومبسرقة الاعضاء من الجثث أو سرقة الجثة كاملة‏


نقول إن من يقدم
على سرقة عضو أو سرقة جثة فإنه
يعرض نفسه للمساألة القانونية بالحبس من شهر إلى سنة وعلى ذلك نصت المادة 465 من قانون العقوبات
السوري .‏


هل العقوبات
تشمل طلاب الجامعات السورية
ككلية الطب مثلا?‏


نقول نعم ولكن
العقوبة أضف أن السابقة فتكون
العقوبة بالحبس لمدة لاتزيد على ستة أشهر وبغرامة مالية من مئة إلى مئتين وخمسين ليرة سورية
وعلى ذلك نصت المادة 466 من قانون العقوبات السوري .‏


إن نظرة القانون
الإلهي ( الإسلام ) والقانون
الوضعي للانسان نظرة متميزة تختلف عن غيره من المخلوقات الأخرى حيث يعتبر مزيجا من الروح
والجسد ومن هنا نجد أن المشرع السوري وعلى هذه الناحية فوضع جملة من الشروط
والاصول القانونية حيث حرم أي عضو من أعضاء الجسم البشري إلا بقصد إنساني طبي من أجل
الحفاظ على حياة نفسه وغيره .‏